اليمين الإسرائيلي يعتبر الحرب في غزة فشلاً ذريعاً

يتهم الجيش بإعطاء صورة مشوهة للجمهور للتغطية على عجزه

دبابة للجيش الإسرائيلي خلال معارك غزة (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
دبابة للجيش الإسرائيلي خلال معارك غزة (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
TT

اليمين الإسرائيلي يعتبر الحرب في غزة فشلاً ذريعاً

دبابة للجيش الإسرائيلي خلال معارك غزة (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)
دبابة للجيش الإسرائيلي خلال معارك غزة (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

في إطار الضغط لمنع وقف الحرب على غزة، تنشر وسائل إعلام يمينية متطرفة وصحافيون عسكريون تابعون لهذا التيار، تقارير تعتبر عمليات الجيش الإسرائيلي منذ بداية الحرب قبل نحو تسعة أشهر، فاشلة. وتتهم الجيش بتضليل الجمهور بتصريحات عن تحقيق إنجازات وتدمير 70 في المائة من قوة «حماس» العسكرية، وتعتبر نشر هذه المعلومات «محاولة للتستر على الفشل».

وقال دورون كادوش، المراسل العسكريّ لإذاعة الجيش الإسرائيليّ «غالي تساهل»، إن «تقييم الوضع الراهن الذي قامت به القيادة الجنوبيّة للجيش الإسرائيلي في الأسبوع الماضي، تضمن ادعاءً بأنّ (حماس) لم تعد جيشاً إرهابيّاً مُنظّماً، بل تحوّلت جيش عصابات مكوّناً من تنظيمات محليّة». وأضاف: «الجيش الإسرائيليّ يعتقد بأنّ (حماس) فقدت قدرة القيادة الموحّدة في كامل القطاع. أيّ أنّ كلّ قائد من القيادات المحليّة يسيطر على منطقته، دون أيّ تنسيق أو تواصل بينهم. وتمّت تصفية 12 من بين 24 قائد كتيبة، ولكن لديهم بدلاء، بقدرات أقل. لكن هذا التقدير أيضاً يدل على فشل إسرائيلي. فأولاً، لا يحتاج المُقاتل البسيط في (حماس) إلى قائد كتيبته ليطلّ من عين نفق لإطلاق قذيفة RPG على دبابة للجيش الإسرائيليّ. عندنا، ربّما اعتادوا طلب موافقة على كلّ طلقة، لكن في (حماس) لا يحتاجون إلى ذلك. وثانياً، يدعي الجيش أنه قام بتفكيك الكتيبة عندما يتمكن من قتل 70 في المائة من مقاتليها. وهذا خطأ فادح، لسببين. أوّلاً، لا تعمل (حماس) وفقاً لكتائب وألوية بالمفهوم المتّبع للكلمة. وحتّى مع تفكيك كتيبة فبإمكان مقاتليها أن يصيبوا مقاتلي الجيش الإسرائيليّ بقوّة، والاستمرار بسيطرتهم الناجعة على السكّان».

جندي إسرائيلي خلال المعارك في قطاع غزة الثلاثاء (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

ونشر موقع «ميدا» اليميني تقريراً شبيهاً بقلم المحرر الرئيسي فيه، عكيفا بيغمان، قال فيه إنه «باستثناء الهجوم على إسرائيل الذي نفّذته قوّة مكوّنة من 1000 إلى 1500 مُقاتل نُخبة، لم يكن لدى حماس قوّة مُناورة أو قوّة «فوق محليّة» نظاميّة. في الواقع، انتمى مُقاتلو النخبة ذاتهم أيضاً إلى تنظيمات محليّة. كما حاول الجيش مراراً وتكراراً عند السيطرة على حيّ أو قرية خلال العمليّة التأكيد بالقول «من هنا، خرج المخربّون» الذين اجتاحوا بلدة ما في غلاف غزّة. وبمعزل عن النخبة، والتي تُعتبر أيضاً «نظاميّة» إلى حدٍّ ما، دائماً ما كانت كافّة تنظيمات حماس محليّة. لم تصعد كتائب رفح لتعزيز كتائب الشجاعيّة عندما هاجمها «لواء جولاني» وكذلك كتائب خان يونس لم تُرسل إلى بيت حانون لصدّ هجوم الجيش الإسرائيليّ. عمل كلّ إطار في مكانه كتنظيم عصابات في الدفاع منذ بدء الهجوم. فهم يندمجون بين السكّان، ويختبئون في الأنفاق، ويتنقّلون من منزلٍ إلى آخر ومن فتحة نفقٍ إلى أخرى لضرب القوّات من الخلف».

