طموحات محدودة لمؤتمر دعم لبنان في باريس

مصادر دبلوماسية: تراجع واشنطن عن مبادرتها المشتركة مع فرنسا لوقف النار يضعف رسالة المؤتمر

القادة الأوروبيون التسعة مجتمعون في باريس بمشاركة العاهل الأردني عبد الله الثاني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين حيث الحرب في غزة ولبنان على طاولة المحادثات الجمعة (أ.ف.ب)
القادة الأوروبيون التسعة مجتمعون في باريس بمشاركة العاهل الأردني عبد الله الثاني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين حيث الحرب في غزة ولبنان على طاولة المحادثات الجمعة (أ.ف.ب)
TT

طموحات محدودة لمؤتمر دعم لبنان في باريس

القادة الأوروبيون التسعة مجتمعون في باريس بمشاركة العاهل الأردني عبد الله الثاني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين حيث الحرب في غزة ولبنان على طاولة المحادثات الجمعة (أ.ف.ب)
القادة الأوروبيون التسعة مجتمعون في باريس بمشاركة العاهل الأردني عبد الله الثاني ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين حيث الحرب في غزة ولبنان على طاولة المحادثات الجمعة (أ.ف.ب)

ستكون الدول الأوروبية والمفوضية حاضرة في المؤتمر، الذي دعت إليه باريس يوم 24 الحالي لمساعدة ودعم لبنان، والذي وضعت له 4 محاور رئيسية. المحور الأول محور إنساني، عنوانه مزدوج وفق ما شرحت مصادر رئاسية فرنسية، إذ سيتناول وضع القطاع الصحي والاستجابة لحاجة لبنان التمويلية المباشرة (427 مليون دولار) ودعم القطاع الصحي والاستشفائي وتوفير الأدوية.

والجانب الذي يجد لبنان نفسه عاجزاً أيضاً إزاء فداحته، يتركز على ملف النازحين، الذين تقدرهم المصادر الحكومية بـ1.4 مليون شخص اضطروا لترك منازلهم وقراهم المدمرة في غالبيتها.

وهذا التناول، في مرحلته الراهنة، لا يتناول إعادة بناء ما تهدم، إذ الحرب ما زالت دائرة رحاها، ولائحة التدمير الطويلة لم تختتم. وترى المصادر الرئاسية الفرنسية أن «هناك حاجة للتنسيق بين الدول الراغبة في تقديم المساعدات الإنسانية إلى لبنان». وليس من المستبعد أن تتشكل لجنة لهذه الغاية، علماً أن غالبية الدعم الإنساني والمالي سيأتي من الدول العربية، والخليجية على وجه الخصوص.

أولوية دعم الجيش

أما المحور الثاني فيتركز على دعم الجيش اللبناني، وهو محل إجماع نظراً للدور المنتظر منه عندما تضع المعارك أوزارها، وتتم العودة إلى القرار الدولي رقم 1701، سواء بصيغته الراهنة أم المعدلة ودور الجيش في فرض احترامه، إلى جانب قوات «اليونيفيل» الموجودة في لبنان منذ عام 1978.

بحث عن ناجين الجمعة في بيروت بعد ضربة جوية إسرائيلية هدمت بناية كاملة (أ.ب)

والحال أن القاصي والداني يعيان أن الدولة اللبنانية لا تمتلك الإمكانات لتطويع مزيد من الجنود، ولا لنشرهم، ولا لتسليحهم، فضلاً عن أن الجيش الذي يعدّ العمود الفقري للمحافظة على الدولة اللبنانية مطلوب منه اليوم القيام بمهام متعددة، من بينها المحافظة على الأمن الداخلي ومراقبة الحدود والانتشار على كل الأراضي اللبنانية.... ومع الأزمة المالية والاقتصادية التي ضربت لبنان منذ عام 2019، تهاوت رواتب العسكريين واضطرت قيادة الجيش للبحث عن موارد تمويل وهبات متعددة المصادر.

من هنا، ينتظر أن يحظى دعم القوات المسلحة اللبنانية على إجماع المؤتمرين، علماً أن السنوات الأخيرة شهدت كثيراً من المؤتمرات لدعم الجيش، وتقوم إيطاليا برئاسة لجنة مخصصة لهذه الغاية.

وفي هذا السياق، واستجابة لالتزام الحكومة اللبنانية بنشر قوات الجيش جنوب نهر الليطاني، فإن باريس أكدت بصوت مندوبها لدى الأمم المتحدة، نيكولا دو ريفيير، بمناسبة انعقاد جلسة مجلس الأمن، الخميس، العمل على «ضمان سيادة لبنان». الأمر الذي يمر بدعم القوات المسلحة اللبنانية.

