انتقادات لمِنَح «الحشد الشعبي» الدراسية في جامعة طهران

دوافع «آيديولوجية وسياسية» وراء استقطاب الأجانب للجامعات الإيرانية

قوات «الحشد الشعبي» في الحدود الإيرانية - العراقية (ميزان)
قوات «الحشد الشعبي» في الحدود الإيرانية - العراقية (ميزان)
TT

انتقادات لمِنَح «الحشد الشعبي» الدراسية في جامعة طهران

قوات «الحشد الشعبي» في الحدود الإيرانية - العراقية (ميزان)
قوات «الحشد الشعبي» في الحدود الإيرانية - العراقية (ميزان)

بعد أسبوعين من إزاحة الستار عن اتفاق بين جامعة طهران، و«الحشد الشعبي العراقي» على «التعاون العلمي» في صالة تحمل اسم قاسم سليماني، مسؤول العلميات الخارجية السابق لـ«الحرس الثوري»، تواجه أقدم جامعة إيرانية انتقادات حادة من الأوساط العلمية والثقافية بسبب انخراطها في «برامج آيديولوجية وسياسية».

وأصبحت تفاصيل الاتفاق محل اهتمام الأوساط والناشطين المعنيين بمصير الجامعات الإيرانية من جهة، ومن جهة أخرى، وسائل الإعلام التابعة لـ«الحرس الثوري» التي تتابع برنامجاً مكثفاً للتأثير على الرأي العام العربي، خصوصاً في مناطق «نفوذ» إيران، الخاضعة لجماعات مسلحة تتلقى تمويلاً من طهران، وتدين بالولاء الآيديولوجي لـ«ولاية الفقيه».

وذكرت وكالة «تسنيم» التابعة لـ«الحرس الثوري» في 9 يوليو (تموز) الماضي، أن جامعة طهران وافقت على طلب «الحشد الشعبي» العراقي لمنح منتسبيه فرصاً دراسية في الجامعة التي تعدّ الدراسة فيها حلماً لغالبية الشباب الإيراني.

وقالت الجامعة في بيان: «سنطبق المعايير العلمية على أصدقائنا في (الحشد الشعبي) أكثر من الطلاب الأجانب الآخرين؛ لأن هدفنا تحسين الكفاءة المهنية للمجاهدين».

رئيس جامعة طهران ومسؤول قسم التعليم في «الحشد الشعبي» العراقي أثناء الإعلان عن اتفاق «علمي» (تسنيم)

جاء الإعلان على هامش اجتماع حضره مصطفى رستمي، ممثل المرشد الإيراني في الجامعات، وناقش توسع التعاون العلمي والثقافي بين البلدين، بما في ذلك قبول المزيد من الطلاب العراقيين، خصوصاً منتسبي ميليشيا «الحشد الشعبي» الذي يضم فصائل تدين بالولاء الآيديولوجي لإيران.

وينظر إلى ««الحشد الشعبي» العراقي في إيران على أنه نسخة مماثلة لـ«الحرس الثوري» الإيراني، الذي يملك وحدات وأجهزة موازية للجيش الإيراني والاستخبارات والقطاعات الاقتصادية والإعلامية. ويقدّر نشاطه الاقتصادي بنحو 40 في المائة من اقتصاد البلاد.

مسار آيديولوجي

وقال محمد مقيمي، رئيس جامعة طهران، أمام مجموعة من الطلاب العراقيين إن «مسار حركة الأجزاء المختلفة من منظومة العلم والتكنولوجيا بما في ذلك مسار جامعة طهران، مسار واضح يرسمه المرشد الإيراني (علي خامنئي)».

وأشار مقيمي أيضاً إلى دوافع آيديولوجية لهذا البرنامج «العلمي»، قائلاً: «هدفنا النهائي جميعاً خلق حضارة إسلامية جديدة، والتمهيد لحضور المهدي المنتظر، من أجل هذا سنواصل طريق قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس». وتحدث عن «أعداء مشتركين» لإيران والعراق، موجهاً كلامه على وجه التحديد إلى الولايات المتحدة وإسرائيل.

وسيكون التركيز على «الحشد الشعبي» العراقي «الخطوة الأولى» للهدف الإيراني، على حد تعبير مقيمي. وقال: «نتابع تمهيدات قبول طلاب من دول محور المقاومة بجدية من هذا المنطلق» في إشارة إلى الدافع الآيديولوجي.

