إيران تغرق الضفة الغربية بالأسلحة ضمن حربها الخفية مع إسرائيل

مصادر إيرانية كشفت عن مسار تهريب سري يمر عبر العراق وسوريا والأردن

تفقُّد الأضرار بعد اجتياح إسرائيلي لمخيم نور شمس شمال الضفة الغربية ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
تفقُّد الأضرار بعد اجتياح إسرائيلي لمخيم نور شمس شمال الضفة الغربية ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
TT

إيران تغرق الضفة الغربية بالأسلحة ضمن حربها الخفية مع إسرائيل

تفقُّد الأضرار بعد اجتياح إسرائيلي لمخيم نور شمس شمال الضفة الغربية ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)
تفقُّد الأضرار بعد اجتياح إسرائيلي لمخيم نور شمس شمال الضفة الغربية ديسمبر الماضي (أ.ف.ب)

قال مسؤولون من الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران إن طهران تدير مساراً سرياً للتهريب عبر الشرق الأوسط، وتُوظف عملاء استخبارات ومتشددين مسلّحين وعصابات، لتوصيل أكبر قدر من الأسلحة إلى فلسطينيين بالضفة الغربية التي تحتلها إسرائيل، وفق ثلاثة مسؤولين إيرانيين تحدثوا لصحيفة «نيويورك تايمز».

وتزيد العملية السرية، في الوقت الحاضر، المخاوف من سعى إيران إلى «تحويل الضفة الغربية إلى بؤرة مشتعلة أخرى» في حرب الظل طويلة الأمد بين إسرائيل وإيران، بعد أن اكتسب هذا الصراع قدراً كبيراً من الأهمية، هذا الشهر، ما يهدد باشتعال صراع أوسع نطاقاً في الشرق الأوسط، بعد أن تعهدت إيران بالانتقام من الضربة الإسرائيلية التي استهدفت قنصليتها في دمشق وقتلت سبعة من قادتها في الحرس الثوري الإيراني.

وقال المسؤولون، للصحيفة، إن كثيراً من الأسلحة المهرّبة إلى الضفة الغربية يمر عبر مسارين، من إيران مروراً بالعراق وسوريا ولبنان والأردن وإسرائيل. وأضاف المسؤولون أنه مع عبور الأسلحة للحدود، فإنها تنتقل لفريق متعدد الجنسيات تشمل أعضاء في عصابات الجريمة المنظمة، ومتشددين مسلَّحين، وجنوداً وعملاء استخبارات. ولفت مسؤولون ومحللون إيرانيون إلى أن إحدى الجماعات الرئيسية في العملية هي مهرّبون بدو ينقلون الأسلحة عبر الحدود من الأردن إلى إسرائيل.

وأجرت صحيفة «نيويورك تايمز» مقابلات مع كبار المسؤولين الأمنيين والحكوميين الذين كانوا على علم بالجهود التي تبذلها إيران لتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية، بما في ذلك ثلاثة من إسرائيل، وثلاثة من إيران، وثلاثة من الولايات المتحدة. وقد طلب المسؤولون من الدول الثلاث حجب هويتهم لمناقشة العمليات السرية التي لم يُسمح لهم بالتحدث علناً بشأنها.

قال ماثيو ليفيت، مدير برنامج مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، المؤسسة البحثية، ومؤلف دراسة حول مسار التهريب: «إن الإيرانيين أرادوا إغراق الضفة الغربية بالأسلحة، وكانوا يستخدمون الشبكات الإجرامية في الأردن والضفة الغربية وإسرائيل، سيما من البدو، في نقل وبيع المنتجات».

ثمانية موقوفين من التسعة المتهمين بالتهريب في الأردن ديسمبر الماضي (القوات المسلحة الأردنية)

تقول مصادر مطّلعة إن عمليات التهريب إلى الضفة بدأت منذ عامين، عندما شرعت إيران في استخدام طرق تهريب بضائع أخرى. ومن غير الواضح بالضبط حجم الأسلحة التي وصلت إلى المنطقة في ذلك الوقت، رغم أن المحللين يقولون إن غالبيتها من الأسلحة الصغيرة.

