الرئيس الفرنسي يطالب إيران بالتخلي عن «أنشطتها المزعزعة للاستقرار الإقليمي»

قال إن 4 محتجزين هم «في ظروف غير مقبولة» بطهران

ماكرون يلقي خطاباً أمام الدبلوماسيين المجتمعين في باريس اليوم (رويترز)
ماكرون يلقي خطاباً أمام الدبلوماسيين المجتمعين في باريس اليوم (رويترز)
TT

الرئيس الفرنسي يطالب إيران بالتخلي عن «أنشطتها المزعزعة للاستقرار الإقليمي»

ماكرون يلقي خطاباً أمام الدبلوماسيين المجتمعين في باريس اليوم (رويترز)
ماكرون يلقي خطاباً أمام الدبلوماسيين المجتمعين في باريس اليوم (رويترز)

في خطابه أمام السلك الدبلوماسي الفرنسي ملتئماً بمناسبة المؤتمر السنوي للسفراء الـ163 والـ15 مندوباً في المنظمات الدولية، الذي جال به على كل المواضيع والتحديات التي تواجه فرنسا في السنوات المقبلة، خصص الرئيس ماكرون فقرة خاصة لإيران، في باب حديثه عن التزامات فرنسا ببلدان المشرق والشرق الأوسط، وإزاء محاربة الإرهاب.

ويبدو أيضاً أن ملف المحتجزين الفرنسيين الأربعة - ماكرون أخطأ بالحديث مرتين عن 6 محتجزين - الذين تعدّهم فرنسا «رهائن دولة»، ما زال يطأ بثقله على العلاقات بين باريس وطهران. ولا يبدو التشدد الرئاسي في ملف الرهائن وحده، بل يتناول أيضاً أنشطة إيران النووية وسياستها الإقليمية التي ما زالت باريس تصفها بـ«المزعزعة للاستقرار»، رغم التقارب الذي حصل مؤخراً بين طهران وعدد من العواصم الإقليمية.

وكان ماكرون واضحاً في تأكيد أن سياسة بلاده إزاء إيران «واضحة ولا يشوبها أي ضعف». وإذا كان لم يتردد في الإعراب عن ارتياحه بـ«التقدم الذي تحقق في الأسابيع الأخيرة»، في إشارة إلى توصل الطرفين الأميركي والإيراني إلى اتفاق خلال الشهر الماضي، بشأن إطلاق سراح 5 مواطنين أميركيين مزدوجي الجنسية، فإنه أردف قائلاً: «لكن ربما من خلال الخبرة لا يمكنني أن أشعر بحماسة كبيرة لذلك».

وأضاف الرئيس الفرنسي: «نعلم أن الاتفاقات يمكن أن تكون هشة، وأحياناً يندد بها من يبرمها ومن يوقعها لا يحترمها، وهو ما يجعلنا متواضعين حول طبيعة الاتفاقات التي يمكن توقيعها في هذا الشأن».

الاتفاق الإيراني - الأميركي

ومن خلال هذه التعليقات، لا تبرز حماسة رئاسية إزاء الاتفاق الأميركي - الإيراني الأخير، حيث انتقدت باريس في السابق الاستعجال الأميركي للسير بصفقات لا تتوافر لها كل الضمانات. وعاد ماكرون إلى التشديد على أهمية التوصل إلى «تأطير واضح وشفاف» للأنشطة النووية الإيرانية، مبدياً ترحيباً بالعودة إلى الاتفاق النووي المبرم في عام 2015 بين طهران ومجموعة 5 + 1. إلا أنه بهذا الخصوص أيضاً، طالب بـ«تدابير توحي بالثقة وبمتابعة من جانب الوكالة الدولية للطاقة الذرية».

بيد أن فرنسا، على لسان رئيسها، تريد المزيد، وعنوانه تخلي إيران عن «الأنشطة المزعزعة للاستقرار في الإقليم»، التي تمارسها «في السنوات الأخيرة».

وبحسب ماكرون، فإن هذه المسألة «لا يمكن تجاوزها بالنسبة لشركائنا». لذا، شدد على أن إعادة انخراط الجمهورية الإسلامية «تتطلب منها أيضاً أن توضح سياستها حيال جيرانها الأقربين»، ما يشمل إسرائيل وأمنها ولبنان واستقراره.

