الوفد الإسرائيلي في ميونيخ «شعر بالعزلة»... ومصدر يحذّر من تدهور استراتيجي

الجيش والجهاز القضائي يطالبان الضباط بالتوقف عن ممارسات فاحشة ضد أهل غزة

جنود إسرائيليون داخل مجمع للأمم المتحدة للإغاثة ووكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في قطاع غزة (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون داخل مجمع للأمم المتحدة للإغاثة ووكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في قطاع غزة (أ.ف.ب)
TT

الوفد الإسرائيلي في ميونيخ «شعر بالعزلة»... ومصدر يحذّر من تدهور استراتيجي

جنود إسرائيليون داخل مجمع للأمم المتحدة للإغاثة ووكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في قطاع غزة (أ.ف.ب)
جنود إسرائيليون داخل مجمع للأمم المتحدة للإغاثة ووكالة تشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في قطاع غزة (أ.ف.ب)

اعترف عدد من مندوبي إسرائيل في مؤتمر ميونيخ الأمني الملتئم في المدينة الألمانية، بأن الوفد الكبير القادم من تل أبيب يشعر بشيء من العزلة جراء الحرب على غزة.

ووصف محلل الشؤون الاستخباراتية في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، رونين برغمان، اليوم (الأربعاء)، الأجواء التي سادت المؤتمر، بأنها تدل على أن «إسرائيل موجودة في ذروة تحوّل يزداد تفاقماً وشدة، ويجري بوتيرة متسارعة. فإذا استمر ستكون إسرائيل فإن في نهايته دولة معزولة، منبوذة، مقاطعة وبغيضة».

أضاف أن هذا الانطباع يصدر من أي منصة ونقاش ومحادثة جانبية في أروقة المؤتمر، وأن المسؤولين الإسرائيليين الذين شاركوا وفي مقدمتهم رئيس الدولة، يتسحاق هرتسوغ، انقسموا قسمين، «أولئك الذين يعانون كآبة عميقة، وأولئك الذين يعتقدون أنه يوجد أمل ملزمون بالقتال، وفي جميع الأحوال هم ملزمون بإظهار هدوء ومناعة تجاه الخارج؛ لأن على أحد ما أن يكون متفائلاً قليلاً».

ونقل بيرغمان عن مسؤول إسرائيلي «رفيع جداً»، قوله: «ليت من هنا، من ميونيخ، ترفع راية حمراء كي تشرح خطورة الوضع لمواطني دولة إسرائيل، وربما لقادتها أيضاً». أضاف المسؤول: «أنا قلق لأن التحولات التي نراها هنا، في جميع فعاليات المؤتمر، تعكس تآكلاً واضحاً في النظرة إلينا. إنه تدهور إلى الهاوية ينذر بانهيار مكانة إسرائيل الدولية، وقد يتحول سقوطاً حراً. هكذا هي الأمور عند الهاويات. أنت ترى طرف الجرف وتبذل جهوداً كبيرة كي تتوقف أو تؤخر الوصول على الأقل، وتتمسك بأي حجر أو كومة تراب، حتى ذرة التراب الأخيرة، لكن إذا لم تنجح بالتوقف ووصلت إلى هناك، عندها يكون السقوط من هناك حراً إلى الأسفل».

وتابع المسؤول الإسرائيلي: «أخشى أننا نتمسك بذرة التراب هذه، وإذا لم نتوقف هنا، فإننا في مؤتمر مدريد المقبل سننظر إلى الخلف، ونقول إننا خطونا هذه السنة خطوة كبيرة إلى الأمام، إلى هاوية الموت».

المدّعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان (أرشيفية - رويترز)

ولفت برغمان إلى تغريدة نشرها المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، كريم خان، جاء فيها: «إلى جميع الضالعين: مكتبي يحقق بشكل حثيث في أي جريمة حرب تبدو أنها ارتكبت. ومن ينتهك القانون سيتحمل المسؤولية».

