الاختراقات الإسرائيلية تقلق إيران مع فشل محاولات التصدي

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)
موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)
TT

الاختراقات الإسرائيلية تقلق إيران مع فشل محاولات التصدي

موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)
موكب تشييع إسماعيل هنية في طهران يوم 1 أغسطس الماضي (أ.ب)

وجّهت الاستخبارات الإسرائيلية على مدى الأعوام الماضية، لا سيما في الأشهر الأخيرة، سلسلة ضربات إلى إيران وحلفائها، تظهر، بحسب ما قال محللون لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، اختراقها لأجهزة إيران، ما بدأ يثير قلقاً معلناً في طهران.

وندد علي لاريجاني، أحد مستشاري المرشد الإيراني علي خامنئي، والأمين السابق للمجلس الأعلى للأمن القومي، اليوم (الجمعة)، «بمشكلة اختراق في إيران (...) منذ أعوام».

وأضاف: «حصلت حالات إهمال، والأجهزة الأمنية في البلاد واجهتها، لكنها لم تنجح في وضع حد كامل لها».

ومنذ اندلاع الحرب في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، استُهدِفَت طهران وحلفاؤها بعمليات لم تكن لتتحقق في غياب معطيات استخبارية دقيقة.

واغتيل رئيس المكتب السياسي لـ«حماس» إسماعيل هنية في مقر إقامته أثناء زيارة لطهران، في أواخر يوليو (تموز)، في عملية نُسبت إلى إسرائيل. وبعد أقل من شهرين، قتل الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله بضربة جوية إسرائيلية في ضاحية بيروت الجنوبية.

وبين العمليتين، انفجرت آلاف أجهزة الاتصال اللاسلكي و«البيجرز» في حوزة عناصر «حزب الله» في لبنان؛ ما أسفر عن مقتل 39 شخصاً على الأقل، وجرح نحو ثلاثة آلاف.

بدا واضحاً أن هذه العملية المعقّدة التي نسبت أيضاً إلى إسرائيل، قد تمّ التحضير لها منذ زمن.

ورأى لاريجاني، أحد أبرز الشخصيات السياسية في إيران، ورئيس سابق للبرلمان، أن إسرائيل «عدو يفكّر على مدى أعوام، ويلحق بك الأذى في لحظة».

«عجز»

وفي حين أن تصريحات علنية مثل هذه تبقى غير معتادة، لكن مضمونها ليس مفاجئاً. فقد سبق لمسؤولين إيرانيين أن اتهموا إسرائيل بالوقوف خلف سلسلة عمليات سرّية في أراضٍ إيرانية، بما فيها اغتيال ومحاولات اغتيال وتفجير وتخريب في منشآت حساسة.

وتعرّض عدد من العلماء النوويين الإيرانيين للاغتيال أو محاولات اغتيال خلال الأعوام الماضية، أبرزهم مسؤول البرنامج النووي في وزارة الدفاع محسن فخري زاده الذي قُتِل قرب طهران في نوفمبر (تشرين الثاني) 2020 بسلاح رشاش تمّ التحكم به عن بُعد. وأعلن القضاء الإيراني هذا الأسبوع الحكم بإعدام ثلاثة متهمين في القضية.

صورة جوية لدار الضيافة التي كان يقيم فيها إسماعيل هنية شمال طهران أكتوبر 2024 (نيويورك تايمز)

وأعلنت إسرائيل حصولها على وثائق أرشيف البرنامج النووي الإيراني عبر عملية أمنية في طهران مطلع 2018.

كما وقعت عمليات أمنية في إيران بقي منفّذوها مجهولين، رغم الاعتقاد السائد بأن إسرائيل تقف خلفها، مثل اغتيال شخصيات بينهم ضباط في الحرس الثوري، واستهداف مواقع عسكرية باستخدام طائرات مسيّرة صغيرة.

ورأى الباحث في «معهد الأمن والاستراتيجية في القدس»، ألكسندر غرينبرغ، أن تصريحات شخصية مثل لاريجاني «تؤكد عجز الأجهزة الإيرانية عن منع الاختراق الإسرائيلي».

وأضاف لـ«وكالة الصحافة الفرنسية» أنه عقب عملية تفجير أجهزة الاتصال في لبنان «كان (حزب الله) يأمل في أن تساعده إيران في مجال الاستخبارات. لكنهم (الإيرانيون) كانوا عاجزين عن القيام بشيء لأنفسهم حتى».

