تأخير الضربة الإسرائيلية لإيران: هل أثَّرت الحسابات الإقليمية والدولية؟

نتنياهو في اجتماع لوفد رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى في مكتب رئيس الوزراء في القدس الأسبوع الماضي (د.ب.أ)
نتنياهو في اجتماع لوفد رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى في مكتب رئيس الوزراء في القدس الأسبوع الماضي (د.ب.أ)
TT

تأخير الضربة الإسرائيلية لإيران: هل أثَّرت الحسابات الإقليمية والدولية؟

نتنياهو في اجتماع لوفد رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى في مكتب رئيس الوزراء في القدس الأسبوع الماضي (د.ب.أ)
نتنياهو في اجتماع لوفد رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى في مكتب رئيس الوزراء في القدس الأسبوع الماضي (د.ب.أ)

كشفت مصادر سياسية في تل أبيب أن «تأخير الرد الإسرائيلي على القصف الصاروخي الإيراني لا يعدُّ مجرد حرب نفسية أو محاولة لشد الأعصاب، بل هو مرتبط بأسباب موضوعية تتعلق بالتحضير الدقيق للضربة، وتحديد أهدافها بدقة، بالإضافة إلى حسابات دولية وإقليمية». وأضافت هذه المصادر، في تسريبات للإعلام، أن «الضربة المقبلة مؤكدة، وعلى الإيرانيين أن يخشوا منها، ولكن على إسرائيل أن تخشى أيضاً من عواقبها».

ووفقاً للخبراء في الشؤون الأمنية والاستراتيجية، فإن تحقيق نجاح كامل في الضربة ضد المنشآت النووية قد يتسبب بكارثة بيئية نتيجة تسرب إشعاعات نووية، في حين أن نجاحاً جزئياً يعني فشل الضربة وفقدان إسرائيل قوتها الردعية. لذا، يجب أن تكون الحسابات عميقةً ودقيقةً لتجنب الضربات الاستراتيجية الخطيرة، والتركيز على استهداف مواقع عسكرية تابعة لـ«الحرس الثوري» دون تعريض الأوضاع للمخاطر الكبرى.

في بداية الشهر الحالي، تعرضت إسرائيل لهجوم بنحو 200 صاروخ باليستي أطلقت من إيران، وتمكنت القوات الأميركية والفرنسية والبريطانية والإسرائيلية من تدمير 85 في المائة منها. إلا أن بعض الصواريخ تخطت الرادارات وسقطت في إسرائيل، منها ما سقط في مناطق مفتوحة دون أضرار، وبعضها أصاب مواقع حساسة، بما في ذلك ثلاثة مطارات حربية ومصانع للأسلحة، مسببة أضراراً ماديةً.

القبة الحديدية تتصدى للصواريخ الإيرانية التي استهدفت العمق الإسرائيلي في مطلع أكتوبر الحالي (أ.ف.ب)

احتدام الموقف

وأعلنت إسرائيل أنها سترد حتماً على الهجوم، وتحدث قادتها عن ضرب أهداف استراتيجية في إيران لا تعلم طهران أن إسرائيل تعرفها. ولكن على الرغم من توقعات الرد خلال أسبوع، كما حدث في الرد على الضربة الإيرانية الأولى في 13 أبريل (نيسان)، مرّ أسبوعان دون رد إسرائيلي. وفي هذه الأثناء، بدأت جهود أميركية ودولية وإقليمية لمنع الضربة أو تقليص حجمها.

وفي الوقت نفسه، أرسلت إيران عبر الوسطاء رسالةً إلى تل أبيب مفادها أنها ستتجاوز ضربةً خفيفةً، ولن ترد عليها، لأنها لا تسعى إلى تصعيد الحرب. غير أن إسرائيل عدّت هذه الرسالة دليلاً على ضعف إيران، وهددت بضربة قاصمة. وردت إيران بأن الهجوم الإسرائيلي قد يضطرها إلى تجاوز الخطوط الحمراء، خصوصاً إذا طال المنشآت النفطية أو النووية.

جندي يقف أمام منصة صواريخ لمنظومة «ثاد» بعد وصول تعزيزات أميركية إلى منطقة الشرق الأوسط أكتوبر العام الماضي (الجيش الأميركي)

رد متناسق

في هذا السياق، رفعت الإدارة الأميركية من جهودها لإقناع إسرائيل بأن يكون الرد متناسقاً معها، بحيث يكون محدوداً ومحسوباً. وأكدت مصادر سياسية أن واشنطن أكدت دعمها للدفاع الإسرائيلي، لكنها تخشى أن يكون رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يخفي خدعة لها، ويسعى لتوريطها في الحرب، كي تهاجم المشروع النووي الإيراني. ولفتت نظره إلى أن الاستفزاز الزائد لإيران قد يكشف قدرات غير معروفة لهما لضرب إسرائيل.