وقال المسؤول الإسرائيلي الرفيع معقباً على تغريدة خان: «هذا تحذير كبير لإسرائيل قبل فتح تحقيق وربما قبل تقديم لوائح اتهام. هناك انهيار سياسي شامل بدأ التعبير عنه في الحلبة القانونية، من خلال عقوبات أميركية وبريطانية، وتلميحات بإعلان الاعتراف بدولة فلسطينية، وقرار محكمة في هولندا بحظر بيع أسلحة لإسرائيل، توقف إيطاليا عن بيع أسلحة، خفض التدريج الائتماني، والآن بيان المدعي».

ونقل بيرغمان عن مسؤول رفيع في الاتحاد الأوروبي قوله إنه «يتوقع أن ينضم الاتحاد قريباً من خلال قائمة سوداء خاصة به»، إلى القوائم السوداء الأميركية والبريطانية والفرنسية التي تفرض عقوبات على مستوطنين. «من هنا ستكون الطريق قصيرة لإدخال سياسيين وربما ضباط في الجيش الإسرائيلي أيضاً إلى قوائم مشابهة».

فلسطينيون مصابون جراء الغارات الإسرائيلية يرقدون على الأرض في انتظار تقديم المساعدة لهم داخل أحد مستشفيات غزة (رويترز)

أضاف بيرغمان أن زعيما أوروبياً مهماً ومعروفاً ومؤيداً لإسرائيل، قال للمسؤول الإسرائيلي الرفيع: «أقف إلى جانبكم فعلاً، وثمة أهمية أن تهزموا (حماس)، لكن ذرائعي انتهت. كيف سأتمكن من الدفاع عنكم في حين يقول مسؤولون في الحكومة عندكم، إنهم يريدون العودة إلى الاستيطان في غزة، ويدعون إلى إبادة جماعية وجرائم حرب، وإلى ترانسفير ومحو بلدات، بينما رئيس الحكومة لا يقول شيئاً (ضد الدعوات). فإذا لم تغيروا الاتجاه قريباً، ستجدون أنفسكم وحيدين وعلى الأقل في بعض المجالات ستكونون في وضع سيصعب عليكم جداً العودة منه

.وتكونوا دولة طبيعية».

مستوطنون ينقلون مواد بناء باتجاه بؤرة استيطانية في قرية الجبعة بالضفة يناير 2023 (أ.ف.ب)

في السياق، كشفت المدعية العامة العسكرية الإسرائيلية، ييفعات تومير – ييروشالمي، اليوم، نص رسالة وجهتها إلى الضباط والجنود الإسرائيليين في قطاع غزة، أكدت فيها ارتكاب جرائم بحق الفلسطينيين، لكنها زعمت أن هذه جرائم «فردية». وتأتي رسالتها غداة رسالة وجهها رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، هيرتسي هليفي، إلى الضباط، تضمنت اعترافاً مبطناً بارتكاب جرائم قتل وإبادة جماعية في القطاع.

وقالت مصادر قضائية إن الرسالتين تأتيان على خلفية الانتقادات المتصاعدة ضد إسرائيل في أنحاء العالم ومطالبتها بوقف الحرب، وبشكل خاص نظر محكمة العدل الدولية في لاهاي في دعوى جنوب أفريقيا، في وقت بلغ فيه عدد الشهداء المدنيين في القطاع قرابة 30 ألفاً، إلى جانب تدمير هائل للمباني والبنية التحتية وتكدس ثلثي سكان القطاع في منطقة رفح.

وزعمت المدعية العسكرية في رسالتها أن «ممارسة القوة تُنفذ، عموماً، بشكل مهني وقانوني». وأضافت أنه «إلى جانب ذلك، صادفنا أيضاً حالات مرفوضة لأداء يتجاوز قيم الجيش الإسرائيلي والأوامر العسكرية»، وأن «بعض الحالات تتجاوز المجال التأديبي وتتعدى إلى السقف الجنائي»، حسبما نقل موقع «واينت» الإلكتروني عن الرسالة.

