إسرائيل تطلب مساعدة «الأصدقاء والحلفاء» لمواجهة هجوم متعدد الجبهات

نتنياهو اتصل بالرئيس بايدن فوعده بالدعم لكنه انتقد اغتيال هنية

صورة تعود لـ1 أبريل 2015 خلال اختبار لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي الجديد «مقلاع داود» (رويترز)
صورة تعود لـ1 أبريل 2015 خلال اختبار لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي الجديد «مقلاع داود» (رويترز)
TT

إسرائيل تطلب مساعدة «الأصدقاء والحلفاء» لمواجهة هجوم متعدد الجبهات

صورة تعود لـ1 أبريل 2015 خلال اختبار لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي الجديد «مقلاع داود» (رويترز)
صورة تعود لـ1 أبريل 2015 خلال اختبار لنظام الدفاع الجوي الإسرائيلي الجديد «مقلاع داود» (رويترز)

جنباً إلى جنب مع تهديد إيران بالرد القاسي على أي «هجوم غير متناسب»، كشفت مصادر سياسية في تل أبيب أن الحكومة الإسرائيلية تجري اتصالات مع الدول الصديقة والحليفة لحشد التعاون في مواجهة هجوم متعدد الجبهات.

وفي هذا الإطار جاء اتصال رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، مع البيت الأبيض؛ حيث أجرى مكالمة مع الرئيس جو بايدن ونائبته كامالا هاريس، حول سبل التصدي المشترك لهجوم بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، فأخبره بايدن بأن القوات الأميركية في المنطقة أجرت تجهيزات جديدة لقواتها كي تجهض أي هجوم يهدد إسرائيل، لكنه طلب منه التعاون مع جهود الولايات المتحدة لتخفيف التوتر في المنطقة والامتناع عن الانزلاق لحرب إقليمية.

الرئيس جو بايدن يصافح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في المكتب البيضاوي بالبيت الأبيض في واشنطن (أرشيفية - أ.ب)

وطلب نتنياهو زيادة كميات الأسلحة والذخيرة، وتحرير القنابل الذكية، فوعده بايدن بذلك من دون أن يبدي تحفظاً على القنابل الذكية التي كان قد قرر تأخير إرسالها لإسرائيل.

وقالت المصادر إن بايدن انتقد اغتيال رئيس حركة «حماس»، إسماعيل هنية، وقال له إن هذا الاغتيال لن يساعد على وقف التوتر الحربي، لكنه وعده بوضع القدرات الأميركية لمنع تهديد إسرائيل. وطلب ألا يكون الرد الإسرائيلي على هجوم إيراني، أياً كان، بشكل يقود إلى تصعيد خطير، فأجاب نتنياهو بأنه لن يمر بشكل عادي على هجوم يتسبب في مقتل مدنيين إسرائيليين. وفي أعقاب هذه المكالمة، قالت مصادر أميركية إن بايدن يعتقد أن جميع الأطراف تدرك خطورة الوضع، وليست معنية بإشعال حرب.

نظام «القبة الحديدية» الدفاعي الإسرائيلي (أرشيفية - رويترز)

وقدم الناطق بلسان الجيش، دانيال هغاري، بياناً للصحافة قال فيه إن الجيش يجري تقييمات متتابعة للتطورات وكيفية تجاوب الجبهة الداخلية، وأكد أنه لا توجد تعليمات خاصة في الوقت الحاضر، وأضاف: «لدينا شبكة دفاع قوية جداً مع الحلفاء والشركاء الدوليين الذين قاموا باستعدادات خاصة بهم للمشاركة، ومساعدة إسرائيل في مواجهة التحديات والتهديدات. ودعا إلى اليقظة والالتزام بالتعليمات المقبلة.