وكانت إسرائيل قد قررت أن يكون ردها مقتصراً على ضرب أهداف عسكرية إيرانية. وأشارت مصادر إسرائيلية إلى وجود خلافات في الرأي بين إسرائيل والولايات المتحدة حول أهداف الضربة وتوقيتها، لكن التنسيق الكامل لا يزال قائماً بينهما. وذكرت هذه المصادر أن «رئيس حركة (حماس)، يحيى السنوار، يعرقل المفاوضات حول صفقة تبادل الأسرى، لأنه ما زال يبني على دخول إيران إلى الحرب بشكل مباشر، وقد يكون هذا التوجه نابعاً من معرفته بالأضرار التي قد تلحق بإسرائيل وبالولايات المتحدة ودول المنطقة»، محذرةً من انجرار إسرائيل إلى «لعبته».

وفي محاولة لتعزيز التنسيق، وافقت الولايات المتحدة على دراسة نقل بطارية نظام الدفاع الجوي «ثاد» إلى إسرائيل، إذ سيشغلها جنود أميركيون، وذلك بهدف اعترض الصواريخ الباليستية والتهديدات الجوية من إحدى قواعدها إلى إسرائيل.

وهذه الصواريخ تعدُّ فعالةً في إسقاط الصواريخ البالستية، مثل منظومة «حيتس» الإسرائيلية الأميركية. وتكمن أهميتها في أنها تضاعف قدرات إسرائيل على تدمير الصواريخ وهي في الفضاء، قبل أن تعود إلى الغلاف الجوي. لكنها تعني دخول الولايات المتحدة إلى القتال. وقد هدد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، باستهداف الجنود الأميركيين الذين قد يشغلونها.

في الوقت نفسه، لم يتخذ الكابينت السياسي والأمني الإسرائيلي قراراً نهائياً بشأن توقيت وطبيعة الرد على إيران، لكنه يواصل متابعة التحضيرات. ومن المفترض أن يجتمع المجلس في وقت لاحق، الأحد، لمناقشة هذه المسألة، وتكليف نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت باتخاذ القرار النهائي. وكان يفترض أن يسافر غالانت لإجراء محادثات مع كبار المسؤولين الأمنيين في واشنطن غداً، ضمن تحديد مواقع الضرب لإيران. لكن يبدو أن رحلته ستتأجل مرة أخرى. ومع ذلك، قالت تقارير إسرائيلية إن الخلافات مع إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن تقلصت كثيراً حول الهجوم المرتقب في إيران. ومع ذلك، لا تزال الولايات المتحدة تضغط لتلطيف حدة الرد، لكنها تبدي تفهماً حول الهجوم المتبلور.

ورغم تهديدات إسرائيل المتواصلة، تشهد تل أبيب تحذيرات داخلية من عواقب «الغرو والاستعلاء» الذي قد يؤدي إلى حسابات خاطئة وكوارث. ووفقاً لد. راز تسيمت، الباحث المختص بدراسات إيران في «معهد بحوث الأمن القومي»، فإن النجاحات الإسرائيلية الأخيرة ضد «حزب الله» و«حماس» تستوجب الحذر من «التطلعات الزائدة إزاء ايران». وأضاف: «تعاظم قوة إيران بمنظومات عسكرية استراتيجية، بما فيها الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، أتاح لها تعويض ضعفها التقليدي. وفي ظل الوضع الحالي، قد يتجدد الحديث في إيران حول الحاجة لتعزيز الردع ضد إسرائيل، بما في ذلك النظر في تغيير عقيدة البرنامج النووي».

وفي الأيام الأخيرة، قدم عشرات النواب الإيرانيين رسالة رسمية إلى المجلس الأعلى للأمن القومي يدعون فيها إلى تغيير عقيدة الدفاع الإيرانية فيما يخص البرنامج النووي. كما تحدث حسن خميني، حفيد مؤسس النظام، عن الحاجة إلى تحسين الردع العسكري ضد إسرائيل، ملمحاً إلى احتمال تطوير إيران لقدراتها النووية.

إعلان مناهض لإسرائيل في طهران يظهر صواريخ إيرانية أبريل الماضي (إ.ب.أ)

التحديات الداخلية والخارجية

تعكس هذه التحذيرات المخاوف من أن تكون إسرائيل قد وقعت في «فخ الغطرسة»، كما أشار جدعون ليفي في صحيفة «هآرتس»، مؤكداً أن المبالغة في الثقة قد تنتهي بكارثة. وفي صحيفة «معاريف»، كتب آفي أشكنازي عن التعقيدات التي تواجهها إسرائيل في اتخاذ قرار بشأن الهجوم على إيران، بسبب الضغوط الدولية والوضع الإقليمي وحسابات النفط والغاز، وتأثير هذه الأحداث على الانتخابات الأميركية المقبلة.

وكتب ليفي في صحيفة «هآرتس» معلقاً: «لقد عادت الغطرسة الإسرائيلية بقوة. من كان يتخيل أنه بعد مرور عام على أحداث 7 أكتوبر، ستعود بهذه القوة؟ بعد أن هزمنا (حماس) ودمرنا غزة، نسعى الآن لهزيمة (حزب الله) وتدمير لبنان، ووجهتنا التالية هي إيران».

