طهران تعدم أحد مزدوجي الجنسية في خضم التوتر مع الغرب

السويد استدعت السفير الإيراني احتجاجاً على إعدام مواطنها

ضابط من المخابرات الإيرانية يفتح الباب للناشط السياسي حبيب آسيود على هامش محاكمته (ميزان)
ضابط من المخابرات الإيرانية يفتح الباب للناشط السياسي حبيب آسيود على هامش محاكمته (ميزان)
TT

طهران تعدم أحد مزدوجي الجنسية في خضم التوتر مع الغرب

ضابط من المخابرات الإيرانية يفتح الباب للناشط السياسي حبيب آسيود على هامش محاكمته (ميزان)
ضابط من المخابرات الإيرانية يفتح الباب للناشط السياسي حبيب آسيود على هامش محاكمته (ميزان)

نفّذت إيران، السبت، حكم الإعدام بحق أحد مزدوجي الجنسية المحتجزين لديها، في خطوة لاقت تنديداً واسعاً من الاتحاد الأوروبي والسويد والمنظمات الحقوقية المعنية برصد الانتهاكات الإيرانية، التي تبدي قلقها على مصير الأجانب في المعتقلات الإيرانية.

وقالت وكالة «ميزان»، التابعة للقضاء الإيراني، إنها نفذت حكم الإعدام بحق المعارض حبيب آسيود الكعبي، وهو ناشط أحوازي، يحمل الجنسيتين الإيرانية والسويدية، بتهمة الانتماء لـ«حركة النضال العربي لتحرير الأحواز»، التي تنشط في المنطقة العربية المحاذية للعراق والخليج بجنوب البلاد.

وكان القضاء الإيراني قد ثبت في 12 مارس (آذار)، حكم الإعدام بحقه بتهمة «الإفساد في الأرض وتشكيل جماعة متمردة والتخطيط لكثير من العمليات الإرهابية وتنفيذها».

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية عن موقع «ميزان أونلاين»، التابع للسلطة القضائيّة، أنّ «حُكم الإعدام بحقّ حبيب شعب الملقّب بـ(حبيب آسيود)، زعيم جماعة حركة النضال الإرهابيّة، قد نُفّذ صباح اليوم (السبت) شنقاً».

لكن وزير الخارجية السويدي توبياس بيلستروم، الذي تتولى بلاده حالياً رئاسة مجلس الاتحاد الأوروبي، أدان إعدام الناشط بأشد العبارات، معبراً عن صدمته لإعدام الناشط الأحوازي، قائلاً إن حكومته ناشدت إيران عدم تنفيذ الحكم.

وكتب بيلستروم على «تويتر»: «عقوبة الإعدام هي عقوبة لا إنسانية نهائياً، والسويد مع بقية دول الاتحاد الأوروبي تدين تطبيقها في كل الظروف».

وفي وقت لاحق اليوم، أعلنت وزارة الخارجية السويدية استدعاء القائم بأعمال السفير الإيراني في استوكهولم للاحتجاج على إعدام آسيود.

وقالت وزارة الخارجية، في بيان، إنها أعربت للدبلوماسي الإيراني عن إدانتها الشديدة لتنفيذ عقوبة الإعدام في مواطنها.

وفي بروكسل، ندد مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل، بإعدام آسيود، ودعا لعدم تكرار ذلك مستقبلاً. وقال بوريل في بيان: «يدين الاتحاد الأوروبي بأشد العبارات إعدام المواطن السويدي - الإيراني، ويُذكّر مرة أخرى بمعارضته الشديدة لتطبيق عقوبة الإعدام في أي ظرف من الظروف». وجدد بوريل دعوة الاتحاد الأوروبي لإيران للامتناع عن «أي عمليات إعدام في المستقبل والتوجه نحو إلغائها بالكامل». وأضاف في البيان أن «العدد المزداد من مواطني الاتحاد الأوروبي ومزدوجي الجنسية المحتجزين بشكل تعسفي في إيران، والقيود التي تحول دون تمتع مواطني الاتحاد بالإجراءات القنصلية، والحرمان من الحق في محاكمة عادلة، كل ذلك يشكل انتهاكاً مباشراً للقانون الدولي».