وخلال السنوات الأخيرة، استخدم قادة «الحرس الثوري» شعار «إقامة حضارة جديدة» للدفاع عن الدور الإقليمي الإيراني في المنطقة. وهي التسمية الجديدة التي يطلقها قادة «الحرس» على استراتيجية «تصدير الثورة» منذ إعلان المرشد الإيراني خطة «الخطوة الثانية للثورة الإيرانية» في عامها الأربعين قبل أربع سنوات.

وقال محمد زلفي، وزير العلوم والأبحاث والتكنولوجيا في حكومة إبراهيم رئيسي، الأربعاء الماضي، للصحافيين: إن الوزارة ستعتمد «المعايير العلمية» مع طلاب «الحشد الشعبي».

تمهيدات اللغة الفارسية

شرح مقيمي أيضاً برامج جامعة طهران لتعليم اللغة الفارسية للوافدين العراقيين، عبر المركز الدولي للتعليم اللغة الفارسية، في السفارة الإيرانية لدى بغداد، لافتاً إلى افتتاح مركز لهذا الغرض في ميناء عبادان الواقع جنوب غرب إيران، على الضفة الشرقية من شط العرب، بالقرب من ميناء البصرة.

وكشف مقيمي عن تكليف إلهام أمين زاده، مستشار الرئيس الإيراني السابق، والمستشارة الحالية لوزير الخارجية لمتابعة ملف الطلاب العراقيين، الذين من المقرر أن ترسلهم جامعة طهران بعيداً عن مقرها الرئيسي وسط العاصمة، إلى كلية في شرق العاصمة، بجوار قواعد عسكرية تابعة لـ«الحرس الثوري».

وليست المرة الأولى التي تعلن فيها إيران عن برامج لاستقطاب طلاب أجانب. ومنذ سنوات، توافد طلاب أجانب غالبيتهم من الدول المنطقة للدراسة في الجامعات إيران، وأسست إيران جامعة «المصطفى الدولية» بهدف استقطاب طلاب أجانب، منذ عام 2003.

لكنها المرة الأولى التي تعلن جامعة في إيران إبرام اتفاق مع جماعات مسلحة تدين بالولاء لطهران، بهدف منحها مقاعد دراسية.

وقال المسؤول في «الحشد الشعبي» العراقي، حسين موسوي بخاتي: إن قائد «الحشد الشعبي» السابق، أبو مهدي المهندس أرسل مجموعة من 95 شخصاً من منتسبيه للدراسة في الجامعات الإيرانية.

بدوره، ذكر موقع «رويداد 24» الإيراني أن المؤشرات تشير إلى أن خلفية قبول طلاب أجانب بدوافع سياسية وآيديولوجية تعود إلى عهد الرئيس الإصلاحي محمد خاتمي (1997-2004). وقالت: «خلال هذه السنوات أجهزة مثل (فيلق القدس) ومنظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية لعبا دوراً مهماً في قبول الطلاب الأجانب».

وإستناداً إلى تقارير وزارة العلوم الإيرانية، أفاد موقع «رويداد 24» الإيراني، بأن «الملحقة الثقافية الإيرانية في الخارج الخاضعة لمنظمة الثقافة والعلاقات الإسلامية، وجامعة المصطفى العالمية، و(حزب الله) اللبناني و(حركة أمل)، تلعب دوراً في اختيار الطلاب الأجانب في إيران».

عدد من الطلاب الأجانب في قاعة للبرلمان الإيراني (مهر)

وقال أيضاً: إن «دور هذه الجامعات لا ينتهي بعد دخول الطلاب إلى الجامعات الإيرانية»، وأشارت إلى مجموعة عمل ثقافية تابعة لمكتب المرشد الإيراني علي خامنئي، تحمل على عاتقها تنظيم مراسم وبرامج ورحلات سياحية مخصصة للطلاب الأجانب.

في ديسمبر (كانون الأول) 2020، صنفت الولايات المتحدة جامعة «المصطفى» على قائمة المنظمات الإرهابية، لارتباطها الوثيق بـ«فيلق القدس» ذراع «الحرس الثوري» الإيراني.

بالإضافة إلى جامعة «المصطفى الدولية»، تعد جامعة «الخميني الدولية» في مدينة قزوين المحطة الأولى للطلاب الأجانب الوافدين إلى إيران، حيث يخضعون لدورات تعليمية مكثفة في اللغة الفارسية، قبل غربلتهم وتوزيعهم على الجامعات الإيرانية والفروع الدراسية في مختلف أنحاء البلاد.

ويعد تأهيل كوادر سياسية وإعلامية، ضمن أولويات الجامعات الإيرانية خلال السنوات الأخيرة مع إطلاق مشاريع إعلامية تخاطب العالم العربي، وتحظى برعاية المؤسسات الإيرانية.