وقال دو ريفيير لاحقاً: «نريد زيادة الدعم للمؤسسات اللبنانية، خاصة القوات المسلحة اللبنانية... نريد انتشار القوات المسلحة اللبنانية في الجنوب والقيام بمهمتها... ما نحتاج إلى فعله هو التأكد من أن القوات المسلحة اللبنانية مجهزة ومدربة بشكل صحيح».

وفي هذا السياق، قال نائب المندوب الأميركي روبرت وود، في إطار اجتماع مجلس الأمن: «إن على المجتمع الدولي أن يركز جهوده على تعزيز مؤسسات الدولة اللبنانية».

الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لدى وصوله مقر اجتماع القادة الأوروبيين مصافحاً رئيس الجمهورية القبرصية نيكوس مريستودوليديس بمناسبة قمة مجموعة التسع الأورومتوسطية (إ.ب.أ)

وأضاف وود: «حلّ هذه الأزمة ليس بإضعاف لبنان... وإنما بالذهاب إلى لبنان قوي وذي سيادة حقيقية بحماية من قوة أمنية شرعية تتمثل في القوات المسلحة اللبنانية». وبحسب مصادر دبلوماسية في باريس، فإن دعم الجيش اللبناني محل إجماع، وينتظر أن تصدر عن المؤتمرين مقررات قوية بهذا الشأن.

الفراغ الرئاسي

يقوم المحور الثالث للمؤتمر، وفق ما شرحته المصادر الرئاسية، على الدفع باتجاه معالجة الأزمة المؤسساتية التي يعاني منها لبنان منذ عامين، مع الفراغ الرئاسي من جهة، ووجود حكومة تصريف أعمال، وشلل المجلس النيابي، وضعف أداء الحكومة والإدارة، خصوصاً في ظروف الحرب التي تلفّ لبنان.

وقالت المصادر الرئاسية ما حرفيته: «إن الرسالة التي سيروج لها الشركاء الدوليون عنوانها تقديم الدعم للمؤسسات اللبنانية وتشجيع الشركاء اللبنانيين من أجل إيجاد سلطة تنفيذية، عنوانها الأول انتخاب رئيس للجمهورية».

وتجدر الإشارة إلى أن باريس تجهد، منذ ما قبل حلول الفراغ في قصر بعبدا، على القيام بوساطة تسهل انتخاب رئيس للجمهورية، بشكل منفرد أو من خلال اللجنة الخماسية، التي تضم إلى جانب فرنسا، الولايات المتحدة الأميركية والمملكة السعودية ومصر وقطر، إلا أن جهودها لم تثمر، كما أن محاولات الخماسية تدور في فراغ.

وتأخذ باريس على السياسيين اللبنانيين، كما تقول مصادر فرنسية معنية، «تغليبهم مصالحهم الشخصية والحزبية والمذهبية على المصلحة الوطنية، وانقساماتهم التي تغذي بعضها جهات خارجية». ومن المرتقب أن يلحظ البيان الختامي للمؤتمر فقرة خاصة بهذا الملف، الذي تبدو الحاجة لإغلاقه أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، بسبب حالة الحرب التي يعيشها لبنان والحاجة إلى جهات كاملة الصلاحيات تخوض التفاوض باسم لبنان، عندما تنطلق المفاوضات.

هدف واشنطن

يبقى أن كل هذه المحاور ستبقى قاصرة من غير توقف لإطلاق النار وإطلاق العملية السياسية الدبلوماسية، وتسوية الخلافات الحدودية بين لبنان وإسرائيل. والحال أن الاجتماع الأخير لمجلس الأمن اقتصر على كلمات المندوبين، ولكن لم يصدر أي بيان أو أي قرار.

ويجدر التذكير بأنه خلال أسبوع القادة، في بداية أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، توصلت الولايات المتحدة وفرنسا إلى إطلاق مبادرة دعمها كثير من الدول الأوروبية والعربية، تقوم على الالتزام بهدنة من 21 يوماً يجري خلالها البحث في العودة إلى التنفيذ الحرفي للقرار 1701 والتزام الحكومة اللبنانية بالعمل بمقتضياته، بما في ذلك إرسال قوة كبيرة من الجيش اللبناني إلى جنوب الليطاني.