من جهتها، قالت وزارة الخارجية الدنماركية، في تغريدة على «تويتر»، إن «الدنمارك تقف خلف السويد بشكل كامل في إدانة إعدام مواطن سويدي - إيراني اليوم في إيران». كما أعلنت كل من فنلندا ولاتفيا والنرويج وليتوانيا وإستونيا وقوفها إلى جانب السويد.

ويأتي الإعدام وسط تجدد التوتر الغربي - الإيراني بعدما شدّدت بريطانيا والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة عقوباتها على «الحرس الثوري» الإيراني على خلفية انتهاكات لحقوق الإنسان. ورداً على ذلك، أعلنت إيران عن إجراءات عقابية ضد أفراد وكيانات في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا.

 

من الاختطاف في إسطنبول حتى الإعدام

وفي عام 2022، بدأت إيران محاكمة الناشط، بعد اختطافه في ظروف غامضة، أثناء زيارته إلى إسطنبول. وفي ديسمبر (كانون الأول) 2020، أعلنت السلطات التركية توقيف 11 شخصاً يشتبه في قيامهم بخطفه في إسطنبول قبل نقله إلى مدينة فان الواقعة على الحدود الإيرانية، وتسليمه إلى السلطات في طهران.

وبعد أشهر من اختفائه ظهر الناشط محتجزاً في إيران، وفق شريط بثه التلفزيون الرسمي في حينها. ويُظهره وهو يدلي باعترافات مسجلة، وهي اعترافات تبثها الاستخبارات الإيرانية من ناشطين معتقلين، أثناء احتجازهم، وتلقى إدانة من المنظمات الحقوقية التي تتهم السلطات الإيرانية بأنها تنتزعها تحت التعذيب. وتربط إيران علاقات متوترة بالأقليات العرقية، من بينها العرب والأكراد والأذريون والبلوش، وتتهم هذه العرقيات بالتحيز لدول مجاورة.

ومن بين الاتهامات التي وجهتها السلطات الإيرانية للناشط، التورط في الهجوم على عرض عسكري في سبتمبر (أيلول) 2018، وأودى بحياة 25 شخصاً بينهم مدني و24 عسكرياً، وأصرت السلطات الإيرانية على اتهام حركة «النضال العربي لتحرير الأحواز».

ونفت الحركة عدة مرات أي دور لها في الهجوم، الذي تبناه تنظيم «داعش»، عبر تسجيل صوتي بثته وكالة «أعماق»، من المتحدث باسم التنظيم «أبي الحسن المهاجر»، الذي قتل في غارة أميركية بشمال غربي سوريا في أكتوبر (تشرين الأول) 2019.

 

مناشدة للمجتمع الدولي

ويشكل العرب غالبية سكان محافظة الأحواز (خوزستان) الغنية بالنفط، ويشكون من إهمالهم من قبل السلطات. وكانت الأحواز واحدة من النقاط الساخنة لموجة الاحتجاجات التي هزت البلاد في السنوات الأخيرة؛ خصوصاً نهاية عام 2019، التي قمعت بعنف. وكذلك الاحتجاجات ضد إدارة المياه في البلاد خلال صيف 2021.

وبالإضافة إلى حبيب كعب، قال ناشطون عبر شبكات التواصل الاجتماعي إن السلطات نقلت 6 ناشطين عرب يواجهون حكم الإعدام، إلى سجن خاص ينقل إليه المحكومون بالإعدام قبل تنفيذ الحكم.

وفي مارس الماضي، حُكم بالإعدام على 6 رجال بعد اتهامهم بـ«اتباع أوامر قادتهم الأوروبيين مثل (...) حبيب كعب».