زاد عدد الطلاب الأجانب بشكل ملحوظ خلال السنوات ما بعد «ثورات الربيع العربي»، وبحسب إحصائية العام الماضي، فإن عددهم يقدر بـ100 ألف طالب. وفي ديسمبر الماضي، نقلت وكالة «فارس» التابعة لـ«الحرس الثوري» عن نائب وزير العلوم ورئيس الشؤون الطلابية هاشم داداش بور، أن بلاده تلقت مليوناً و489 ألف طلب من أجانب للانضمام إلى الجامعات الإيرانية، مشيراً إلى وجود 94 ألف طالب أجنبي في إيران، من بينهم 27 ألف طالب، ما يعادل 24 في المائة، حاصلون على منح من الحكومة الإيرانية.

احتجاج طلابي

أثار الاتفاق بين جامعة طهران و«الحشد الشعبي» العراقي احتجاجاً بين النقابات الطلابية في جامعات طهران. واصفين الخطوة بـ«حشد العساكر في الجامعات».

وعبّر مجموعة من طلاب جامعة طهران عن رفضهم قبول قوات عسكرية في الجامعة «سواء بملابس العسكر أو ملابس الدراسة»، متوعدين بمواجهة الخطوة التي عدّوها «حرباً جديدة» لـ«خنق الاحتجاج الطلابي». وقال: إنها «آخر محاولة لنظام منهار لإظهار القوة».

وأضافوا أن الجامعة تحولت إلى محل لحضور «الأساتذة المرتبطين وميليشيا الباسيج» وتابع البيان: «لقد أفرغوا الجامعة عبر إقصاء وتعليق وقمع الطلاب والآن يريدون استبدالنا بقوات تمثل الجماعات العسكرية العراقية».

تعليقاً على الانتقادات الحادة، دافع رئيس جامعة طهران محمد مقيمي عن الاتفاق مع «الحشد الشعبي»، وقلل من المخاوف الأمنية واحتمال مشاركة هؤلاء في قمع الحراك الطلابي. وصرح في هذا الصدد بأن الحكومة العراقية خصصت ميزانية لدراسة أعضاء «الحشد الشعبي» وأسرهم، وادّعى أنهم «يدرسون في جامعات أميركية وبريطانية وأوروبية». وأضاف: «نظراً لكون جامعة طهران من الجامعات الرائد في العالم؛ فإن الإخوة العراقيين خصوصاً في (الحشد الشعبي) يفضّلون الدارسة في جامعة طهران على جامعات تركيا وأميركا وبريطانيا، لأسباب علمية وثقافية».

وقال لوكالة «إيلنا» الإصلاحية اليوم (الاثنين): إن قبول أعضاء «الحشد الشعبي» للدراسة يتماشى مع برامج الجامعة لاستقطاب الطلاب الأجانب، متحدثاً عن «فوائد ثقافية واجتماعية»، بالإضافة إلى موارد اقتصادية.

ولفت إلى قبول طلاب أجانب من العراق وأفغانستان وسوريا ولبنان على وجه خاص، مشدداً على أن الطلاب الأجانب يدفعون عشرة أضعاف الطلبة الإيرانيين مقابل كل فصل دراسي، بالعملة الأجنبية، نافياً أي تـأثير على عدد الطلاب الإيرانيين في الجامعة. كما وعد بإنفاق الموارد التي تحصل عليها جامعة طهران على تحسين الخدمات التي تقدم للطلبة الإيرانيين. وأوضح أن زيادة الطلاب الأجانب ينعكس إيجابياً على التصنيف العالمي للجامعات الإيرانيين.


مقالات ذات صلة

نائب إيراني ينفي إصابة قاآني وسط صمت «الحرس الثوري»

شؤون إقليمية قاآني في المكتب التمثيلي لـ«حزب الله» مع مبعوث الحزب عبد الله صفي الدين في طهران (التلفزيون الرسمي)

نائب إيراني ينفي إصابة قاآني وسط صمت «الحرس الثوري»

قال نائب إيراني إن مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» إسماعيل قاآني «بصحة جيدة»، في وقت غاب القيادي من أحدث لقاءات المرشد علي خامنئي مع القادة العسكريين.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
تحليل إخباري رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)

تحليل إخباري تداعيات الضربات الإيرانية: كيف تغيرت مواقف تل أبيب حول الرد؟

تسعى القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية إلى استغلال التلبك الظاهر في تصرفات القيادة الإيرانية وما تبقى من قيادات لـ«حزب الله».