خيبة كبرى

جاء التزام الحكومة اللبنانية مع ضوء أخضر من «حزب الله» بقبول وقف إطلاق النار، ما يعني عملياً فكّ الارتباط بين الجبهة اللبنانية وغزة، وهو الخط الذي سار عليه الحزب منذ 8 أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. بيد أن هذه الجهود، وفق مصادر دبلوماسية أوروبية في باريس، أصيبت بخيبة كبرى عندما سحبت واشنطن يدها من المبادرة التي أطلقتها مع فرنسا، مفسحة المجال لإسرائيل لتحقق أهدافها من الحرب على لبنان. وبدا ذلك جلياً من خلال غياب الدعوة لوقف إطلاق النار في كلمة نائب المندوب الأميركي في مجلس الأمن، كما غابت أيضاً عن تصريحات وزير الخارجية أنتوني بلينكن من لاوس، حيث كان يشارك في اجتماع دولي لبلدان جنوب شرقي آسيا.

بيدرو سانشيز رئيس الوزراء الإسباني (يمين) ووزير الخارجية القبرصي كونستنتينوس كامبوس في مدينة بافوس القبرصية بمناسبة القمة الأورومتوسطية (رويترز)

فالمندوب الأميركي روبرت وود أفاد أن بلاده «تعمل على التوصل الى حل دبلوماسي»، لكنه لم يشر إلى وقف إطلاق النار.

وتسعى باريس إلى وقف فوري لإطلاق النار والعودة إلى المبادرة الفرنسية الأميركية، وستعمل للاستفادة من المؤتمر للدفع في هذا الاتجاه. وسوف تدل نوعية المشاركة الأميركية، التي تريدها باريس على مستوى وزراء الخارجية، على مدى الاهتمام الأميركي بالجهد الجماعي المرتقب من المؤتمر المرتقب.

وكشف المتحدث باسم الخارجية الأميركية، ماثيو ميلر، الأربعاء، عما تطمح إليه واشنطن في لبنان، بقوله: «نريد أن يقرر الشعب اللبناني هوية قادته». مضيفاً: «نحن بالتأكيد لا نريد أن نملي على الشعب اللبناني من هو زعيمهم، ولن نفعل ذلك... نريدهم أن يكونوا قادرين على القيام بذلك في غياب منظمة إرهابية تصوب مسدساً إلى رؤوسهم، وهو الوضع الذي يعيشه لبنان منذ عقود حتى الآن». وختم قائلاً: «في نهاية المطاف، نأمل أن يتم إضعاف (حزب الله) بما فيه الكفاية بحيث يصبح أقل قوة في السياسة اللبنانية».

وكان من الممكن لباريس أن تراهن على موقف أوروبي موحد. والحال أن الانقسامات، التي برزت بشأن حجب السلاح عن إسرائيل، الذي دعا إليه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون نهاية الأسبوع الماضي، ورئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز الجمعة، تُبين عمق الانقسامات الأوروبية، وتُظهر أن الرافعة الجماعية الأوروبية معطلة، خصوصاً عندما يعلن المستشار الألماني، في الفترة عينها، معاودة بلاده تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، بعد تجميد غير معلن، منذ بداية العام الحالي.


مقالات ذات صلة

ميقاتي: وقف إطلاق النار خطوة أساسية نحو الاستقرار بلبنان

المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يتحدث خلال مؤتمر صحافي بالقصر الحكومي في بيروت 28 ديسمبر 2021 (رويترز)

ميقاتي: وقف إطلاق النار خطوة أساسية نحو الاستقرار بلبنان

تلقى رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي اتصالاً من الرئيس الأميركي جو بايدن، تشاورا خلاله في الوضع الراهن وقرار وقف إطلاق النار.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية تعترض صاروخاً من لبنان على ميناء حيفا 26 نوفمبر 2024 (أ.ب)

«حزب الله» يطلق وابلاً من الصواريخ على بلدات إسرائيلية

ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية، اليوم (الثلاثاء)، أن «حزب الله» أطلق وابلاً من الصواريخ على عدة بلدات بعمق 80 كيلومتراً داخل إسرائيل.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
شؤون إقليمية إيتمار بن غفير وزير الأمن القومي في حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو خلال الاجتماع الأسبوعي للحكومة في القدس... 3 يناير 2023 (رويترز)

بن غفير يصف وقف إطلاق النار مع «حزب الله» بأنه «خطأ تاريخي»

قال وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، إنه سيعارض اتفاق وقف إطلاق النار مع «حزب الله»، ووصفه بأنه «خطأ تاريخي».

