إسرائيل تخطط لأن تكون الحرب على غزة «أطول الحروب»

بايدن وافق على الاستمرار في مساندتها شرط إدخال المساعدات للمدنيين

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يلتقي بجنود بالقرب من حدود إسرائيل مع قطاع غزة الخميس (رويترز)
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يلتقي بجنود بالقرب من حدود إسرائيل مع قطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

إسرائيل تخطط لأن تكون الحرب على غزة «أطول الحروب»

وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يلتقي بجنود بالقرب من حدود إسرائيل مع قطاع غزة الخميس (رويترز)
وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت يلتقي بجنود بالقرب من حدود إسرائيل مع قطاع غزة الخميس (رويترز)

على عكس الحروب السابقة، قررت القيادات العسكرية في تل أبيب أن تكون الحرب على غزة أطول الحروب الإسرائيلية. وقد وافقت قياداتها السياسية، التي تضم 3 رؤساء أركان سابقين للجيش، على الخطة.

وهي تتضمن، حسب تسريبات وتلميحات من الجنرالات، اجتياحاً جزئياً وتدريجياً للقطاع، برياً وبحرياً، مترافقاً مع قصف جوي كثيف وترحيل من المناطق الشمالية، التي نزح عنها حتى الآن 600 ألف فلسطيني، وبقي نصف مليون.

«لا أريد أن أعرف التفاصيل. أقصد أنه لا حاجة للدخول في تفاصيل عسكرية دقيقة»، قال الرئيس الأميركي، جو بايدن، لطاقم إدارة الحرب الإسرائيلية، برئاسة رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، عندما حاولوا أن يشرحوا له لماذا قرروا تغيير القاعدة الحربية التاريخية والخروج إلى حرب طويلة الأمد.

الرئيس بايدن خلال لقاء مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يوآف غالانت في تل أبيب الأربعاء (أ.ب)

هم، من جهتهم، قصدوا التوضيح بأنهم من أجل تحقيق الهدف المقرر والمتفَق عليه مع واشنطن؛ تصفية القدرات العسكرية والقدرة على الحكم، لحركة (حماس)، يحتاجون إلى التقدُّم بخطوات مدروسة ومحسوبة، ويحتاجون إلى وقت والمال وإلى الدعم السياسي؛ فهم يدركون أنه، عندما تبدأ مئات الدبابات الإسرائيلية بتجاوز الحدود، ستنفجر حملة سياسية وشعبية ضد إسرائيل في الخارج. وعندما تمر الأيام على الحرب وتتفاقم الأوضاع الاقتصادية للعمال والمصالح التجارية والصناعية، سيبدأ الصراخ في الشوارع الإسرائيلية.

الرئيس بايدن كان حذراً؛ فالقانون الأميركي يحتم عليه إعطاء تقرير للكونغرس، فيما لو وافق على خطة حربية تساندها الولايات المتحدة. لذلك، لم يرد أن يعرف التفاصيل ويترك الأمر لمسؤولين أقل التزاماً، مثل وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، أو وزير الدفاع، لويد أوستين. لكنه اهتم بوضع بعض القيود عليها، مثل عدم إعادة احتلال قطاع غزة، والحرص على عدم خرق قوانين الحرب، والامتناع عن المساس بالمدنيين «قدر الإمكان»، ثم فتح الخزينة الأميركية بسخاء، مالياً وعسكرياً وسياسياً. وقال: «سنلبي كل ما تحتاجون إليه وتطلبونه».

جنود إسرائيليون يجلسون بجوار جرافة عسكرية ثقيلة في منطقة قريبة من قطاع غزة (رويترز)

حول قطاع غزة، حيث يحتشد نحو ربع مليون جندي، بعتادهم ودباباتهم ومدافعهم وآلياتهم المسيَّرة والمأهولة، تتصاعد مشاعر الملل والتساؤلات والتحسُّب، لدرجة الشك. وقادة الجيش يشغلونهم بتدريبات ضرورية وغير ضرورية. ويقولون إن الطقس الخريفي الحالي هو وقت مثالي للحرب. وبعد حين، عندما يبدأ هطول المطر، ستصبح أرض قطاع غزة وحلة؛ فيصبح الاجتياح أصعب وأعقد.