وبما أن لبنان يعاني من فراغ مؤسساتي منذ 10 أشهر وأن ماكرون كلف وزير خارجيته السابق جان إيف لودريان، الذي كان من بين الحضور مستمعاً لخطاب رئيس الجمهورية، المساعدة على ملء الفراغ بصفته ممثله الشخصي، فقد أردف ماكرون أن التوصل إلى حل سياسي على الأمد القصير «يمر من خلال توضيح التدخلات الإقليمية (في الملف اللبناني) ومنها، على وجه التأكيد، التدخلات الإيرانية». وبذلك، يكون ماكرون وللمرة الأولى، حمّل طهران وعبرها حزب الله، مسؤولية تعسر الخروج من الفراغ الرئاسي والأزمة المؤسساتية في لبنان.

طلب حازم

أما في ملف الفرنسيين الأربعة، فقد وجه ماكرون «طلباً حازماً» لإيران بالإفراج عنهم، إذ إن «لا شيء يبرر اعتقالهم في السجون وفي ظروف لا يمكن قبولها»، وإن اعتقالهم «عمل تعسفي».

وشدد على أن باريس ستواصل المطالبة والعمل على إطلاق سراح الأربعة. والحال أنها ليست المرة الأولى التي تقدم بها باريس طلباً كهذا. لكن الاعتقاد السائد في فرنسا أن طهران تبحث عن مقابل على غرار ما حصل مؤخراً مع بلجيكا التي أفرجت طهران عن مواطنها الذي كان يعمل في الحقل الإنساني بإيران مقابل إخلاء سبيل أسد الله أسدي، وهو دبلوماسي إيراني كان معتمداً في النمسا وألقي القبض عليه في ألمانيا التي سلمته إلى بلجيكا، حيث تمت محاكمته وصدر بحقه حكم بالسجن.

ووفق حيثيات التحقيق والحكم، فإن أسدي كان يخطط لتفجير على الأراضي الفرنسية، قريباً من مطار رواسي - شارل ديغول القائم شمال باريس، بمناسبة مؤتمر للمعارضة الإيرانية بحضور شخصيات دولية ربيع عام 2018.

وسبق لإيران أن أفرجت عن الفرنسيين بنجامان بريير والمواطن الفرنسي - الآيرلندي برنارد فيلان، وذلك لأسباب «إنسانية».

والفرنسيون الأربعة الذين ما زالوا في السجون الإيرانية؛ هم لويس أرنو الموقوف منذ سبتمبر (أيلول) 2022، والمعلّمة والنقابية سيسيل كولر ورفيق دربها جاك باريس الموقوفان منذ مايو (أيار) 2022 بتهمة «التجسس»، وشخص آخر لم تُكشف هويته لا من الجانب الفرنسي ولا من الجانب الإيراني. وسبق لفرنسا أن نفت انتماءه إلى جهاز مخابرات مؤكدة أن التستر على هويته تم لمطالبة عائلته بذلك.

وأخيراً، أطلقت السلطات الإيرانية في شهر فبراير (شباط) الماضي، سراح الباحثة الفرنسية - الإيرانية فريبا عادلخواه بعد حكم بالسجن 5 سنوات، لإدانتها بتهمة المساس بالأمن القومي، وسمحت لها بالعودة إلى منزلها، ولكن منعتها من مغادرة البلاد.

مؤتمر بغداد الأمني

في سياق حديثه عن الشرق الأوسط، تناول ماكرون ما يسمى «مؤتمر بغداد الإقليمي» لدعم العراق، مشيراً إلى أن القمة المقبلة سوف تنعقد في العاصمة العراقية، بشهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وستكون النسخة الثالثة من هذه السلسلة من المؤتمرات التي أسهم ماكرون في إطلاقها وتنظيمها ورعايتها. وبعد قمة أولى عقدت في بغداد صيف عام 2021، استضاف الأردن النسخة الثانية.

وتعد باريس أن الهدف الرئيسي يكمن في «توحيد أجندة إقليمية لدعم السيادة، وذلك من خلال جمع كل الدول المجاورة للعراق التي تفتقد لقنوات حوار فيما بينها، إذ تشارك فيه إيران كما تركيا».

والحال أن الأمور تغيرت كثيراً في الأشهر الماضية؛ حيث بُنيت قنوات تواصل بين كل العواصم، وتم التوقيع على اتفاقية سعودية - إيرانية لعودة السفارات، وتم تبادل زيارات رسمية بين وزيري خارجية المملكة السعودية وإيران، وأعيد إلى حد كبير تطبيع العلاقات بين تركيا ودول خليجية، بيد أن باريس لا تزال تؤمن بفائدة القمة التي توفر منصة لمحادثات جماعية وثنائية عالية المستوى.