وحصل حبيب آسيود على الجنسية السويدية أثناء إقامته في المنفى بالسويد. ونظراً لعدم اعتراف إيران بازدواجية الجنسية لمواطنيها، رُفض طلب استوكهولم إتاحة التواصل القنصلي معه. وذكر موقع «ميزان أونلاين» في مارس، أن حبيب آسيود «أقام في السويد سنوات عدة، واستفاد من مرافق وإمكانات الحكومة والأجهزة الأمنية في هذا البلد».

من جهتها، دعت «منظمة حقوق الإنسان في إيران» غير الحكومية، ومقرها أوسلو، عبر «تويتر»، «المجتمع الدولي إلى الرد بقوة على هذا الإعدام»، واصفة محاكمته بأنها «غير عادلة» و«قتل خارج نطاق القضاء». وقال مدير المنظمة، محمود أميري مقدم، إن «السلطات الإيرانية أعدمت أحد رهائنها السويديين. إعدام حبيب كعب مثال واضح على إرهاب الدولة».

وأضاف أميري مقدم: «اختطفته إيران من أجل الحصول على امتيازات من دول أوروبية، وحكم عليه بالإعدام بعد محاكمة صورية دون أي من معايير المحاكمة العادلة». وقال: «يجب أن يواجه هذا العمل الإرهابي برد فعل قوي من الاتحاد الأوروبي، خصوصاً الحكومة السويدية، وإلا فلن يكون أي من المواطنين الأوروبيين بأمان بالقرب من حدود إيران».

 

دبلوماسية الرهائن

وتعرّضت طهران لموجة إدانات دولية بعدما أعدمت في يناير (كانون الثاني)، المسؤول السابق في وزارة الدفاع علي رضا أكبري، الذي يحمل الجنسيتين البريطانية والإيرانية والمُدان بـ«التجسس». وفي فبراير (شباط)، طردت ألمانيا دبلوماسيين يعملان في السفارة الإيرانية ببرلين احتجاجاً على إصدار طهران حكماً بالإعدام بحق معارض إيراني - ألماني يُدعى جمشيد شارمهد، ويبلغ 67 عاماً. وقد اتُهم بالمشاركة في تنفيذ هجوم على مسجد في شيراز (جنوب) أسفر عن مقتل 14 شخصاً في أبريل (نيسان) 2008. وردّت إيران في الأول من مارس بطرد دبلوماسيين ألمانيين.

وكتبت غزالة شارمهد، ابنة جمشيد، على «تويتر»: «قلبي ينزف، لقد أعدم حبيب آسيود للتو... اختطفوه، عذبوه، طلبوا من عائلته التزام الصمت واليوم قتلوه». كما أشارت إلى قضية الأكاديمي الإيراني أحمد رضا جلالي، الذي كان يقيم في السويد، وأوقف خلال زيارة بدعوة من جهة أكاديمية في أبريل 2016، وحكم عليه بالإعدام في 2017 بتهمة التجسس لإسرائيل. وحصل جلالي على الجنسية السويدية أثناء احتجازه، وهو حسب أسرته، لا يزال مودعاً جناحاً في سجن مخصص للمحكومين بالإعدام.

وتحتجز إيران ما لا يقل عن 16 من حاملي جوازات السفر الأجنبية، بينهم 6 فرنسيين، غالبيتهم يحملون الجنسية الإيرانية أيضاً.

واحتجزت إيران العشرات من مزدوجي الجنسية والأجانب في السنوات الأخيرة، ومعظمهم واجهوا تهم تجسس، ويقول نشطاء حقوقيون إنهم رهائن أبرياء لم يرتكبوا أي جرم، ومحتجزون بأمر من «الحرس الثوري»؛ لاستخدامهم ورقة مساومة مع القوى الغربية.

وتطلق منظمات حقوقية ودول غربية على اعتقال مزدوجي الجنسية «سياسة دبلوماسية الرهائن».