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
الولايات المتحدة​ الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في اجتماع مؤتمر الحزب الجمهوري 13 نوفمبر 2024 في واشنطن (أ.ب)

فريق ترمب ينظر إيجابياً إلى اتفاق وقف النار في لبنان

ذكرت شبكة «سي بي إس نيوز» الإخبارية الأميركية، اليوم الثلاثاء، أن فريق الرئيس المنتخب دونالد ترمب اطلع على خطة وقف إطلاق النار في لبنان وينظر إليها بشكل إيجابي.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي يتحدث خلال مؤتمر صحافي في القصر الحكومي في بيروت 28 ديسمبر 2021 (رويترز)

ميقاتي يطالب بـ«تنفيذ فوري» لوقف إطلاق النار بعد قصف «هستيري» استهدف بيروت

طالب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي المجتمع الدولي بـ«تنفيذ فوري» لوقف إطلاق النار بين «حزب الله» وإسرائيل، مندداً بقصف «هستيري» طال العاصمة بيروت الثلاثاء.

«الشرق الأوسط» (بيروت)

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)
رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)
TT

حليف إردوغان يؤكد دعوة أوجلان للبرلمان ويتخلى عن إطلاق سراحه

رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)
رئيس حزب الحركة القومية دولت بهشلي الحليف الأقرب لإردوغان متحدثاً أمام نواب حزبه بالبرلمان الثلاثاء (حزب الحركة القومية)

زاد رئيس حزب «الحركة القومية» دولت بهشلي الجدل المثار حول دعوته زعيم حزب «العمال الكردستاني»، السجين عبد الله أوجلان، للحديث بالبرلمان وإعلان حل الحزب وانتهاء الإرهاب اشتعالاً في وقت تشهد فيه تركيا توتراً وغضباً من جانب الأكراد على خلفية عزل 7 رؤساء بلديات منتخبين من صفوف المعارضة بتهمة الارتباط بالعمال الكردستاني وتعيين أوصياء بدلاً منهم.

وجدد بهشلي، وهو الحليف الرئيسي للرئيس التركي رجب طيب إردوغان حيث يشكل حزبه مع «العدالة والتنمية تحالف الشعب» الحاكم للبلاد، تمسكه بالدعوة التي أطلقها من البرلمان في 22 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي لحضور أوجلان إلى البرلمان والحديث أمام المجموعة البرلمانية لحزب «الديمقراطية والمساواة للشعوب»، المؤيد للأكراد وإعلان حل المنظمة الإرهابية (حزب العمال الكردستاني) وترك أسلحتها وانتهاء الإرهاب في تركيا مقابل رفع عزلته والنظر في تعديلات قانونية قد تفضي لإطلاق سراحه.

ويبدو أن حديث بهشلي بشأن إمكانية إطلاق سراح أوجلان لم تكن مقبولة من جانب إردوغان، الذي رحب بما يقوله بهشلي عن إسقاط الإرهاب من أجندة تركيا لكنه تجنب الرد أكثر من مرة على أسئلة تتعلق بإطلاق سراح أوجلان.

خلافات إردوغان وبهشلي

وأبدى بهشلي نوعاً من الامتعاض من قرارات الحكومة عزل رؤساء بلديات أكراد وتعيين أوصياء بدلاً منهم، لا سيما رئيس بلدية ماردين السياسي الكردي المخضرم أحمد تورك، الذي أعلن بهشلي في كلمة أمام مجموعة حزبه بالبرلمان، الثلاثاء، أن بابه مفتوح للقائه، إذا طلب ذلك.

ومنذ أسبوعين، استقبل إردوغان حليفه بهشلي بقصر الرئاسة في أنقرة، ليبدد المزاعم حول خلاف في الرأي بينهما، وعلى الرغم من نفيهما وجود هذا الخلاف، فإن بهشلي عدل اقتراحه بشأن أوجلان، الذي يعد مدخلاً لإنهاء صراع مستمر منذ عام 1984، حيث لم يتطرق هذه المرة لإطلاق سراح أوجلان.

إردوغان استقبل بهشلي في القصر الرئاسي في 14 نوفمبر لتبديد مزاعم الخلافات بينهما (الرئاسة التركية)

كما لم يتحدث عن أي «عملية سلام جديدة» لحل المشكلة الكردية، على غرار تلك العملية التي انخرطت فيها الحكومة في الفترة من 2012 إلى 2015 مع حزب «السلام والديمقراطية»، الذي كان يتزعمه أحمد تورك في ذلك الوقت، والذي حظرته الحكومة وخلفه عدد من الأحزاب الكردية التي خرجت من رحمه.