وكانت إسرائيل قد أعلنت أنها تستعد لأسوأ الاحتمالات للرد الإيراني على اغتيال هنية، بما في ذلك شن هجمة متعددة الجبهات من طهران ولبنان والعراق واليمن وسوريا وغزة وحتى الضفة الغربية في آنٍ واحد، أو اتباع نهج الرد المنفرد لكل واحدة من هذه الأذرع. ومع أنها تدعي أنها غير معنية بحرب شاملة، فإنها تأخذ في الحسبان خطر التدهور إلى هذا الحد؛ ولذلك، فقد أعلنت عن أكبر حالة استنفار، منذ الرد الإيراني على اغتيال محمد زاهدي في دمشق في أبريل (نيسان) الماضي، وقالت إنها تتوقع أن يكون الرد الإيراني هذه المرة أقسى؛ لأن اغتيال هنية في قلب طهران يعد ضربة جارحة للكرامة الوطنية.

نتنياهو بين وزير الدفاع يوآف غالانت (يسار) ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي هرتسي هاليفي (د.ب.أ)

وأكدت أنه جرى نشر بطاريات القبة الحديدية ومقلاع داود وغيرهما من بطاريات الدفاع الجوي، لمواجهة هجوم بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيَّرة في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك منطقة تل أبيب، وألغت الإجازات في الجيش وبقية الأجهزة الأمنية، وقلصت حجم حركة الطيران المدني، وأصدرت أوامر إغلاق عشرات المصانع التي توجد فيها مواد خطيرة، وتبعد عن الحدود اللبنانية مسافة تصل حتى 40 كيلومتراً، وقررت تكثيف الدوريات الحدودية مع الضفة الغربية وقطاع غزة، واتخذت إجراءات غير معلنة للجبهة الداخلية ولقوات سلاح الجو.

وعقد نتنياهو جلسة تقدير عميق لنشاط الجبهة الداخلية، ومدى الاستعداد لحالة نشوب حرب. وقال إن إسرائيل لديها جاهزية عالية لكل تطور، في الدفاع والهجوم على السواء.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وسط جنود (أرشيفية - أ.ب)

وعقد المدير العام لديوان رئيس الوزراء، يوسي شيلي (الذي عُيِّن سفيراً في أبو ظبي)، اجتماعاً طارئاً عبر الزووم مع المديرين العامّين لجميع الوزارات، لغرض الإعداد لفتح كل أنظمة الطوارئ الحربية والأماكن المحمية والملاجئ في وقت قياسي في حال وجود إنذارات. وألقى رئيس سلطة الطوارئ الوطني في وزارة الأمن، العميد يورام لاردو، محاضرة حول السيناريوهات المتوقعة لهجوم المحور الإيراني، وعرض مديرو وزارات الداخلية والصحة والمالية والطاقة والمواصلات تقارير عن الاستعداد في وزاراتهم. وقال لهم شيلي إن عليهم ضمان ألا تقع البلاد في حالة هلع. وجرى في الاجتماع فحص نقل المرضى في المستشفيات من الطوابق العليا إلى المناطق الآمنة تحت الأرض. وفحص احتمال انقطاع التيار الكهربائي والعمل في الظلام. كما جرى فحص استعدادات شبكة الهواتف وضمان استمرار عملها. وجرى فحص خطة وزارة المواصلات لجلب إسرائيليين إلى البلاد من الخارج بشكل منظم. وجرى فحص مدى جاهزية مدن مختلفة لاستقبال نازحين من مناطق الحرب. وفحص احتمال النقص في عمال في المصانع الحيوية والحشد لمنع النقص في الغذاء.

وزوّدت المخابرات الإسرائيلية الوزراء بهواتف تعمل بالأقمار الاصطناعية تحسباً لانهيار شبكة الاتصالات.