وتوترت العلاقات الإيرانية - السويدية بسبب قضية حميد نوري، وهو مسؤول سجن إيراني سابق حكم عليه بالسجن مدى الحياة في السويد، لدوره في عمليات إعدام جماعية لسجناء عام 1988. وأثارت محاكمته التي بدأت مرحلتها الاستئنافية في يناير، غضب طهران، التي تندد بالملاحقات «السياسية» و«الاتهامات التي لا أساس لها والملفقة ضد إيران» في هذه القضية.

 

فورة إعدامات

جاء إعدام الناشط، في وقت أفادت فيه «منظمة حقوق الإنسان في إيران» بأن 42 شخصاً أعدموا خلال الأیام العشرة الأخيرة، غالبيتهم في محافظة بلوشستان المحاذية لباكستان وأفغانستان، حيث شنقت السلطات هناك 22 شخصاً بعد إدانتهم بالقصاص والاتجار بالمخدرات.

وحذرت المنظمة مما سمّته «فورة» إعدامات في إيران، محذرة من تقارير تشير إلى إعدامات واسعة قريباً.

وقال محمود أميري مقدم، مدير المنظمة، إن إيران «أعدمت شخصاً كل 6 ساعات في الأيام العشرة الأخيرة... أكثر من نصف من نفذ فيهم الإعدام كانوا من أقلية البلوش ومتهمين في قضايا مخدرات».

ووصف مقدم من جرى إعدامهم بأنهم «ضحايا رخيصو الثمن لآلة القتل الحكومية»، قائلاً إن الهدف من هذه الفورة في تنفيذ عمليات الإعدام «خلق حالة من الخوف في المجتمع، وليس محاربة الجريمة».


مقالات ذات صلة

إيران تحكم بإعدام 3 متهمين في قضية اغتيال فخري زاده

شؤون إقليمية سيارة العالم النووي الإيراني محسن فخري زاده بعد استهدافها قرب طهران (أ.ف.ب)

إيران تحكم بإعدام 3 متهمين في قضية اغتيال فخري زاده

قضت محكمة إيرانية بإعدام ثلاثة أشخاص، لتورطهم في حادث اغتيال العالم النووي الإيراني البارز محسن فخري زاده في نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 2020.

«الشرق الأوسط» (طهران)
شؤون إقليمية حكم الإعدام نُفذ شنقاً بآرون قهرماني في السجن بمدينة كرمانشاه الإيرانية (أرشيفية - رويترز)

بعد إدانته بتهمة القتل... طهران تعدم إيرانياً يهودياً

أعدمت السلطات الإيرانية، اليوم الاثنين، إيرانياً يهودياً بعد إدانته بتهمة القتل.

«الشرق الأوسط» (لندن)
شؤون إقليمية مبنى السفارة الإيرانية في برلين (إ.ب.أ)

طهران تحتج «بشدة» على قرار برلين إغلاق القنصليات الإيرانية

استدعت إيران القائم بأعمال السفارة الألمانية في طهران؛ لإبلاغه باحتجاجها على قرار برلين إغلاق ثلاث قنصليات بألمانيا، واصفة إياه بأنه «قرار غير عقلاني».

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا احتجاجات ضد إعدام المواطن الألماني الإيراني المزدوج جامشيد شارمهد أمام قنصلية طهران في فرانكفورت (د.ب.أ)

برلين تستدعي سفيرها من طهران بعد إعدام مواطن ألماني من أصل إيراني

قال متحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية، اليوم (الأربعاء)، إن إعدام المواطن الألماني من أصل إيراني، جمشيد شارمهد، يقوض العلاقات بين البلدين «بشدة».