ويرى محللون أن الاختراقات الإسرائيلية تسهّلها عوامل منها الصعوبات الاقتصادية في إيران التي تعاني منها جراء عقوبات اقتصادية غربية، وتزايد المعارضة الداخلية للحكم.

وتحدث كينيث كاتسمان، الباحث في «مركز صوفان» والخبير السابق في الشأن الإيراني لدى الكونغرس الأميركي، عن «درجة اختراق مرتفعة... في كل وزارة أو منظمة، في الحرس الثوري، قوات إنفاذ النظام، وزارة الاستخبارات، القضاء، السلطات المحلية».

وتابع: «عدد من الأشخاص مستعدون، حتى في صفوف الحكومة، لمساعدة إسرائيل بغرض الحصول على المال، ولأنهم على خلاف مع النظام».

وعدَّ العضو السابق في الاستخبارات الخارجية الفرنسية، ألان شويه، أن هذه العوامل توفر «مجموعة ممكنة للتجنيد لصالح القوى الخارجية».

وأكد أن العملاء، إضافة إلى القدرات الإسرائيلية في مجال الاستعلام التقني، يوفرون معطيات لا تقدّر بثمن، مثلما أظهرت عملية اغتيال نصرالله.

وأوضح أن نصرالله «كان لا ينام في المكان ذاته ليلتين توالياً، ولا يبقى في المكان ذاته لساعتين. كان تحديد مكانه بالغ الصعوبة».

وأضاف: «بعد (تفجير) أجهزة الاتصال، لم تعد ثمة أي قطعة إلكترونية قربه».

نتنياهو يشير إلى وثائق من الأرشيف النووي الإيراني تكشف دور محسن فخري زاده في برنامج التسلح النووي لطهران (أرشيفية- رويترز)

اختراق منهجي

وشدد شويه على أن الإسرائيليين نفذوا الضربة الجوية الضخمة التي استهدفت نصرالله جنوب بيروت في 27 سبتمبر (أيلول) «وهم واثقين» من نجاحها.

وتابع: «أصابوا الهدف في الزمان والمكان المناسبين»، وذلك يعود بطبيعة الحال إلى معلومات استخبارية.

ورأى كادر الاستخبارات الفرنسية السابق أنه حتى في حال تحديد مكامن الخلل، تبدو طهران غير قادرة على معالجته، مؤكداً وجود «كثيرين عملاء لإسرائيل أو مستعدين ليكونوا كذلك».

من جهته، تحدث جايسون برودسكي، مدير برامج «اتحاد ضد إيران نووية» (UNANI)، إحدى أبرز مجموعات التي تتابع شؤون إيران عن كثب، عن أن أجهزة الأمن الإيرانية مخترقة على نطاق واسع، بما في ذلك الحرس الثوري.

وأوضح أنه «تمّ تعيين قادة جدد وتركوا مناصبهم لاحقاً، لكن المشكلة بقيت موجودة، وهذا يظهر إلى أي حد يعاني الحرس الثوري من اختراق منهجي». وأضاف: «ربما القيادات العليا مخترقة، حتى تلك الأدنى منها».

ولم يستبعد برودسكي أن يكون الاختراق طال محيط خامنئي؛ لأن مكتبه عبارة عن «بيروقراطية واسعة النطاق».

إزاء ذلك، استبعد خبراء أن تجد إيران حلاً جذرياً للاختراقات قريباً.

وأعرب شويه عن قناعته بأن لدى «جهاز الموساد» الإسرائيلي شبكات «قادرة على التحرك في أي وقت كان».


