هجوم نتنياهو على الوسطاء يهدد مفاوضات هدنة غزة

اتهم واشنطن بأنها «تروّج روايات كاذبة» بعد تصعيده مع مصر وقطر

فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)
TT

هجوم نتنياهو على الوسطاء يهدد مفاوضات هدنة غزة

فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)
فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل (رويترز)

تصعيد جديد من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ضد حليفته واشنطن أحد أطراف وساطة الهدنة في قطاع غزة، باتهامها بـ«ترويج روايات كاذبة» عن الصفقة المحتملة، تزامناً مع تصعيد ضد مصر، بالإصرار على التمسك بالبقاء في «محور فيلادلفيا» الحدودي، الذي قوبل برفض مصري.

هجوم نتنياهو، الذي لم يسلم منه الوسيط القطري قبل أشهر أيضاً، يراه خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط»، ضمن محاولات لرئيس الوزراء الإسرائيلي لـ«تقويض مسار المفاوضات». وأكدوا أن «التراخي الأميركي» هو ما شجّع نتنياهو على إطالة أمد الحرب، وأنه حال عدم وجود ضغوط جادة من واشنطن قد يتم تجميد المسار التفاوضي لما بعد الانتخابات الرئاسية المنتظرة في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

و«محور فيلادلفيا» هو شريط حدودي بطول 14 كيلومتراً بين غزة ومصر، ويعدّ منطقة عازلة بموجب «اتفاقية السلام» الموقّعة بين القاهرة وتل أبيب عام 1979. ومنذ اندلاع حرب غزة بات نقطة أزمة بين القاهرة وتل أبيب، خصوصاً بعد احتلاله من جانب الجيش الإسرائيلي في مايو (أيار) الماضي مع الجانب الفلسطيني من معبر رفح.

وتزامناً مع تصعيد إسرائيلي ضد مصر بشأن ذلك المحور، ورسائل مصرية حادة تالية، وصف نتنياهو في مداخلة، الخميس، مع برنامج «فوكس نيوز»، تصريحات البيت الأبيض حول قرب التوصل لاتفاق هدنة بـ«الكاذبة وغير الصحيحة»، محملاً حركة «حماس» مسؤولية عدم الموافقة على أي مقترحات.

وجدّد نتنياهو تمسكه بالبقاء في «محور فيلادلفيا»، معرباً عن رفضه «الاتهامات الأميركية بعدم القيام بجهدٍ كافٍ» لاستعادة الرهائن، في إشارة لتصريحات في هذا الصدد من الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي طرح في 31 مايو الماضي مقترحاً لوقف إطلاق النار من 3 مراحل.

وجاء تكذيب نتنياهو لواشنطن، مع تصعيده تجاه مصر واتهامه لها بغض الطرف عن تهريب الأسلحة إلى غزة، وهو ما ردّ عليه مصدر مصري رفيع المستوى لقناة «القاهرة الإخبارية» الفضائية، الخميس، بأن ما يردده محاولة «لتقويض مسار المفاوضات»، وسط تضامن عربي واسع مع المواقف المصرية.

وتلا ذلك «زيارة مفاجئة» من رئيس أركان الجيش المصري، الفريق أحمد خليفة، الخميس، لتفقُّد «الأوضاع الأمنية وإجراءات التأمين على الحدود مع غزة»، القريبة من «محور فيلادلفيا»، وتأكيده أن «أفراد الجيش قادرون على الدفاع عن حدود الوطن جيلاً بعد جيل».

وعدّت «هيئة البث الإسرائيلية» تلك الزيارة المصرية «استمراراً مباشراً للرسائل القاسية القادمة من القاهرة، ضد نتنياهو بشأن محور فيلادلفيا». وقالت صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» إنها «بمثابة مؤشر على استياء مصر من تصريحاته». وعدّتها صحيفة «يديعوت أحرونوت» تعبيراً عن «غضب القاهرة».