ويضيف: «صفّى الجيش الإسرائيليّ حتّى الآن ما يقارب 14000 مخرّب من (حماس)، من بين نحو 30000 مقاتل في الذراع العسكريّة. ويُقدّر بقاء 15000 مقاتل على قيد الحياة... والتشكيلة التنظيميّة الوحيدة المُتبقيّة في غزّة تضمّ نحو 10000 مخرّب. هذا هو عدد مقاتلي (حماس) عند بداية الحرب. وإذا تمّت تصفية نصفهم تقريباً، وإذا أزلنا الهاربين، يبقى ثلثهم على قيد الحياة، وبالإمكان الإعلان عن (تفكيك حماس). لكن هذا خطأ فادح. تعتمد هذه المعطيات بشكل عامّ على قوائم مُتلقّي الرواتب، وقوائم المُجنّدين والفاعلين، ومعلومات استخباراتيّة (رسميّة) أخرى، لكنّها ليست ذات صلة. إنّ مُقاتل (حماس) الذي اجتاز جيل القتال وخرج من (القائمة) (مثل جنود الاحتياط المعفيّين في الجيش الإسرائيليّ)، ما زال مُخرّباً فعّالاً ومُدرّباً ولديه قدرات. كلّ ما يحتاج إليه هو مناليّة للسلاح، غير المُنقطع في قطاع غزّة، وهو مقاتل فتّاك تقريباً بقدر زميله الأصغر سنّاً».

آليات إسرائيلية خلال العمليات الجارية في رفح بأقصى جنوب غزة يوم الأحد (الجيش الإسرائيلي - أ.ف.ب)

وكان موقع «ميدا» قد انتقد بيانات الجيش الإسرائيلي التي تتحدث فقط عن «حماس»، وتتجاهل تنظيم «الجهاد الإسلاميّ»، الذي كان يضمّ قبل الحرب نحو 10000 شخص، ونحو 60 - 70 في المائة منهم مُعرّفون أنّهم أصحاب «أدوار قتاليّة». وقال: «على الرغم من عدم وضعهم في الحسبان بأي تقييم أو إحاطة صحافيّة، فهم يجيدون القتال. فالحقائق واضحة في هذا الموضوع. (...) لا شكّ بأنّ (حماس) تتعافى، وأنّ التقارير حول (تفكيك) أطر استناداً إلى إحصائيّات قديمة، هي ببساطة منفصلة عن الواقع».

ويسخر الموقع من إعلان الجيش الإسرائيليّ إنهاء العمليّة في رفح والإعلان عن انتصار. ويقول: «التقدير في الجيش هو أنّه قد أُنجز تفكيك كتيبتين من بين أربع كتائب من لواء رفح وأنّ مقاتلي هذه الكتائب يعملون بشكل مستقلّ ودون إطار منظّم. أي أنّه لو كان ما يقارب اللواء في المدينة قبل العمليّة (نحو 3000 مقاتل)، ونسمع عن تفكيك كتيبتين، فبحسب طريقة حساب الجيش الإسرائيليّ الخاصّة فهناك 1000 قتيل لـ(حماس) على الأقلّ في المدينة. وهذا فقط عند اعتبار الحدّ الأدنى، 70 في المائة، وفقط عند الافتراض أنّ كلّ القتلى هم من الكتيبتين المفكّكتين فقط وليس من باقي الكتائب التي لم تفكّك بعد. لكن المتحدّث باسم الجيش الإسرائيليّ يحيط المراسلين بالروح ذاتها أنّه قتل في رفح 550 من مقاتلي (حماس). إذن كيف جرى (تفكيك) الكتائب؟ هل يعقل أنّ كتائب رفح مبنيّة من تركيبة كيميائيّة مختلفة، وأنّهم يتفكّكون عند الـ50 في المائة أو الـ40 في المائة؟ أو ربّما الحرارة هي التي تذوّبهم؟ الحقيقة مختلفة. تختار (حماس) في غزّة ألّا تقاتل. تختبئ في الأنفاق، وتعدّ الكمائن وتضرب القوّات من الخلف. تدرك (حماس) أنّ الجيش الإسرائيليّ تحت ضغط تسويق النجاح والانتصار للجمهور، وأنّ انتهاء العمليّة هو مسألة وقت نتيجة لضغوط أميركيّة أو اعتبارات أخرى. وهي فعلاً تريد البقاء على قيد الحياة. هذا هدفها وهذه طريقة عملها. عند خروج الجيش الإسرائيليّ، أو عند سحب قسم من قوّاته، سيعود المخرّبون (الهاربون) إلى الأرض وسيعيدون تأهيل سيطرتهم على السكّان. لا جديد في أيّ من ذلك. هكذا تدور حرب العصابات دائماً».


