لا بجعة على مرمى النظر

في زيارة قبر وليم بتلر ييتس

ييتس
ييتس
TT

لا بجعة على مرمى النظر

ييتس
ييتس

تحدثت صاحبة الشعر الأحمر همساً في المقصورة مع القس الشاب، الذي طالع كتاب الأدعية لثوانٍ، وتمتم شيئاً، ثم تطلع ثانية، وتمتم مجدداً، ثم أغلق الكتاب، وكرس نفسه تماماً للمحادثة.

«سان فرنسيسكو؟»، سأل القس.

«نعم»، ردت ذات الشعر الأحمر: «أرسلنا زوجي مرة إلى هناك، وأسافر الآن لرؤية أصهاري، سأراهم للمرة الأولى. وعليَّ المغادرة من بوليموت».

«لديك ما يكفي من الوقت»، قال القس بصوت خافت: «بل الكثير من الوقت». «حقاً؟»، سألت المرأة الشابة بهمس. كانت بالغة الطول، بدينة، شاحبة، وجلست هناك بوجهها الطفولي مثل دمية، بينما التقطت ابنتها، التي تبلغ الثالثة من العمر، كتاب أدعية القسيس وصارت تتمتم تقليداً له. رفعت المرأة يدها كي تعاقب الطفلة، لكن القس كشح يدها.

«اتركيها رجاءً»، قال بخفوت.

المطر ينهمر، والماء يسيل على زجاج الشبابيك، والفلاحون يخوضون في الخارج على مروجهم الفائضة كي يجمعوا قشهم؛ ملابس منشورة على الأسيجة الشجرية تحت رحمة المطر، كلاب مبللة تنبح على القطار، أكباش هاربة، والفتاة تقرأ دعاءها وتتمتم أحياناً بأسماء سمعتها في صلاة المساء: يسوع، القديسة ماريا، ارحما بالأرواح الضائعة أيضاً.

توقف القطار، ووضع فرَّاش منقوع بالماء سلة مليئة بالفطر في عربة الحقائب، ونقل علب السجائر، ورزمة صحف المساء، ثم ساعد امرأة منفعلة في فتح مظلتها...

تطلع ناظر المحطة بحزن إلى القطار المغادر ببطء: قد يسأل نفسه أحياناً ما إذا لم يكن في حقيقة الأمر حارس مقبرة، أربعة قطارات في اليوم، قطاران يصلان، وقطاران يغادران، وربما قطار حمل إضافي، يتهادى بحزن، كأنه ذاهب إلى مأتم دفن قطار حمل آخر. في آيرلندا لا تحمي حواجز السكك السيارات من القطارات، وإنما القطارات من السيارات: فهي لا تنفتح وتنغلق على الشارع، وإنما على السكك؛ وهكذا تبدو المحطات المطلية بالألوان الجميلة مثل دور نقاهة مصغرة أو مصحات، وهذا يظهر ناظر المحطة بمظهر الممرض مقارنة بنظيره في البلدان الأخرى الذي يظهر بمظهر عسكري، الذي يقف بين دخان المكائن، وهزيم القطارات، محيِّياً بيده قطارات الحمل العابرة. الأزهار تنمو حول محطات القطارات الآيرلندية الصغيرة، شمندر معتنىً بها، وأشجار مشذبة بعناية، والناظر يبتسم للقطار المسافر، وكأنه يريد القول: «لا، لا، أنت لا تحلم، هذا يحدث فعلاً، والساعة فعلاً هي 16:49، كما تقول ساعتي المعلقة هناك. هذا، لأن القطار لا بدَّ أن يتأخر بحساب المسافر؛ والقطار تحرك في موعده بدقة، لكن الدقة هنا لها مفعول خدَّاع؛ فـ16:49 هو زمن دقيق لا يتناسب مع الزمن في هذه المحطات. وليست الساعة هي الخطأ هنا، وإنما الزمن نفسه، الزمن الذي يعتمد على عقرب الدقائق.

الخراف تهرب، والبقرات ذاهلة، وكلاب مبللة تنبح والفلاحون يدورون في حقولهم حاملين أوعية ينتشلون العشب فيها بواسطة شبكات.

غناء عذب انطلق متناغماً من بين شفتي الطفلة الصغيرة، تتمحور حول يسوع والعذراء مريم، وتدعو للأرواح المعذبة بين فواصل منتظمة. وذات الشعر الأحمر تزداد قلقاً: «ولكن، لا»، قال القس بصوت منخفض، «هناك محطتان أخريان حتى بوليموت».

هاينريش بول

«في كاليفورنيا»، قالت المرأة الشابة: «الجو حار، وهناك الكثير من الشمس. تبدو آيرلندا غريبة في عيني. مرت خمس عشرة سنة على رحيلي؛ وما زلت أحسب بالدولار، لم أعتد بعد على الحساب بالجنيه، والشلن والبنس، وتدري يا أبتاه، آيرلندا أصبحت أكثر حزناً».

«هذا تأثير المطر»، قالها القس متنهداً.