وأضاف «في الخطاب الإسرائيلي، يتحدثون الآن عن تغيير النظام هناك وحتى تصفية علي خامنئي، ويواجهون تردداً بين استهداف المنشآت النووية أو النفطية. إسرائيل تعيش حالةً من الغطرسة، من قاع الانكسار بعد هزيمة 7 أكتوبر، والتي قارنوها بكارثة يهود أوروبا، إلى ذروة الوقاحة في السعي لتغيير الأنظمة ونقل الشعوب في كل أرجاء الشرق الأوسط. كل هذا خلال عام واحد. ولكن هذه النهاية ستكون بالبكاء والدماء، لأن طبيعة الغطرسة، كما هو معروف، هي أنها تقود إلى كارثة. ومن طبيعة التحركات المتطرفة كهذه، من كارثة متخيلة إلى نصر متخيل، أن تنتهي بالانهيار».


مقالات ذات صلة

إيران تراهن على موسكو وبكين لتعطيل «سناب باك»

شؤون إقليمية وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي ونظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو يوم 18 أبريل 2025 (أ.ب)

إيران تراهن على موسكو وبكين لتعطيل «سناب باك»

سيناقش وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، الملف النووي الإيراني مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في الصين.

«الشرق الأوسط» (لندن - بكين)
شؤون إقليمية بزشكيان يجتمع مع رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف ورئيس القضاء غلام حسين محسني إجئي مساء السبت (الرئاسة الإيرانية)

إيران تكشف تفاصيل محاولة إسرائيلية لاغتيال رؤساء السلطات الثلاث

كشفت وكالة «فارس»، التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، عن تفاصيل جديدة بشأن ما وصفتها بمحاولة اغتيال إسرائيلية استهدفت اجتماعاً للمجلس الأعلى للأمن القومي.

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)
شؤون إقليمية مشرّعون إيرانيون يردّدون هتافات منددة بإسرائيل في جلسة عامة الأسبوع الماضي (موقع البرلمان)

نواب إيرانيون يحذرون بزشكيان من «تشجيع التصعيد الأميركي»

وجه 26 مشرعاً إيرانياً رسالة حادة إلى رئيس الجمهورية مسعود بزشكيان، على خلفية حواره الأخير مع المذيع الأميركي تاكر كارلسون.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
تحليل إخباري رئيس الحكومة محمد السوداني يتوسط رئيس «الحشد» فالح الفياض ورئيس أركانه «أبو فدك» (أرشيفية - إعلام حكومي)

تحليل إخباري «نبيه بري العراق» تذكرة السوداني إلى ولاية ثانية

يحاول رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الحصول على غطاء من المرجع الديني علي السيستاني، إذ يواجه فصائل مسلحة تمانع حصر السلاح بيد الدولة.

علي السراي (لندن)
شؤون إقليمية عقوبات أميركية تستهدف مصادر تمويل الحرس الثوري الإيراني (أ.ف.ب)

عقوبات أميركية جديدة تستهدف مصادر تمويل «الحرس الثوري» الإيراني

أعلنت الإدارة الأميركية عن فرض عقوبات جديدة تهدف إلى قطع مصدر إيرادات رئيسي عن الوحدة الخارجية لـ«الحرس الثوري» الإيراني

«الشرق الأوسط» (واشنطن)

حزبان إسرائيليان متزمتان ينسحبان من حكومة نتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته في الكنيست اليوم (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته في الكنيست اليوم (أ.ب)
TT

حزبان إسرائيليان متزمتان ينسحبان من حكومة نتنياهو

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته في الكنيست اليوم (أ.ب)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأعضاء حكومته في الكنيست اليوم (أ.ب)

قال حزب يهدوت هتوراه (التوراة اليهودي المتحد)، وهو أحد الأحزاب المتزمتة دينيا في إسرائيل، إنه سينسحب من الائتلاف الحاكم الذي يقوده رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بسبب خلاف طويل الأمد حول عدم صياغة مشروع قانون لإعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية.

وكتب ستة من الأعضاء السبعة المتبقين من حزب يهدوت هتوراه، الذي يتألف من فصيلي ديجيل هتوراه وأجودات يسرائيل، رسائل استقالة. وكان إسحاق جولدكنوب رئيس حزب يهدوت هتوراه قد استقال قبل شهر. ومن شأن ذلك أن يترك لنتنياهو أغلبية ضئيلة للغاية بواقع 61 مقعدا في الكنيست الذي يضم 120 مقعدا. ولم يتضح ما إذا كان حزب شاس، وهو حزب آخر متزمت دينيا، سيحذو حذوه.

وقال فصيل ديجيل هتوراه في بيان إنه بعد التشاور مع حاخاماته الرئيسيين «وبعد الانتهاكات المتكررة من قبل الحكومة لالتزاماتها بضمان وضع طلاب المدارس الدينية اليهودية المقدسة الذين ينخرطون بجد في دراستهم... أعلن (أعضاء الكنيست) استقالتهم من الائتلاف والحكومة».وتقول الأحزاب المتزمتة دينيا إن صياغة مشروع قانون لإعفاء طلاب المدارس الدينية من الخدمة العسكرية كان وعدا رئيسيا عند موافقتهم على الانضمام إلى الائتلاف في أواخر عام 2022.