هل يعوض «الحريديم» النقص العددي في الجيش الإسرائيلي؟

دعوات لإجبارهم على الخدمة الإلزامية بدلاً من التفرغ لواجباتهم الدينية

أحد اليهود الأرثوذكس يسير أمام ملصق في أحد الشوارع في حي ميا شعاريم في القدس (أرشيفية - رويترز)
أحد اليهود الأرثوذكس يسير أمام ملصق في أحد الشوارع في حي ميا شعاريم في القدس (أرشيفية - رويترز)
TT

هل يعوض «الحريديم» النقص العددي في الجيش الإسرائيلي؟

أحد اليهود الأرثوذكس يسير أمام ملصق في أحد الشوارع في حي ميا شعاريم في القدس (أرشيفية - رويترز)
أحد اليهود الأرثوذكس يسير أمام ملصق في أحد الشوارع في حي ميا شعاريم في القدس (أرشيفية - رويترز)

يغادر مردخاي بورات منزله كل صباح مرتدياً بدلة وقبعة سوداء اللون، متوجهاً إلى قاعدة عسكرية وسط إسرائيل دون لباس الجيش. وبورات، وهو يهودي أرثوذكسي، لا يريد أن تراه عائلته أو جيرانه في بني براك وهو يرتدي الزي العسكري ويكتشفوا سره: لقد تجند في جيش الدفاع الإسرائيلي.

يعدُّ بورات (36 عاماً) واحداً من عدد متزايد من اليهود الأرثوذكس أو الحريديم، الذين ردوا على هجوم «حماس» في 7 أكتوبر بالانضمام إلى الجيش الإسرائيلي، فيما يفضل بعض الحريديم الإعفاء من الخدمة العسكرية، حسبما أفاد في تقرير لصحيفة «واشنطن بوست».

كان بورات يعتقد أنه بصفته «إختصاصياً اجتماعياً» يمكنه دعم الجنود. أخبرته زوجته أنه مجنون. وتوقعت أن التجنيد سيضر بمكانة الأسرة في المجتمع. لكنه انضم في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) للجيش. أكمل أسبوعين من التدريب العسكري وتم تكليفه بتقديم الاستشارة النفسية للجنود الذين يتعاملون مع جثث الموتى.

ويعارض الحريديم بشدة إجبارهم على الخدمة، على أساس أنهم يجب أن يقضوا كل الوقت المتاح في دراسة التوراة. فهم يشعرون بالقلق من أن الشباب الحريديم الذين تم إرسالهم إلى الجيش قد لا يعودون أبداً إلى واجباتهم الدينية.

وعلى مدى عقود، ناضل الحريديم للحفاظ على الإعفاء، مما أثار غضب الإسرائيليين العلمانيين؛ لأنه يسمح للحريديم بالاستفادة من المال العام، بينما لا يفعلون سوى القليل لحماية البلد. لكن مع تصاعد وتيرة الحرب، تطالب المعارضة في إسرائيل من أبناء الحريديم أن يقدموا «تضحية» بالانضمام إلى الجيش.

مطالب من المعارضة

«نحن بحاجة إلى مزيد من الجنود»... كلمات قالها زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد، موجهاً خطابه إلى الإسرائيليين كافة، وإلى اليهود الأرثوذكس المتطرفين، مضيفاً في تصريحات نقلتها صحيفة «تايمز أوف إسرائيل» عن مشروع قانون الخدمة العسكرية الذي كشفت عنه الحكومة مؤخراً: «الجيش صغير جداً في مواجهة كل التحديات التي يواجهها».

وفي إعلان أن الوضع الراهن القديم غير قابل للاستمرار في أعقاب هجوم 7 أكتوبر، طالب لابيد الحكومة بالبدء في تجنيد اليهود المتشددين من أجل ضمان «المساواة في العبء» في الخدمة الوطنية.

زعيم المعارضة الإسرائيلي يائير لابيد خلال لقاء وزير الخارجية الأميركي في تل أبيب الأسبوع الماضي (أ.ف.ب)

وفي حديثه في مؤتمر صحافي في تل أبيب، دعا لابيد أعضاء الائتلاف، وخاصة حزب الليكود بزعامة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى معارضة مشروع قانون الخدمة العسكرية الذي كشفت عنه الحكومة مؤخراً، واصفاً النقاش حول التشريع بأنه «لحظة الحقيقة للمجتمع الإسرائيلي». وأضاف لابيد: «الجيش صغير جداً في مواجهة كل التحديات التي يواجهها»، عادَّاً أن المشرعين «لا يمكنهم وضع السياسة قبل الأمن».

