ما قصة «الجبهة الثامنة» التي يحارب فيها نتنياهو؟

متظاهر يحمل علماً في نفق بالقرب من مظاهرة ضد الإصلاح القضائي للحكومة الإسرائيلية (أرشيفية - رويترز)
متظاهر يحمل علماً في نفق بالقرب من مظاهرة ضد الإصلاح القضائي للحكومة الإسرائيلية (أرشيفية - رويترز)
TT

ما قصة «الجبهة الثامنة» التي يحارب فيها نتنياهو؟

متظاهر يحمل علماً في نفق بالقرب من مظاهرة ضد الإصلاح القضائي للحكومة الإسرائيلية (أرشيفية - رويترز)
متظاهر يحمل علماً في نفق بالقرب من مظاهرة ضد الإصلاح القضائي للحكومة الإسرائيلية (أرشيفية - رويترز)

في الوقت الذي يحاول فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إخافة مواطنيه بالقتال مع إيران وأذرُعها المنتشرة على «7 جبهات»، وفق قوله، تزداد القناعة في الحلبة السياسية بتل أبيب، بأن أهم جبهة يقاتل فيها هي «الجبهة الثامنة»، ويُقصد بها الجبهة الداخلية؛ للحفاظ على موقعه في رئاسة الحكومة.

وإذا كان هناك مَن يشك في هذا التقدير، فقد تم طرح الأمر بشكل رسمي في قاعة محكمة العدل العليا بالقدس الغربية، حيث تجري مداولات بشأن تقييد صلاحيات الجهاز القضائي، فقد كشفت المحامية شوش شموئيلي، ممثّلة مكتب المستشارة القضائية للحكومة، أن هناك خطة لضرب مبدأ الفصل بين السلطات، والمساس بصلاحيات القضاء، وممارسة الضغوط عليه لغرض التأثير على محاكمة نتنياهو.

والحديث يجري عن قرار حكومي بإقامة لجنة تحقيق حكومية، فيما يُعرف بـ«فضيحة بيغاسوس»، وهو برنامج تجسّسي أقامته شركة إسرائيلية وباعته في العالم، يتيح التسلط على أي جهاز جوّال في العالم، وتم حظره في عدة دول، وعَدّته الولايات المتحدة «برنامجاً خطيراً يمسّ الأمن القومي».

وتَبيَّن لاحقاً أن الشرطة الإسرائيلية استخدمت هذا البرنامج ضد مواطنين إسرائيليين، بعضهم مشتبه بارتكابه جنايات، وبعضهم غير مشتبه بهم، وجرت تحقيقات صحافية كشفت أن الشرطة استخدمت هذا البرنامج أيضاً ضد عدد من الأشخاص ذوي العلاقة مع رئيس الوزراء نتنياهو، وقسم منهم شهود في المحكمة التي يُتَّهَم فيها بتلقّي رشى، وبالاحتيال وخيانة الأمانة، لذلك قررت الحكومة إقامة لجنة تحقيق بغرض شطب كل إفادة وكل معلومة تم تحصيلها بهذه الطريقة غير القانونية.

صورة تخيّلية للوغو مجموعة «NSO» المنتجة لـ«بيغاسوس» (أ.ف.ب)

وقد تقدّمت مجموعة من الشخصيات بدعوى إلى المحكمة يطلبون فيها تقييد صلاحيات اللجنة، بحيث لا تشطب إفادات بأثر رجعي، بل تضع إجراءات تقييد للمستقبل فقط، ومن بين هذه المجموعة رئيس جهاز المخابرات العامة (الشاباك) سابقاً، نداف بيرغمن، والقائد السابق لسلاح الجو في الجيش، أمير إيشل، ومجموعة من المحامين المعارضين لخطة حكومة نتنياهو تنفيذ انقلاب في منظومة الحكم، وإضعاف الجهاز القضائي.

وادّعى هؤلاء أن إقامة لجنة التحقيق بهذه الشروط تنطوي على تناقض مصالح خطير، يتبين منه أن نتنياهو يريد استغلاله لشطب أدلة دامغة على ارتكابه المخالفات التي يحاكَم بسببها.

واحتفظ نتنياهو بالصمت المُطبِق في الموضوع، وأتاح لوزير القضاء، يريف لفين، إدارة الملف باسم الحكومة، فقام بتعيين محامٍ خارجي يمثّل الحكومة؛ لأن المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف ميارا، رفضت تمثيل الحكومة، وعملياً توافقت مع رافعي الدعوى.