صورة تم التقاطها في جنوب إسرائيل بالقرب من الحدود مع قطاع غزة تظهر الدخان يتصاعد عقب قصف إسرائيلي (أ.ف.ب)

ولم تكن مصر وواشنطن وحدهما المستهدفين من تصريحات نتنياهو، ففي فبراير (شباط) الماضي، رفض متحدث الخارجية القطري، ماجد الأنصاري، اتهامات رئيس وزراء إسرائيل للدوحة بتمويل «حماس». ودعاه إلى «الانضباط في مسار التفاوض لإبرام صفقة، بدلاً من التركيز على إطالة أمد الصراع»، قبل أن يعلن رئيس الوزراء القطري وزير الخارجية، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في أبريل (نيسان) الماضي، أن الدوحة «تقوم بعملية تقييم شامل لدور الوساطة الذي تقوم به»، إزاء استمرار الانتقادات الإسرائيلية.

استمرار نتنياهو في انتقاد الوسطاء، بشكل متكرر، يُعد وفق مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، السفير رخا أحمد حسن، تعبيراً عن أنه «لا يريد التوصل لوقف دائم لإطلاق النار أو هدنة إلا بعد الانتخابات الأميركية؛ أملاً في وصول دونالد ترمب للحكم، للحصول على دعم أميركي أكبر والحفاظ على بقائه السياسي».

ويرى رخا أن «نتنياهو يروّج أكاذيب»، مؤكداً أن مزاعم وجود أنفاق تمتد من غزة لمصر غير صحيحة ولا أثر لها منذ 2015، وأن الزيارة المصرية للحدود «معاملة بالمثل».

ويتفق معه المحلل السياسي الأردني، منذر الحوارات، قائلاً إن «نتنياهو بمثل هذا التصعيد غير المبرر يريد التنصل من أي ضغوط من الوسطاء تقود لاتفاق هدنة»، مؤكداً أن سياسة المماطلة والعناد أثارت الوسطاء وهو ما دفع بايدن لتوجيه انتقادات له، معتبراً أن زيارة رئيس الأركان المصري للحدود تحمل أكثر من رسالة رفض، إلا أن نتنياهو سيستمر على هذا النحو من عدم تقديم تنازلات لما بعد الانتخابات الأميركية، حفاظاً على بقائه السياسي.

فلسطينية مع أطفالها تخرج من مخيم جنين متجهة إلى مكان أكثر أماناً (إ.ب.أ)

في المقابل، عقّب منسق الاتصالات بالبيت الأبيض، جون كيربي، في مؤتمر صحافي، الخميس، على ما قاله نتنياهو لشبكة «فوكس نيوز». ورفض الدخول في جدال علني معه، مضيفاً: «الاتصالات الأميركية مع الإسرائيليين مستمرة ونحاول حل الخلافات والتوصل إلى حل وسط».

وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، قال في بيان، الخميس، إن «هناك توافقاً على نحو 90 في المائة، لكن هناك قضايا قليلة بالغة الأهمية لا تزال عالقة، بما في ذلك ما يسمى بمحور فيلادلفيا، وخلافات بشأن كيفية مبادلة الرهائن الإسرائيليين بمعتقلين فلسطينيين»، متوقعاً أن «ينقل الوسطاء في الأيام المقبلة أفكار كيفية حل المسائل العالقة المتبقية لإسرائيل و(حماس)».

بينما قال عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، رئيس وفدها المفاوض خليل الحية، الخميس: «على بايدن، إن أراد الوصول فعلاً إلى وقف لإطلاق النار وإنجاز صفقة تبادل للأسرى، ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته، وإلزامهما بما تم التوافق عليه سابقاً»، في إشارة لقبول الحركة في يوليو (تموز) الماضي مقترحاً قدمه الوسطاء لها.

وباعتقاد رخا أحمد حسن أنه «ليس في الأفق ما يؤشر لضغوط أميركية حقيقية على نتنياهو في ظل فترة انتخابات رئاسية وصلاحيات محدودة»، مؤكداً أنه «ليس معيار التوصل لهدنة إبرام 90 في المائة من البنود فقط؛ لأن هناك قضايا أساسية كمحور فيلادلفيا يجب أن يشملها المقترح الأميركي المنتظر، تحتاج إلى حلول مقبولة، وإلا فلا أفق لاتفاق قريب».

ويرى منذر الحوارات أن الإفراط في التفاؤل الأميركي بشأن تحقيق الهدنة مرده محاولات إدارة بايدن تحقيق مكاسب انتخابية دون ضغوط حقيقية تثمر عن شيء، مؤكداً أن المجتمع الدولي «إن لم يعتبر تصريحات نتنياهو خطراً على الأمن والسلم الدوليين، فيستمر الوضع كما هو عليه، ولن تثمر أي مقترحات عن نتائج».


