إسرائيل تجند الاحتياط عشوائياً... ولا تستبعد المصابين نفسياً

جنديان انتحرا والجيش تكتم... وتذمر واسع بين الضباط والجنود

TT

إسرائيل تجند الاحتياط عشوائياً... ولا تستبعد المصابين نفسياً

جندي إسرائيلي ينبطح أرضاً لدى سماعه دوي صفارات الإنذار في غلاف غزة يوم 11 أكتوبر 2023 (أ.ب)
جندي إسرائيلي ينبطح أرضاً لدى سماعه دوي صفارات الإنذار في غلاف غزة يوم 11 أكتوبر 2023 (أ.ب)

في الوقت الذي يُصعِّد فيه الجيش الإسرائيلي من عملياته، ويهدد باحتلال قطاع غزة بالكامل، كشفت صحيفة «هآرتس» عن مظاهر فوضى وعشوائية في تجنيد قوات الاحتياط.

وأكدت الصحيفة، الاثنين، أن الأسابيع الأخيرة شهدت «تجنيد مئات الجنود والضباط، الذي سبق أن تم تجنيدهم وعادوا من غزة في حالة (صدمة نفسية مرضية)»، وأفادت بأن اثنين من هؤلاء أقدما على الانتحار، من دون أن يعلَن الأمر للجمهور.

وكشف هذا النشر أن القيادة الجديدة في الجيش الإسرائيلي، خصوصاً رئيس الأركان إيال زامير، وقائد اللواء الجنوبي، يانيف عاشور، تحاول الانسجام مع القيادة السياسية اليمينية المتطرفة بقيادة بنيامين نتنياهو، وإظهار الولاء له بشكل شخصي، عبر قرارات وعمليات استعراضية، لا تُحْدث تغييراً جوهرياً في نتائج الحرب.

تجاهل يسبب انتحاراً

وذكرت «هآرتس» أن الجيش أدخل فرقتين أخريين (إضافة إلى ثلاث فرق تعمل في غزة، غالبيتها مكونة من الجيش النظامي)، لكن «التجنيد لهما يحدث بطريقة عشوائية».

أفراد من القوات الجوية الإسرائيلية يحملون جندياً إسرائيلياً مصاباً في غزة يناير 2024 (أ.ف.ب)

ونقلت عن أحد الضباط الذين تم تجنيدهم قوله إن ضابطاً تربطه به صداقة، بدا غريب الأطوار، فتوجه إلى قائده وأخبره بذلك، فوعد بمعالجة الموضوع عندما يعود للقاعدة.

ووفق الضابط، فقد مضى الوقت ولم يتلقَّ صديقه علاجاً، وتدهورت حالته أكثر، رغم أنه كرر التحذير ثانية من تلك التطورات.

ويواصل: «في المرة الثالثة التي توجهت فيها إلى القيادة، كان هناك صديق في عطلة في البيت، وتلقى أمر تجنيد جديداً للاحتياط، وفي مساء اليوم نفسه، نهاية شهر أبريل (نيسان) الماضي أطلق النار على نفسه منتحراً في البيت. وجرت له جنازة عسكرية رسمية، من دون الإعلان أنه انتحر».

تفشِّي الانتحار

وكشفت الصحيفة العبرية أن عدد الجنود والضباط الذين تم رصد انتحارهم خلال الحرب على غزة بلغ 35 على الأقل، بينهم 26 انتحروا حتى نهاية سنة 2024. وأكدت أن الجيش يرفض إعطاء معلومات دقيقة عن هذه الظاهرة المتفشية.

وقالت إنه منذ قيام الدولة، يوجد أكثر من 78 ألف جندي يعدون من جرحى الحروب، بينهم 26 ألفاً مصابون نفسياً، ومنهم سبعة آلاف أصيبوا بجراح نفسية في الحرب على غزة وحدها.