دمار جراء الغارات الإسرائيلية على مخيم النصيرات في قطاع غزة (إ.ب.أ)

وعددت المدعية الحالات التي تقصدها، ومنها: «أقوال غير لائقة، تشجع على ظواهر مرفوضة؛ استخدام القوة غير المبررة عسكرياً، وبضمن ذلك ضد معتقلين؛ نهب، ويشمل استخدام أو إخراج ممتلكات شخصية من دون ضرورة عسكرية؛ وهدم ممتلكات مدنية خلافاً للأوامر العسكرية».

وأضافت المدعية أنه توجد حالات «قيد الاستيضاح» بواسطة أجهزة إنفاذ القانون، وأنه ستتخذ لاحقاً خطوات ضد المشتبهين الضالعين فيها، لكنها اكتفت بدعوة الضباط إلى توفير «رد إعلامي مسبق» بادعاء منع حالات كهذه، وإلى «خلق أجواء قيادية وتربوية، يكون فيها صفر تسامح تجاه حالات من هذا النوع».

ويعتقد بأن رسالة المدعية وكذلك رئيس الأركان، تشير إلى بداية تأثير للمداولات في محكمتي لاهاي وفي مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة. ففي إسرائيل يشعرون بالقلق ويحاولون الظهور كمن يحاسب على تصرفات دوس لحقوق الإنسان لغرض صد قرارات إدانة ضد إسرائيل.


مقالات ذات صلة

القبض على رئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية بنظام الأسد

المشرق العربي سالم داغستاني الرئيس السابق لفرع التحقيق بإدارة المخابرات الجوية (سانا)

القبض على رئيس فرع التحقيق في المخابرات الجوية بنظام الأسد

في ثاني عملية أمنية خلال أقل من أسبوع في الساحل السوري، أعلنت إدارة الأمن العام في اللاذقية القبض على واحد من الضباط الأمنيين البارزين في النظام السابق.

«الشرق الأوسط» (دمشق)
المشرق العربي فلسطينيون يتجمعون لتلقي مساعدات الطعام في جنوب قطاع غزة (رويترز) play-circle

إسرائيل قصفت 60 تكية طعام ودمرت 1000 مسجد و3 كنائس في غزة

أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في قطاع غزة أن الجيش الإسرائيلي قصف أكثر من 60 تكية طعام ومركزاً لتوزيع المساعدات وأخرجها عن الخدمة.

العالم المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان يتحدث للصحافيين لدى وصوله إلى كينشاسا 24 فبراير 2025 (رويترز) play-circle

«الجنائية الدولية»: سنواصل التحقيق في حرب غزة على وجه السرعة

قال مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، إن المحكمة ستُواصل على قدم وساق تحقيقاتها في جرائم ارتُكبت في الأراضي الفلسطينية.

«الشرق الأوسط» (لاهاي)
شؤون إقليمية مبنى المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بهولندا (أ.ف.ب)

قانونان إسرائيليان يجرّمان كشف جرائم حرب

المصادقة النهائية على مشروعي قانونين في الكنيست ستؤدي إلى تعريض أي صحافي للسجن، في حال نشر تحقيقاً من شأنه أن يدل على جريمة حرب.

«الشرق الأوسط» (تل ابيب)
المشرق العربي ملصق المؤتمر السوري للعدالة الانتقالية (موقع)

في أول مؤتمر سوري لـ«العدالة الانتقالية»... مطالبات بتسريعها منعاً لتحولها إلى «انتقامية»

في أول فعالية سورية تناقش العدالة الانتقالية في سوريا، لخص والد الناشط غياث مطر مفهوم هذه العدالة بأنها تتحقق بـ«رفض الانتقام وتشكيل محاكم نزيهة».

