كشفت الشرطة الإيرانية عن زيادة مقلقة في حالات الانتحار بين الشباب الإيراني، في إحصائيات صادمة عشية اليوم العالمي لمنع الانتحار.
وكشف المتحدث باسم الشرطة الإيرانية، العميد سعيد منتظر المهدي في تصريحات أن أكثر من 4000 شخص في إيران فقدوا حياتهم كل عام نتيجة الانتحار. بالإضافة إلى ذلك، تُقدر الإصابات الخطيرة المرتبطة بالانتحار بما يتراوح بين 10 و20 ضعف هذا الرقم.
وأشار منتظر المهدي إلى أسباب متنوعة تؤدي إلى الانتحار، منها اضطرابات نفسية كالاكتئاب، وعدم القدرة على مواجهة الفشل، والمشكلات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الدوافع الانتقامية.
وقيَّم منتظر المهدي مقترحات تشمل توسيع خطوط الهاتف الطارئة، وتعزيز مراكز الصحة النفسية، وتدريب المهارات الحياتية، وإجراء الفحوصات النفسية، وقال إن الوقاية من الانتحار تتطلب فهماً دقيقاً لأسباب وقوعه.
وفي السنوات الأخيرة، تتحاشى وسائل الإعلام الرسمية الخوض في التهديدات الاجتماعية، بما في ذلك موضوع الانتحار خوفاً من العواقب، ويواجه النشطاء المدنيون قيوداً شديدة.
ومع ذلك، يتهم الناشطون السلطات بفرض الرقابة، وحظر نشر المعلومات عن التهديدات الاجتماعية، بما في ذلك حالات الانتحار.
وتقول ناشطة إيرانية فضَّلت عدم الكشف عن اسمها لأسباب أمنية: «في كل يوم، في زاوية من هذا البلد الواسع، يقوم شخص بإشعال النار في نفسه، أو يلف حبلاً حول عنقه، أو يتناول حبوب الموت. لكن هذه المآسي، لا تُعد أزمة وطنية، بل تُخْفَى تحت غطاء الصمت والإنكار».
ولفتت إلى أن «حظر النشر الدقيق والواضح عن أسباب وأبعاد هذه الكارثة، كأنه يُلقي بستارة حديدية على المجتمع». وأضافت: «نواجه مجموعة من الإحصاءات المتفرقة والتكهنات، كل منها تصوِّر صورة أكثر ظلمة من الواقع».
وتشهد إيران في السنوات الأخيرة ارتفاعاً مقلقاً في حالات الانتحار. ولعبت الأزمة الاقتصادية والمعيشية الناتجة عن العقوبات الدولية، دوراً هاماً في زيادة معدلات الانتحار، خصوصاً بين الشباب والفئات الضعيفة في المجتمع.
ولم يعد كثير من الإيرانيين يجدون مخرجاً من الضغوط الاقتصادية والأزمة المعيشية، ويختارون الانتحار حلاً أخيراً، كما يقول الناشطون.
ووفقاً للتقارير الرسمية، تُعد العوامل الاقتصادية أحد أهم أسباب الانتحار في إيران. وقال نائب رئيس اللجنة الاجتماعية في البرلمان الإيراني: «الضغوط الاقتصادية والبطالة هي من أهم أسباب ظهور الاكتئاب، وزيادة معدلات الانتحار في البلاد».
ووفق الأرقام الرسمية، ارتفعت معدلات الانتحار في إيران بأكثر من 40 في المائة خلال العقد الماضي. وبين مارس (آذار) 2022 ومارس 2023، بلغ عدد حالات الانتحار 7.4 حالة لكل 100 ألف شخص، وهو ما يعادل أكثر من 6000 حالة انتحار أدت إلى الوفاة في تلك الفترة.
وجرى الإبلاغ عن معظم حالات الانتحار بين الشباب والمراهقين. ويُعد تراجع سن الانتحار، خصوصاً بين الطلاب والمراهقين، مثيراً للقلق. كما أن العمال وأصحاب المهن ذات الدخل المنخفض هم الأكثر تضرراً.
وتشير الدراسات إلى أن العمال والعاطلين عن العمل والشباب الخريجين من مختلف التخصصات هم الأكثر تضرراً من هذه الأزمة الاقتصادية. ووفقاً لتقرير مركز الإحصاء الإيراني بين مارس 2022 ومارس 2023، «بلغ معدل البطالة بين الشباب 29 في المائة».
كما يواجه عمال البناء والمهن غير الرسمية مخاطر كبيرة في هذه الظروف الحرجة، حيث إن كثيراً منهم أكثر عُرضة للمشكلات الاقتصادية بسبب عدم وجود تأمين ودعم اجتماعي.
تشمل المحافظات التي تسجل أعلى معدلات الانتحار خوزستان (الأحواز) وكرمانشاه وإيلام، وهي مناطق تعاني من مشكلات اقتصادية واجتماعية أشد. كما زادت معدلات الانتحار في محافظة بلوشستان بشكل حاد في السنوات الأخيرة بسبب الفقر والبطالة. وقد أفادت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، العام الماضي، بأن «الانتحار أصبح مشكلة خطيرة في بعض مناطق هذه المحافظة».
في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، قال حميد بيروي، نائب رئيس جمعية الوقاية من الانتحار في إيران، في حوار نشره موقع «تجارت نيوز» إن «هناك عوامل مختلفة تؤثر في رغبة الأشخاص في الانتحار، بدءاً من القضايا الاقتصادية، وصولاً إلى الاضطرابات النفسية». الأزمة الاقتصادية، وارتفاع معدلات البطالة، والتضخم، والفقر هي من بين العوامل الرئيسية التي تسهم في زيادة حالات الانتحار.
وأضاف بيروي: «حاول نحو 120 ألف شخص الانتحار (بين عامي 2022 - 2023)، وسجلت هذه الحالات رسمياً في نظام وزارة الصحة». وأوضح: «مقابل كل حالة انتحار كاملة (تؤدي إلى الوفاة)، هناك نحو 20 إلى 30 محاولة انتحار».
وفي وقت سابق من هذا الشهر، قال عبد الناصر همتي، وزير الشؤون الاقتصادية والمالية في إيران، إن «العقوبات أدت إلى انخفاض قيمة العملة الوطنية وارتفاع الأسعار، ما يزيد الضغط على الفئات الضعيفة في المجتمع»، وفقاً لوكالة الأنباء الرسمية (إرنا).
ويقول خبراء إيرانيون إن الأزمات الاقتصادية لا تؤثر فقط على الحالة المالية للناس، بل تؤثر أيضاً على صحتهم النفسية. زيادة القلق والاكتئاب والشعور باليأس بين الشباب، خصوصاً في الظروف الحالية، واضحة للعيان.
وأعلن وزير الصحة الإيراني مؤخراً أن «معدل الإصابة بالاضطرابات النفسية في البلاد ارتفع بشكل حاد».
ومع زيادة حالات الاكتئاب والمشكلات النفسية في البلاد بسبب الضغوط الاقتصادية، يواجه كثير من الإيرانيين صعوبة في الوصول إلى خدمات العلاج النفسي. وأشار وزير الصحة إلى أن نقص مراكز المشورة والعلاج النفسي وكذلك تكلفة الخدمات العلاجية العالية، هي من بين العوامل التي تحول دون حصول الأفراد على المساعدة المتخصصة.