لكن القيادة تحاول الإقناع بأن التريث والحذر جزء مهم وحيوي من المعركة. وتدير حملة إعلامية بأن المعركة ستطول أكثر من أي حرب سبقتها. وإذا كانت حرب 1967 انتهت بستة أيام، وحرب لبنان الثانية 2006 انتهت بعد 34 يوماً، والعمليات الحربية في غزة استغرقت ما بين 3 أيام (عملية بزوغ الفجر سنة 2022)، و51 يوماً («الجرف الصامد» سنة 2014)، فإن الحرب الحالية مخطَّط لها أن تستمر لشهور.

وإذا لم يكن هناك ما يوقف الحرب، فإن النموذج الذي يتخذه الجيش اليوم سيكون شبيهاً بالعملية الحربية التي شنتها حكومة أرييل شارون على الضفة الغربية، وعُرفت باسم «حارس الأسوار»، واستغرقت أكثر من سنتين، إذ بدأت في شهر مارس (آذار) من سنة 2002، واستمرت حتى أكتوبر (تشرين الأول) 2004. وانتهت بمحاصرة الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، داخل مقره في رام الله.

ولكيلا تتكرر مشاهد التذمر والاعتراض في الشارع الإسرائيلي، يوضح الجيش من الآن أنها ستكون حرباً طويلة، ينبغي التحلي بالصبر خلالها «وترك الجيش يقوم بعمله بلا إزعاج».

ولأن حرباً كهذه ستكون محفوفة بالمخاطر؛ إذ إنها ستتخذ شكل «معارك من بيت إلى بيت»، وقد تتسبب في مقتل عدد من الأسرى الإسرائيليين لدى «حماس»، ووقوع مزيد من الأسرى، وستسبب في مقتل عدد كبير من الجنود، و«(حماس) تهدد فيها بأنها ستجعل من أرض غزة مقبرة للغزاة»، وقد صار الجيش في هذا الشهر يأخذ تصريحات «حماس» بجدية أكثر مما فعل قبل هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الحالي، فإن على الجمهور الإسرائيلي أن يتحمل خسائر متوقعة. ولهذا يتحدثون عنها في إسرائيل كحرب وجودية مع عدو يشبه «داعش»، وحتى النازية. وليس صدفة أن الرئيس بايدن أيضاً ردَّد هذه الكلمات.

فلسطينية تحمل طفلها في مخيم تديره الأمم المتحدة بخان يونس جنوب غزة حيث يحتمي فلسطينيون فروا من الغارات الإسرائيلية (رويترز)

ولأن الخسائر بين المدنيين الفلسطينيين ستكون قاسية جداً، وقد شاهدنا نماذج منها في الأسبوعين الماضيين؛ بإبادة عائلات بأكملها وقصف مدارس ومقرات حتى للأمم المتحدة ومستشفيات وبيوت سكن لأناس أبرياء، فإنه المتوقَّع أن تنفجر مظاهرات ضخمة في دول العالم. ولذلك يحتاجون إلى دعم سياسي يمنع أو يخفف من إدانة إسرائيل أو المطالبة بفرض عقوبات عليها في المؤسسات الدولية واتساع ظاهرة مقاطعتها واستهداف سفاراتها وقنصلياتها ومقرات المؤسسات اليهودية.

في كل هذه الأمور، توجد تساؤلات ولا يوجد يقين. الرئيس بايدن تعهد بالمساعدة وتزويد إسرائيل بكل ما يلزم من مال وعتاد ودعم عسكري وسياسي. ولكنه تقدم بنصائح يفهمونها في تل أبيب على أنها «مطالب لا ترد وشروط ينبغي عدم خرقها»، من ذلك، الاهتمام بالحفاظ على القانون الدولي في الحروب، وتجنّب المساس بالمدنيين. وقال لهم إن «حماس» داعشية ونازية لكنها لا تمثل الشعب الفلسطيني برمَّته الذي ينشد الحرية والعدل. وشدد على ضرورة «الالتفات إلى اليوم التالي للحرب».