سعاد جروس (دمشق)

طهران تأمل بـ«مبادرات» رغم غموض نتائج المفاوضات

إيرانيتان تمران أمام جدارية معادية للولايات المتحدة على حائط سفارتها السابقة وسط طهران (رويترز)
إيرانيتان تمران أمام جدارية معادية للولايات المتحدة على حائط سفارتها السابقة وسط طهران (رويترز)
TT

طهران تأمل بـ«مبادرات» رغم غموض نتائج المفاوضات

إيرانيتان تمران أمام جدارية معادية للولايات المتحدة على حائط سفارتها السابقة وسط طهران (رويترز)
إيرانيتان تمران أمام جدارية معادية للولايات المتحدة على حائط سفارتها السابقة وسط طهران (رويترز)

أعلنت الحكومة الإيرانية انفتاحها على «أي مبادرة عملية لرفع العقوبات»، مشيرة إلى أن المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة «تسير بشكل إيجابي»، و«تهدف إلى خفض التوتر»، بينما قال متحدث برلماني إنه «من المبكر تحديد ما إذا كانت المفاوضات غير المباشرة مع الولايات المتحدة ستؤدي إلى اتفاق».

جاء ذلك غداة جولة ثانية من المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة بوساطة عمانية، استمرَّت نحو 4 ساعات، في السفارة العمانية وسط العاصمة الإيطالية روما. وترأّس الوفد الإيراني للمحادثات وزير الخارجية عباس عراقجي، كما ترأّس الوفد الأميركي مبعوث الرئيس ترمب للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف.

وأوضحت المتحدثة باسم الحكومة، فاطمة مهاجراني، أن الجولة الثانية من المحادثات عُقدت في روما بوساطة عُمانية، وتهدف إلى خفض التوتر وتهيئة الأرضية لمفاوضات فنية لاحقة، مشيرة إلى استمرار المشاورات خلال الأيام المقبلة في مسقط على المستوى الفني، على أن تُستأنف على مستوى أعلى في العاصمة العمانية.

ونقلت وكالة «إرنا» الرسمية عن مهاجراني قولها إن «هذه المفاوضات تُدار ضمن صلاحيات ومسؤوليات وزارة الخارجية، دون أن تُغيِّر من أولويات الحكومة أو تُبعدها عن مهامها الأساسية في إدارة شؤون البلاد».

وأضافت أن «مسار المفاوضات مع أميركا إيجابي حتى الآن، لكن لا تفاؤل ولا تشاؤم تجاهها، وفقاً لتوجيهات المرشد علي خامنئي». وشدَّدت على «تمسُّك إيران بنهجها القائم على المصالح الوطنية وكرامة الشعب». وقالت: «سنرحب في مسار المفاوضات بأي مبادرة عملية تهدف إلى رفع العقوبات، وتأمين حقوق الشعب الإيراني».

وقال وزير الخارجية عباس عراقجي، في منشور على منصة «إكس»، إن الجانبين أحرزا «تقدماً بشأن المبادئ والأهداف لاتفاق محتمل»، لكنه أضاف: «قد يكون من المُبرَّر التفاؤل، ولكن بحذر شديد». وأضاف في تصريح للتلفزيون الإيراني الرسمي: «آمل أن نكون في وضع أفضل بعد المحادثات الفنية».

وأكد مسؤول أميركي أن مبعوث الرئيس دونالد ترمب الخاص، ستيف ويتكوف، التقى وجهاً لوجه وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي خلال جزء من المحادثات، حسبما نقلت وكالة «أسوشييتد برس» مساء السبت.

وقال مسؤول كبير في إدارة ترمب، طلب عدم ذكر اسمه نظراً لحساسية اللقاء، إن الطرفين «أحرزا تقدماً كبيراً جداً في محادثاتنا المباشرة وغير المباشرة».

واطلع كاظم غريب آبادي، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون الدولية والقانونية، أعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية على تفاصيل الجولة الثانية من المحادثات في روما.

وأفاد المتحدث باسم لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، النائب إبراهيم رضائي، نقلاً عن غريب آبادي قوله إن «التخصيب جزء من خطوطنا الحمراء».

