«الحرس الثوري» يعزز فرضية «الاختراق المحلي» في اغتيال هنية

إيران تقول إن «العقاب شديد» لكنه في «الزمان والمكان المناسبين»

رجل يقود دراجته أمام لوحة إعلانية تحمل صور هنية وسليماني وفؤاد شكر على الطريق الرئيسي بالقرب من مطار بيروت الدولي (أ.ف.ب)
رجل يقود دراجته أمام لوحة إعلانية تحمل صور هنية وسليماني وفؤاد شكر على الطريق الرئيسي بالقرب من مطار بيروت الدولي (أ.ف.ب)
TT

«الحرس الثوري» يعزز فرضية «الاختراق المحلي» في اغتيال هنية

رجل يقود دراجته أمام لوحة إعلانية تحمل صور هنية وسليماني وفؤاد شكر على الطريق الرئيسي بالقرب من مطار بيروت الدولي (أ.ف.ب)
رجل يقود دراجته أمام لوحة إعلانية تحمل صور هنية وسليماني وفؤاد شكر على الطريق الرئيسي بالقرب من مطار بيروت الدولي (أ.ف.ب)

بعد روايتين مثيرتين من «نيويورك تايمز» الأميركية، و«تليغراف» البريطانية، حاول «الحرس الثوري» الإيراني احتكار رواية اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، وقال أخيراً، إن «صاروخاً قصير المدى» ضرب مقر إقامته بطهران، ما قد يعزز من احتمالات وجود اختراق محلي.

وكانت الصحيفة الأميركية زعمت أن قنبلة مزروعة منذ شهرين في مقر هنية بطهران وراء اغتياله، بينما أفضى تحقيق للصحيفة البريطانية إلى أن «الموساد (وكالة الاستخبارات الإسرائيلية) وظف عملاء إيرانيين لزرع قنابل في ثلاث غرف منفصلة في مبنى كان يقيم فيه زعيم حركة (حماس)».

رواية «الحرس الثوري»

وصباح السبت، أصدر «الحرس الثوري» بياناً وزعه باللغة الفارسية وبعربية ركيكة، جاء فيه أن «رئيس المكتب السياسي لحركة (حماس) اغتيل بمقذوف صاروخي قصير المدى».

وفصّل البيان كيفية الاغتيال «عبر إطلاق مقذوف قصير المدى برأس حربي زنة نحو 7 كيلوغرامات، مصحوباً بانفجار قوي، من خارج منطقة سكن الضيوف».

وكان موقع «سباه نيوز»، الناطق الرسمي باسم «الحرس الثوري» الإيراني، تحدث عن إطلاق «صاروخ من خارج الحدود الإيرانية» استهدف مقر إقامة هنية وتسبب باغتياله.

وأمس الجمعة، تحفزت إيران دفاعاً عن روايتها لوقائع الاغتيال. وكان الإصرار واضحاً على أن الأمر تم بمقذوف سقط من الجو، وليس عبوة مزروعة قبل أشهر في محل إقامة الضيف الفلسطيني بطهران.

وقياساً لوزن الرأس الحربي المذكور في بيان «الحرس الثوري»، فإن مصدر إطلاقه، على الأرجح من مكان قريب، داخل إيران.

ورأى «الحرس الثوري» أن اغتيال هنية «إجراء صممه النظام الصهيوني بدعم من الحكومة الأميركية»، وتوعد بالرد قائلاً: «سيتلقى النظام الصهيوني المغامر والإرهابي الرد على هذه الجريمة، وهو العقاب الشديد في الزمان والمكان والكيفية المناسبة».

والحال أن الرواية الجديدة لـ«الحرس» تشير بوضوح إلى تحمّل طهران المسؤولية، لكنها تفتح باب التكهنات بشأن وجود اختراق محلي كبير، وهو ما يعزز فرضية وجود عملاء محليين تم تجنيدهم لتنفيذ العملية.

