تقرير: الهجوم عبر الأجهزة اللاسلكية يهدد سلاسل التوريد الإلكترونية العالمية

جهاز اتصال لا سلكي انفجر داخل منزل في بعلبك شرق لبنان (أ.ب)
جهاز اتصال لا سلكي انفجر داخل منزل في بعلبك شرق لبنان (أ.ب)
TT

تقرير: الهجوم عبر الأجهزة اللاسلكية يهدد سلاسل التوريد الإلكترونية العالمية

جهاز اتصال لا سلكي انفجر داخل منزل في بعلبك شرق لبنان (أ.ب)
جهاز اتصال لا سلكي انفجر داخل منزل في بعلبك شرق لبنان (أ.ب)

سلَّط الهجوم الذي استهدف آلاف أجهزة النداء، المستخدَمة من «حزب الله»، الضوء على التهديد الكبير الذي تشكله سلاسل التوريد الإلكترونية على الأمن العالمي.

فوفقاً لصحيفة «واشنطن بوست»، يعكس الانفجار القاتل الذي هز المنطقة تحدياً أمنياً كبيراً؛ فمن الصعب تأمين الأجهزة الإلكترونية ضد خصم متطور، مما يعيد إلى الأذهان التحذيرات المتكررة بشأن هشاشة سلاسل التوريد الحديثة.

الهجوم، الذي وصفه الخبراء بأنه غير مسبوق في تاريخ الجاسوسية من حيث حجم الضحايا، يثير القلق حول كيفية التحكم في الأجهزة الإلكترونية اليومية وتحويلها إلى أدوات تفجير. هذه الحادثة تعيد إحياء المخاوف القديمة، التي زادت مع تعقيد الأجهزة وتوسع سلاسل التوريد التي تشمل عشرات الدول.

وقد يضيف الحادث زخماً إلى الجهود السياسية من دول حول العالم لتعزيز مزيد من إنتاج التقنيات الحيوية محلياً أو مع حلفاء موثوقين.

وحسب التقرير، أشارت المصادر الاستخباراتية إلى أن إسرائيل قد تكون وراء هذا الهجوم، حيث اعترضت أجهزة النداء وتم التلاعب بها قبل تسليمها.

وعلى الرغم من أن الشركات المصنِّعة نفت مسؤوليتها، فإن تعقيد سلاسل التوريد جعل من الصعب تتبع مصدر الخلل، مما يعزز أهمية الجهود الدولية لتأمين التكنولوجيا الحيوية محلياً.

يقول التقرير إن معظم سلاسل التوريد الإلكترونية في العالم تمر عبر تايوان، وهي جزيرة تتمتع بالحكم الذاتي قبالة سواحل الصين، أو عبر دول أخرى في شرق آسيا. ومع ذلك، فإن بناء الجهاز الحديث النموذجي يتطلب تعاون عشرات الدول، مع عدد لا يُحصى من مورِّدي المكونات والمقاولين من الباطن. وهو ما يجعل من الصعب الضبط من أين جاء شيء ما.

وبعد عقود من العولمة، بدأ المسؤولون في واشنطن يُحذرون من الاعتماد على الشركات المصنِّعة في الخارج لكل شيء، من البطاريات إلى الرافعات، مما يجلب مخاطر أمنية. دفع هذا كلاً من الرئيسين السابق دونالد ترمب والرئيس الحالي جو بايدن نحو إعادة إنتاج مزيد من التقنيات المتقدمة إلى الولايات المتحدة، في نقطة نادرة من التوافق السياسي. وأطلقت الحكومات في أوروبا والصين وأجزاء أخرى من العالم حملات مماثلة.

استخدام «حزب الله» أجهزة النداء، وهي تقنية قديمة، يعكس الفهم المتزايد، لأن الأجهزة الإلكترونية الأكثر تقدماً مثل الهواتف الذكية يمكن اختراقها أو تعديلها بسهولة، وعدم استخدام الحزب اللبناني الهواتف المحمولة وأجهزة النداء والراديو سيصعّب في المدى القصير ممارسة القيادة والسيطرة الفعالة.

الهجوم يأتي كتذكير بأن العولمة قد تزيد من المخاطر الأمنية. والأجهزة الإلكترونية القديمة التي استخدمها الحزب اللبناني تعكس هذا الخطر. والهواتف الذكية والأجهزة المتقدمة أهداف سهلة للاختراق.