«الشرق الأوسط» (برلين)
أوروبا متظاهر في برلين يحمل صورة جمشيد شرمهد (أ.ف.ب)

برلين تستدعي رئيس البعثة الدبلوماسية الإيرانية احتجاجاً على إعدام شرمهد

أعلنت وزارة الخارجية الألمانية، اليوم، أنها استدعت رئيس البعثة الدبلوماسية الإيرانية في برلين للاحتجاج على إعدام المعارض الإيراني - الألماني جمشيد شرمهد.

«الشرق الأوسط» (برلين)

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
TT

وسط دعوات لإقالة بن غفير... إسرائيل إلى أزمة دستورية

إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)
إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

تسببت عريضة قدمتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية للمحكمة العليا بإسرائيل، مطالبةً فيها بإصدار أمر إقالة لوزير الأمن الوطني المنتمي لليمين المتطرف إيتمار بن غفير، في حدوث انشقاق داخل حكومة بنيامين نتنياهو، مما قد يزج بإسرائيل في أزمة دستورية.

وفي رسالة إلى نتنياهو، الأسبوع الماضي، طلبت المدعية العامة غالي باهراف ميارا من رئيس الوزراء أن يدرس إقالة بن غفير، مستندة إلى أدلة تشير لتدخله المباشر في عمليات الشرطة، واتخاذ قرارات الترقيات بداخلها بناء على أسباب سياسية.

وجاءت هذه الرسالة قبل أن تقدم باهراف ميارا رأيها إلى المحكمة العليا في الأسابيع المقبلة بشأن ما إذا كان ينبغي لها قبول العريضة التي قدمتها المنظمات غير الحكومية في سبتمبر (أيلول) والنظر فيها، أم لا.

وفي رسالتها التي نشرها مكتبها، أيدت باهراف ميارا الاتهامات التي ساقتها المنظمات غير الحكومية عن تدخل بن غفير شخصياً في الطريقة التي تعامل بها قادة الشرطة مع الاحتجاجات المناهضة للحكومة.

واستشهدت أيضاً برسالة من المفوض السابق للشرطة يعقوب شبتاي الذي ترك منصبه في يوليو (تموز)، والتي جاء فيها أن بن غفير أصدر تعليمات لكبار قادة الشرطة بتجاهل أوامر مجلس الوزراء بحماية قوافل المساعدات الإنسانية المتجهة إلى غزة.

وقد أثارت رسالة باهراف ميارا رد فعل حاداً من بن غفير الذي دعا علناً إلى إقالتها، قائلاً إن طلبها تُحركه دوافع سياسية. ونفى الوزير ارتكاب أي مخالفات.

وحصل بن غفير على مهام واسعة عندما انضم إلى ائتلاف نتنياهو في نهاية عام 2022، منها المسؤولية عن شرطة الحدود في الضفة الغربية المحتلة، على الرغم من إدانته في عام 2007 بالتحريض العنصري ضد العرب ودعم حركة (كاخ) اليهودية المتطرفة التي تصنفها إسرائيل والولايات المتحدة منظمة إرهابية.

وقد أدى (قانون الشرطة) الذي أقره الكنيست في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وهو أحد الشروط التي وضعها بن غفير للانضمام إلى الائتلاف، إلى توسيع سلطاته على الشرطة والسماح له بوضع السياسات العامة، وتحديد أولويات العمل والمبادئ التوجيهية.

وقال بن غفير إن القانون سيعزز قوة الشرطة وقدرتها على مكافحة الجرائم، وزعم أن الشرطة في كل البلدان الديمقراطية تتبع وزيراً منتخباً. وقال منتقدون إن التعديلات منحت بن غفير سلطات شاملة على العمليات، وحوّلته إلى «رئيس للشرطة (بسلطات) مطلقة».

وقال أربعة من قادة الشرطة السابقين وخبيران قانونيان لـ«رويترز» إن التغييرات التي أجراها بن غفير على الكيان الشرطي وثقافته قادت إلى تسييسه.