وقال مشرعون من المعارضة إن العبء المتزايد للخدمة العسكرية يجب أن يقع على عاتق المجتمع الحريدي بدلاً من إضافته إلى أولئك الذين يخدمون بالفعل. كما اعترض المشرعون على تخصيص ميزانية 2024 المعدلة لملايين الشياقل لمنظمة تسهل الإعفاءات العسكرية لليهود الأرثوذكس.

نعيش معاً... ونموت معاً

كان لابيد يرد على خطة الجيش الإسرائيلي التي دفعت بها الحكومة، التي من شأنها زيادة مدة خدمة المجندين وجنود الاحتياط في الجيش من أجل تعويض النقص في القوى العاملة - دون أي تحركات متزامنة لإنهاء الإعفاءات الشاملة الفعلية لليهود الأرثوذكس.

وفي مناشدة مباشرة للوزيرين غادي آيزنكوت وبيني غانتس من حزب الوحدة الوطنية، أعلن لابيد أنه من المستحيل على رئيسي أركان الجيش الإسرائيلي السابقين «الاستمرار في الجلوس في حكومة ستمرر هذا». ويقول لابيد: «إذا لم نتعلم كيف نعيش هنا معاً، فسوف نموت هنا معاً»، مُعرِّفاً كلمة «معاً» بأنها تعني «أننا جميعاً لدينا الواجبات نفسها الحقوق نفسها».

يهود أرثوذكس في إسرائيل (أرشيفية - رويترز)

وزعم لابيد أنه بدلاً من العمل على تجنيد اليهود الأرثوذكس الذين يشكلون جزءاً حاسماً من ائتلافه، قام نتنياهو بزيادة مزاياهم الاجتماعية حتى لا يشعروا بأي ضغط اقتصادي لمواصلة الاندماج في المجتمع الإسرائيلي.

وبموجب خطة الحكومة، سيتم زيادة شروط الخدمة العسكرية الإلزامية للذكور والمجندات في القتال والأدوار الخاصة الأخرى إلى ثلاث سنوات. ومنذ عام 2015، يخدم الرجال عامين وثمانية أشهر، وتخدم النساء حالياً لمدة عامين.

ويخطط الجيش الإسرائيلي أيضاً لرفع سن التقاعد من الخدمة الاحتياطية إلى 45 عاماً لجنود الاحتياط النظاميين، و50 عاماً للضباط و52 عاماً للذين يخدمون في مهام خاصة. كما أن مقدار الوقت الذي يتطلبه جنود الاحتياط للخدمة سنوياً سيرتفع أيضاً بموجب الخطط.

ومنذ اندلاع الحرب في 7 أكتوبر، استدعى الجيش الإسرائيلي ما مجموعه 287 ألف جندي احتياطي، وهو ما يمثل أكبر استدعاء لجنود الاحتياط في تاريخ إسرائيل. وهناك توقعات واسعة النطاق بأنه سيتم استدعاء بعضهم مرة أخرى مع استمرار القتال في غزة، وفقاً لصحيفة «تايمز أوف إسرائيل».

نحن لسنا الأشخاص أنفسهم

ويتمتع اليهود الأرثوذكس منذ فترة طويلة بالإعفاءات من الخدمة العسكرية، حيث يرون أن الاندماج مع «العالم العلماني» بمثابة تهديد لهويتهم الدينية واستمرارية مجتمعهم.

ويحجم جزء من المجتمع الأرثوذكسي المتطرف عن الخدمة في الجيش الإسرائيلي، وهذا ما يحدث انقساماً في المجتمع قبل الحرب، لكن بعدها ظهرت مؤشرات على زيادة التقدير للقوات المسلحة -وفي بعض الحالات، المشاركة فيها.

ويؤيد نحو 30 في المائة من الجمهور الأرثوذكسي المتطرف فكرة الخدمة العسكرية، أعلى بـ20 نقطة عن الحال قبل الحرب، تبعاً لاستطلاع رأي أجراه في ديسمبر (كانون الأول) المعهد الحريدي للشؤون العامة (مجموعة بحثية مقرها القدس)، حسبما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير سابق.