مقالات ذات صلة

إسرائيل تستهدف موالين لإيران بسوريا

شؤون إقليمية جانب من دخان القصف على درعا (المرصد السوري لحقوق الانسان)

إسرائيل تستهدف موالين لإيران بسوريا

في هجوم هو الأكثر دموية والعاشر منذ بداية الشهر الحالي داخل الأراضي السورية، قُتل أكثر من 40 شخصاً وجُرح نحو 50 آخرين بغارات إسرائيلية طالت 3 مواقع في مدينة

«الشرق الأوسط» (دمشق - بغداد)
المشرق العربي عناصر ميليشيات في البادية السورية (مواقع التواصل الاجتماعي)

إيران تعزز ميليشياتها في سوريا

في مواجهة التصعيد الإسرائيلي والتهديد بقطع شريان طهران ـ دمشق، تعزز إيران قوة الميليشيات التابعة لها في سوريا.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
شؤون إقليمية الصواريخ الإيرانية تُعرض في متحف القوة الجوية الفضائية لـ«الحرس الثوري» في طهران بإيران الجمعة (رويترز)

إسرائيل تعتبر عقوبات «الأوروبي» على إيران بأنها خطوات ضرورية

رحب وزير الخارجية الإسرائيلي بالعقوبات الجديدة التي أعلن الاتحاد الأوروبي فرضها على طهران ووصفها بأنها «خطوات ضرورية».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية ضابطة فيتنامية تجرب سلاحاً خلال معرض الدفاع الدولي في هانوي (أرشيفية-رويترز)

إيران وإسرائيل تشاركان بمعرض للمعدات العسكرية بفيتنام

قالت وزارة الدفاع الفيتنامية اليوم الثلاثاء، إن شركات من إيران وإسرائيل والصين وروسيا والولايات المتحدة ستعرض معدات عسكرية بمعرض للأسلحة في العاصمة هانوي.

«الشرق الأوسط» (هانوي )
شؤون إقليمية الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ (إ.ب.أ)

رئيس إسرائيل يلغي رحلته لأذربيجان بعد رفض تركيا السماح لطائرته بالعبور

ألغى الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ زيارته المخطط لها إلى مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ «COP29» في باكو بأذربيجان؛ لأن تركيا رفضت السماح لطائرته بالمرور.


تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)
أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)
TT

تراجع أعداد اللاجئين السوريين في تركيا لأقل من 3 ملايين

أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)
أحد مخيمات اللاجئين السوريين في تركيا (إعلام تركي)

تراجعت أعداد اللاجئين السوريين الخاضعين لنظام الحماية المؤقتة في تركيا إلى أقل من 3 ملايين لاجئ. في حين نفت إدارة الهجرة التابعة لوزارة الداخلية التركية ادعاءات تُروِّجها بعض الدوائر وأحزاب المعارضة عن أعداد تفوق الـ10 ملايين لاجئ، مؤكدة أن هذه الأرقام غير صحيحة.

وكشفت الإدارة في بيان، السبت، أن عدد السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة في تركيا يبلغ مليونين و935 ألفاً، بمن في ذلك الأطفال المولودون في البلاد، والذين يجري تسجيلهم في نظام البيانات من قِبَل المديريات الإقليمية لإدارة الهجرة، وتصدر لهم وثائق الحماية المؤقتة (كمليك) التي تحتوي على رقم الهوية.

وجاء البيان ردّاً على مزاعم من قِبَل صحافيين وناشطين أتراك على منصات التواصل الاجتماعي، مفادها أن الإحصاءات الصادرة عن الحكومة حول أعداد اللاجئين غير صحيحة، وأن الأطفال السوريين حديثي الولادة لا يُسجلون في نظام إدارة الهجرة.

وترددت هذه المزاعم، بعدما قال وزير الداخلية، علي يرلي كايا، إن 731 ألف سوري لا نعلم عنهم شيئاً، وليسوا موجودين في العناوين المسجلين عليها، في حين قام أكثر من 580 ألفاً آخرين بتحديث عناوينهم.

مخيم للاجئين السوريين في جنوب تركيا (أرشيفية)

وأضاف أن السوريين الذين لن يحدثوا عناوينهم حتى نهاية العام لن يتمكنوا من الاستفادة من الخدمات العامة في تركيا.

وكانت تركيا قد استقبلت أكثر من 3.7 مليون سوري بعد اندلاع الحرب الأهلية في بلادهم عام 2011.

وفي كلمة خلال مناقشة موازنة وزارة الداخلية لعام 2025 في لجنة الخطة والموازنة بالبرلمان، الخميس، قال يرلي كايا: «إن 150 ألفاً و327 سورياً لم يتلقوا أي خدمة من مؤسساتنا العامة لمدة عام على الأقل، أي أنهم ليسوا هنا، واكتشفنا أنهم عبروا إلى أوروبا، وأزلنا سجلاتهم من نظام إدارة الهجرة».