وقال أمونون الكالاي، وهو سيرجنت سابق في الشرطة استقال في 2021: «يحاول الوزير بن غفير من خلال سلطته الموافقة على التعيينات أو التدخل في الترقيات لخدمة مصالحه السياسية الخاصة».

ولم ترد شرطة إسرائيل ولا مكتب بن غفير على طلبات للتعليق على دور الوزير في تعيينات الشرطة أو التأثير في عملها.

وقاوم نتنياهو، الذي يواجه اتهامات بالفساد، دعوات سابقة لإقالة بن غفير. وإذا انسحب حزب عوتسماه يهوديت (القوة اليهودية) الذي يرأسه بن غفير من الائتلاف الحاكم، فلن يكون لدى نتنياهو إلا أغلبية ضئيلة. وإلى جانب المشكلات القانونية التي تواجه رئيس الوزراء، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة لاعتقاله، الخميس، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في صراع غزة. ويصر نتنياهو على براءته من جميع التهم.

ويقول بعض الخبراء القانونيين إن إسرائيل قد تنزلق إلى أزمة دستورية إذا أمرت المحكمة العليا رئيس الوزراء بإقالة بن غفير ورفض ذلك، حيث ستظهر الحكومة وكأنها تضرب بقرارات القضاء عرض الحائط.

وقال عمير فوكس، وهو أحد كبار الباحثين في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية، وهو مركز أبحاث مقره القدس: «لا نعرف ماذا سيحدث في مثل هذا الوضع». وأضاف أن هذا قد يضع إسرائيل «في موقف خطير للغاية».

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير (إ.ب.أ)

موقف متشدد من الاحتجاجات

في العام الماضي، استقال قائد شرطة تل أبيب عامي إيشد، وأشار لأسباب سياسية وراء قراره، وذلك بعد أن صرح علناً أنه لن يستخدم القوة ضد المتظاهرين المناهضين للحكومة، على الرغم من طلبات بن غفير بذلك. وفي بيان بثه التلفزيون، قال إيشد إن «المستوى الوزاري» كان يتدخل بشكل صارخ في عملية اتخاذ القرار المهني.

ولم يرد مكتب بن غفير علناً على تعليقات إيشد. وكانت المحكمة العليا قد أمرت بن غفير بالتوقف عن إعطاء تعليمات للشرطة حول كيفية استخدام القوة للسيطرة على الاحتجاجات في العام الماضي، قبل أن تعاود الأمر في يناير (كانون الثاني).

وقال قادة الشرطة الأربعة السابقون الذين تحدثوا إلى «رويترز»، إن ثمة تغييراً طرأ على عمل الشرطة تحت قيادة بن غفير. وأوضحوا أن الدليل على ذلك هو عدم تنفيذ الشرطة أي اعتقالات عندما اقتحم متظاهرون من اليمين مجمعين عسكريين في يوليو، بعد وصول محققين لاستجواب جنود في اتهامات بإساءة معاملة سجين فلسطيني.

وعلى النقيض من ذلك، اتخذت الشرطة إجراءات صارمة في مواجهة المظاهرات المناهضة للحكومة. وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية في يونيو (حزيران) أن 110 أشخاص قُبض عليهم في إحدى ليالي الاحتجاجات، وهو رقم قياسي، ولم توجّه اتهامات إلا إلى شخص واحد منهم.

وقالت الشرطة، رداً على الانتقادات الموجهة إليها باعتقال أعداد كبيرة، إن سلوك بعض المتظاهرين اتسم بالعنف خلال الاحتجاجات، ومنهم من هاجموا قوات إنفاذ القانون وأشعلوا الحرائق.

الحرم القدسي

أدت تعيينات في مناصب عليا في الأشهر القليلة الماضية إلى تحول في قيادة الشرطة، فبعد أن وافقت الحكومة في أغسطس (آب) على مرشحه لمنصب مفوض الشرطة، دانييل ليفي، قال بن غفير إن المفوض الجديد سوف يتبع «أجندة صهيونية ويهودية»، ويقود الشرطة «وفقاً للسياسة التي وضعتها له».