هذه الواقعة قد تدفع الحكومات إلى مراجعة أنظمتها الجمركية وزيادة عمليات التفتيش على المنتجات الإلكترونية المستوردة. بينما تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على تقليل الاعتماد على الموردين الأجانب وتعزيز إنتاج التكنولوجيا المتقدمة محلياً.

كما أنها تُثبت أن التهديدات عبر سلاسل التوريد ستظل تمثل تحدياً كبيراً للأمن العالمي.


مقالات ذات صلة

مادورو يدعو الفنزويليين لعدم قبول أجهزة إلكترونية كهدايا

أميركا اللاتينية الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو (إ.ب.أ)

مادورو يدعو الفنزويليين لعدم قبول أجهزة إلكترونية كهدايا

دعا الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو حكومته ومؤيديها إلى عدم قبول الأجهزة الإلكترونية كهدايا لعيد الميلاد... خوفاً من تفجيرات.

«الشرق الأوسط» (كراكاس)
صحتك وقت الشاشة للآباء يؤثر على تطور اللغة لدى أولادهم الصغار

وقت الشاشة للآباء يؤثر على تطور اللغة لدى أولادهم الصغار

أصبحت الأجهزة الإلكترونية وشاشاتها المختلفة موجودة في كل مكان ولم يعد من الممكن الاستغناء عنها حيث تُعد جزءاً مهماً من مفردات الحياة اليومية لجميع أفراد الأسرة

د. هاني رمزي عوض (القاهرة)
تكنولوجيا شعارا شركتي «سامسونغ» و«إل جي» (أرشيفية)

«سامسونغ» و«إل جي» تعتزمان الكشف عن أجهزة منزلية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

تعتزم شركتا «سامسونغ» و«إل جي» عرض مجموعة متنوعة من الأجهزة المنزلية الجديدة التي تعمل بالذكاء الاصطناعي في معرض «آي إف إيه 2024» في برلين الشهر القادم.

«الشرق الأوسط» (سيول)
تكنولوجيا بدأت سلسلة هواتف بيكسل من «غوغل» في عام 2016، مع التركيز على تقديم تجربة «آندرويد» نقية وكاميرات متفوقة (غوغل)

تعرف على جديد «غوغل» في مؤتمر «Made by Google 2024»

أثبتت شركة «غوغل» مرة أخرى في عام 2024 أنها واحدة من الشركات الرائدة في مجال التكنولوجيا من خلال مجموعة من الإعلانات المثيرة خلال حدث «Made by Google 2024»…

عبد العزيز الرشيد (الرياض)
صحتك استخدام الأطفال للأجهزة اللوحية في سن ثلاث سنوات ونصف كان مرتبطاً بعدد أكبر من تعبيرات الغضب (رويترز)

دراسة تربط بين نوبات الغضب عند الأطفال واستخدامهم للأجهزة اللوحية

يعاني كل آباء وأمهات الأطفال الصغار تقريباً من نوبات الغضب غير المبررة في معظم الأحيان.

«الشرق الأوسط» (نيويورك)

الدبلوماسية الفرنسية تنشط لتجنب الحرب الواسعة والرئيس ماكرون يسير على خُطى سلفه جاك شيراك

البحث عن ناجين بعد ضربة جوية إسرائيلية شمال بيروت الخميس (رويترز)
البحث عن ناجين بعد ضربة جوية إسرائيلية شمال بيروت الخميس (رويترز)
TT

الدبلوماسية الفرنسية تنشط لتجنب الحرب الواسعة والرئيس ماكرون يسير على خُطى سلفه جاك شيراك

البحث عن ناجين بعد ضربة جوية إسرائيلية شمال بيروت الخميس (رويترز)
البحث عن ناجين بعد ضربة جوية إسرائيلية شمال بيروت الخميس (رويترز)

كثّفت الدبلوماسية الفرنسية نشاطها في نيويورك؛ حيث حضر في وقت واحد الرئيس إيمانويل ماكرون ومستشاروه وكذلك وزير الخارجية الجديد جان نويل بارو. وبذلت باريس جهوداً في العمل من أجل احتواء التصعيد العسكري بين «حزب الله» وإسرائيل، والتوصل إلى وقف للعمليات العسكرية.

