لم يكد العالم يتنفس الصعداء بعد إلغاء منظمة الصحة العالمية في 5 مايو (أيار) الجاري حالة الطوارئ الخاصة بـ«كوفيد-19»، وهو القرار الذي أعطى رسائل إيجابية بأن «الأمور تحت السيطرة»، حتى أطلق المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس، (الاثنين)، تصريحاً «بدا خطيراً وغريباً»، حينما حذر من وباء قادم «من المرجح أن يحدث قريباً».
وتباينت ردود الفعل إزاء هذا التصريح، فبينما عبَّر متابعون على مواقع التواصل الاجتماعي، عن «قلقهم وخوفهم»، بدا باحثون ومتخصصون «أكثر هدوءاً». ورأوا أن ما قاله غيبريسوس «حقيقة علمية، تم التعبير عنها بشكل صريح وصادم من أجل لفت الانتباه إليها».
أمجد الخولي، رئيس فريق متابعة وتقييم اللوائح الصحية الدولية بالمكتب الإقليمي لشرق المتوسط بمنظمة الصحة العالمية، قال لـ«الشرق الأوسط»: «تاريخياً، العالم إما يعيش في جائحة وإما يستعد لجائحة قادمة، لأن الفيروسات تعيش معنا وتتطور». وشرح: «ليس معنى ما أشار إليه المدير العام للمنظمة من أن الوباء القادم بات قريباً، أنه يُمكن التكهن بالموعد، أو حجم الوباء؛ لكن من المؤكد أنه سيحدث»، لافتاً إلى أن «التصريح ليس هدفه التخويف أو بث الرعب؛ لكن تأكيد أهمية الاستعداد للمواجهة».
والاستعداد للمواجهة، حسب الخولي، «يفرض تحديات تتعلق بتعزيز أنظمة التأهب والكشف المُبكر عن مسببات الأمراض، وتعزيز القدرات في مجال الإنتاج السريع للأدوية واللقاحات، والاهتمام بمسببات الأمراض الحيوانية ودراسة فُرص انتقالها للبشر، لأن أغلب الفيروسات التي أصابت البشر وسببت جوائح عالمية، هي في حقيقتها حيوانية».
ويعالج بعض التحركات الأخيرة لمنظمة الصحة العالمية هذه التحديات، حيث عُقد خلال الفترة من 8 إلى 11 مايو الجاري في مسقط بسلطنة عُمان الاجتماع الإقليمي الرباعي الأول لتسريع وتيرة تنفيذ نهج الصحة الواحدة في إقليم شرق المتوسط، بمشاركة منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، ومنظمة الصحة العالمية، والمنظمة العالمية لصحة الحيوان، ومن بين ما تم الاتفاق عليه «إنشاء آلية إقليمية للجمع بين جميع الأطراف المعنية بالصحة». وعلى المستوى الدولي، يجري حالياً الإعداد لمعاهدة الأوبئة التي من المقرر إقرارها في مايو عام 2024، وتهدف نصوصها المقترحة إلى مساعدة الدول على «الاحتراز بشكل أفضل من الأوبئة، والمساعدة على حماية الناس بشكل أفضل، بغضّ النظر عمّا إذا كانوا يعيشون في دول غنية أو فقيرة».