وقال رضائي: «أكدت إيران على حقها في تخصيب اليورانيوم، ويعدّ هذا الموضوع من الخطوط الحمراء للمفاوضات بالنسبة للجمهورية الإسلامية». ونقل عن غريب آبادي قوله للنواب: «إن رفع العقوبات يجب أن يكون بطريقة تعود بالنفع الاقتصادي على الشعب الإيراني، ولا يقتصر على كونه رمزياً فقط».

وبحسب غريب آبادي فإن إيران «شدَّدت مرة أخرى على أنها لا تسعى لصناعة سلاح نووي، وأن الأنشطة النووية في البلاد تتم فقط في إطار الأغراض السلمية».

وأوضح رضائي أن الطرفين يعملان على «استكشاف وتطوير المبادئ العامة للمفاوضات بموازاة الاجتماعات الفنية التي تبحث تفاصيل المفاوضات غير المباشرة».

وأضاف في تصريحات صحافية: «كانت الأجواء العامة في الجولة الثانية من المفاوضات إيجابيةً، وقد تقدَّمتْ المفاوضات بشكل جيد»، مشدداً على أن «الاتفاق على بدء الحوارات الفنية قريباً يُظهر أن المفاوضين لم يتوقَّفوا، وهم في مسار التقدم».

لكنه قال إن إيران «لن تتراجع عن تخصيب اليورانيوم»، مضيفاً: «لدينا شكوك كبيرة بشأن نوايا الأميركيين وإرادتهم في التوصُّل إلى اتفاق»، حسبما أوردت وكالة «دانشجو» الناطقة باسم «الباسيج الطلابي».

الوفد الإيراني المفاوض برئاسة وزير الخارجية عباس عراقجي في مقر الخارجية الإيطالية... السبت (د.ب.أ)

وتابع: «التناقضات الأخيرة بين المسؤولين الأميركيين تشير إلى وجود غموض في هذا الشأن، ولا نعلم إن كانت لديهم إرادة حقيقية للتوصُّل إلى اتفاق، أو ضمن أي إطار هم مستعدون للتفاوض مع دبلوماسيينا». وصرَّح: «ما زال من المبكر تحديد ما إذا كانت المفاوضات ستؤدي إلى اتفاق أم لا».

وزاد النائب: «يجب أن ننتظر حتى تتابع المفاوضات المقبلة في مسقط والحوارات الفنية مسيرها، لنعطي تقييماً أكثر دقة في وقت لاحق».

المرحلة الفنية

وتباينت تعليقات الصحف الصادرة في طهران، اليوم (الأحد)، بشأن جولة روما، ومسار المحادثات بين وزير الخارجية الإيراني، ومبعوث الرئيس الأميركي.

وقالت صحيفة «كيهان» المقربة من مكتب المرشد الإيراني: «إن الوفد الإيراني حقَّق نجاحاً في المحادثات، واتبع استراتيجيات جيدة لمواجهة خداع أميركا. لكن يجب التذكير بأنه لا يمكن الوثوق بأميركا». وأضافت: «ترمب الذي يصر على كونه (غير قابل للتوقُّع) لكي يحرر أميركا من قيود الالتزامات، فإنه (مريض نفسي غير موثوق به)».

ونوهت الصحيفة بأن «إنجازاتنا وأدوات قوتنا مثل التكنولوجيا النووية والصواريخ، وجبهة المقاومة، هي التي أبعدت شبح الحرب وجعلت أعداءنا مضطرين للتفاوض». وخاطبت المسؤولين عن مسار المفاوضات قائلة: «قفوا شامخين في وجه الطموحات المفرطة، واطلبوا حقوقنا المنهوبة من قبل أميركا».

وكتبت صحيفة «هم ميهن» الإصلاحية: «ما معنى الدخول في مرحلة الخبراء في المفاوضات؟، يعني ذلك أن الطرفين قد اتفقا على الإطار العام، ويأملان أن يتم تحديد التفاصيل في المفاوضات الفنية. من هذا المنطلق، يمكن القول إن الإطار الذي ترغب فيه إيران، والذي يشمل الحفاظ على تخصيب اليورانيوم، قد تم الاتفاق عليه بالتأكيد؛ ولكن هناك الكثير من التفاصيل التي يمكن الاتفاق عليها أو إنهاء المفاوضات بشأنها».