في الأشهر التالية على الهجوم الذي شنته حركة «حماس» على إسرائيل من قطاع غزة، في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، شنت قوات الأمن الإسرائيلية حملة واسعة النطاق في الضفة الغربية، وُصفت بأنها جزء من جهود مكافحة الإرهاب ضد «حماس» والفصائل المسلّحة الأخرى لاستئصال الأسلحة والمسلّحين. وسقط مئات الفلسطينيين قتلى على يد القوات الإسرائيلية، بمن فيهم أولئك المتهمون بمهاجمة الإسرائيليين، وفق الأمم المتحدة، في واحدة من أعنف الفترات الدموية منذ عقود.

معتقلون ظلماً

تقول منظمات حقوق الإنسان إن كثيراً من الفلسطينيين معتقلون ظلماً، خصوصاً المحتجَزين في السجون الإسرائيلية دون محاكمات، وإنه من غير الواضح عدد المعتقلين الذين لديهم صلات حقيقية بالمسلّحين.

يقول عمر شاكر، مدير قسم إسرائيل وفلسطين في «هيومن رايتس ووتش»: «تشمل هذه الاعتقالات عدداً من الأشخاص الذين يجري القبض عليهم لأسباب غير واضحة. ولدى الحكومة الإسرائيلية سِجل حافل بالاحتجاز والاعتقال التعسفي، واحتجاز الناس بسبب ممارستهم حقوقهم الأساسية».

أرشيفية طهران 22 يناير قائد الحرس الثوري الجنرال حسين سلامي (وسط) أثناء تشييع عناصر قُتلوا في سوريا (نيويورك تايمز)

وأعلن قادة إيران، منذ سنوات، ضرورة تسليح المقاتلين الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة. ودأبت إيران، منذ فترة طويلة، على تزويد المسلّحين في أماكن أخرى من المنطقة بالأسلحة اللازمة لمهاجمة إسرائيل، ومن بينهم اثنان من حلفائها الفلسطينيين الرئيسيين في غزة، «حماس»، و«الجهاد الإسلامي»، وكلتا الجماعتين تعمل أيضاً في الضفة الغربية، وهما مصنفتان من قِبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وإسرائيل وبلدان أخرى، ضمن المنظمات الإرهابية.

وكشف المسؤولون الإيرانيون أن إيران لم تخص مجموعة معينة بسخائها، واختارت، بدلاً من ذلك، إغراق المنطقة بالأسلحة والذخيرة.

إفطار جماعي برمضان في طهران 3 أبريل وتبدو لافتة تنعى الجنرال محمد رضا زاهدي (نيويورك تايمز)

ويقول أفشون أوستوفار، الأستاذ المشارك في شؤون الأمن القومي بكلية الدراسات العليا البحرية والخبير في الشؤون العسكرية الإيرانية، إن إيران تركز على الضفة الغربية لأنها تدرك أن الوصول إلى غزة سوف يُقيّد في المستقبل المنظور، وإن «الضفة الغربية ستكون الحدود التالية التي سوف تخترقها إيران وتنشر الأسلحة فيها، وتتحول إلى مشكلة كبيرة، مثل غزة، إن لم تكن أكبر».

«فتح» تتهم

من جهتها، اتهمت «فتح»، الفصيل الفلسطيني الذي يسيطر على السلطة الفلسطينية التي تحكم قسماً كبيراً من الضفة الغربية، إيران، الأسبوع الماضي، بمحاولة «استغلال» الفلسطينيين لتحقيق مآربها عبر نشر الفوضى في المنطقة. وقالت حركة «فتح»، في بيان، إنها لن تسمح «باستغلال قضيتنا المقدسة ودماء شعبنا» من قِبل إيران.

ولم تُعلّق بعثة إيران لدى الأمم المتحدة، في بيان، على عملية التهريب، لكنها شددت على أهمية حمل الفلسطينيين السلاح ضد إسرائيل. وحتى بعد يوم 7 أكتوبر، ومع إطلاق وكلاء إيران بشكل متزايد لصواريخ من لبنان واليمن، اختارت إيران وإسرائيل حصر كثير من صراعهما في الظل.