ويشكل العرب ما يزيد قليلاً على 20 في المائة من سكان إسرائيل، ويتعرضون لمعدلات أعلى بكثير من جرائم العنف. ولم يحضر بن غفير ولا ليفي اجتماعاً دعا إليه نتنياهو في سبتمبر لمواجهة ارتفاع معدلات الجريمة في المجتمع العربي بإسرائيل.

وخفف أمير أرزاني، الذي تم تعيينه قائداً لشرطة القدس في فترة تولي بن غفير منصبه، قيود الوصول إلى المسجد الأقصى، في مكان يطلق عليه اليهود اسم جبل المعبد، وهو أحد أكثر الأماكن حساسية في الشرق الأوسط.

وقال أحد كبار المسؤولين سابقاً عن إنفاذ القانون في القدس لـ«رويترز»، إنه في السابق عندما كان يحاول الوزراء الوصول إلى الحرم القدسي لممارسة الطقوس اليهودية كان كبار الضباط يطلبون تصريحاً من وزارة العدل لاعتقالهم على أساس أن ذلك يشكل تهديداً للأمن الوطني.

وصعد بن غفير إلى الحرم القدسي عدة مرات منذ توليه منصبه دون أن يوقفه رجال الشرطة.

وقالت شرطة إسرائيل، في بيان، رداً على أسئلة من «رويترز» بشأن الإرشادات، إن أعضاء الكنيست يمكنهم طلب الوصول إلى الحرم القدسي عبر (حرس الكنيست)، وإن الموافقة تعتمد على تقييم أمني يجري في وقت قريب من موعد الزيارة المطلوبة.

وقال أحد المسؤولين السابقين، الذي خدم في فترة بن غفير وطلب عدم الكشف عن هويته بسبب الطبيعة الحساسة لمنصبه السابق، إن بن غفير لم يُمنع من الوصول إلى الحرم القدسي، حيث عُدّ أنه لا يشكل تهديداً.

أضرار طويلة الأمد

قال يوجين كونتوروفيتش، رئيس قسم القانون الدولي في منتدى كوهيليت للسياسات، وهو مركز أبحاث ذو توجه محافظ مقره القدس، إن الأمر الذي أصدرته المحكمة العليا لرئيس الوزراء بإقالة الوزير قد ينطوي على تجاوز لحدود السلطة القضائية.

وأضاف: «إذا لم يكن لرئيس الوزراء الاختيار بشأن الوزراء الذين يعينهم أو يقيلهم فهو ليس رئيساً للوزراء، بل مجرد دمية في يد المحاكم». وأضاف أن المدعية العامة لم تحدد قوانين بعينها انتهكها بن غفير.

وطعنت (الحركة من أجل جودة الحكم في إسرائيل)، وهي حملة تهدف إلى تعزيز معايير الديمقراطية، على قانون الشرطة لعام 2022 أمام المحكمة العليا.

وقال أوري هيس، المحامي في الحركة، إن القانون أعطى بن غفير سلطة خطيرة للتدخل في السياسة الإسرائيلية؛ لأنه يستطيع استخدام الشرطة لقمع المشاعر المناهضة للحكومة.

وذكر يوآف سيغالوفيتش، وهو عضو في الكنيست عن حزب معارض وضابط إنفاذ قانون سابق ترأس قسم التحقيقات والاستخبارات في الشرطة، إن التغييرات التي أجراها بن غفير يحتمل أن تسبب أضراراً لا رجعة فيها، وقد يستغرق تصحيحها سنوات.

وقال سيغالوفيتش: «ينبغي ألا يتمتع أي سياسي بسلطة على كيفية استخدام الشرطة؛ لأن الشرطة ليست مثل الجيش، فالشرطة تتعامل مع المواطنين؛ الشرطة تتعامل مع القضايا الأكثر حساسية».