جانب من مراسم جنازة جندي إسرائيلي قُتل في غزة شهر ديسمبر 2023 (أ.ف.ب)

وبحسب الضابط المذكور: «فإذا أضفنا لذلك البيروقراطية والإهمال والاستهتار، ندرك أسباب تحول الإصابات النفسية إلى ظاهرة تقود للانتحار. فقسم من هؤلاء لم يتلقوا أي علاج مهني».

ضغوط على التأهيل

وقالت الصحيفة في تقرير شامل لها إن قسم إعادة تأهيل الجنود المصابين، ذكر خلال اجتماع في الكنيست، في 9 مارس (آذار) الماضي، أنه قبل الحرب على غزة كان عدد الجنود الذي اعتنى القسم بهم 62 ألفاً، وأن عددهم ارتفع الآن إلى 78 ألفاً، ومعظمهم جنود احتياط و51 في المائة من المصابين دون سن 30 عاماً.

ويعني ذلك أن 16 ألف جندي إسرائيلي أصيبوا خلال الحرب الحالية، وطلبوا عناية قسم إعادة تأهيل الجنود بهم.

هليكوبتر عسكرية إسرائيلية تحمل جندياً مصاباً قرب جنين يوليو 2023 (رويترز)

في المقابل، نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» في حينه، واستناداً إلى معطيات الجيش الإسرائيلي، أن عدد الجنود الذين أصيبوا منذ بداية الحرب هو 12 ألفاً، لكن موقع «واينت» الإلكتروني التابع للصحيفة ذكر لاحقاً أن العدد هو 2000، وشطب 10 آلاف جندي مصاب.

بينما قالت شعبة القوى البشرية إن عدد الجنود المصابين هو نحو 5900 جريح.

لماذا تتضارب الأرقام؟

السبب في انخفاض عدد الجنود الجرحى بموجب معطيات الجيش الإسرائيلي نابع من أن الجيش لا يسجِّل في إحصائية الجنود مَن يُنقلون إلى المستشفيات «لأسباب غير عسكرية»، كما لا يضيف لإحصائه الجنود المصابين بجراح طفيفة ومتوسطة أو الذين وصلوا إلى غرفة الطوارئ في المستشفيات ولم يتم تسريحهم، ولذلك فإن المعطيات لا تشمل الإصابات النفسية أيضاً.

جندي إسرائيلي أمام مركز للشرطة تعرض لأضرار خلال معارك مع مقاتلي «حماس» الذين كانوا متمركزين داخله في أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

ونقل التقرير عن المؤرخ، د. لي مردخاي، قوله إن التضارب في المعطيات بين الهيئات الرسمية سببه مصالح مختلفة بينها.

وشرح: «من مصلحة دائرة التأهيل أن يزيد العدد لترتفع الميزانية، بينما يريد الجيش تقليل العدد، حتى يخفض أمام المواطنين تكلفة الحرب، وهذا يتلاءم مع سياسة أوسع هدفها منح شرعية للحرب، وأن يكون الجمهور مستعداً لدفع الثمن».

ورأى المؤرخ أنه بالإمكان توجيه أصابع الاتهام إلى المراسلين العسكريين الذين ينشرون معطيات الجيش كما هي، ولا يشككون في مصداقية الأعداد، مشيراً إلى أن «هذا الموضوع هام كي يدرك الجمهور الثمن الحقيقي للحرب، وكم العدد الحقيقي للأشخاص الذين أصيبوا في الحرب».


مقالات ذات صلة

لتفادي تكرار «7 أكتوبر»... إسرائيل تبني «موقعاً سرياً» لمراقبة غزة

المشرق العربي جنود إسرائيليون في أحد المواقع على الحدود مع قطاع غزة... 6 مايو الماضي (أ.ف.ب)

لتفادي تكرار «7 أكتوبر»... إسرائيل تبني «موقعاً سرياً» لمراقبة غزة

كشفت صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية عن أن الجيش الإسرائيلي يبني موقعاً جديداً ومنعزلاً يُطلق عليه اسم «إسرائيلا»؛ لمنع أي هجوم محتمل من قطاع غزة تشنه «حماس»

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية صورة من قصف جباليا بقطاع غزة (أ.ف.ب)

الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل 3 من «حماس» بينهم قائد

أعلن الجيش الإسرائيلي وجهاز الأمن العام «الشاباك» أن غارة جوية قتلت ثلاثة من عناصر «حماس»، الذين اجتاحوا إسرائيل في 7 أكتوبر 2023، بينهم قائد.