وذكر أنه بعد عمليات التحقق من العناوين، وجد أن عدد السوريين الخاضعين للحماية المؤقتة انخفض إلى مليونين و935 ألفاً و742 سوريّاً، لافتاً إلى أن إجمالي عدد الأجانب في تركيا يبلغ 4 ملايين و174 ألفاً و706 أجانب، منهم مليون و32 ألفاً و379 يحملون تصريح إقامة، و206 آلاف و585 تحت الحماية الدولية.

وأضاف وزير الداخلية التركي أنه «لضمان العودة الطوعية والآمنة والكريمة لأشقائنا السوريين إلى بلدهم، فإننا نقوم بتنفيذ خطة لتهيئة الظروف اللازمة للعودة، وخلال العام الحالي عاد 114 ألفاً و83 سوريّاً إلى بلادهم طوعاً، في حين عاد 729 ألفاً و761 إلى بلادهم طوعاً بين عامي 2016 و2024».

وزير الداخلية التركي متحدثاً عن أوضاع السوريين خلال اجتماع بالبرلمان (حسابه في «إكس»)

ويثير ملف اللاجئين السوريين جدلًا حادّاً في الأوساط السياسية بتركيا، وخلال الانتخابات البرلمانية والرئاسية في 2023، ركَّزت بعض أحزاب المعارضة، في مقدمتها حزب الشعب الجمهوري، أكبر أحزاب المعارضة، حملاتها الانتخابية على التخلص من مشكلة اللاجئين السوريين، كما برزت أحزاب قومية أظهرت مناهضة للسوريين، أهمها حزب النصر، الذي يتزعمه أوميت أوزداغ.

ودفعت ضغوط المعارضة وتصاعد مشاعر الغضب ومعاداة السوريين بالمجتمع التركي، الحكومة إلى تنفيذ حملات للحد من وجود المهاجرين غير الشرعيين، وترحيل مخالفي شروط الإقامة.

واتهمت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 الحكومة التركية بإجبار اللاجئين السوريين على العودة تحت تهديد السلاح، وعلى توقيع أوراق بأنهم اختاروا العودة الطوعية.

وبدورها، تنفي الحكومة التركية الاتهامات بشأن اعتقال وترحيل مئات اللاجئين السوريين تعسفيّاً، وتقول إنهم اختاروا العودة الطوعية إلى بلادهم.

في سياق متصل، عاقبت محكمة تركية العميد بالجيش التركي المحال على التقاعد، بلال تشوكاي، بالسجن 11 سنة و6 أشهر، بتهمة تهريب سوريين إلى تركيا عبر الحدود باستخدام سيارته الرسمية.

وألقي القبض منذ أشهر على تشوكاي وعدد من مساعديه في منطقة أكتشا قلعة بولاية شانلي أورفا، الواقعة على الحدود مع منطقة تل أبيض بريف الرقة؛ حيث كان قائداً لوحدة عسكرية تركية على الحدود، وجرى تسريحه وسحب رتبه العسكرية، بعدما أظهرت التحقيقات تورطه وضباط آخرين ضمن شبكة لتهريب البشر، قامت باستثمار الأموال الناتجة عن أنشطتها غير القانونية في مشروعات تجارية.

الحكم بسجن العميد المحال للتقاعد بلال تشوكاي لتورطه في تهريب سوريين عبر الحدود (إعلام تركي)

من ناحية أخرى، أصدرت محكمة تركية حكماً بالسجن المؤبد المشدد 3 مرات على المواطن التركي كمال كوركماز، بعد إدانته بإشعال حريق متعمد في موقع بناء بمنطقة جوزال بهشه في إزمير عام 2021، ما أدى إلى وفاة 3 عمال سوريين. وطالبت منظمات حقوقية بمحاسبته على أفعاله الوحشية، وفق وسائل إعلام تركية.

وطلب المدعي العام في إزمير الحكم على المتهم بالسجن المؤبد المشدد مقابل كل ضحية بشكل منفصل، لقتله العمال السوريين الثلاثة بطريقة وحشية وحرقهم، وكذلك الحكم عليه بتهمة إلحاق الضرر بالممتلكات الخاصة، لإشعاله النار في المكان الذي كان يُستخدم سكناً للعمال.