مقالات ذات صلة

سكان غزة يشعرون بالخوف بعد ظهور احتمال التوصل لاتفاق بين إسرائيل و«حزب الله»

المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل في قطاع غزة (رويترز)

سكان غزة يشعرون بالخوف بعد ظهور احتمال التوصل لاتفاق بين إسرائيل و«حزب الله»

يشعر الفلسطينيون في غزة بالخوف من أن تصب إسرائيل كامل قوتها العسكرية على القطاع، بعد ظهور احتمال التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي أفراد من القوات المسلحة الأردنية يسقطون مساعدات جوية على غزة 9 أبريل 2024 (رويترز)

طائرات عسكرية أردنية تسقط مساعدات على شمال قطاع غزة

قال مصدر رسمي إن طائرات عسكرية أردنية أسقطت، الثلاثاء، مساعدات على شمال غزة لأول مرة في خمسة أشهر للمساعدة في تخفيف وطأة الوضع الإنساني المتردي في القطاع.

«الشرق الأوسط» (عمّان)
المشرق العربي صبي جريح يجلس في مستشفى شهداء الأقصى عقب تعرضه للإصابة في غارة جوية إسرائيلية في مخيم البريج وسط غزة (إ.ب.أ)

حرب غزة: أكثر من 7 آلاف مجزرة إسرائيلية... و1400 عائلة مُحيت من السجلات

أعلنت وزارة الصحة في قطاع غزة أن «قوات الاحتلال ارتكبت 7160 مجزرة بحق العائلات الفلسطينية في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر».

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي نازحون فلسطينيون يسيرون في شارع غرب مدينة غزة الاثنين (أ.ف.ب)

الأمم المتحدة تدعو إلى وقف دائم لإطلاق النار في لبنان وإسرائيل وغزة

دعت الأمم المتحدة، اليوم (الثلاثاء)، من جديد إلى «وقف دائم لإطلاق النار» في لبنان وإسرائيل وغزة، في حين يتوقع إعلان هدنة بين إسرائيل و«حزب الله».

«الشرق الأوسط» (جنيف)
المشرق العربي فلسطينيات يستخدمن طريقاً جافاً لنقل المياه إلى خيمتهن بعد هطول أمطار غزيرة بدير البلح وسط قطاع غزة الأحد (أ.ف.ب)

الغزيون يكابدون الأمطار والبرد

تسبب الانخفاض الجوي الذي تشهده غزة، هذه الأيام، في زيادة معاناة سكان القطاع الذين يعانون أصلاً ويلات الحرب منذ 14 شهراً.

«الشرق الأوسط» (غزة)

7 أسباب رئيسية تدفع إيران لتغليب الحوار مع «الترويكا» الأوروبية على المواجهة

رافاييل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية متحدثاً للصحافة يوم 20 نوفمبر بمناسبة اجتماع مجلس محافظي الوكالة الذي ندد بفقدان التعاون من قبل إيران (أ.ف.ب)
رافاييل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية متحدثاً للصحافة يوم 20 نوفمبر بمناسبة اجتماع مجلس محافظي الوكالة الذي ندد بفقدان التعاون من قبل إيران (أ.ف.ب)
TT

7 أسباب رئيسية تدفع إيران لتغليب الحوار مع «الترويكا» الأوروبية على المواجهة

رافاييل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية متحدثاً للصحافة يوم 20 نوفمبر بمناسبة اجتماع مجلس محافظي الوكالة الذي ندد بفقدان التعاون من قبل إيران (أ.ف.ب)
رافاييل غروسي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية متحدثاً للصحافة يوم 20 نوفمبر بمناسبة اجتماع مجلس محافظي الوكالة الذي ندد بفقدان التعاون من قبل إيران (أ.ف.ب)

من الصعب التكهن، منذ اليوم، بما ستسفر عنه المحادثات حول مصير البرنامج النووي الإيراني التي ستجرى، يوم الجمعة المقبل، على الأرجح في جنيف، بين إيران و«الترويكا» الأوروبية (فرنسا وبريطانيا وألمانيا) التي كانت الدافع لمجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، بدعم من الولايات المتحدة، لتبني قرار يندد بعدم تعاون طهران بشأن الملفات الخلافية بينها وبين الوكالة.