يمنيون يلوحون بالأعلام ويرفعون لافتات تحمل صور فؤاد شكر وإسماعيل هنية خلال تجمع حاشد في صنعاء (أ.ف.ب)

كيف اغتيل هنية؟

وبالتزامن مع بيان «الحرس»، قال عضو لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان الإيراني، النائب أحمد بخشايش أردستاني، إن هناك «سيناريوهين محتملين» بشأن اغتيال هنية.

وأوضح أردستاني، في تصريح صحافي، أن أحد السيناريوهات المحتملة هو أن «الإسرائيليين استخدموا طائرة صغيرة دون طيار من محطة توتشال الثانية للتزلج، واستهدفوا الموقع المطلوب»، والسيناريو الثاني هو أن «عناصر مخترقة داخل إيران تمركزت في نفس المنطقة حول توتشال الثانية للتزلج، واستهدفت مكان إقامته بسلاح يشبه الصاروخ».

وتقع المحطة فوق جبل يطل على معسكر «الإمام علي» التابع لـ«فيلق القدس».

ودار الضيافة تقع ضمن منطقة أمنية محصنة يشرف عليها «فيلق القدس»، تُعرف باسم معسكر «الإمام علي» لتدريب عناصر «الحرس الثوري»، ومسلحين آخرين من فصائل الوكلاء.

اعتقالات في إيران

وبعد الاغتيال، اعتقلت إيران أكثر من عشرين شخصاً، من بينهم ضباط استخبارات كبار ومسؤولون عسكريون وموظفون في دار ضيافة يديرها «الحرس الثوري» في طهران، رداً على الخرق الأمني «الضخم والمهين» الذي أدى إلى اغتيال هنية، بحسب ما كشف مطلعون على التحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز».

وتولّت وحدة الاستخبارات المتخصصة في التجسس التابعة لـ«الحرس الثوري» التحقيق، وتطارد المشتبه بهم على أمل أن تقودهم إلى أعضاء فريق الاغتيال الذي خطط وساعد ونفذ عملية القتل، وفقاً لمسؤولين إيرانيين، طلبا عدم الكشف عن هويتهما بسبب الطبيعة الحساسة للتحقيقات.

وداهم عناصر أمن إيرانيون مجمع دار الضيافة، التابع لـ«الحرس الثوري»، والذي كان يقيم فيه هنية بشكل متكرر - في الغرفة نفسها – في أثناء زياراته إلى طهران.

ووضع العملاء جميع أفراد طاقم دار الضيافة تحت الحجز، واعتقلوا بعضهم، وصادروا جميع الأجهزة الإلكترونية، بما في ذلك الهواتف الشخصية، بحسب ما كشف الإيرانيون للصحيفة.

وأشاروا إلى أن فريقاً منفصلاً من العملاء استجوب كبار المسؤولين العسكريين والاستخباراتيين الذين كانوا مسؤولين عن حماية العاصمة طهران، ووضعوا عدداً منهم قيد الاعتقال حتى اكتمال التحقيقات.

وليس جديداً أن تقوم إيران باعتقال أشخاص تحت ذريعة الاشتباه بأدوار تجسسية بعد كل خرق أمني تتعرض له المؤسسات الأمنية.

وأدى اغتيال هنية في العاصمة الإيرانية إلى تكثيف المخاوف بشأن نفوذ إسرائيل وتأثيرها داخل إيران، وفقاً لصحيفة «تليغراف».

وأضافت الصحيفة أن المرشد الإيراني «استدعى جميع القادة عدة مرات خلال اليومين الماضيين، وهو يريد إجابات».

صورة هنية خلال مظاهرة للتنديد بمقتله في مدينة صيدا الساحلية اللبنانية (أ.ف.ب)

رد «حزب الله» اللبناني

إلى ذلك، توقعت إيران أن يضرب «حزب الله» اللبناني «عمق» إسرائيل، و«ألا يكتفي بأهداف عسكرية»، رداً على اغتيال القيادي العسكري البارز في التنظيم فؤاد شكر بضربة إسرائيلية.

