في وقت تحدث فيه المسؤولون الإسرائيليون عن «خلافات عميقة» مع واشنطن، وكشفوا أن وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، ألغى زيارة قصيرة كانت مخططة إلى تل أبيب الأسبوع المقبل، بسبب هذه الخلافات، عادت تل أبيب تطالب بدعوة رئيس وزرائها، بنيامين نتنياهو، إلى البيت الأبيض، لأن «هناك ضرورة ملحة في أن تتخذ قرارات حاسمة في الشأن الإيراني لمنع دمار هائل يهدد المنطقة والعالم» وأن «لقاء القمة فقط يمكنه اتخاذ مثل هذه القرارات».
وجاء المطلب الإسرائيلي، وفقاً لمسؤولين في تل أبيب، خلال اللقاءات التي بدأها مبعوثا نتنياهو وزير الشؤون الاستراتيجية، رون ديرمر، ومستشار الأمن القومي في الحكومة، تساحي هنغبي، في واشنطن (الخميس)، إذ حاولا إقناع مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، بوجود تطورات خطيرة في الملف الإيراني «يستدعي أعلى درجات من التنسيق بين البلدين».
ترافق ذلك مع نشاط إسرائيلي داخلي، إذ شارك نتنياهو شخصياً في تدريبات الجيش على حرب متعددة الجبهات. وظهر مع وزير دفاعه، يوآف غالانت، وهما يجلسان في غرفة قيادة العمليات الحربية لاتخاذ قرارات حول مسار الحرب.
وأمضى غالانت معظم وقته في الأيام الخمسة الأولى من هذه التدريبات، في جولات على مختلف القيادات العسكرية في سلاح الجو وسلاح البحرية والسايبر والاستخبارات العسكرية، واختتمها (الجمعة) بجلسة تلخيص مرحلية بمشاركة قادة أجهزة المخابرات.
وفي خضم نشاطاته وجّه غالانت تهديداً ضمنياً لإيران، قال فيه إن «الأخطار التي تواجه دولة إسرائيل تزداد، وقد يتعين علينا القيام بواجبنا من أجل حماية وحدة إسرائيل خصوصاً مستقبل الشعب اليهودي... المهام ثقيلة والتحديات كبيرة. إن الواقع الذي نجد أنفسنا فيه معقد، لكن دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي وجميع الأجهزة الأمنية، ستعرف ما يجب القيام به لضمان أمن إسرائيل في الحاضر والمستقبل».
لكن الأميركيين أصدروا بياناً مقتضباً عن لقاء سوليفان مع هنغبي وديرمر، جاء فيه أن هدفه كان «متابعة المناقشات حول منع إيران من حيازة سلاح نووي، وسبل مواجهة التهديدات من إيران ووكلائها». ولكنهم أدخلوا إلى النص عدداً من القضايا الخلافية، خصوصاً الحرب في أوكرانيا والقضية الفلسطينية.
وقال البيان الأميركي: «المشاركون من الطرفين ناقشوا المخاوف المشتركة بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشأن العلاقة العسكرية المتعززة بين روسيا وإيران، وأهمية دعم أوكرانيا في الدفاع عن أراضيها ومواطنيها، بما في ذلك من الطائرات المسيّرة الإيرانية».
وأشار البيان إلى أن «سوليفان أعاد التأكيد على التزام إدارة الرئيس جو بايدن بتعزيز أمن إسرائيل واندماجها الاقتصادي في جميع أنحاء الشرق الأوسط، مشدداً على الحاجة إلى اتخاذ خطوات إضافية لتحسين حياة الفلسطينيين الحاسمة لتحقيق منطقة أكثر سلاماً وازدهاراً وتكاملاً».
وقالت مصادر سياسية في تل أبيب إن إدارة الرئيس بايدن تدرك تماماً الموقف الإسرائيلي، وتفهم أنه بالطرق السلمية لن تحرز ضمانات موثوقاً بها لوقف البرنامج الإيراني النووي، وأن السبيل الوحيدة هي في توجيه تهديد جدي مقنع وفعال باللجوء إلى الخيار العسكري، لكن واشنطن ليست معنية بالحرب حالياً، وتكتفي بالتهديدات العسكرية الإسرائيلية لردع إيران، وتريد وضع هذا الملف على الرف حتى انتهاء المعركة الانتخابية الأميركية في نوفمبر (تشرين الثاني) من السنة المقبلة.
ويقلق هذا الموقف الأميركي إسرائيل للغاية، ويزيد من قلقها أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أغلقت ملف التحقق المتعلق بوجود مواد نووية في موقع مريوان غير المعلن عنه في جنوب طهران، بعد تلقي «توضيحات معقولة» من إيران. وأعربت مصادر سياسية في تل أبيب عن خشيتها من أن يكون هذا التقرير «معداً ليلائم رغبات البيت الأبيض». ولذلك، أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية، بياناً شديد اللهجة عدت فيه التقرير «استسلاماً للضغوط السياسية»، وحذرت من أن «عواقب ذلك ستكون خطيرة». وقالت إن «التفسيرات التي قدمتها إيران لوجود مواد نووية في الموقع غير موثوق بها أو ممكنة من الناحية الفنية... إيران تواصل الكذب على الوكالة الدولية للطاقة الذرية وخداع المجتمع الدولي. واستسلام المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية للضغط السياسي الإيراني أمر مخيب للآمال للغاية، خصوصاً أن المعلومات الواردة في الملف تشير ضمناً إلى وجهين من الانتهاكات الإيرانية الصارخة لاتفاقيات التفتيش».
وادعت الخارجية الإسرائيلية أن «إغلاق القضية قد تكون له عواقب وخيمة للغاية»، ورأت أن ذلك «يوجه رسالة للإيرانيين مفادها أنهم غير مطالبين بدفع ثمن انتهاكاتهم، وأنه يمكنهم الاستمرار في خداع المجتمع الدولي في طريقهم لتحقيق برنامج نووي عسكري كامل».
تجدر الإشارة إلى أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لا تستخدم لغة السياسيين في هذه القضية. ومع أنها لا تتردد في تنفيذ عمليات عينية ضد المشروع النووي، وتنفذ عمليات على أرض إيران، وتواصل تهديد طهران فإنها تهدئ من روع الإسرائيليين باستمرار وتقول إن طهران لم تتجاوز بعد الخطوط الحمراء، التي تنتقل فيها إلى مرحلة صنع قنبلة نووية، ولم تتمكن بعد من صنع رأس نووي متفجر يجري تركيبه على صاروخ للتنفيذ العملي، ولكي تصل إلى هذه المرحلة تحتاج إلى قرار سياسي بالتحول إلى دولة نووية عسكرية، وإلى سنتين إضافيتين من الإعداد.