دمار لحق مبنى القنصلية الإيرانية بحي المزة الدمشقي بعد قصف إسرائيلي أول أبريل (خاص بالشرق الأوسط)

لكن تلك الحرب السرية خرجت إلى العلن، الأسبوع الماضي، مع توجيه ضربة جوية إلى مبنى تابع للسفارة الإيرانية في سوريا. وفي الأول من أبريل (نيسان)، استهدفت اجتماعاً لقادة عسكريين إيرانيين «الحرس الثوري»، وأعضاء من حركة «الجهاد الإسلامي» في دمشق.

صور القيادات الإيرانية التي قُتلت بالغارة على القنصلية بدمشق معروضة داخل السفارة الإيرانية (رويترز)

وقال مسؤولون إسرائيليون وإيرانيون وأميركيون إن بين القتلى الجنرال محمد رضا زاهدي (65 عاماً)، الجنرال بـ«الحرس الثوري»، والمسؤول عن العمليات السرية الإيرانية في سوريا ولبنان، والتي تمر من أراضيها أجزاء من مسار تهريب الأسلحة. وجاء ذلك الهجوم في أعقاب غارة جوية إسرائيلية سابقة، في 26 مارس (آذار)، على نقطة التقاء رئيسية لطريق التهريب في شرق سوريا، وفقاً لمسؤولين أميركيين وإيرانيين واثنين من المسؤولين الإسرائيليين.

وقال مطّلعون إن غالبية الأسلحة المهرَّبة عبارة عن أسلحة صغيرة مثل المسدسات والبنادق الهجومية. ووفقاً لمسؤولين أميركيين وإسرائيليين، تباشر إيران أيضاً تهريب الأسلحة المتطورة. وقال مسؤولون إسرائيليون إن هذه الأسلحة تشمل صواريخ مضادة للدبابات وقذائف صاروخية تنطلق بسرعة وعلى ارتفاع منخفض من الأرض، مما يخلق تحدياً لإسرائيل في الدفاع عن الأهداف المدنية والعسكرية من النيران قريبة المدى.

وأفاد جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي «شين بيت» بأنه استولى مؤخراً على مُعدات عسكرية متطورة هُربت إلى الضفة الغربية، وأنه «يأخذ على محمل الجد الانخراط في الأنشطة التي تُوجهها إيران والشركاء التابعون لها، وسوف يواصل تنفيذ التدابير الفعالة في جميع الأوقات لرصد وإحباط أي نشاط يُعرّض أمن دولة إسرائيل للخطر».

وأفاد مسؤولون إسرائيليون وإيرانيون وأميركيون، الصحيفة، بأن إيران تستخدم مسارين رئيسيين لنقل الأسلحة إلى الضفة الغربية. على أحد المسارين يحمل المسلّحون المدعومون من إيران والعملاء الإيرانيون الأسلحة من سوريا إلى الأردن، ومن هناك يجري نقلها إلى الحدود ثم إلى المهربين البدو، وبدورهم ينقلون الأسلحة إلى الحدود مع إسرائيل، حيث تقوم عصابات الجريمة المنظمة بنقلها إلى الضفة الغربية.

وتستغل الجهود الإيرانية طريقاً معروفاً للتهريب في الأردن، يتقاسم حدوداً سهلة الاختراق تمتد لمسافة 300 ميل مع إسرائيل. وقال أحد المسؤولين الإيرانيين إن التشديد الأمني في كل من إسرائيل والأردن، منذ السابع من أكتوبر، زاد من خطر القبض على المُهرّبين، خصوصاً بالنسبة للبدو وعرب إسرائيل الذين يلعبون أدواراً حاسمة في قدرتهم على عبور الحدود.

مسار ثان من سوريا ولبنان

وقال اثنان من المسؤولين الأميركيين إن مساراً ثانياً أكثر تحدياً يتخطى الأردن، وينقل الأسلحة من سوريا إلى لبنان، ومن هناك يجري تهريب الأسلحة إلى إسرائيل، حيث تقوم العصابات بتسلمها ثم نقلها إلى الضفة الغربية.

قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة تقوم بدورية عند الجانب اللبناني من الحدود مع إسرائيل (د.ب.أ)

يقول ليفيت إن المسار عبر لبنان أكثر صعوبة، ولا سيما منذ بدء حرب غزة؛ لأن الحدود التي يعمل عليها «حزب الله» تخضع لرقابة أكثر تشدداً من جانب الجيش الإسرائيلي وقوات حفظ السلام، التابعة للأمم المتحدة.

يجري أغلب النشاط، الذي ينطوي على تنسيق مسار التهريب، بواسطة عملاء إيرانيين من «فيلق القدس»؛ وهو جهاز الاستخبارات الخارجية التابع للحرس الثوري، وفق اثنين من المسؤولين الإيرانيين التابعين للحرس الثوري. وقالت إيران إنه، بالإضافة إلى قتل زاهدي، أدت الضربة الإسرائيلية ضد مبنى القنصلية الإيرانية بدمشق، بداية هذا الشهر، إلى مقتل جنرالين آخرين من «فيلق القدس»، وأربعة ضباط آخرين، مما يجعله واحداً من أكثر الهجمات دموية في حرب الظل بين الجانبين.

وكشف مسؤولون أميركيون واثنان من المسؤولين الإسرائيليين أن سلسلة من الهجمات في سوريا استهدفت، قبل أسبوع، وحدتين تابعتين للاستخبارات الإيرانية ضالعتين في عمليات التهريب؛ الأولى معروفة باسم «الشعبة 4000»، تخضع للإشراف المباشر من «الحرس الثوري». أما الوحدة الأخرى، «الشعبة 18840»، فيديرها «فيلق القدس».

*خدمة «نيويورك تايمز»


مقالات ذات صلة

إسرائيل تفرض إغلاقاً على المدن الفلسطينية بالضفة الغربية

المشرق العربي جنود إسرائيليون أثناء مداهمة في مدينة نابلس بالضفة الغربية... 10 يونيو 2025 (أ.ب)

إسرائيل تفرض إغلاقاً على المدن الفلسطينية بالضفة الغربية

فرضت القوات الإسرائيلية إغلاقا على المدن الفلسطينية في الضفة الغربية، وذلك في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على إيران، بحسب تقارير إعلامية.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية مستوطنون وعسكريون إسرائيليون داخل «قبر يوسف» في نابلس عام 2022 (إكس) play-circle 01:51

خطة إسرائيلية لإعادة احتلال «قبر يوسف» في نابلس... فماذا نعرف عنه؟

«قبر يوسف» الذي يعد «جيباً» داخل مناطق السلطة يعود للواجهة، بعد محاولات قادة الاستيطان اليهودي احتلاله مرة أخرى، مستغلين العملية العسكرية الحالية في نابلس.

كفاح زبون (رام الله)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو (أ.ب)

أميركا تنتقد فرض 5 دول عقوبات على وزيرين إسرائيليين

انتقدت واشنطن، الثلاثاء، عقوبات فرضتها المملكة المتحدة (بريطانيا) و4 دول حليفة لها على وزيرين إسرائيليين من اليمين المتطرف.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
شؤون إقليمية السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي خلال زيارة للحائط الغربي في البلدة القديمة بالقدس، 18 أبريل 2025 (رويترز)

السفير الأميركي لدى إسرائيل: واشنطن لم تعد تؤيد بشكل كامل قيام دولة فلسطينية مستقلة

قال السفير الأميركي لدى إسرائيل مايك هاكابي، اليوم الثلاثاء، إن الولايات المتحدة لم تعد تؤيد بشكل كامل قيام دولة فلسطينية مستقلة.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية جنود إسرائيليون في نابلس بالضفة الغربية (أ. ب) play-circle 00:37

الجيش الإسرائيلي يقتحم نابلس شمال الضفة وينفذ عملية واسعة النطاق فيها

بدأت صباح الثلاثاء عملية عسكرية إسرائيلية واسعة النطاق حول البلدة القديمة في نابلس، شمال الضفة الغربية المحتلة.