ويأتي هذا الحراك الدبلوماسي بدفع من الرئيس ماكرون، الذي يريد أن يكون لبلاده دور في حماية لبنان، بعد الإخفاق الذي واجهه منذ العام 2020 وقت انفجاري المرفأ، ورغم الزيارتين اللتين قام بهما إلى بيروت خلال أقل من شهر (في 6 أغسطس «آب» والأول من سبتمبر «أيلول»)، مقدماً خطة إنقاذ اقتصادية وسياسية ومالية واجتماعية، ودفع الطبقة السياسية من أجل التفاهم فيما بينها لإخراج البلاد من ورطتها متعددة الأشكال.

بيد أن شيئاً من هذا لم يتحقق، كما لم تنجح الجهود الفرنسية في الدفع لملء الفراغ على رأس المؤسسات اللبنانية، رغم تعاقب زيارات وزراء الخارجية الفرنسيين من جان إيف لودريان إلى كاترين كولونا وستيفان سيجورنيه، إضافة إلى المكلفين في قصر الإليزيه بالملف اللبناني.

سيجورنيه زار لبنان 3 مرات، بتكليف من ماكرون، ومنذ زيارته الأولى، بداية العام 2024، حمل خطة مفصلة لخفض التصعيد على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية، وعمد إلى صياغة بعض فقراتها نزولاً عن طلب رئيس الوزراء المستقيل نجيب ميقاتي، الذي استقبله ماكرون في قصر الإليزيه، كما استقبل قائد الجيش العماد جوزيف عون، والرئيس السابق للحزب الاشتراكي، وليد جنبلاط، وشخصيات لبنانية أخرى.

وخلال أشهر طويلة، كانت رسالة باريس للسلطات والسياسيين اللبنانيين، بمن فيهم مسؤولون من «حزب الله»، دعوتهم إلى التنبه من المخططات الإسرائيلية، ومن أن «حرب الإسناد» التي يقوم «حزب الله» «لن تبقى محصورة الإطار، ويمكن أن تتطور في أي يوم»، وفق تأكيدات مصادر فرنسية واكبت الجهود الدبلوماسية. كذلك نبهت باريس من «الخفة» التي يتعامل بها اللبنانيون مع المخاطر المقبلة.

ورغم التنافس بين باريس وواشنطن، التي قدمت هي الأخرى بشخص مبعوثها الرئاسي، آموس هوكشتاين، خطة موازية، فإن العاصمتين توصلتا، في النهاية، إلى العمل معاً، وفي اتجاه واحد. إلا أن النتيجة جاءت مخيبة، إلى أن حلّ التصعيد الأخير.

على خطى شيراك

اليوم تغير الوضع، والكارثة حلّت، ويمكن أن تتبعها كوارث أكبر، ومن عناوينها قد تكون الحرب البرية، وسعي إسرائيل لاحتلال أقسام من الجنوب اللبناني (وهو ما فعلته سابقاً) وتمددها لتتحول إلى حرب إقليمية مع احتمال أن تتدخل بها إيران المتأرجحة حالياً بين رغبتها في الانفتاح على الغرب، وعدم التصادم مع إسرائيل والقوات الأميركية المنتشرة بقوة في المنطقة وبين «واجبها» دعم «حزب الله» ومنع هزيمته.

من هنا، فإن الحراك الفرنسي ارتقى إلى درجة أعلى، فالرئيس ماكرون لم يتردد في بث شريط فيديو قبل 5 أيام وجهه إلى «اللبنانيين واللبنانيات الأعزاء»، ليؤكد «مساندتهم في أي محنة يمرون بها»، وليشدد على أن لبنان «لا يمكن أن يعيش في حالة التخوف من حرب مقبلة».

ومع انتقاله إلى نيويورك، كان ماكرون الرئيس الغربي الوحيد الذي التقى الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان؛ حيث عمد إلى «تسليط الضوء على مسؤولية إيران في دعم تهدئة عامة (في الشرق الأوسط بما فيه لبنان) واستخدام نفوذها في هذا الاتجاه لدى الأطراف المزعزعة للاستقرار التي تتلقى دعمها».