مقالات ذات صلة

العراق يرى أن المنطقة على أعتاب «منزلق خطير»

المشرق العربي مسلحون من جماعة عراقية يحتفلون في البصرة (جنوب العراق) بإطلاق إيران صواريخ باليستية ضد إسرائيل يوم 1 أكتوبر الجاري (رويترز)

العراق يرى أن المنطقة على أعتاب «منزلق خطير»

حذّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني من المخاطر التي تحيط بالمنطقة والعالم جراء استمرار إسرائيل في سياسة توسعة نطاق الحرب.

حمزة مصطفى (بغداد)
المشرق العربي طفل يقف وسط الدمار الذي سببته الحرب الإسرائيلية على غزة في خان يونس (أ.ب)

بالأرقام... خسائر بشرية ومادية فادحة في الحرب الإسرائيلية على غزة

أسفرت الحرب الإسرائيلية على غزة التي استمرت لمدة عام عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي إسرائيليون يزورون الأحد موقعاً لهجوم «طوفان الأقصى» الذي شنته «حماس» قبل عام (رويترز)

استنفار إسرائيلي واسع عشية ذكرى «طوفان الأقصى»

أعلنت إسرائيل حالة تأهب قياسية، الأحد، بالمواكبة مع الذكرى الأولى لأحداث «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

كفاح زبون (رام الله)
تحليل إخباري فلسطينية تبكي على مقتل أقربائها في غارة إسرائيلية بالفلوجة شمال قطاع غزة (أ.ف.ب)

تحليل إخباري عام على «حرب غزة»... «مسار مُعقد» لجهود الوسطاء يترقب انفراجة

عقبات عديدة على مدار عام حاصرت جهود الوسطاء خلال مساعيهم لوقف إطلاق النار في غزة، وإنهاء أطول حرب بين إسرائيل و«حماس» التي بدأت 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
خاص دمار واسع جراء الغارات الإسرائيلية على خان يونس في 26 أكتوبر 2023 (أ.ف.ب) play-circle 33:25

خاص في ذكرى 7 أكتوبر... «إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة»

«إسرائيل التي تعرفونها لم تعد قائمة. ستتعرفون على إسرائيل أخرى». هكذا كانت رسالة الضباط الإسرائيليين لنظرائهم الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر.

نظير مجلي (تل أبيب)

أميركا لإقناع إسرائيل بضربةٍ لا تستدعي رداً إيرانياً

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يزور قاعدة نيفاتيم الجوية الأحد (د.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يزور قاعدة نيفاتيم الجوية الأحد (د.ب.أ)
TT

أميركا لإقناع إسرائيل بضربةٍ لا تستدعي رداً إيرانياً

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يزور قاعدة نيفاتيم الجوية الأحد (د.ب.أ)
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يزور قاعدة نيفاتيم الجوية الأحد (د.ب.أ)

تسعى واشنطن إلى إقناع تل أبيب بتوجيه ضربة محدودة لإيران، «بغرض مساعدة طهران على استيعابها والامتناع عن الرد بهجوم آخر على إسرائيل».

جاءت هذه الجهود في إطار مباحثات أجراها قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال مايكل كوريلا، مع وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت. وذكرت مصادر إسرائيلية أن واشنطن تهدف إلى ضبط الأوضاع في المنطقة بما يتماشى مع مصالحها ومصالح إسرائيل، مع تأكيد أهمية الضغط العسكري بطريقة تحقق تسويات سياسية.

وأبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن، غالانت، بالتزام بلاده ردع إيران ووكلائها في المنطقة.

وذكرت المصادر أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «منزعج» من دعوة غالانت إلى واشنطن، غداً (الأربعاء)، ويمتنع حتى الآن عن المصادقة عليها، وذلك لأنه يخشى من أن «يتألب غالانت ومعه الجيش الإسرائيلي ضده».

وعدَّ مقربون من نتنياهو أن هذه الدعوة ومضمونها يعطّلان خطط رئيس الوزراء الإسرائيلي لضرب إيران.