بدورها، دعت صحيفة «جوان» التابعة لـ«الحرس الثوري» إلى ضرورة توخي الحذر مع دخول المفاوضات إلى المرحلة الفنية. وقالت: «يتوقَّع الخبراء أن تلعب النقاشات الفنية المقبلة في عمان دوراً مهماً في تشكيل مستقبل العلاقات بين إيران وأميركا». وأضافت: «الانتقال إلى المستوى الفني يشير إلى مساحة تركز على التفاصيل الفنية المحددة والجوانب التنفيذية للاتفاق بدلاً من الاعتبارات السياسية الأوسع، وهو ما يُعدّ غالباً أمراً إيجابياً».

ونقلت الصحيفة عن مصدر سياسي قوله: «إن النهج الحذر الذي يتبعه عراقجي يعكس الفهم بأن المفاوضات السابقة فشلت؛ بسبب عدم تلبية التوقعات».

أما صحيفة «إطلاعات» المعتدلة، فقد أشارت إلى ترحيب «غالبية الشعب بالمفاوضات والتوصُّل إلى اتفاق». وقالت: «إذا أدى التوصُّل إلى اتفاق حول رفع العقوبات الجائرة، وفتح أفق للعمل والازدهار للبلاد والشعب، فما الضرر في انتقادات هذا وذاك وتهكم البعض؟». وحذَّرت من إلصاق «تهم الخيانة والعمالة واللامبالاة» بالفريق المفاوض النووي.

وأضافت: «لأن السوق شهدت لأول مرة تجاوز المؤشر 3 ملايين نقطة، وتراجَع سعرا الدولار والذهب، على الأقل تشير التقلبات الحالية إلى أن التوصُّل إلى اتفاق قد يكون ذا أهمية كبيرة».

من جانبها، اتهمت صحيفة «جمهوري إسلامي» المعتدلة معارضي المفاوضات بـ«الصمت والتبرير» بعد تأييد المسار التفاوضي من المرشد علي خامنئي. وكتبت الصحيفة: «بعد تأكيد القيادة أن التفاوض مع أميركا هو قرار الدولة، لم يعبِّر المعارضون عن أسفهم، بل صمتوا أو برروا مواقفهم». ولاحظت أن «الأغلبية العظمى من الشعب راضية عن التحولات الدبلوماسية الجديدة وتتفاءل بنتائجها، ويجب على الحكام تعزيز هذه التحولات بإصرار ومبادرات جديدة».

من جهة ثانية، قالت صحيفة «خراسان» المحافظة، والمقربة من مكتب رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، إن «الضمان الأساسي لاستمرار التزام الطرفين باتفاق هو استمرار مصلحتهما فيه».

ونقلت وكالة «رويترز» عن «مسؤول إيراني» أن طهران طالبت بـ«الحصول على ضمانات» تمنع ترمب من الانسحاب مرة أخرى من أي اتفاق محتمل. وقالت صحيفة «خراسان» المقربة من السلطات: «من غير الواضح مدى دقة هذا النقل، وحتى إن كان صحيحاً، يبقى السؤال: هل هذه المطالب مجرد أداة للمساومة في المفاوضات؟ أم أنها شرط حقيقي تسعى إيران لتحقيقه؟».

وتحدَّثت الصحيفة عن «استحالة تحقيق الضمانات مع ترمب». وقالت إنه «إذا كان المقصود ضمانات قانونية، فإن ترمب لا يعترف بمثل هذه الضمانات. والدليل هو انسحابه من اتفاقات كانت تستند إلى أقوى الضمانات القانونية (مثل قرار مجلس الأمن)». أما عن الضمانات السياسية، فقد رأت أنها «تبقى مجرد وعود لا قيمة قانونية لها، مما يعني أنها غير ملزمة».

