جنود إسرائيليون يعترفون: قتلنا أطفالاً فلسطينيين ليسوا إرهابيين

جنديان إسرائيليان يحرسان معبراً في غزة الخميس (أ.ب)
جنديان إسرائيليان يحرسان معبراً في غزة الخميس (أ.ب)
TT

جنود إسرائيليون يعترفون: قتلنا أطفالاً فلسطينيين ليسوا إرهابيين

جنديان إسرائيليان يحرسان معبراً في غزة الخميس (أ.ب)
جنديان إسرائيليان يحرسان معبراً في غزة الخميس (أ.ب)

اعترف عدد من الجنود والضباط الإسرائيليين، الذين قاموا بمهمات قتالية في قطاع غزة، بأنهم أقدموا على قتل فلسطينيين أبرياء مع أنهم كانوا يعرفون أنهم مدنيون وليسوا أعضاءً في «حماس» وليسوا إرهابيين، بل تم قتل أطفال أيضاً، بدعوى أنهم إرهابيون وهم يعلمون جدياً أنهم أبرياء.

ففي تحقيق صحافي أجراه ينيف كوفوفيتش، ونشرته صحيفة «هآرتس»، الخميس، جاء فيه أن قوات الاحتلال المرابطة على محور «نتساريم»، رسموا خطاً واهياً، وقرروا حكم الموت على كل من يجتازه، بغض النظر إن كان ذلك شخصاً ممن يضلون طريقهم ويكونون غير مسلحين، أو كانوا يركبون على دراجات هوائية.

وقد اعترف الجنود في التحقيق بأنهم أطلقوا الرصاص بغرض القتل، وتحدثوا لصحيفة كيف يتم لديهم اعتبار أي فلسطيني قتيل مخرباً، حتى لو كان طفلاً. وقال قائد في الفرقة «252»: «هناك شيء يسمى لدى القوات بـ(منطقة خط الجثث). بعد إطلاق النار، لا يجري جمع الجثث على الفور، والكلاب تأتي لنهشها. في غزة يعرفون أنه أينما توجد الكلاب فإن هذا هو المكان الذي يجب أن يهربوا منه».

جنود إسرائيليون قرب مبنى شبه مدمر في خان يونس (أرشيفية - أ.ب)

ويضيف التحقيق: «عرض ممر نتساريم هو 7 كم، وهو يبدأ قرب كيبوتس بئيري، وينتهي بخط الشاطئ الذي احتله الجيش الإسرائيلي. لقد تم إجلاء السكان من كل المنطقة، وتم هدم البيوت من أجل رسم الشوارع، وإقامة مواقع عسكرية. رسمياً، دخول الفلسطينيين غير ممنوع كلياً، لكن الحديث لا يدور عن دعوة السكان إلى العودة. «هذه مغسلة كلمات للجيش»، قال ضابط كبير في الفرقة «252»، الذي كان في السابق في 3 جولات احتياط في غزة. «عملياً، قائد الفرقة رأى هذه المنطقة منطقة قتل... من يدخل يتم إطلاق النار عليه».

ويقول ضابط آخر في الفرقة نفسها، أنهى مؤخراً خدمة الاحتياط: «من ناحية الفرقة، فإن مجال القتل هو منطقة تصويب للقناص»، لكن الحديث لا يدور فقط عن مكان يُقتلون فيه، بل أيضاً هوية القتلى. «نحن هناك نقتل مدنيين، ويتم اعتبارهم مخربين»، قال. وهذا الضابط غير نادم لأنه في 7 أكتوبر (تشرين الأول) ارتدى الزي العسكري، (وذهب إلى حرب عادلة)، ولكن مهم له أن الصورة التي تلقاها المواطنون يجب أن تكون كاملة. «لقد حان الوقت لأن يعرف الجيش الإسرائيلي كيف تبدو الحرب. أي أفعال خطيرة تجري على يد بعض القادة والجنود في الداخل. وأي مشاهد غير إنسانية نراها هناك».