هنية اعتاد النزول في الشقة التي اغتيل فيها ما سهل وضع العبوة الناسفة

إسماعيل هنية يرفع شارة النصر خلال حفل تنصيب الرئيس الإيراني بطهران في 30 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
إسماعيل هنية يرفع شارة النصر خلال حفل تنصيب الرئيس الإيراني بطهران في 30 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
TT

هنية اعتاد النزول في الشقة التي اغتيل فيها ما سهل وضع العبوة الناسفة

إسماعيل هنية يرفع شارة النصر خلال حفل تنصيب الرئيس الإيراني بطهران في 30 يوليو 2024 (أ.ف.ب)
إسماعيل هنية يرفع شارة النصر خلال حفل تنصيب الرئيس الإيراني بطهران في 30 يوليو 2024 (أ.ف.ب)

بالاعتماد على مصادر أمنية من إيران وعدة دول في المنطقة، كُشف النقاب عن أن رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، كان يحب الشقة التي تم اغتياله فيها.

واعتاد على النزول فيها كل مرة يزور فيها طهران. ولذلك كان من السهل تحديد طريقة اغتياله بزرع العبوة.

وحسب الخبير الإسرائيلي في الشؤون الأمنية، رونين بيرغمان، الذي يعمل في صحيفتي «نيويورك تايمز» الأميركية و«يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، فإن من قرر اغتياله استغل نقطة الضعف الاستخبارية هذه جيداً.

وقال إن إسرائيل كانت قد قررت اغتيال هنية فور الهجوم الذي شنته «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. ومع أن إسرائيل لم تأخذ مسؤولية رسمية عن تصفية زعيم «حماس»، ويتم نشر المعلومات فيها بالاعتماد على «مصادر أجنبية»، فإن بالإمكان النشر أن قرار الاغتيال كان موضع نقاشات عديدة في القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية، وكذلك مع المخابرات الغربية. فقد اعتقد الأميركيون والأوروبيون أن هنية يمثل تيار الاعتدال في قيادة «حماس» وكان على خلاف مع يحيى السنوار بشأن التقدم في صفقة تبادل أسرى مع إسرائيل. إلا أن المخابرات الإسرائيلية حملت رأياً مخالفاً قالت فيه إنه في عدة مرات تبين أن هنية تبنى مواقف أكثر تطرفاً حتى من السنوار. ولذلك تقرر الاستمرار في خطة اغتياله.

إسماعيل هنية يلقي كلمة بمناسبة الذكرى الـ21 لتأسيس «حماس» في غزة 14 أكتوبر 2008 (رويترز)

وأكد بيرغمان أن هنية أكثر من تنقلاته من بلد لآخر، واستقر بالأساس في الدوحة وإسطنبول. ولم يكن ممكناً اغتياله هناك. وقد فضلت إسرائيل، أغلب الظن، ألا تجري الاغتيال على أرض قطر، التي تتوسط بين إسرائيل و«حماس»، ولا يجوز المساس بها لأن ذلك سيورطها في صدام مع الأميركيين، ولم تقرر اغتياله في تركيا خوفاً من فتح جبهة حربية معها، وهي دولة عضو في حلف «الناتو». لذلك قررت التركيز على زياراته إلى إيران. فاكتشفت أنه اعتاد النزول في الشقة نفسها كل مرة.

وينقل بيرغمان عن أحد المصادر الاستخبارية أن تخطيط الاغتيال لهنية استغرق شهوراً وتطلب متابعة واسعة لمنشأة الاستضافة المحروسة جيداً والتابعة للحرس الثوري الإيراني. ولذلك تقرر زرع عبوة ناسفة ليتم تفجيرها عن بعد، في الوقت المناسب. ومن هنا فإن توقيت الاغتيال لم تكن له علاقة مع توقيت اغتيال فؤاد شكر، الذي تم في بيروت قبل سبع ساعات، بل تزامن الاغتيالان بالصدفة.

ويؤكد الكاتب أن إسرائيل لم تذرف دمعاً على مقتل مساعد هنية، ومرافقه الدائم، وسيم أبو شعبان، الملقب «أبو أنس». فهو كان على مدى سنين مقاتلاً وقائد سرية في وحدة النخبة لـ«حماس» في غزة. وهو الذي نفذ عملية «الفيلبوكس» في حملة السور الواقي سنة 2014، حين كان عضواً في خلية تسللت في نفق إلى منطقة كيبوتس ناحل عوز وقتلت خمسة من مقاتلي الجيش الإسرائيلي من كتيبة 17 لمدرسة قادة الحظائر.