وأكد بهشلي أنه لم يتراجع عن دعوته لحضور أوجلان إلى البرلمان، وأن «حزب الحركة القومية يقف وراء ما قلناه في 22 أكتوبر». وقال، أمام نواب حزبه بالبرلمان، إن «فصل الأكراد عن الأتراك أمر مستحيل ومجنون، إن مستقبلنا واحد، ويجب أن نزيل الإرهاب تماماً من جدول أعمالنا من خلال تكاتف أيادينا وانصهار قلوبنا».

وأضاف: «يجب أن يكون هناك اتصال مباشر بين إيمرالي (سجن أوجلان) والمجموعة البرلمانية لحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب».

ولم يتأخر رد حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب على بهشلي، وأعلن رئيسه المشارك، تونجر بكيرهان، أنه والرئيسة المشاركة للحزب، تولاي حاتم أوغللاري، تقدما بطلب إلى وزارة العدل لمقابلة أوجلان.

انتقاد لبهشلي

وانتقد بكيرهان، في كلمة أمام المجموعة البرلمانية للحزب الذي يعد ثالث أكبر أحزاب البرلمان التركي، بهشلي والحكومة التركية، قائلاً: «إنهم يواصلون الخروج ونشر الدعاية القذرة»، ويقولون إن حزبنا لا يستمع لأوجلان، ولا يؤيد الحل (حل المشكلة الكردية في تركيا).

وأضاف: «نريد المساهمة في عملية السلام بصفتنا حزباً، من خلال الذهاب والاجتماع مع أوجلان، ونتحدى... لكن من الخطأ الكبير أن ننظر إلى القضية الكردية على أنها إرهاب».

الرئيس المشارك لحزب الديمقراطية والمساواة للشعوب تونجر بكيرهان خلال حديثه بالبرلمان الثلاثاء (موقع الحزب)

ومنذ مصافحة بهشلي لنواب حزب الديمقراطية ومساواة الشعوب في افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة في أول أكتوبر، ثم دعوته في 22 أكتوبر لفك عزلة أوجلان وتمكينه من الحديث بالبرلمان، أقدمت السلطات التركية على خطوات متناقضة أكدت الشكوك حول خلاف بين إردوغان وبهشلي.

وبعدما سمحت السلطات لابن شقيق أوجلان، نائب حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب عن مدينة شانلي أورفا، بزيارته في 23 أكتوبر، بعد عزلة استمرت 43 شهراً، عادت وفرضت عليه العزلة مجدداً في 6 نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي بمنع محاميه من لقائه لمدة 6 أشهر.

مظاهرة في تركيا للمطالبة بإنهاء عزلة أوجلان (رويترز)

وعزلت الحكومة 5 رؤساء بلديات موالين للأكراد في مدن بجنوب شرقي تركيا بسبب ارتباطات بحزب العمال الكردستاني، في خطوة أثارت غضب المعارضة والناخبين الأكراد.

وقبل ساعات قليلة من تكرار بهشلي دعوته بشأن أوجلان، أعلنت وزارة الداخلية التركية أن الشرطة احتجزت 231 شخصاً للاشتباه في صلتهم بحزب العمال الكردستاني، لكن حزب الديمقراطية والمساواة للشعوب قال إن المعتقلين بينهم مسؤولون محليون ونشطاء بالحزب.

اعتقال مدافعين عن المرأة

على صعيد آخر، اعتقلت الشرطة عشرات الأشخاص في إسطنبول لمحاولتهم الانضمام إلى مسيرة تطالب بحماية أكبر للنساء في تركيا من العنف، حيث قتل أكثر من 400 امرأة هذا العام، في جرائم عنف منزلي أو من جانب الأزواج السابقين أو التمييز على أساس النوع.

صدامات بين الشرطة ومتظاهرات في إسطنبول بمناسبة اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة (د.ب.أ)

وحاول المتظاهرون دخول شارع «الاستقلال» في منطقة تقسيم، ليل الاثنين – الثلاثاء، للاحتفال باليوم العالمي للقضاء على العنف ضد المرأة متحدين حظراً مفروضاً على التظاهر في المنطقة.

وكانت الشرطة أغلقت جميع مداخل شارع الاستقلال وميدان تقسيم الرئيسية ومحطات المترو لمنع التجمعات الكبيرة.