ويبدو أن طهران تحاول المزاوجة بين الرد «القوي» من خلال نشر طاردات مركزية لتسريع، ورفع تخصيب اليورانيوم وبين الرد «السلس» عبر إبداء رغبتها في الحوار مع «الترويكا»، بل الانفتاح على البحث عن اتفاق نووي جديد يكون بديلاً عن اتفاق عام 2015 الذي لم يبق منه الكثير.

ولكن بالمستطاع حل إشكالية التناقض بين الموقفين لجهة تغليب الرغبة في التفاوض على السعي للتصعيد، وذلك لمجموعة عوامل متشابكة داخلياً وإقليمياً ودولياً، مع الإشارة إلى أن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي، الذي كان المحاور الرئيسي للأوروبيين بين عامين 2021 و2022، التقى هؤلاء في نيويورك على هامش أعمال الجمعية العامة.

ترمب يعرض مذكرة وقّعها للانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني في 8 مايو 2018 (أ.ب)

ترمب... أول التهديدات

تقول مصادر دبلوماسية في باريس، في توصيفها لتعيينات الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب في المناصب ذات الصلة بالشرق الأوسط، إن الخيط الجامع بينها أنها مؤيدة من غير تحفظ لإسرائيل، وأنها معادية لأقصى الحدود لإيران. وبدأت التهديدات لطهران تلوح في الأفق قبل شهرين من عودة ترمب إلى البيت الأبيض، إذ أكدت أوساطه أن «أوامر تنفيذية عدة خاصة بإيران سيتم الإعلان عنها في اليوم الأول من تسلمه الرئاسة، وأنها ستكون نافذة لأنها لا حاجة لمصادقة الكونغرس.

ولكن بالنظر لطباع ترمب وتقلباته، لا يمكن استبعاد قيام صفقة مفاجئة بينه وبين إيران تتناول النووي، غير أن مسائل أخرى تتعلق بأداء طهران في الشرق الأوسط والكيانات والتنظيمات التي تدعمها، قد تعني أنه سيكون على إيران أن تقدم تنازلات رئيسية، وأن تتخلى عن خطها الثوري وأن «تتطبع».

وهذا الاحتمال يبقى بعيداً، والأرجح أن تعود واشنطن إلى ممارسة «الضغوط القصوى» السياسية والدبلوماسية والاقتصادية، وربما أكثر من ذلك لإرغام طهران على المجيء صاغرة إلى طاولة المفاوضات من أجل اتفاق يزيل نهائياً إمكانية حصولها على سلاح نووي.

من هنا، فإن الطرف الإيراني يريد، من خلال التفاوض مع «الترويكا»، الاستفادة من مهلة الشهرين لتحقيق هدفين متلازمين، وهما: اختراق نووي إبان ما تبقى من ولاية الرئيس جو بادين من جهة، ومن جهة أخرى، محاولة دق إسفين بين الأوروبيين وإدارة ترمب القادمة عن طريق «إغراء» الترويكا ومنعها من «الالتحام» مع واشنطن لاحقاً.

الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان وصل إلى الرئاسة بوعود تحسين المعيشة اليومية للإيرانيين (د.ب.أ)

مغامرة عسكرية إسرائيلية - أميركية

والحقيقة أن إيران تبحر في محيط مجهول، ويكفي لذلك الإشارة إلى أن ترمب رأى أنه كان على إسرائيل أن تضرب المواقع النووية الإيرانية في حملتها الجوية يوم 26 أكتوبر (تشرين الأول) على إيران، رداً على هجمات طهران الصاروخية بداية الشهر المذكور.