وظهرت المستشارة شموئيلي أمام المحكمة، الاثنين، وأكّدت هذا الموقف، وقالت إن هناك دلالات قوية على أن نتنياهو يستغل هذه القضية للتملّص من الاتهامات ضده، وأكّدت: «لا يوجد في القضاء في العالم قوانين تعمل بشكل تراجعي إلى الوراء»، وقال مقيمو الدعوى إن «من المَعِيب أنه في الوقت الذي تنشغل فيه الدولة بحرب مصيرية معقّدة وقاسية، ويُقتل فيها جنود ومواطنون، ينشغل رئيس الحكومة في مصالحه الشخصية، ويحاول تكريس مقدّرات الدولة لهذا الغرض».

متظاهرون ضد رئيس الوزراء الإسرائيلي وقوانين الإصلاح القضائي في تل أبيب يوليو 2023 (رويترز)

يُذكَر أن المعارضة الإسرائيلية تتّهم نتنياهو بالانشغال في قضية تكريس حكومته خلال الحرب، واستعمال الحرب أداةً في معاركه الشخصية، فهو يخطّط لإقالة وزير الدفاع، يوآف غالانت، وإبداله برئيس حزب ىيل للسقوط، جدعون ساعر، فقط لكي يمدّد عمر حكومته، ويرون أن عديداً من قراراته الحربية تؤدي إلى إهمال أسرى إسرائيليين يعيشون في خطر دائم في أنفاق «حماس»، وإلى مقتل جنود، لكي يخدم هدفه هذا، باعتبار أن استمرار الحرب هو السبيل لاستمرار حكمه.


مقالات ذات صلة

نتنياهو و«الليكود» يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد

شؤون إقليمية نتنياهو متوسطاً وزير الدفاع يوآف غالانت ورئيس الأركان هرتسي هاليفي في أكتوبر 2023 (د.ب.أ)

نتنياهو و«الليكود» يتربصان بغالانت لفصله من الحزب وإجباره على التقاعد

يريد رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، أن يستقيل يوآف غالانت من الكنيست؛ خوفاً من أن يصوّت ضد الائتلاف في أصوات حاسمة.

كفاح زبون (رام الله)
شؤون إقليمية الرئيس التركي رجب طيب إردوغان (أ.ف.ب)

إردوغان بعد مذكرتي التوقيف بحق نتنياهو وغالانت: «قرار شجاع»

رحّب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بإصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرتَي توقيف بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت (أ.ب)

إسرائيل ليست عضواً في «الجنائية الدولية»... كيف تلاحق المحكمة نتنياهو وغالانت؟

ما يجب أن نعرفه عن النطاق القانوني للمحكمة الجنائية الدولية، حيث تسعى إلى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ ووزير دفاعه السابق، يوآف غالانت.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
الولايات المتحدة​ دمار جراء غارة إسرائيلية في غزة في 22 نوفمبر 2024 (رويترز) play-circle 01:41

ترمب ووعد إنهاء الحروب: ورقة انتخابية أم خطط واقعية؟

انتزع ترمب الفوز من منافسته الديمقراطية، معتمداً وعوداً انتخابية طموحة بوقف التصعيد في غزة ولبنان، واحتواء خطر إيران، ووضع حد للحرب الروسية - الأوكرانية.

رنا أبتر (واشنطن)
شؤون إقليمية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

مسؤول إسرائيلي يوضّح كيف تسبب نتنياهو في قرار «الجنائية الدولية»

قال مسؤول إسرائيلي كبير إن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أمرَيْ اعتقال ضد نتنياهو وغالانت كان من الممكن تجنبه لو سمح نتنياهو بأمر واحد.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

إيران تلمح لإمكانية التخلي عن السلاح النووي بشروط

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
TT

إيران تلمح لإمكانية التخلي عن السلاح النووي بشروط

منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)
منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

في حين كانت إيران تُصعد ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ألمحت إلى إمكانية التفاوض بشروط مختلفة مع الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترمب.

وتبنّت الوكالة الدولية، الخميس الماضي، قراراً ينتقد طهران بسبب عدم تعاونها بما يكفي في إطار برنامجها النووي.

وقال علي لاريجاني، مستشار المرشد علي خامنئي: «إن إيران وأميركا دخلتا في وضع جديد فيما يتعلق بالملف النووي»، وأضاف في منشور على منصة «إكس»: «إن الإدارة الأميركية الجديدة إذا أرادت ألا تمتلك طهران سلاحاً نووياً فعليها قبول شروطنا، مثل تعويض الخسائر، ومنح امتيازات أخرى للوصول إلى اتفاق جديد».

وأوضح لاريجاني، أن «أميركا ألغت الاتفاق السابق وخرجت منه، وبهذا تسببت في خسائر لإيران». وأضاف أن «إيران بدأت تخصيب اليورانيوم، ورفعت درجة نقاوته إلى أكثر من 60 في المائة».