نظير مجلي (تل أبيب)
شؤون إقليمية القبة الحديدية الإسرائيلية تتصدى للصواريخ الإيرانية (إ.ب.أ)

إيران تستدعي سفير أستراليا على خلفية موقف بلاده «المنحاز»

ذكرت وكالة تسنيم الإيرانية للأنباء، اليوم الأحد، أن وزارة الخارجية الإيرانية استدعت السفير الأسترالي في طهران بشأن ما وصفته بموقف بلاده «المنحاز».

«الشرق الأوسط» (دبي)
شؤون إقليمية خامنئي يمنح قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس» أمير علي حاجي زاده وسام «فتح الذهبي» على خلفية الهجوم الصاروخي (موقع المرشد)

إيران: خطة الرد «القاسي» على الإجراءات المحتملة لإسرائيل جاهزة

قال مسؤول عسكري إيراني إن بلاده أعدت خطة للرد على هجوم محتمل لإسرائيل، في وقت منح المرشد الإيراني علي خامنئي، قائد الوحدة الصاروخية في «الحرس»، وساماً رفيعاً.

«الشرق الأوسط» (لندن - طهران)
شؤون إقليمية قاآني في المكتب التمثيلي لـ«حزب الله» مع مبعوث الحزب عبد الله صفي الدين بطهران الأحد الماضي (التلفزيون الرسمي)

«الحرس الثوري» يلتزم الصمت بشأن مصير قاآني

التزمت طهران الصمت إزاء تقارير تفيد بإصابة قائد «فيلق القدس» إسماعيل قاآني، وذلك وسط تأهب إيراني لرد إسرائيلي محتمل على هجوم صاروخي باليستي شنه «الحرس الثوري».

«الشرق الأوسط» (لندن-طهران)

تداعيات الضربات الإيرانية: كيف تغيرت مواقف تل أبيب حول الرد؟

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
TT

تداعيات الضربات الإيرانية: كيف تغيرت مواقف تل أبيب حول الرد؟

رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)
رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مشاورات مع رؤساء جهاز الأمن في تل أبيب الأسبوع الماضي (الحكومة الإسرائيلية)

تسعى القيادة السياسية والعسكرية الإسرائيلية إلى استغلال التلبك الظاهر في تصرفات القيادة الإيرانية وما تبقى من قيادات لـ«حزب الله»، وتوسيع حلقة المعارك إلى حرب شاملة حتى مع إيران. وتشير كل الدلائل إلى أنها لا تتورع عن الدخول في صدام مع الإدارة الأميركية، ووضعها أمام أحد خيارين: إما أن تنضم إليها في الهجوم على إيران، وإما تنجرّ وراءها وتُضطر اضطراراً لخوض هذه الحرب.

فمع أن الولايات المتحدة أوضحت لإسرائيل أنها غير معنيّة بحرب مع إيران، لا منفردة ولا مشتركة، فإن الإنجازات الهائلة التي حققتها إسرائيل عسكرياً واستخباراتياً ضد «حزب الله» (اغتيال معظم قيادات الحزب، وفي مقدمتهم حسن نصر الله، وتفجير أجهزة الاتصال والتواصل في وجوه وأجساد أكثر من 4 آلاف عنصر وتدمير الضاحية الجنوبية)، وضد إيران (تصفية عدد من القيادات في لبنان واغتيال إسماعيل هنية)؛ أدخلت القيادات في تل أبيب في حالة من «نشوة النصر» التي تتحول إلى «سكرة نصر».

لوحة دعائية على طريق سريع في طهران تظهر الجنرال قاسم سليماني يقبل جبين أمين عام «حزب الله» حسن نصر الله في طهران (أ.ب)

ففي اليومين الأخيرين، حصل انعطاف مريب في الموقف الإسرائيلي تجاه الضربات الإيرانية. فكما هو معروف، أطلقت إيران 181 صاروخاً باليستياً على إسرائيل، وتمكنت المضادات الأميركية والفرنسية والإسرائيلية من تدمير أكثر من 85 في المائة منها قبل دخولها الأجواء الإسرائيلية. لكن 15 في المائة منها دخلت هذه الأجواء، بعضها سقط في مناطق مفتوحة وبعضها سقط في مواقع حساسة مثل 3 قواعد لسلاح الجو وبعض المصانع العسكرية. وأحدثت أضراراً في المباني والشوارع، ولكنها لم تُصِب مدنيين أو عسكريين. والوحيد الذي قتل فيها هو شاب فلسطيني من قطاع غزة يشتغل بورشة في أريحا.