«الشرق الأوسط» (نابلس (الأراضي الفلسطينية))

هل تنجح الضربات الإسرائيلية في القضاء على طموحات إيران النووية؟

صورة بالأقمار الاصطناعية لمنشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم بعد استهدافها من قبل إسرائيل (رويترز)
صورة بالأقمار الاصطناعية لمنشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم بعد استهدافها من قبل إسرائيل (رويترز)
TT

هل تنجح الضربات الإسرائيلية في القضاء على طموحات إيران النووية؟

صورة بالأقمار الاصطناعية لمنشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم بعد استهدافها من قبل إسرائيل (رويترز)
صورة بالأقمار الاصطناعية لمنشأة «نطنز» لتخصيب اليورانيوم بعد استهدافها من قبل إسرائيل (رويترز)

في غضون أيام قليلة من الحرب، قتلت إسرائيل أكثر من 14 عالماً نووياً إيرانياً بارزاً، وقضت على عدد من أهم قادة الجيش الإيراني، وألحقت ضرراً بمنشآت نووية.

لكن على الرغم من ذلك، فإن عدداً من القادة العسكريين الإسرائيليين وخبراء الانتشار النووي الدوليين يتفقون على أن ما تفعله إسرائيل هو مجرد «استعراض لهيمنتها العسكرية والاستخباراتية»، لكنه لم يُلحق ضرراً بالغاً بالبرنامج النووي الإيراني المحمي بشكل كبير، وفقاً لما نقلته صحيفة الـ«غارديان» البريطانية.

بالإضافة إلى ذلك، يرى الخبراء أن رهان إسرائيل على القوة قد يدفع بإيران إلى تسريع جهودها للحصول على قنبلة نووية إذا انتهى الصراع الحالي دون تدمير كامل للبرنامج النووي أو التوصل إلى اتفاق ذي ضوابط صارمة.

وقال مسؤول عسكري إسرائيلي، طلب عدم الكشف عن هويته، إن «الهجمات الإسرائيلية الأولية أخّرت قدرة إيران على صنع سلاح نووي فعال بضعة أشهر فقط».

ويعتقد مسؤولون في الاستخبارات الأميركية أن طهران كانت على بُعد نحو 3 سنوات من القدرة على إطلاق سلاح نووي، وأنها لم تكن تسعى «جاهدةً» لامتلاك قنبلة، وفقاً لما ذكرته شبكة «سي إن إن» الأميركية، الثلاثاء، ومن ثم، فإن «تأخير قدرة إيران على صنع هذا السلاح بضعة أشهر أمر لا أهمية له نسبياً».

وزعم رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه شنّ الهجمات لأن إيران كانت على وشك امتلاك قنبلة نووية. ولكن حتى لو كان ذلك صحيحاً، فإن الضربات التي شُنّت حتى الآن لن تمنع هذا الأمر، وقد لا تتمكن إسرائيل من إحداث مزيد من الضرر الدائم دون مساعدة الولايات المتحدة.

وعلى الرغم من أن الهجمات الإسرائيلية أدت إلى إثارة الخوف في صفوف القيادة الإيرانية والشعب، فإنها من المرجح أن تكون قد خففت من حدة استياء الشعب الإيراني من تكاليف البرنامج النووي.

وقالت سيما شاين، المختصة في الشؤون الإيرانية الرئيسة السابقة لقسم الأبحاث بجهاز الاستخبارات الإسرائيلي: «بعد انهيار الوكلاء الإقليميين لإيران، الذين كانوا درعاً دفاعية للنظام، خلال العام الماضي، ازداد التركيز داخل إيران على إمكانية تطوير برنامج نووي».

وأضافت: «لم أرَ قط هذا الكم من الحديث عن القدرة العسكرية النووية الإيرانية كما رأيته خلال مدة العام ونصف العام الماضية. إذا انتهت الحرب دون تدمير البرنامج النووي، فمن المرجح أن تطور إيران قنبلة نووية».