علي لاريجاني مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي (وسائل إعلام مقربة من «حزب الله»)

وتنص «خطة العمل الشاملة المشتركة»، وهو الاسم الرسمي للاتفاق النووي، على تخفيف العقوبات الدولية المفروضة على طهران مقابل ضمانات بعدم سعيها لتطوير أسلحة نووية، لكن الاتفاق تراجع تدريجياً بعد انسحاب الولايات المتحدة منه أحادياً عام 2018، في ظل رئاسة دونالد ترمب، الذي أعاد فرض عقوبات شديدة على طهران.

وردّاً على ذلك، زادت إيران مخزوناتها من اليورانيوم عالي التخصيب بشكل كبير، ورفعت عتبة التخصيب إلى 60 في المائة، لتقترب بذلك من نسبة الـ90 في المائة اللازمة لصنع قنبلة نووية. وقد حدّدت «خطة العمل الشاملة المشتركة» التي فشلت مفاوضات في إحيائها عام 2022، معدل التخصيب الأقصى عند 3.67 في المائة.

ومنذ عام 2021، قيَّدت إيران تعاونها مع الوكالة بشكل كبير، فقامت بفصل كاميرات مراقبة، وسحبت اعتماد مفتشين ذوي خبرة.

في الوقت نفسه، يواصل برنامجها النووي اكتساب الزخم، الأمر الذي يُثير قلق المجتمع الدولي، رغم إنكار طهران رغبتها في تطوير قنبلة نووية.

وأخيراً، صعَّدت إيران مواجهتَها ضد الوكالة الدولية للطاقة الذرية، إذ أعلنت أنَّها ستضع في الخدمة مجموعة من أجهزة الطرد المركزي «الجديدة والمتطورة»، وذلك ردّاً على قرار الوكالة الدولية.

وتستخدم أجهزة الطرد المركزي في تخصيب اليورانيوم المحوّل إلى غاز، من خلال تدويره بسرعة كبيرة، ما يسمح بزيادة نسبة المادة الانشطارية «يو-235» لاستخدامات عدة.

ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)

أقوال غروسي... وأفعاله

وما إن صدر القرار، ظهرت تلميحات في طهران بشأن «دور مزدوج» لمدير الوكالة الدولية رافاييل غروسي، إذ قال رئيس لجنة الأمن القومي في البرلمان الإيراني، إبراهيم عزيزي: «إن ما قاله في طهران لا يتطابق مع أفعاله في فيينا».

ونقلت وكالة «مهر» الحكومية عن عزيزي: «على غروسي أن يضع جانباً التناقض في خطابه في طهران وفيينا، وأن تكون تصريحاته في طهران متسقة مع تصريحاته في فيينا، وهذه المعاملة المزدوجة غير مناسبة».

وأشار عزيزي إلى أن «الوكالة الدولية طلبت في قرارها الأخير الامتناع عن إنتاج الأسلحة النووية. ورداً على ذلك، ينبغي القول إن إيران أعلنت منذ سنوات أنها ليس لديها أي خطط لإنتاج أسلحة نووية».

وأضاف عزيزي: «رغم أننا نتحرك دائماً على أساس مصالح الأمن القومي، فإن الأمر الواضح هو أن إيران لم تسعَ مطلقاً إلى امتلاك الأسلحة النووية خلال هذه السنوات، وهو ما يُظهر في حد ذاته عبثية هذا القرار».

وجاء قرار الوكالة الأخير في سياق خاص، مع وجود فجوة بين الموقف الغربي وموقف رئيس الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافاييل غروسي.

وخلال زيارته إلى إيران، حصل غروسي من طهران على موافقة لبدء الاستعدادات لوقف توسيع مخزونها من اليورانيوم عالي التخصيب.

صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها رافاييل غروسي في مستهل اجتماعها الفصلي في فيينا

اليورانيوم عالي التخصيب

وخلافاً لما يقوله عزيزي، الذي نفى خطط إنتاج السلاح النووي، فإن طهران لم تكن ترغب أساساً في تجميد تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المائة.

وتُقدِّر الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن إنتاج سلاح نووي واحد يتطلب نحو 42 كيلوغراماً من اليورانيوم المُخصّب بنسبة نقاء 60 في المائة، إذا جرى تخصيبه لاحقاً إلى درجة نقاء 90 في المائة.

وقال المتحدث باسم منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، بهروز كمال وندي: «إنه كان من المقرر أن يأتي المفتشون فور انتهاء اجتماع مجلس المحافظين لتقييم قدراتنا، مع بقاء تلك القدرات لمدة شهر دون أي توقف في التخصيب بنسبة نقاء 60 في المائة».

ونقلت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن كمال وندي أن «الضغوط الناجمة عن قرار الوكالة الدولية تأتي بنتائج عكسية، أي أنها تزيد من قدرتنا على التخصيب».

وأضاف كمال وندي: «حالياً، ليس فقط أننا لم نوقف التخصيب، بل لدينا أوامر بزيادة السرعة، والعمل جارٍ على ذلك تدريجياً».