وقد عدّت القيادة الإسرائيلية هذه الضربات خطيرة؛ لأنها تنطوي على القصف المباشر من إيران لإسرائيل. وفي البداية قررت الرد عليها، بتوجيه ضربة مؤلمة لموقع استراتيجي. لكنّها الآن تغيّر رأيها وتنوي توجيه عدة ضربات قاصمة في عدة مواقع استراتيجية. ووفقاً للتسريبات، تنوي توجيه ضربة شديدة للمشروع النووي الإيراني، وتقول إن هذه «فرصة تاريخية» لن تأتي أفضل منها. فإيران متلبكة إزاء ما يحدث لـ«حزب الله» وللقادة الميدانيين الإيرانيين الذين يديرون المعارك إلى جانبه في لبنان.

وهناك إشاعات عن فوضى عارمة في القيادة الإيرانية وخلافات بين التيارات والقادة، وعن اتهامات مسؤولين كبار بالتخابر مع العدو الإسرائيلي أو خدمة هذا العدو من دون قصد. وهذا هو الوقت لضربهم، قبل أن يتمكنوا من ترتيب أوراقهم والخروج من الأزمة.

صور الأقمار الاصطناعية تظهر أضراراً في قاعدة «نيفاتيم» الجوية بجنوب إسرائيل قبل وبعد الهجوم الصاروخي الإيراني (أ.ف.ب)

إلا أن إسرائيل ليست قادرة وحدها على توجيه ضربات كهذه. وهي بحاجة لا استغناء عنها لشراكة أميركية فاعلة. فالمنشآت الإيرانية النووية موزّعة على عدة مواقع وقائمة في قلب جبال، ولا مجال لضربها إلا بصواريخ أميركية تنطلق من طائرات وغواصات معدّة لهذا الغرض. هذه ليست متوفرة لإسرائيل. والولايات المتحدة تتحدث علناً عن معارضتها لهذه الشراكة. وتشعر بأن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، يريد تحقيق حلمه القديم (منذ سنة 2010) لجرّ قدم الولايات المتحدة إلى هذه الحرب وهي ترفض. لكن نتنياهو لا ييأس، ويعمل كل ما في وسعه لإقحامها، بإرادتها أو رغماً عنها. فإذا ضربت المنشآت، وقامت طهران بتنفيذ تهديداتها وردت بمزيد من الصواريخ على إسرائيل، فإن أميركا ستتدخل.

وكما يقول البروفيسور أيال زيسر، أحد أهم مرجعيات اليمين الآيديولوجي: «الولايات المتحدة هي صديقة حقيقية لإسرائيل، أثبتت التزامها بأمننا في كل ساعة اختبار وضائقة شهدناها على مدى العقود الأخيرة».

وأوضح زيسر أن الموقف الأميركي بعد هجوم «حماس» في 7 أكتوبر (تشرين الأول)، يشبه «القطار الجوي» الذي أطلقه الأميركيون في حرب «يوم الغفران» في أكتوبر 1973. وقال إن بين الأصدقاء الحقيقيين، أيضاً تظهر أحياناً خلافات. ورأى أن «من الواجب على إسرائيل أن تصر على موقفها»، وقال: «في الماضي أيضاً عارض الأميركيون تدمير المفاعل العراقي في 1981، بل وفرضوا علينا عقوبات بسبب هذا الفعل، ولكنهم بعد حين، تراجعوا واعترفوا لنا، حين وجدوا أنفسهم في حرب مع حاكم العراق. هكذا أيضاً في كل ما يتعلق بتدمير المفاعل النووي السوري في 2007، الخطوة التي تحفّظ عليها الأميركيون، وفقط بعد أن نشبت الحرب الأهلية في سوريا، اعترفوا بالخطأ الذي ارتكبوه».

ولفت زيسر إلى أن «التوقعات والمشورات الأميركية يجب أن نأخذها بشكل محدود الضمان. من الواجب العمل وفقاً لتفكيرنا وحكمنا، حتى وإن لم يكن الأمر يرضيهم. في نهاية الأمر، سيعترفون بالخطأ وسيفهمون المنطق والحق الذي في خطوات إسرائيل، وسيتجندون لدعمها».

لكن هناك آراء مخالفة في تل أبيب، تحذّر من المغامرة وتقول إن من يجد في ضرب إيران فرصة تاريخية يجب عدم تفويتها، قد يورّط إسرائيل في حرب شاملة تدفع خلالها ثمناً باهظاً، ليس فقط من ناحية الخسائر البشرية والمادية، بل أيضاً استراتيجياً. وربما تؤدي هذه المغامرة إلى إضاعة فرصة تاريخية لمشروع السلام في المنطقة. وتدعو هذه القوى القيادة الإسرائيلية إلى أن تحسن الاستفادة من مكاسبها في لبنان، ولا تلجأ إلى المغامرات والمقامرات الحربية.