ويروي جندي آخر: «الأمر كان الحفاظ على المنطقة نظيفة: كل من يمر في الجسر، ويدخل منطقة الممر يجب أن يتلقى رصاصة في رأسه. هذه هي الأوامر. ذات مرة، الأصدقاء الذين كانوا في الحراسة لاحظوا شخصاً يقترب من جهة الجنوب. نحن قفزنا كأن هذا اقتحام لعشرات المخربين. صعدنا إلى المواقع، وببساطة مزقناهم. أنا أتحدث عن عشرات الرصاصات وربما أكثر. خلال دقيقة أو دقيقتين أطلقنا النار على الجثة. كان بجانبي أشخاص مجرد أطلقوا النار، وضحكوا».

جنود إسرائيليون قرب حدود غزة (أرشيفية - رويترز)

وقال: «الحدث لم ينتهِ هنا. توجهنا نحو الجثة المضرجة بالدماء، قمنا بتصويرها وأخذنا الهاتف. كان شاباً ابن 16 سنة ربما». وحسب أقواله، فقد جاء إلى المكان ضابط استخبارات وجمع المعلومات. وبعد بضع ساعات عرف الجنود أن هذا الفتى ليس من نشطاء «حماس»، بل مجرد طفل. في المساء جاء قائد الكتيبة وقال: «كل الاحترام لأننا قتلنا مخرباً، وقد صلى من أجل قتل 10 مخربين في الغد». وعندما أشار أحد ما بأنه لم يكن مسلحاً، ويبدو أنه مجرد مدني، الجميع صرخوا فيه وقائد الكتيبة قال: «بالنسبة لي، كل من يجتاز الخط هو مخرب. لا يوجد تهاون. لا يوجد مدنيون. الجميع مخربون». هذا حقاً أصابني بالصدمة. «هل من أجل ذلك تركت البيت، وذهبت للنوم في بيت فيه فئران؟ هل من أجل إطلاق النار على أشخاص غير مسلحين؟»، تساءل الجندي.

ويورد مقاتل آخر خدم في المنطقة هذه القصة: «أعلنوا في مكبر الصوت بأنه يوجد مخربون. أنا صعدت إلى التلة، وقمت بالحماية. دبابة توجهت نحوهم. كانوا 4 غير مسلحين، ويسيرون مشياً على الأقدام. لا يظهرون بوصفهم مخربين. الدبابة تقدمت نحوهم وبعد ذلك بدأ إطلاق النار. لقد أطلقوا عليهم الرصاص من مدفع «الماغ»، مئات الرصاصات. 3 قُتلوا على الفور (مشهد الجثث لا يخرج من ذهني)، الرابع بقي على قيد الحياة بطريقة ما ورفع يديه. لم يسمحوا له بالذهاب. أخذناه إلى قفص، ووضعناه قرب الموقع، خلعوا ملابسه وأبقوه هناك»، وصف الجندي. «جميع الجنود مروا قربه وبصقوا عليه. هذا كان مقرفاً. في النهاية جاء أحد المحققين مع المعتقلين من 504، وسأله أسئلة عدة في الوقت الذي كان يصوب فيه المسدس نحو رأسه. حقق معه بضع دقائق، وبعد ذلك أمر الضباط بإطلاق سراحه. لقد تبين أن هذا الفلسطيني بالإجمال أراد الوصول إلى أعمامه في شمال القطاع. بعد ذلك الضباط قاموا بعمل إحاطة لنا، وقالوا إن أداءنا كان جيداً؛ لأننا قتلنا مخربين. أنا لم أفهم عما كانوا يتحدثون»، تذكر الجندي. بعد يوم أو يومين كما يقول، جاءت إلى هناك جرافة، ودفنت الجثث تحت الرمال. «أنا لا أعرف هل يتذكر أي أحد أنهم هناك. هذا الأمر الذي لا يعرفه الناس. هذا الأمر لا يقتل فقط العرب، بل يقتلنا أيضاً. إذا قاموا باستدعائي مرة أخرى إلى غزة أعتقد أنني لن أذهب».

يُذكر أن الجيش الإسرائيلي لم يعط رداً على ما جاء في هذا التحقيق.