يحيى السنوار وإسماعيل هنية خلال فعالية بقطاع غزة في 2017 (أ.ف.ب)

ويضيف بيرغمان أن من قرر اغتيال هنية وجدها فرصة ذهبية في يوم الاثنين الماضي، حيث وصل للمشاركة في مراسم تنصيب الرئيس الإيراني الجديد، مسعود بزشكيان، سوية مع 86 وفداً. وقد برز هنية في الكثير من الصور بشكل تميز به عن كثير من المشاركين الآخرين. فأعطيت الإشارة للمنفذين. وراح القادة السياسيون والعسكريون يتابعون من تل أبيب تقدم العملية، وفي ليلة الثلاثاء - الأربعاء، الساعة 1:44 فجراً (1:14 حسب توقيت مكة والقدس)، نفذت العملية. ومن طريقة زرع العبوة، وتركيبتها المهنية الدقيقة، لم يكن ممكناً أن ينجو من الاغتيال، لا هو ولا مرافقه. وقد حاول الأطباء إنقاذهما لكنهم اضطروا للإعلان عن وفاتهما. وقد ظل خبر الاغتيال مكتوماً لعدة ساعات، لدرجة أنه عندما تسلل إلى بعض وسائل الإعلام، وسألوا قادة «حماس»، جاءت الإجابة بالسخرية والتهكم. وفقط في الخامسة والربع من فجر الأربعاء نشر أحد أبناء هنية على حسابه في الشبكات الاجتماعية الخبر.

المرشد الإيراني علي خامنئي مع إسماعيل هنية في طهران (أرشيفية - د.ب.أ)

لكن إسماعيل قآني، قائد «فيلق القدس» في الحرس الثوري الإيراني، المسؤول عن العلاقة بين إيران و«حماس» وباقي الأذرع والميليشيات، وضع على الفور في صورة خبر الانفجار. فكانت صدمته شديدة. ففي اغتيال كهذا، تكون إسرائيل قد نجحت في استغلال ثغرة خطيرة في الدفاع الإيراني. ويقول بيرغمان: «هذه الثغرة، حسب المصادر الإيرانية، كانت فشلاً استخبارياً وحراسياً كارثياً بالنسبة لإيران، بل وحرجاً للحرس الثوري، الذي يستخدم هذا المجمع السكني الراقي للقاءات سرية ولاستضافة زعماء، مثل هنية».

وينقل بيرغمان عن مسؤول إسرائيلي ممن تابعوا العملية في تل أبيب، أن هذا الاغتيال يمكن أن يكون خاتمة الحرب في غزة، من وجهة النظر الإسرائيلية. فهو يصلح لأن يكون «صورة النصر» التي ينتظرها الجميع، والتي لا يستطيع نتنياهو أن يوقف الحرب من دونها. لكن إحدى زميلاته ردت تقول: «إسرائيل لن تعترف في أي يوم بمسؤوليتها عن عملية اغتيال كهذه». فأضاف ثالث: «إذن فليقولوا إن هذه صورة النصر الإسرائيلي بحسب مصادر أجنبية».

مؤسس حركة «حماس» الشيخ أحمد ياسين يتحدث مع مدير مكتبه إسماعيل هنية في صورة تعود لعام 2002 (رويترز)

لكن الأجواء في الشرق الأوسط لم توحِ بوقف الحرب، بل باتت تخيم أجواء حرب إقليمية. والوسطاء في صفقة التبادل غاضبون. فمن جهتهم كان هنية قناة الاتصال الأكثر جدية وحيوية مع قيادة «حماس» في غزة. ومع ذلك، هناك من يرى أن الاغتيال قد يعطي دفعةً لإنجاح المفاوضات. فمن ناحية «حماس» لا تريد إفشال المفاوضات، ومن جهة نتنياهو توجد لديه صورة نصر.