«الشرق الأوسط» (القدس)
شؤون إقليمية جندية إسرائيلية تضع علماً على قبر جندي في المقبرة العسكرية بالقدس أبريل الماضي (رويترز)

جندي إسرائيلي أجبره قائده على دخول غزة فحاول الانتحار

أفادت تقارير عبرية بأن 4 جنود إسرائيليين انتحروا خلال أسبوع واحد بسبب تعقيدات حرب غزة، بينما كاد جندي خامس يلحق بهم في ملابسات متكررة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي دروز سوريون يودّعون أقاربهم وأصدقاءهم الدروز من إسرائيل قبل عبورهم إلى الداخل السوري... في بلدة مجدل شمس التي تسيطر عليها إسرائيل بمرتفعات الجولان في 17 يوليو 2025 (أ.ب)

«كأنه حلم»... دروز إسرائيليون وسوريون يلتقون في الجولان للاطمئنان بعد أحداث السويداء

توجّه عشرات من الدروز الإسرائيليين إلى خط فض الاشتباك بين إسرائيل وسوريا، للاطمئنان على دروز سوريا بعد الأحداث التي شهدتها السويداء.

«الشرق الأوسط» (مجدل شمس)
العالم العربي مبنى وزارة الدفاع في دمشق الذي استهدفته الغارات الجوية الإسرائيلية (أ.ف.ب)

مسؤول سوري: هجمات إسرائيل على دمشق تُعرقل البحث عن الأسلحة الكيميائية

قال مستشار في الحكومة السورية، الخميس، إن الغارات الجوية الإسرائيلية على دمشق تُعرقل جهود العثور على مخزون الأسلحة الكيميائية الذي يعود لحكم الرئيس السابق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

طهران تستأنف تسليح حلفائها... شحنات صواريخ إيرانية في قبضة اليمن وسوريا ولبنان

كمية من الصواريخ المصادرة ضمن الشحنة الإيرانية التي كانت في طريقها للحوثيين (السفارة الأميركية لدى اليمن)
كمية من الصواريخ المصادرة ضمن الشحنة الإيرانية التي كانت في طريقها للحوثيين (السفارة الأميركية لدى اليمن)
TT

طهران تستأنف تسليح حلفائها... شحنات صواريخ إيرانية في قبضة اليمن وسوريا ولبنان

كمية من الصواريخ المصادرة ضمن الشحنة الإيرانية التي كانت في طريقها للحوثيين (السفارة الأميركية لدى اليمن)
كمية من الصواريخ المصادرة ضمن الشحنة الإيرانية التي كانت في طريقها للحوثيين (السفارة الأميركية لدى اليمن)

كشفت مصادر أمنية وعسكرية في المنطقة عن تصاعد محاولات إيران لإعادة تسليح حلفائها من الميليشيات المسلحة في الشرق الأوسط، بعد سلسلة من الانتكاسات العسكرية والضربات الجوية التي تلقتها في الأشهر الأخيرة، والتي استهدفت قادة كباراً ومنشآت حيوية، بينها منشآت نووية. وفقاً لصحيفة «وول ستريت جورنال».

وأعلنت قوات يمنية موالية للحكومة الشرعية، أنها صادرت، هذا الأسبوع، شحنة ضخمة من الصواريخ والمعدات العسكرية الإيرانية كانت في طريقها إلى ميليشيا الحوثي في البحر الأحمر. كما أعلنت السلطات السورية واللبنانية عن ضبط شحنات مماثلة كانت معدة للتهريب إلى «حزب الله».