مقالات ذات صلة

«القسام» تعلن تفجير أحد عناصرها نفسه بقوة إسرائيلية في جباليا

المشرق العربي دبابة إسرائيلية بالقرب من قطاع غزة (أ.ف.ب)

«القسام» تعلن تفجير أحد عناصرها نفسه بقوة إسرائيلية في جباليا

أعلنت «كتائب القسام»، الجناح العسكري لحركة «حماس»، اليوم (الجمعة)، أن أحد عناصرها فجّر نفسه بقوة إسرائيلية في مخيم جباليا للاجئين شمال قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي فلسطيني يحمل صندوق مساعدات وزّعته وكالة «الأونروا» في دير البلح بقطاع غزة (رويترز)

السويد توقف تمويل «الأونروا» وتزيد إجمالي المساعدات إلى غزة عبر قنوات أخرى

قالت السويد إنها ستتوقف عن تمويل وكالة «الأونروا»، وستزيد بدلاً من ذلك إجمالي المساعدات الإنسانية إلى غزة عبر قنوات أخرى.

خاص منازل فلسطينية تتعرض لأضرار بالغة خلال قصف إسرائيلي في بيت لاهيا (رويترز)

خاص «هدنة غزة»: «شروط جديدة» تؤخر إعلان الصفقة المرتقبة

مصادر مصرية وفلسطينية، تحدثت لـ«الشرق الأوسط»، تشير إلى «شروط جديدة طرحها رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وأخرى من (حماس)».

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن وحفيده بو بايدن خلال مغادرة البيت الأبيض والتوجه للمروحية الرئاسية (إ.ب.أ)

غزة وأوكرانيا على رأس أولويات بايدن قبل تركه البيت الأبيض

أمام الرئيس الأميركي المنتهية ولايته، جو بايدن، قائمة طويلة من التحركات على الجبهتين الخارجية والداخلية، مع تبقي شهر واحد فقط قبل تركه رئاسة الولايات المتحدة.

شؤون إقليمية أرشيفية لبنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي خلال إحاطة عسكرية (أ.ف.ب)

طلقة أولى في خطة نتنياهو لإقالة هيرتسي هاليفي

يريد بنيامين نتنياهو توجيه ضربة أخرى للأجهزة الأمنية، يحدّ فيها من استقلاليتها ويفتح الباب أمام توسيع نفوذه عليها.

نظير مجلي (تل أبيب)

طلقة أولى في خطة نتنياهو لإقالة هيرتسي هاليفي

أرشيفية لبنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي خلال إحاطة عسكرية (أ.ف.ب)
أرشيفية لبنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي خلال إحاطة عسكرية (أ.ف.ب)
TT

طلقة أولى في خطة نتنياهو لإقالة هيرتسي هاليفي

أرشيفية لبنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي خلال إحاطة عسكرية (أ.ف.ب)
أرشيفية لبنيامين نتنياهو ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي خلال إحاطة عسكرية (أ.ف.ب)

التعليمات التي أصدرها وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، لرئيس أركان الجيش، هرتسي هاليفي، بضرورة استكمال جميع التحقيقات حول هجوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، قبل نهاية شهر يناير (كانون الثاني) المقبل، هي الطلقة الأولى في معركة رئيس وزرائه، بنيامين نتنياهو، لدفع هاليفي إلى الاستقالة، أو الوصول إلى قرار في الحكومة لإقالته.

هاليفي كان قد أعلن أنه سيستقيل حال وقف إطلاق النار في غزة، كجزء من تحمله جانباً من المسؤولية عن إخفاق 7 أكتوبر.

وألمح هاليفي في رسالة وجّهها إلى ضباط الجيش، نهاية الشهر الماضي، إلى أنه يعتزم الاستقالة من منصبه بعد انتهاء التحقيقات في إخفاقات 7 أكتوبر، ومجرى الحرب على غزة ولبنان.

وكتب هاليفي في رسالته أنه «بسبب النتائج والقتلى الكثيرين (بين الجنود)، في نهاية التحقيقات، سنتخذ قرارات شخصية، ونطبق المسؤولية على الضباط. وليس لديّ أي نية لتجاوز قرارات شخصية عندما تتضح الصورة أمامنا».

رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي خلال زيارته للجولان (وسائل إعلام إسرائيلية)

لكن هاليفي يتعرض، منذ ذلك الوقت، لضغوط شديدة في الجيش وبقية أطراف الدولة العميقة، فيطلبون منه الانتظار حتى يمنعوا نتنياهو من تعيين رئيس أركان من الموالين له. ومع أن هاليفي نفّذ كثيراً من طلبات وقرارات نتنياهو في الحرب، خلافاً لرأي المؤسسة الأمنية، فإنه يظل رمزاً لهذه المؤسسة. ونتنياهو يريد أن يحمّلها مسؤولية كاملة عن الإخفاق، حتى يبرئ نفسه من تبعاته. والتخلص من هاليفي يعدّ مكسباً استراتيجياً في هذا السبيل، مثلما كان التخلص من وزير الدفاع السابق، يوآف غالانت في الوزارة.

المعروف أن هاليفي كان قد أقام لجنة تحقيق داخلي في أحداث أكتوبر حتى يسجل أنه يتصرف بمسؤولية وينظر بخطورة إلى قصور جيشه. وهذا بدوره يحسّن مكانته أمام لجنة التحقيق الرسمية التي كان يفترض أن تقوم للتحقيق المعمق في ذلك الإخفاق، الذي يعدّ أخطر حدث وقع لإسرائيل منذ تأسيسها. وقد حاول نتنياهو منعه من ذلك، ولكن المستشارة القضائية للحكومة وقفت مع هاليفي، واعتبرت خطوته قانونية ومخلصة لقيم الجيش ومبادئ القانون.

وقد ذكر عن لجنة التحقيق أنها توجه انتقادات لاذعة لرئيس الأركان وغيره من قادة الجيش، الذي استخفوا بما يجري في غزة ولم يتوقعوا هجوماً كهذا مباغتاً من «حماس» توفرت فيه عناصر المفاجأة، وتوجيه ضربات دقيقة، واحتلال 11 موقعاً عسكرياً، و22 بلدة وأخذ عدد كبير (251) من الأسرى. وبما أن نتنياهو يمتنع عن تشكيل لجنة تحقيق رسمية، لأنها ستحقق مع القيادتين السياسية والعسكرية، قرّر استغلال التحقيق العسكري، الذي يحقق في قصور الجيش والمخابرات، ولا يتطرق إلى قصور القيادة السياسية، ويسعى لنشره حتى يرسخ الاتهام لأجهزة الأمن في عقول الناس ووعيهم.

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي قال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

ولذلك، قال كاتس، في بيان صدر عن مكتبه، إن على الجيش الإسرائيلي «إنهاء التحقيقات في أسرع وقت ممكن لعرض نتائجها على عائلات الضحايا والرأي العام في إسرائيل، بهدف استخلاص الدروس والعبر المطلوبة».

كما أعلن كاتس أنه أخطر هاليفي بأنه «لن يوافق على تعيين قادة جدد في الجيش حتى يتسلم التحقيقات، ويدرس نتائجها وتأثيرها المحتمل على المرشحين للترقيات».

وهذا مع العلم بأن هاليفي يعارض قرار كاتس، تجميد قراره بترقية ضابطين إلى حين اتضاح علاقتهما بإخفاق 7 أكتوبر، وأدائهما خلال الحرب. وكتب هاليفي في الرسالة المذكورة أعلاه أن «تعيين ضباط في مناصب ليس امتيازاً، وإنما واجب قيادي وعملياتي. والجيش الإسرائيلي لا يمكنه أن يسمح لنفسه بالجمود». وجاء قرار كاتس الجديد ليحسم الموقف ضد هاليفي وقيادة الجيش، ويظهر أن القيادة السياسية قوّامة على الجيش أيضاً في شؤون الأمن في الدولة.

ويعدّ هذا التصرف من كاتس ضربة أخرى للجيش في المعركة الدائرة بينه وبين حكومة اليمين بقيادة نتنياهو. والإقدام عليه يبين كم هي الحكومة واثقة من نفسها اليوم، إذ إنها تلاحظ أن الدولة العميقة لم تعد قادرة على تجنيد مئات ألوف المتظاهرين ضد الحكومة. والخطر لإسقاط هذه الحكومة عبر الشارع آخذ في الاضمحلال. وبحسب تعليمات كاتس، سيكون على هاليفي الاستقالة بعد تقديم نتائج التحقيقات، في نهاية يناير المقبل، وربما في نهاية فبراير (شباط) كأقصى حدّ. وعندها يسجل نتنياهو ضربة أخرى للأجهزة الأمنية، يحدّ فيها من استقلاليتها، ويفتح الباب أمام توسيع نفوذه عليها.