واتفق مسؤول عسكري غربي ذو خبرة بالمنطقة مع رأي شاين، قائلاً إن «هجمات إسرائيل، على الرغم من تصويرها على أنها ضربات استباقية، من المرجح أن تكون حافزاً لانتشار الأسلحة النووية».

وأضاف: «وجهة نظري الشخصية هي أن الإيرانيين سيبذلون قصارى جهدهم بعد ذلك للحصول على سلاح نووي».

منشأة «فوردو»

إن أكبر عقبة أمام التدمير العسكري للمشروع النووي الإيراني هي منشأة «فوردو» النووية الإيرانية، وهي الأشد تحصيناً مقارنة بالمنشآت النووية الأخرى في البلاد.

وهذه المنشأة موجودة في أعماق جبل لحمايتها من أي هجوم؛ مما يعني أنها بعيدة عن متناول حتى أقوى الأسلحة الإسرائيلية.

وتضم المنشأةُ أجهزةَ طرد مركزي ومعظمَ اليورانيوم عالي التخصيب في البلاد، والجيشُ الأميركي وحده هو من يمتلك القنبلة التي تزن 30 ألف رطل القادرة على الوصول إلى «فوردو».

ووسط نشوة إسرائيلية عارمة جراء الضربات الأولى، حذّر مستشار الأمن القومي الإسرائيلي، تساحي هنغبي، بأن الجيش الإسرائيلي لا يستطيع تفكيك البرنامج النووي الإيراني بمفرده.

وقال لوسائل إعلام إسرائيلية: «لا يمكن تحقيق ذلك بالوسائل العملية». وأضاف أن بإمكان الجيش بدلاً من ذلك تهيئة الظروف لاتفاق طويل الأمد، بوساطة أميركية، من شأنه أن يوقف البرنامج النووي الإيراني تماماً.

لكن نتنياهو لم يترك مجالاً للشك في أنه يفضل التعاون العسكري الأميركي لمواجهة إيران على الحل الدبلوماسي.

ولا يحلم نتنياهو بتدمير البرنامج النووي فقط، بل بتغيير النظام في طهران أيضاً. لكن مع كل صاروخ يسقط في مناطق مدنية، تبدو مناشداته الشعب الإيراني الوقوف ضد النظام أكبر زيفاً على أرض الواقع.

ماذا لو رفضت الولايات المتحدة ضرب «فوردو»؟

إذا قرر ترمب في النهاية البقاء بعيداً عن هذه الحرب، وتأخرت إيران في قبول اتفاق يكبح برنامجها، فإن إسرائيل ستكون لديها خيارات عسكرية أخرى لإلحاق ضرر دائم بـ«فوردو».

وقال أليكس غرينبرغ، المحلل والباحث السابق في شؤون إيران بقسم أبحاث الاستخبارات في الجيش الإسرائيلي: «لطالما كان هناك هوس في إسرائيل والعالم بقصف المواقع النووية. حتى لو استُحيل تدمير (فوردو) جواً، فهناك أساليب أخرى».

وأضاف: «من المرجح أن استيلاء إسرائيل على نسخة من الأرشيف النووي الإيراني منحها إمكانية الوصول إلى بعض الأسرار عن (فوردو)؛ مما قد يُسهّل تعطيل أنظمة الدعم بالمنشأة، أو حتى إرسال قوات خاصة لتدميرها في عملية برية».

وهناك سابقة لهذه الأساليب في غارات إسرائيلية أخرى. وقد أدى هجوم وقع هذا الأسبوع على إمدادات الكهرباء لمنشأة أخرى للتخصيب في «نطنز» إلى تدمير أجهزة الطرد المركزي بها.

والعام الماضي، أرسلت إسرائيل قوات «كوماندوز» خاصة لتدمير مصنع صواريخ تحت الأرض تابع لـ«حزب الله» في عمق سوريا. وعلى الرغم من أن منشأة «فوردو» محميّة بدفاعات كثيفة، فإن إسرائيل، بما تزعمه الآن من سيطرتها على المجال الجوي غرب إيران، قد ترسل فرقاً على متن طائرة «سي130» لمحاولة اقتحام المنشأة، وفق الخبراء.