وزاد ماكرون: «نحضّ إسرائيل على وقف هذا التصعيد في لبنان، ونحضّ (حزب الله) على وقف إطلاق الصواريخ على إسرائيل. نحضّ كل من يزوّد (حزب الله) الوسائل اللازمة للقيام بذلك على التوقف»، عادّاً في الوقت نفسه أنّه لا يمكن لإسرائيل أن «توسّع عملياتها في لبنان من دون عواقب».

ونبه ماكرون، متحدثاً عن التطورات على الحدود اللبنانية - الإسرائيلية من أن «الخطر الرئيسي راهناً هو (خطر) التصعيد» في الشرق الأوسط، معرباً عن تعاطفه مع لبنان والشعب اللبناني. وإذ انتقد «حزب الله» الذي «يجازف منذ وقت طويل جداً بجر لبنان إلى الحرب»، دعا جميع الفرقاء إلى الوفاء بالتزاماتهم على طول الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة بين إسرائيل ولبنان.

وأكد أن باريس ستتحرك «من أجل بلورة مسار دبلوماسي لا غنى عنه، يهدف إلى تحييد السكان المدنيين والحؤول دون انفجار إقليمي». وأعلن أنه طلب من وزير خارجيته التوجه إلى لبنان نهاية الأسبوع. وبطلب من فرنسا، عقد مجلس الأمن لبحث التصعيد العسكري والتطورات الخطيرة.

باريس تسعى لدفع واشنطن للتحرك الجدي

لم يتوقف الحراك الفرنسي عند هذا الحد، إذ إن باريس ترى أن مساعيها لا يمكن أن تؤتي أُكلها من غير مشاركة أميركية فاعلة. من هنا، انكب فريقا البلدين على بلورة مبادرة مشتركة، كشف عنها وزير الخارجية في كلمته أمام مجلس الأمن؛ حيث قال إن «فرنسا عملت، في الأيام الأخيرة، مع شركائنا الأميركيين على وقف مؤقت لإطلاق النار لمدة 21 يوماً لإفساح المجال أمام المفاوضات»، مضيفاً أن اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل و«حزب الله» «ليس حتمياً» بشرط أن تنخرط كل الأطراف «بحزم» في إيجاد حلّ سلمي للنزاع.

ووفق القراءة الفرنسية، فإن «التوترات بين (حزب الله) وإسرائيل اليوم تُهدّد بدفع المنطقة إلى صراع شامل لا يمكن التكهن بعواقبه». وما كان للمبادرة المشتركة المستعجلة أن ترى النور من غير حصول اجتماع في نيويورك بين الرئيسين الفرنسي والأميركي. وما تتخوف منه باريس، وفق مصادرها، أن يكون الانخراط الأميركي في الملف اللبناني - الإسرائيلي شبيهاً بانخراطها فيما خص حرب غزة، حيث «الخطوط الحمراء» التي وضعتها واشنطن لإسرائيل ول نتنياهو تهاوت تباعاً، ولم تنجح واشنطن في إلزام الأخير بهدنة دعت إليها مراراً وتكراراً وتوقعت حصولها.

ويتضح مما سبق أن الرئيس ماكرون يريد أن يكون له دور فاعل في الأزمة الراهنة، وربما أنه استوحى الدور الذي لعبه جاك شيراك، الرئيس الأسبق، في وضع حد للحربين اللتين شنتهما إسرائيل على لبنان في 1996 وفي 2006. ففي الأولى، أرسل شيراك وزير خارجيته هيرفيه دو شاريت إلى المنطقة، وطلب منه البقاء فيها حتى انتزاع اتفاق. وفي الثانية، كان لباريس دور كبير في دفع مجلس الأمن لتبين القرار الشهير 1701 الذي وضع حدّاً للحرب، ولكن ليس للنزاع المستمر بين إسرائيل ولبنان، الذي ما زال الأساس الذي تدور حوله المناقشات في الأمم المتحدة.

وثمة أسئلة كثيرة تطرح نفسها؛ أولها يتناول مدى الجدية الأميركية، وثانيها الطريق إلى بلورة آلية تمكن من تنفيذ القرار المذكور، وثالثها الموقف الإيراني ورغبة طهران في المساعدة، ورابعها المدة الزمنية اللازمة للحصول على موافقة الأطراف المعنية المبادرة المشتركة، وآخرها معرفة ما يريده حقيقة نتنياهو من حربه الراهنة على لبنان، والأهداف التي يريد تحقيقها قبل أن يقبل الهدنة.