أحد اليهود الأرثوذكس أمام لافتة تشير لمكتب التجنيد (أرشيفية - رويترز)

وفي استطلع لآراء الحريديم حول مواقفهم بشأن الجيش في مارس (آذار) 2022 ومرة أخرى بعد 7 أكتوبر. وفي عام 2022، وافق 35 في المائة بقوة على أنه ينبغي عليهم المساهمة في الدفاع عن إسرائيل. وبعد الهجمات ارتفعت النسبة إلى 49 في المائة، وفقاً لصحيفة «واشنطن بوست».

وفي هذا السياق، قال لابيد لـ«تايمز أوف إسرائيل» إن «البلاد بأكملها تغيرت» في أعقاب 7 أكتوبر، وأضاف: «نحن لسنا الأشخاص أنفسهم الذين كنا من قبل». وقال: «هذا شيء أكبر من الجميع». وتابع: «وعلينا أن نعترف بحقيقة أننا لا نستطيع المضي قدماً بالطريقة التي اعتدنا عليها، لأن التحديات التي نواجهها مختلفة، والجيش الذي نحتاجه مختلف، وبالتالي نحن بحاجة إلى تجنيد الحريديم. هذه هي الأولوية رقم واحد الآن».

التجنيد بـ«الواتساب»

وبعد 7 أكتوبر، كلف الجيش الإسرائيلي حاخاماً حريديماً بتجنيد أفراد من الطائفة. وكان رامي رافاد (65 عاماً) قد خدم في سلاح الجو الإسرائيلي. قام بإجراء مكالمة على «واتساب». وأضاف أنه في غضون ساعات، استجاب أكثر من 400 شخص. وسرعان ما كان أكثر من 1000 شخص متحمسين للتسجيل.

وقال رافاد إن الرسائل كانت حاسمة. وأكد للمرشحين الذين ما زالوا في المدرسة الدينية، أنهم لن يضطروا إلى ترك الدراسة. وقال: «إن الآيديولوجية الحريدية ليست ضد فكرة الجيش». تتضمن التوراة روايات عن الجنود والحرب. «لكن لا يمكنك إجبارهم».

ويقول الجيش الإسرائيلي إنه من بين 2000 متقدم من الحريديم منذ 7 أكتوبر، تم قبول 450 منهم. وهذا جزء صغير من الجيش، الذي يقدر عدد أفراده بنحو 170 ألف فرد في الخدمة الفعلية. وقال يافي إنه تحول كبير بالنسبة للمجتمع. وأضاف: «الآن، سيكون هناك الكثير من الضغوط لتغيير قانون الإعفاء العام».

وطرح وزير الرفاه الاجتماعي يعقوب مارغي من حزب شاس اليهودي المتطرف زيادة مشاركة اليهود الأرثوذكس في الجيش، وفي مقابلة مع موقع أخبار الحريديم كيكار هاشابات، قال مارجي إنه في حين لا ينبغي مطالبة طلاب المدارس الدينية بدوام كامل بأداء الخدمة العسكرية، يجب تجنيد أعضاء المجتمع الحريدي غير المشاركين في دراسة التوراة بدوام كامل.

وتابع مارغي: «لا أستطيع إقناع أي أم ابنها في الجبهة، والذي لم ينم ليلاً ونهاراً منذ عدة أشهر... لماذا لا يلتحق صبي أرثوذكسي متشدد»، مضيفاً أنه يعتقد ذلك أولئك الذين لم يلتحقوا بالمدرسة الدينية يمكن تجنيدهم «بالقوة».


مقالات ذات صلة

«البنتاغون»: وزيرا الدفاع الأميركي والإسرائيلي يجتمعان في واشنطن الأربعاء

الولايات المتحدة​ وزارة الدفاع الأميركية (رويترز)

«البنتاغون»: وزيرا الدفاع الأميركي والإسرائيلي يجتمعان في واشنطن الأربعاء

قالت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، الأحد، إن الوزير لويد أوستن سيجتمع مع نظيره الإسرائيلي يوآف غالانت، يوم الأربعاء.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
تحليل إخباري نتنياهو يصافح ماكرون في القدس أكتوبر 2023 (أ.ف.ب)

تحليل إخباري ماذا وراء الخلاف الحاد بين نتنياهو وماكرون؟

أزمة حادة بين ماكرون ونتنياهو، والإليزيه يسعى لتطويقها... ورسالة فرنسية ضمنية إلى بايدن تدعوه «للانسجام» في المواقف.