يبقى أن ماكرون لم يقفز فوق الملف السوري، بل تناوله من زاويتين: محاربة الإرهاب ومقاربات التطبيع مع دمشق. وفي ما خص النقطة الثانية، لم يتبدل موقف فرنسا التي تريد ربط التطبيع بخطوات ملموسة من النظام السوري. وقال ماكرون إن «إعادة سوريا إلى الهيئات الإقليمية يجب أن تضمن مزيداً من التعاون في مكافحة المنظمات والجماعات الإرهابية والقيام بعملية سياسية تسمح للاجئين السوريين بالعودة إلى بلادهم مع ضمانات الحماية والاعتراف والأمن السياسي والاقتصادي».


مقالات ذات صلة

«هيكتور السري»... زعيم إمبراطورية النفط الإيراني

شؤون إقليمية صورة تتداولها وكالات إيرانية لحسين شمخاني

«هيكتور السري»... زعيم إمبراطورية النفط الإيراني

كشفت مقابلات أجرتها «بلومبرغ» عن هوية «الزعيم العالمي لتجارة النفط الإيراني» الذي يلقَّب بـ«التاجر السري... هيكتور».

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس (أرشيفية/أ.ف.ب)

إسرائيل تتهم خامنئي «الأخطبوط» بتهريب الأسلحة إلى الضفة الغربية عبر الأردن

اتهم وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، إيران بمحاولة إنشاء «جبهة إرهابية شرقية» ضد إسرائيل عبر الأردن.

«الشرق الأوسط» (تل أبيب)
شؤون إقليمية إسلامي يتحدّث إلى غروسي على هامش مؤتمر «الاجتماع الدولي للعلوم والتكنولوجيا النووية» في أصفهان مايو الماضي (أ.ب)

الوكالة الدولية: إيران قريبة جداً من السلاح النووي

كشفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن مستويات الوقود النووي في إيران ارتفعت خلال الأشهر الثلاثة الماضية، ما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
المشرق العربي لقطة من الوثائقي الإيراني لقناة «تي دبليو» لسليماني داخل قصر صدام play-circle 01:21

سليماني يعاين صدام حسين داخل قصره

أثار فيديو لقائد «قوة القدس» قاسم سليماني وهو يتجول في أحد قصور الرئيس العراقي السابق صدام حسين، جدلاً واسعاً في مواقع التواصل الاجتماعي.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية المخرجة رخشان بني اعتماد (أ.ف.ب)

القضاء الإيراني يتهم مخرجة وممثلة لخلعهما الحجاب في مكان عام

وجّه القضاء الإيراني، اليوم (الأربعاء)، التهمة إلى المخرجة رخشان بني اعتماد وابنتها الممثلة باران كوثري لظهورهما حاسرتي الرأس في مكان عام.

«الشرق الأوسط» (لندن)

«هيكتور السري»... زعيم إمبراطورية النفط الإيراني

صورة تتداولها وكالات إيرانية لحسين شمخاني
صورة تتداولها وكالات إيرانية لحسين شمخاني
TT

«هيكتور السري»... زعيم إمبراطورية النفط الإيراني

صورة تتداولها وكالات إيرانية لحسين شمخاني
صورة تتداولها وكالات إيرانية لحسين شمخاني

كشفت مقابلات أجرتها «بلومبرغ» عن هوية «الزعيم العالمي لتجارة النفط الإيراني»، الذي يلقَّب بـ«التاجر السري... هيكتور».

وقال تقرير للموقع، إن «حسين، وهو نجل علي شمخاني، المستشار البارز لدى المرشد علي خامنئي»، تحوّل إلى «إمبراطور يدير كميات كبيرة من صادرات النفط الخام الإيرانية والروسية العالمية، وفقاً لأشخاص لديهم معرفة مباشرة بعملياته.

وحسب التقرير، فإن «قلة قليلة حول العالم على صلة بتجارة النفط يعرفون أن هذا الرجل هو نجل شمخاني، بل إنهم يعرفون أن اسمه هيكتور».

ووفقاً لأشخاص لديهم معرفة مباشرة بعملياته، فإن «الشركات في شبكته تبيع أيضاً النفط والبتروكيماويات من دول غير خاضعة للعقوبات، وأحياناً تخلط الخام من دول مختلفة حتى يصعب على المشترين تحديد بلد المنشأ».