وقتل فؤاد شكر الذي كان مسؤولاً عن إدارة عمليات الحزب في جنوب لبنان، في غارة استهدفت مبنى في الضاحية الجنوبية لبيروت.

وتوعّد الأمين العام لـ«حزب الله» حسن نصرالله، الخميس، إسرائيل بـ«ردّ آت حتماً».

وقالت بعثة إيران لدى الأمم المتحدة إنه بعد اغتيال شكر: «نتوقع أن يختار (حزب الله) المزيد من الأهداف»، وأن يضرب في «عمق» إسرائيل، بحسب ما أوردت وكالة «إرنا» الرسمية.

وقالت البعثة الإيرانية إن «(حزب الله) والكيان (الإسرائيلي) كانا يلزمان خطوطاً تجاوزها الهجوم». وتابعت أن الحزب «لن يقتصر في رده على الأهداف العسكرية».

كما تحدث قائد «الحرس الثوري» الإيراني حسين سلامي عن أن الضربة الإسرائيلية القاتلة على منطقة سكنية في بيروت والتي أسفرت عن مقتل شكر ستنتهي بعقاب شديد لإسرائيل.

وفي رسالة تعزية إلى أمين «حزب الله» حسن نصرالله، حذر سلامي إسرائيل من عواقب اغتيال شكر في لبنان. وقال: «يجب أن ينتظروا الغضب والانتقام القاسي، والانتقام من جانب المجاهدين المخلصين في جبهات المقاومة الإقليمية».

وكانت إيران شيعت جثمان ميلاد بيدي، المستشار العسكري في «الحرس الثوري» في الغارة التي قتل فيها شكر بلبنان.

أنصار الحوثي في تجمع حاشد للتنديد بمقتل هنية (أ.ف.ب)

سيناريو الرد

منذ ليلة الجمعة - السبت، رفعت إيران درجة التهديدات، واستعمل إعلامها الرسمي أسلوب «الحرب النفسية»، حتى إن مذيعاً في قناة تلفزيونية قال في بث مباشر خلال المساء: «انتظروا شيئاً مهماً الليلة».

وفي نسخ الصحافة المحلية اليومية الصادرة صباح السبت، سطرت مانشيتات الصفحات الأولى عبارات من قبيل «الرعب في تل أبيب» و«الانتقام لهنية»، وسلطت الضوء على إغلاق مصانع ومراكز ومطارات إسرائيلية تحسباً لضربة من إيران أو حلفائها.

كما كثفت حسابات إلكترونية إيرانية في منصة «إكس» نشر أفلام دعائية لإطلاق صواريخ، وسوقت بنشاط غير مسبوق لفرضيات كثيرة عن طبيعة الرد.

وتداولت منصات محلية معلومات - بزعم أنها منسوبة إلى «رويترز» - عن استعدادات وشيكة لهجوم بصواريخ باليستية ضد إسرائيل، من إيران والعراق واليمن، بالتزامن مع إغلاق تركيا مجالها الجوي.

ولاحقاً خلال النهار، قال متحدث باسم «رويترز» إن الوكالة لم تنشر مثل هذه المعلومات الملفقة.

واستخدم مسؤولون إيرانيون تلميحات إلى شكل وحجم الرد على اغتيال هنية. وقال عضو مجلس خبراء القيادة حسن عاملي: «للأسف، ديننا لا يسمح بالاعتداء على المدنيين، لذلك تستهدف إيران فقط المراكز العسكرية. إذا كان بإمكان إيران استهداف المدنيين، لتم إخلاء تل أبيب بالكامل بالتأكيد وبلا شك، وكان هذا النظام البغيض سيسقط في غضون أيام قليلة».

لكن حساب المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في «إكس»، كتب السبت: «تنفيذ عملية عقابية ضد إسرائيل سيتم بالتأكيد في الوقت والطريقة المحددين. المؤشرات هي رعد يبشر ببرق نار الانتقام».