ولكن هناك أموراً لا يستطيع الرئيس الأميركي توفيرها، تتعلق بطبيعة القتال وتقديم الثمن بالأرواح، والأضرار الاستراتيجية وما تسببه حرب كهذه على الأجيال القادمة من الفلسطينيين والإسرائيليين، كما أنها لا تعطي جواباً عن السؤال الأكبر: «لقد وقعت عدة حروب بين الإسرائيليين والفلسطينيين منذ سنة 1948؛ فماذا تحقق فيها؟ هل انتهت القضية الفلسطينية؟ هل انتهى أو حتى خف الصراع؟».


مقالات ذات صلة

الحرب على غزة ودمارها الموضوع الرئيسي بقداس منتصف الليل في بيت لحم

المشرق العربي جانب من قداس منتصف الليل في بيت لحم (إ.ب.أ)

الحرب على غزة ودمارها الموضوع الرئيسي بقداس منتصف الليل في بيت لحم

خيَّمت الحرب المدمرة في قطاع غزة على قداس منتصف الليل في بيت لحم الذي ترأسه بطريرك القدس للاتين الكاردينال بييرباتيستا بيتسابالا.

«الشرق الأوسط» (بيت لحم)
تحليل إخباري جنود روس يتدربون على استخدام دبابة من طراز «تي-72» قبيل التوجه إلى الجبهة (رويترز)

تحليل إخباري نودّع الحرب... ونستعدّ للحرب القادمة

كيف تتصرّف الأمم الصغيرة عند التحوّلات الكبرى؟ ما معنى العقلانية والواقعية السياسيّة في ظل الزلازل الجيوسياسيّة؟

المحلل العسكري
شؤون إقليمية وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس (إ.ب.أ)

إسرائيل تقر لأول مرة بمسؤوليتها عن اغتيال إسماعيل هنية في طهران

أكد وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن بلاده اغتالت رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» إسماعيل هنية، في الصيف الماضي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
المشرق العربي فلسطيني يحمل طفلاً في موقع غارة إسرائيلية على مخيم النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مقتل 5 في غارة جوية على منزل بمخيم النصيرات وسط غزة

قال مسعفون لـ«رويترز»، اليوم السبت، إن خمسة أشخاص، بينهم طفلان، قتلوا في غارة جوية إسرائيلية على منزل بمخيم النصيرات للاجئين وسط قطاع غزة.

«الشرق الأوسط» (غزة)
المشرق العربي صورة وزعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (رويترز)

تقرير: ثغرة في نظام الدفاع الجوي الإسرائيلي وراء الفشل في اعتراض صاروخ الحوثي

قالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية إن الفشل الأخير في اعتراض الصواريخ اليمنية التي تستهدف إسرائيل قد يكون مرتبطاً بضعف في نظام الدفاع الجوي.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)

الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخا بالستيا أطلق من اليمن تجاه تل أبيب

صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
TT

الجيش الإسرائيلي يعترض صاروخا بالستيا أطلق من اليمن تجاه تل أبيب

صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)
صورة وزّعها الحوثيون لحظة إطلاق صاروخ باليستي باتجاه إسرائيل (أرشيفية - رويترز)

أعلن الجيش الإسرائيلي، فجر اليوم الجمعة، اعتراض صاروخ بالستي أطلق من اليمن قبل دخوله إلى وسط البلاد.

وأفاد الإسعاف الإسرائيلي عن إصابة 18 شخصا خلال التدافع وهم في طريقهم إلى المنطقة المحمية، فيما ذكرت يديعوت أحرونوت أن هبوط الطائرات إلى مطار بن غوريون توقف أثناء تفعيل صفارات الإنذار.

وكانت الجبهة الداخلية الإسرائيلية قالت إن صفارات الإنذار دوت في عشرات المناطق وسط إسرائيل إثر رصد إطلاق صاروخ من اليمن.