وسبق لترمب أن أمر بالقضاء على قاسم سليماني بداية عام 2020 لدى خروجه من مطار بغداد. ومن هذا المنطلق، فإن طهران تقوم بمحاولة «استباقية» ويزداد خوفها من ضربة عسكرية مشتركة أميركية - إسرائيلية يحلم بها رئس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو منذ سنوات، لسببين: الأول، أن الضربة الإسرائيلية الأخيرة أضعفت الدفاعات الجوية الإيرانية بعد استهداف بطاريات «إس 300» الأربعة، روسية الصنع، ما دفع نتنياهو إلى القول إن الطائرات الإسرائيلية يمكنها، راهناً، أن تسرح وتمرح في الأجواء الإيرانية من غير أن تقلق. والثاني أن إيران كانت تراهن على التنظيمات الموالية لها لتهديد إسرائيل بحرب شاملة وعلى جبهات متعددة في حال هاجمتها واستهدفت برنامجها النووي.

والحال، أن حركة «حماس» لم تعد في وضع تهدد فيه إسرائيل، وكذلك فإن «حزب الله» الذي كان يعد أقوى تنظيم غير حكومي في المنطقة أصبح مقيد اليدين، ولن يغامر بحرب «إسناد» جديدة مع إسرائيل في حال تم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار بينه وبين تل أبيب؛ لذا فإن طهران أخذت تجد نفسها «مكشوفة» ومن غير ظهير فاعل، ما يدفعها لتغليب الحوار من البوابة الأوروبية.

عباس عراقي وزير الخارجية الإيراني أول من أشار في أغسطس الماضي إلى احتمال تفاوض إيران على اتفاق نووي جديد (رويترز)

بعبع «سناب باك»

لم ينص قرار مجلس المحافظين الأخير على تفعيل آلية «سناب باك» التي يعود بموجبها الملف النووي الإيراني إلى مجلس الأمن ومعه العودة لفرض عقوبات أممية على طهران، لكن ظله كان يخيم على المحافظين. وقال مصدر دبلوماسي أوروبي في باريس إن فشل جولة المفاوضات المرتقبة، وتمنع طهران عن الاستجابة لما طلبه منها محافظو الوكالة في قرارهم الأخير «سيعني الذهاب في شهر مارس (آذار) 2025، موعد الاجتماع القادم للمجلس، الذهاب إلى مجلس الأمن، وأن الأوروبيين لن يعارضوا هذه المرة، مثلما فعلوا في عام 2018، الرغبة الأميركية في فرض تنفيذ آلية «سناب باك» بحجة أن واشنطن خرجت من الاتفاق النووي لعام 2015، ومن ثم فقدت حقها في طلب تفعيل الآلية المذكورة.

ويذكر أن العمل بموجبها سيعني معاودة فرض 6 مجموعات من العقوبات الاقتصادية والمالية الدولية - وليس الأميركية وحدها - على طهران، ما سيؤثر بقوة على اقتصادها، بينما وصل مسعود بزشكيان إلى مقعد الرئاسة وهو يجر وراءه لائحة طويلة من الوعود التي أغدقها على الإيرانيين، وأولها تحسين أوضاعهم المعيشية التي ينهشها الغلاء والتضخم وغياب الاستثمارات الخارجية وخسارة العملة الإيرانية للكثير من قيمتها إزاء العملات الأجنبية. ومنذ اليوم، يمكن الرهان على أن إدارة ترمب ستسعى لخنق إيران من خلال التضييق على صادراتها من النفط موردها الأول من العملة الأجنبية، كما يمكن الرهان أيضاً على أن الأوروبيين سيستخدمون الورقة الإيرانية للتقارب مع سيد البيت الأبيض القديم ــ الجديد من أجل أغراض أكثر استراتيجية بالنسبة إليهم كمصير الحلف الأطلسي وما يعنيه من توافر مظلة نووية أميركية، بينما الطرف الروسي يواظب على التلويح باللجوء إلى السلاح النووي الذي لم يعد من المحرمات.

ولم تتردد الخارجية البريطانية في تأكيد الالتزام بفرض إجراءات عقابية إضافية على إيران «في حال لزم الأمر» في إشارة واضحة إلى «سناب باك». فالأشهر الـ13 الأخيرة غيرت كثيراً من المعادلات في منطقة الشرق الأوسط، وطالت إيران التي يبدو أن عليها التأقلم مع المعطيات المستجدة ما يفسر تأرجحها بين التصعيد والانفتاح، لكن هدفها الحقيقي والفعلي هو الخيار الأخير الأقل تكلفة.