مقالات ذات صلة

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

شؤون إقليمية رجل شرطة روسي يقف حارساً عند قبر الجندي المجهول في حديقة ألكسندر خارج الكرملين بموسكو (إ.ب.أ)

طهران تحتج بعد توقيف «عنيف» لطالبَين إيرانيَين في روسيا

احتجت إيران، الحليف الوثيق لموسكو، لدى السلطات الروسية بعد عملية توقيف «عنيفة» لطالبَين إيرانيين في مدينة قازان الروسية.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية رئيس البرلمان اللبناني نبيه بري وعلي لاريجاني كبير مستشاري المرشد الإيراني في بيروت (أ.ب)

لاريجاني: رسالة خامنئي إلى الأسد وبري ستغيّر المعادلة

توقع مسؤول إيراني بارز تغيّر المعادلة في الشرق الأوسط بعد رسالة المرشد علي خامنئي الأخيرة إلى لبنان وسوريا.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية عرض عدد من أجهزة الطرد المركزي في طهران خلال اليوم الوطني للطاقة النووية الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

إيران ستستخدم أجهزة طرد مركزي متقدمة رداً على قرار «الطاقة الذرية» ضدها

قالت إيران إنها ستتخذ إجراءات عدة من بينها استخدام أجهزة طرد مركزي متقدمة، رداً على القرار الذي اتخذته «الوكالة الدولية للطاقة» الذرية مساء الخميس ضدها.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية منشأة بوشهر النووية الإيرانية (أ.ف.ب)

مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية يصدر قراراً ضد إيران

اعتمد مجلس حكّام الوكالة الدولية للطاقة الذرية مساء الخميس قراراً ينتقد رسمياً إيران بسبب عدم تعاونها بما يكفي فيما يتعلق ببرنامجها النووي.

«الشرق الأوسط» (فيينا)
شؤون إقليمية صورة وزعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية لمديرها العام رافائيل غروسي في مستهل اجتماعها الربع السنوي في فيينا play-circle 01:24

دول غربية تدعو إيران إلى تدمير اليورانيوم عالي التخصيب «فوراً»

دعت دول غربية إيران إلى «تدمير اليورانيوم 60 % فوراً»، فيما رجحت تقارير أن يصوت مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية على قرار ضد إيران غداً الجمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)

مسؤول إسرائيلي يوضّح كيف تسبب نتنياهو في قرار «الجنائية الدولية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
TT

مسؤول إسرائيلي يوضّح كيف تسبب نتنياهو في قرار «الجنائية الدولية»

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (رويترز)

صرّح مسؤول كبير لهيئة البث العامة الإسرائيلية، اليوم الجمعة، بأن قرار المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أمرَيْ اعتقال ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، كان من الممكن تجنبه لو سمح نتنياهو بفتح لجنة تحقيق رسمية في هجوم حركة «حماس» الفلسطينية يوم 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 والحرب التي اندلعت بسببه.

وقد رفض نتنياهو دعوات إجراء التحقيق، مدعياً أن مثل هذا التحقيق يجب أن ينتظر إلى ما بعد انتهاء الحرب، مع اتهامات من منتقديه أنه يحاول تجنب المسؤولية عن الفشل الذي حدث خلال الهجوم، وفق ما ذكرته صحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

وأوضح المسؤول الإسرائيلي الكبير، الذي لم يتم الكشف عن هويته، أن «الإجراءات التي تقررها المحاكم الدولية يتم اتخاذها ضد دول ليس لديها قضاء مستقل قادر على التحقيق بنفسه. وكان من شأن لجنة تحقيق أن تثبت أن إسرائيل مستعدة للقيام بذلك».

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الخميس، مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت والقائد العسكري في حركة «حماس» الفلسطينية إبراهيم المصري المعروف باسم محمد الضيف، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في الحرب الدائرة بقطاع غزة.