صورة للسفينة المضبوطة نشرها الإعلام العسكري لقوات المقاومة الوطنية اليمنية

وقالت القيادة المركزية الأميركية، إن الشحنة التي تم اعتراضها في اليمن تُعدّ الأكبر من نوعها من حيث الكم والنوع؛ إذ ضمت نحو 750 طناً من الأسلحة المتطورة، من بينها صواريخ «كروز» وأخرى مضادة للطائرات والسفن، فضلاً عن رؤوس حربية ومحركات لطائرات من دون طيار. وأضافت أن الشحنة كانت مخفية في سفينة شراعية تقليدية، تحت غطاء «شحنة أجهزة تكييف».

ووفقاً لمصادر يمنية، فإن عملية الاعتراض نُفذت من قِبل «قوات المقاومة الوطنية»، التي عثرت على وثائق باللغة الفارسية داخل السفينة، تضمنت تعليمات تشغيلية وبيانات فنية صادرة عن شركات إيرانية. وتضمنت الشحنة أيضاً صواريخ «قادر» البحرية، ومكونات من نظام الدفاع الجوي «صقر»، الذي سبق أن استخدمه الحوثيون لإسقاط طائرات أميركية.

قوات المقاومة اليمنية صادرت أكثر من 750 طناً من الذخائر والعتاد (الإعلام العسكري)

من جهته، نفى المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، صحة هذه المعلومات، معتبراً أن المزاعم حول إرسال شحنات سلاح إلى اليمن «عارية من الصحة».

وتأتي هذه التطورات في أعقاب وقف إطلاق النار الذي أنهى تصعيداً عسكرياً دام 12 يوماً بين إسرائيل وإيران، شمل غارات إسرائيلية مكثفة وهجمات أميركية طالت منشآت نووية ومراكز لوجيستية.

وأكد محمد الباشا، مؤسس شركة «باشا ريبورت» الأميركية للاستشارات الأمنية، أن توقيت الشحنة وحجمها «يدلّان على مساعٍ إيرانية متسارعة لتعويض الحوثيين عن خسائرهم الأخيرة، واستعادة قدراتهم على استهداف إسرائيل وحركة الملاحة الدولية».

في السياق ذاته، قالت مصادر لبنانية رسمية إن الجيش اللبناني صادر شحنة صواريخ مضادة للدبابات من نوع «كورنيت» الروسي، تم تهريبها عبر الحدود السورية، وهي من الطراز المفضل لدى «حزب الله». وسبق ذلك، إعلان وزارة الداخلية السورية الجديدة عن ضبط شاحنة تقل صواريخ «غراد» كانت مخبأة بين صناديق خضراوات في طريقها إلى لبنان.

ويرى خبراء أمنيون أن التحولات السياسية في دمشق بعد سقوط نظام الأسد وتشكيل حكومة جديدة مناهضة لطهران، لعبت دوراً في تضييق الخناق على خطوط التهريب التقليدية؛ ما أجبر المهربين على تقليص شحناتهم واعتماد وسائل أكثر سرية.

وقال مايكل كرداش، نائب رئيس وحدة تفكيك المتفجرات السابق في الشرطة الإسرائيلية ورئيس وحدة الأبحاث في شركة «تيروجينس» الأمنية: «إن هناك نمطاً متزايداً من محاولات تهريب السلاح إلى (حزب الله) عبر سوريا، لكنه يواجه تحديات لوجيستية وأمنية متزايدة».

ورغم ذلك، تؤكد تقارير استخباراتية أن «حزب الله» نجح، إلى حد ما، في إعادة بناء جزء من ترسانته، عبر تصنيع صواريخ وطائرات مسيَّرة محلياً، وتمكن من إدخال بعض الشحنات الصغيرة من الصواريخ الدقيقة، في تحدٍ واضح للرقابة الدولية والإسرائيلية.

وفي تطور خطير الأسبوع الماضي، شن الحوثيون هجمات صاروخية وطائرات مسيّرة استهدفت سفينتين تجاريتين في البحر الأحمر؛ ما أدى إلى مقتل 3 من أفراد الطاقم، وأسر آخرين، في مؤشر على أن جهود إعادة التسليح بدأت تُترجم إلى عمليات ميدانية.