وهنا يرى الخولي أن الدرس المستفاد من (كوفيد-19) للاستعداد للوباء القادم، هو «أهمية العمل المشترك، لأنه لن تكون هناك أي دولة في مأمن، ما لم يشعر الجميع بالأمان». فيما قال كاميرون ويب، أستاذ الفيروسات المساعد بجامعة سيدني، لـ«الشرق الأوسط»، إن «الطبيعة هي المصدر الأكثر احتمالاً للوباء القادم، حيث يُمكن لسلالة قاتلة من خمس عائلات فيروسية التسبب في الوباء»، مضيفاً أن إحدى هذه العائلات هي عائلة فيروسات «كورونا»، حيث تم العثور على أول فيروسات «كورونا بشرية» من تلك العائلة، وهما فيروسا «229E» و«OC43» عامي 1965 و1967 على التوالي، وكانت مسببات الأمراض منخفضة إلى الدرجة التي تسبب فقط أعراضاً خفيفة تشبه نزلات البرد والتهاب المعدة والأمعاء. وتابع: «لم يُنظر إلى هذه العائلة من الفيروسات على أنها مصدر قلق كبير حتى ظهر الفيروس المنتمي إليها، والمسبِّب للمتلازمة التنفسية الحادة (سارس) في عام 2002 في الصين، وبعد السارس ظهر الفيروس المسبِّب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، وكلاهما أكثر فتكاً من (كورونا المستجد)، المسبب لمرض (كوفيد-19)؛ لكنّ الأخير يتميز عنهما بالانتشار الأوسع بسبب قدرته على عدوى المزيد من البشر».
ويب يؤكد أنه «لا تزال هذه العائلة من الفيروسات مصدر خطر لوباء قادم، حيث يُمكن أن يؤدي انتقال الفيروس إلى مضيفات حيوانية جديدة، مثل المنك، والقطط، والكلاب، والغزلان ذات الذيل الأبيض، إلى التطور الفيروسي المستمر، وأيضاً في مرضى مثل فيروس العوز المناعي البشري المعرّضين للخطر المناعي، يُمكن أن يتطور الفيروس وتظهر متغيرات جديدة مثيرة للقلق».
العائلة الثانية، التي أشار إليها ويب، هي «فيروسات مصفرة»، وتلك العائلة «تشمل فيروسات حمى الضنك، والتهاب الدماغ الياباني، وزيكا، وحمى غرب النيل، وتنتقل هذه الفيروسات عن طريق لدغات البعوض»، موضحاً أنه «مع تغير المناخ أصبح البعوض الناقل لها يتكيف مع مناطق جديدة، بما يجعل فرص انتشار أيٍّ من تلك الفيروسات واسعاً، ولا يكون مقتصراً على نطاق جغرافي محدود، كما يحدث حالياً».
ووفق كاميرون ويب فإن العائلة الثالثة هي «فيروسات ألفا»، التي تشمل الفيروسات المسبِّبة لحمى الشيكونغونيا، وحمى نهر روس، والتهاب الدماغ الخيلي الشرقي، والتهاب الدماغ الخيلي الغربي، والتهاب الدماغ الخيلي الفنزويلي، ومثل سابقتها «يلعب الكثير من البعوض دوراً في انتقالها». ويُخشى أيضاً، كما يوضح ويب، أن «يتكيف البعوض الناقل لها مع مناطق جديدة بسبب تغيرات المناخ».
وأضاف ويب أن العائلة الرابعة هي الأشهر، وتُعرف بـ«عائلة الإنفلونزا»، مشيراً إلى أنه «يُمكن لسلالة قاتلة للغاية من إنفلونزا الطيور أو الخنازير أن تتحور بشكل طبيعي لتصبح مُعدية للإنسان»، لافتاً إلى أن العائلة الخامسة والأخيرة، هي «الفيروسات المخاطية»، وتشمل مجموعة كبيرة من الفيروسات التي تصيب الإنسان والحيوان، و«الأكثر شهرة هي الحصبة والنكاف، وهندرا».
ويب يشير إلى أن «هذه العائلات الخمس من الفيروسات تجب مراقبتها جيداً، ورصد أي تطور فيها، لأن ثمن الوباء القادم قد يكون مرتفع التكلفة». وأضاف أنه «على الرغم من أن (كوفيد-19) قتل أكثر من 7 ملايين شخص في جميع أنحاء العالم، فإن الأوبئة الأخرى كانت أكثر فتكاً»، حيث تشير التقديرات إلى أن «إنفلونزا عام 1918 قتلت 50 مليون شخص في جميع أنحاء العالم، وفي القرن الرابع عشر قتل الطاعون الأسود 30 إلى 60 في المائة من الأوروبيين في 4 سنوات فقط».