ميشال أبونجم (باريس)
الولايات المتحدة​ نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية كامالا هاريس (أ.ب)

هاريس: الولايات المتحدة ستواصل الضغط على إسرائيل من أجل وقف إطلاق النار

أعلنت نائبة الرئيس الأميركي والمرشحة الديمقراطية للانتخابات الرئاسية كامالا هاريس أن الولايات المتحدة ستواصل الضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
المشرق العربي جنود إسرائيليون يشيعون جندياً قتل في المعارك البرية في لبنان (أ.ب)

«كرّ وفرّ» على الحدود الإسرائيلية - اللبنانية

يخوض «حزب الله» والجيش الإسرائيلي معارك «كرّ وفرّ» في المنطقة الحدودية في جنوب لبنان، حيث يحاول الجيش التوغل داخل الأراضي اللبنانية.

«الشرق الأوسط» (بيروت)
المشرق العربي تصاعد الدخان جراء غارة إسرائيلية على مقربة من قلعة بعلبك الأثرية في شرق لبنان (أ.ف.ب)

غارة إسرائيلية قرب موقع بعلبك الأثري في شرق لبنان

وقعت غارة إسرائيلية، اليوم الأحد، على مقربة من قلعة بعلبك الأثرية في شرق لبنان.

«الشرق الأوسط» (بيروت )

تداعيات الضربات الإيرانية: كيف تغيرت مواقف تل أبيب حول الرد؟

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
TT

تداعيات الضربات الإيرانية: كيف تغيرت مواقف تل أبيب حول الرد؟

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)

تسعى القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية إلى استغلال التلبك الظاهر في تصرفات القيادة الإيرانية وما تبقى من قيادات لـ«حزب الله»، وتوسيع حلقة المعارك إلى حرب شاملة حتى مع إيران. وتشير كل الدلائل إلى أنها لا تتورع عن الدخول في صدام مع الإدارة الأميركية، ووضعها أمام أحد خيارين: إما أن تنضم إليها في الهجوم على إيران، وإما تنجرّ وراءها وتُضطر اضطراراً لخوض هذه الحرب.

فمع أن الولايات المتحدة أوضحت لإسرائيل أنها غير معنيّة بحرب مع إيران، لا منفردة ولا مشتركة، فإن الإنجازات الهائلة التي حققتها إسرائيل عسكرياً واستخباراتياً ضد «حزب الله» (اغتيال معظم قيادات الحزب، وفي مقدمتهم حسن نصر الله، وتفجير أجهزة الاتصال والتواصل في وجوه وأجساد أكثر من 4 آلاف عنصر وتدمير الضاحية الجنوبية)، وضد إيران (تصفية عدد من القيادات في لبنان واغتيال إسماعيل هنية)؛ أدخلت القيادات في تل أبيب في حالة من «نشوة النصر» التي تتحول إلى «سكرة نصر».

لوحة دعائية على طريق سريع في طهران تظهر الجنرال قاسم سليماني يقبل جبين أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في طهران (أ.ب)

ففي اليومين الأخيرين، حصل انعطاف مريب في الموقف الإسرائيلي تجاه الضربات الإيرانية. فكما هو معروف، أطلقت إيران 181 صاروخاً باليستياً على إسرائيل، وتمكنت المضادات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية من تدمير أكثر من 85 في المائة منها قبل دخولها الأجواء الإسرائيلية. لكن 15 في المائة منها دخلت هذه الأجواء، بعضها سقط في مناطق مفتوحة وبعضها سقط في مواقع حساسة مثل 3 قواعد لسلاح الجو وبعض المصانع العسكرية. وأحدثت أضراراً في المباني والشوارع، ولكنها لم تُصِب مدنيين أو عسكريين. والوحيد الذي قتل فيها هو شاب فلسطيني من قطاع غزة يشتغل بورشة في أريحا.

وقد عدّت القيادة الإسرائيلية هذه الضربات خطيرة؛ لأنها تنطوي على القصف المباشر من إيران لإسرائيل. وفي البداية قررت الرد عليها، بتوجيه ضربة مؤلمة لموقع استراتيجي. لكنّها الآن تغيّر رأيها وتنوي توجيه عدة ضربات قاصمة في عدة مواقع استراتيجية. ووفقاً للتسريبات، تنوي توجيه ضربة شديدة للمشروع النووي الإيراني، وتقول إن هذه «فرصة تاريخية» لن تأتي أفضل منها. فإيران متلبكة إزاء ما يحدث لـ«حزب الله» وللقادة الميدانيين الإيرانيين الذين يديرون المعارك إلى جانبه في لبنان.