صعود حسين شمخاني

وقال التقرير إن قصة صعود حسين شمخاني تمثِّل لمحة عن «اقتصاد الظل المترامي الأطراف لأساطيل النفط المظلمة التي نشأت منذ غزو روسيا لأوكرانيا في فبراير 2022، كما يُظهر تعاوناً متزايداً بين طهران وموسكو، مع قيام القوى العالمية بتشديد العقوبات ضد كل من الحكومتين».

ورغم العقوبات، فإن إيران تحصل على ربح سنوي غير متوقَّع يبلغ حوالي 35 مليار دولار من صادراتها النفطية، وهي أموال تفسِّر كيف يحصل وكلاء طهران على الدعم في لحظة متوترة بالشرق الأوسط، ويبدو أن نجل شمخاني كان الرجل المكلَّف بهذه المهمة.

ووفق تقرير «بلومبرغ»، فإن الولايات المتحدة فرضت بالفعل عقوبات على سفن يُعتقَد بأنها خاضعة لسيطرة شمخاني، وفقاً لأشخاص مطّلِعين على الأمر.

ويخضع شمخاني وأجزاء من شبكته التجارية التي تقوم ببعض الأعمال داخل نظام الدولار، للتحقيق بشأن انتهاكات محتملة للعقوبات من قِبل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الخزانة، وفقاً لوثائق ومصادر.

صورة وزّعها الأمن البحري الإندونيسي لناقلة إيرانية تقوم بنقل النفط إلى سفينة ترفع علم الكاميرون في يوليو الماضي (رويترز)

شمخاني ينكر كل شيء

مع ذلك، نقلت «بلومبرغ» عن حسين شمخاني، إنه «لم يؤسّس أو يمتلك أو يلعب أي دور في إدارة وامتلاك أي شركة نفط، أو السيطرة على شبكة تجارية، أو التورط في صفقات السلع الأساسية مع إيران أو روسيا»، لكنه أكّد أنه «يعمل في دول لا تخضع للعقوبات».

لكن التقرير ذهب إلى أن نفوذ شمخاني واسع للغاية، لدرجة أن المنتجات التي توفرها كيانات في شبكته وصلت أيضاً إلى شركات عالمية كبرى، مثل شركة «سينوبك» الصينية، وشركة «شيفرون» الأميركية، وشركة «بي بي» البريطانية، وفقاً لأشخاص مطّلعين على الأمر.

وقال أشخاص مطّلعون على «إمبراطورية شمخاني» إنه يشرف فعلياً على شبكة من الشركات، وأضاف هؤلاء: «ملكية الأعمال ومعلومات المساهمين والسيطرة من السهل حجبها؛ إذ تم تسجيل مسؤولين تنفيذيين آخرين ملاكاً ومديرين».

والنفط أحد أكثر القطاعات ربحيةً في إيران، لكن القيود الدولية على مبيعات الخام فرضت ضغوطاً حادة على الاقتصاد الإيراني لسنوات.

ومع ذلك، تساعد إيران في تمويل «حزب الله» اللبناني الذي يتبادل إطلاق الصواريخ مع إسرائيل، وكذلك المسلحين الحوثيين الذين كانوا يهاجمون السفن الغربية في البحر الأحمر، كما تدعم حركة «حماس» الفلسطينية في حربها مع إسرائيل بغزة منذ 11 شهراً.

روحاني وشمخاني على هامش مناسبة رسمية (تسنيم - أرشيفية)

طالب في موسكو وبيروت

على مدى العقود الثلاثة الماضية خدم والد حسين شمخاني قائداً بحرياً في «الحرس الثوري» الإيراني، ووزيرَ دفاع، ثم أمين المجلس الأعلى للأمن القومي؛ أعلى هيئة أمنية في البلاد.

ويبلغ شمخاني الأصغر سناً من العمر 40 عاماً، وقد وُلد في طهران، وفقاً لأشخاص عملوا معه، والتحق بالجامعة في موسكو وبيروت، قبل أن يعود إلى العاصمة الإيرانية للحصول على ماجستير إدارة الأعمال، وتكتسب علاقات شمخاني الروسية قيمة خاصة، في وقت تعمل فيه طهران وموسكو -اللتان تخضعان للعقوبات الغربية- على تعزيز تعاونهما العسكري والاقتصادي.

لكن شمخاني قال، وفقاً لتقرير «بلومبرغ»، إن والده لم يكن على علاقة بأنشطته التجارية، مثلما لا يرتبط هو بأنشطته السياسية».

وخلال ظهور تلفزيوني قصير عام 2008، قال شمخاني الأكبر إنه نصح ابنه بالدخول في القطاع الخاص بدلاً من اتباع خطواته بمنصب حكومي.