وأضافت: «قد تكون المصالح الشخصية لترمب، بناءً على شخصيته، محركاً ومحفزاً للتوصُّل إلى اتفاق، لكن ذلك وحده لا يضمن استمراريته. من الممكن أن تكون الفوائد الاقتصادية لهذا الاتفاق هي المكمل الذي يضمن بقاءه». وخلصت إلى القول: «إذا لم تتحقق فوائد اقتصادية لترمب من رفع العقوبات، فقد يقرِّر تعطيل الاتفاق أو فرض عقوبات جديدة دون الانسحاب منه. مثال على هذا السلوك كان بعد اتفاق وقف إطلاق النار في حرب غزة، حيث ضغط ترمب على نتنياهو، ولكن بعد رؤية التأخير في الإفراج عن الرهائن، غيَّر الموقف وأعاد فتح المجال لخرق الاتفاق».

وتساءلت: «هل طهران مستعدة لبدء علاقات تجارية مع أميركا، وكيف يمكن أن تضمن مصالح واشنطن الاقتصادية بقاء الاتفاق؟ وهل لدى إيران خطة قابلة للتنفيذ لهذا الغرض؟».

سيناريوهات

وتوقَّع محلل صحيفة «شرق»، كيومرث أشتريان، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران، أن المفاوضات بين إيران وأميركا، تواجه 4 سيناريوهات: السيناريو الأول هو «عدم الاتفاق»، وستترتب عليه تبعات عدة من تفعيل آلية «سناب باك» للعودة التلقائية إلى العقوبات الأممية، وإلى الحرب أو كلتيهما. السيناريو الثاني هو «التوافق الأدنى»، الذي قد يشمل تخصيباً محدوداً لإيران، وحل قضية البحر الأحمر، ورفع بعض العقوبات. ويهدف إلى تقليل خطر توسُّع الحرب إلى أطراف أخرى. السيناريو الثالث، البعيد جداً-القريب جداً، هو «التوافق الأقصى»، وهو يعني أن الاتفاق بين إيران وأميركا سيشمل نطاقاً أوسع، وستحصل إيران على مكانة وحصة اقتصادية وتبادل تجاري مستحق على الصعيد الدولي. أما في «السيناريو الأسطوري الشامل»، فسيتم توسيع نطاق الاتفاق ليشمل أوروبا ودول الخليج العربي.

إيرانيان يسيران في أحد شوارع طهران... السبت (إ.ب.أ)

ومن جهته، رأى محلل صحيفة «دنياي اقتصادي» أن مستقبل المفاوضات بين إيران وأميركا يقتصر على 3 سيناريوهات:

السيناريو المتفائل: إبرام اتفاق شامل وطويل الأمد، يرفع العقوبات ويتيح لإيران العودة للنظام المالي والتجاري العالمي، مع احتمال للاستثمار الأميركي في إيران، رغم أن هذا قد يكون غير واقعي في ظل الوضع الاقتصادي الأميركي.

السيناريو المتشائم: تمسُّك الطرفين بمطالبهما القصوى، مما قد يؤدي إلى تصعيد عسكري، وهو ما تفضِّله إسرائيل، لكن الأميركيين يدركون عواقب الحرب ويعطون الأولوية للمفاوضات.

السيناريو الثالث: اتفاق محدود يشمل رفع بعض العقوبات، وفرض قيود على البرنامج النووي الإيراني، مشابه للاتفاق النووي السابق.

وبسبب ضيق الوقت قبل تفعيل «سناب باك» (قبل أكتوبر / تشرين الأول 2025) واستعجال الرئيس الأميركي، توقَّعت الصحيفة أن يُوقَّع اتفاق نووي قريباً. ولكن إذا طالت المفاوضات، فقد يتم توقيع «اتفاق مؤقت» لتمديد المهلة مقابل التزامات من إيران.

وبذلك، رأت الصحيفة أن مستقبل المفاوضات يتأرجح بين سيناريوهين: اتفاق محدود أو تصعيد عسكري، ولا توجد مؤشرات قوية على حدوث تغيير جذري في العلاقات الإيرانية - الأميركية، أو التوصُّل إلى اتفاق شامل وطويل الأمد.