وهناك إشاعات عن فوضى عارمة في القيادة الإيرانية وخلافات بين التيارات والقادة، وعن اتهامات مسؤولين كبار بالتخابر مع العدو الإسرائيلي أو خدمة هذا العدو من دون قصد. وهذا هو الوقت لضربهم، قبل أن يتمكنوا من ترتيب أوراقهم والخروج من الأزمة.

صور الأقمار الاصطناعية تظهر أضراراً في قاعدة «نيفاتيم» الجوية بجنوب إسرائيل قبل وبعد الهجوم الصاروخي الإيراني (أ.ف.ب)

إلا أن إسرائيل ليست قادرة وحدها على توجيه ضربات كهذه. وهي بحاجة لا استغناء عنها لشراكة أميركية فاعلة. فالمنشآت الإيرانية النووية موزّعة على عدة مواقع وقائمة في قلب جبال، ولا مجال لضربها إلا بصواريخ أميركية تنطلق من طائرات وغواصات معدّة لهذا الغرض. هذه ليست متوفرة لإسرائيل. والولايات المتحدة تتحدث علناً عن معارضتها لهذه الشراكة. وتشعر بأن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يريد تحقيق حلمه القديم (منذ سنة 2010) لجرّ قدم الولايات المتحدة إلى هذه الحرب وهي ترفض. لكن نتنياهو لا ييأس، ويعمل كل ما في وسعه لإقحامها، بإرادتها أو رغماً عنها. فإذا ضربت المنشآت، وقامت طهران بتنفيذ تهديداتها وردت بمزيد من الصواريخ على إسرائيل، فإن أميركا ستتدخل.

وكما يقول البروفيسور أيال زيسر، أحد أهم مرجعيات اليمين الآيديولوجي: «الولايات المتحدة هي صديقة حقيقية لإسرائيل، أثبتت التزامها بأمننا في كل ساعة اختبار وضائقة شهدناها على مدى العقود الأخيرة».

وأوضح زيسر أن الموقف الأميركي بعد هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، يشبه «القطار الجوي» الذي أطلقه الأميركيون في حرب «يوم الغفران» في أكتوبر 1973. وقال إن بين الأصدقاء الحقيقيين، أيضاً تظهر أحياناً خلافات. ورأى أن «من الواجب على إسرائيل أن تصر على موقفها»، وقال: «في الماضي أيضاً عارض الأميركيون تدمير المفاعل العراقي في 1981، بل وفرضوا علينا عقوبات بسبب هذا الفعل، ولكنهم بعد حين، تراجعوا واعترفوا لنا، حين وجدوا أنفسهم في حرب مع حاكم العراق. هكذا أيضاً في كل ما يتعلق بتدمير المفاعل النووي السوري في 2007، الخطوة التي تحفّظ عليها الأميركيون، وفقط بعد أن نشبت الحرب الأهلية في سوريا، اعترفوا بالخطأ الذي ارتكبوه».

ولفت زيسر إلى أن «التوقعات والمشورات الأميركية يجب أن نأخذها بشكل محدود الضمان. من الواجب العمل وفقاً لتفكيرنا وحكمنا، حتى وإن لم يكن الأمر يرضيهم. في نهاية الأمر، سيعترفون بالخطأ وسيفهمون المنطق والحق الذي في خطوات إسرائيل، وسيتجندون لدعمها».

لكن هناك آراء مخالفة في تل أبيب، تحذّر من المغامرة وتقول إن من يجد في ضرب إيران فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها، قد يورّط إسرائيل في حرب شاملة تدفع خلالها ثمناً باهظاً، ليس فقط من ناحية الخسائر البشرية والمادية، بل أيضاً استراتيجياً. وربما تؤدي هذه المغامرة إلى إضاعة فرصة تاريخية لمشروع السلام في المنطقة. وتدعو هذه القوى القيادة الإسرائيلية إلى أن تحسن الاستفادة من مكاسبها في لبنان، ولا تلجأ إلى المغامرات والمقامرات الحربية.