«لم أقطع هذا المسافة من قبل»، قالت المرأة، «ولكنني قطعت غيرها في السابق، قبل أن أرحل؛ من أثلون إلى غالوي، وسافرت عدة مرات، ولكنني أعتقد، أن أناساً أقل مما في السابق صاروا يعيشون هناك. والسكون هناك جعل قلبي يتوقف. أنا خائفة».

صمت القس وتنهد.

«أنا خائفة»، قالت المرأة هامسة، «إذ ينبغي لي أن أركب الحافلة من بوليموت لمسافة عشرين ميلاً، ثم أواصل على القدمين، عبر المستنقعات - أنا أخاف من الماء. مطر وبحيرات، وأنهار، وجداول، وبحيرات من جديد - تبدو آيرلندا بالنسبة لي، يا أبت، كأنها منخورة بالثقوب. لا تجفُّ قطع الملابس على الحبال أبداً، والقش يعوم على المطر، ألا تشعر بالخوف أبتِ؟».

«هذا تأثير المطر لا أكثر»، قال القس، «اهدئي. أعرف ذلك أيضاً، وأحياناً ينتابني الخوف أنا أيضاً. كانت لي أبرشية صغيرة لمدة سنتين، في الأسفل بين كروسمولينا ونيوبورت، وكانت تمطر هناك لأسابيع دون توقف، والرياح تعصف - لا شيء غير الجبال العالية الخضراء والخضراء الداكنة - هل تعرفين نيفن بيغ؟».

«لا».

«تقع بالقرب من هناك. مطر، ماء، ومستنقعات - وعندما سافرت مرة إلى نيوبورت أو فوكسفورد لم أجد غير الماء - عبر بحيرات، أو ماراً على بحيرات».

سدت الفتاة الصغيرة كتاب الأدعية، وقفزت على الأريكة، وطوقت جيد والدتها، وسألت هامسة «هل سنغرق فعلاً؟».

«كلا، كلا»، ردت الأم، ولكن لم يظهر عليها أنها مقتنعة تماماً؛ في الخارج صفع المطر زجاج النوافذ، وتهادى القطار شاقاً طريقه في الظلام، متسللاً بين المزن. تناولت البنت سندويتشة بصمت، ودخنت الأم سيجارة، فيما التقط القس كتابه من جديد؛ وقلد الفتاة الصغيرة - دون أن يشعر- وهو يتمتم تمتمته التي لا يسمع منها غير كلمات يسوع المسيح، والروح القدس، ومريم، ثم أغلق الكتاب مجدداً. «هل كاليفورنيا فعلاً بهذا الجمال؟»، سأل.

«إنها رائعة»، قالت المرأة وهي تقوس كتفيها بقشعريرة.

«آيرلندا جميلة أيضاً».

«بديعة»، قالت المرأة، «أعرف ذلك، ألا ينبغي أن أنزل هنا؟».

«نعم، في المحطة القادمة».

وكان المطر ينهمر حينما بلغ القطار سليغو؛ جرى تبادل القبل تحت المظلات، وذرفت الدموع تحت المظلات؛ كان سائق تاكسي ينام على يديه المتقاطعتين على المقود، أيقظته، وهو من النوع اللطيف الذي يستيقظ باسماً.

«إلى أين؟»، سأل.

«إلى درومكليف تشيرتشيارد».

«ولكن، لا أحد يسكن هناك».

«ربما»، قلت، «لكنني أريد الذهاب إلى هناك».

«وتعود».

«نعم».

«طيِّب».

سرنا بين البرك، وخلال شوارع خالية: وفي الشفق أبصرت بيانو من خلال شباك مفتوح. بدا كأن الغبار يعلو المفاتيح بسمك أصبع. حلاق كان يقف ضجراً في باب محله، يجزجز بمقصه وكأنه ينوي حلاقة مساقط المطر؛ فتاة تجدد حمرة شفتيها قرب مدخل للسينما، أطفال يركضون تحت المطر حاملين كتب الصلاة تحت آباطهم؛ ونادت امرأة على رجل عجوز عبر الشارع: «مساعدة جدو؟»، ورد الرجل هاتفاً: «أنا بخير، بعون الرب وأمه المباركة».

«هل أنت متأكد تماماً؟»، سألني السائق بهدوء، إنك تريد الذهاب إلى درومكليف تشيرتشيارد؟». «أنا متأكد تماماً»، رددت.

قمم التلال مطوقة بحلقات سرخسية ذابلة مثل شعر امرأة عجوز حمراء الشعر، وصخرتين كالحتين تراقبان مدخل هذا الخليج الصغير: «بينبولبن ونوكناريا»، قال السائق، وكأنه يقدم لي قريبين بعيدين ما عاد يكترث لهما.

«هناك، قال السائق وأشار إلى الأمام، حيث يبرز برج كنيسة في الضباب؛ غربان تحلق حول البرج، غيمة من الغربان، بدت في البعد مثل ندف ثلج سوداء.

«أعتقد» قال السائق: «إنك تبحث عن ميدان المعركة القديم؟».

«كلا»، قلت:« لم أسمع بأي معركة».

«في عام561»، شرع بالحديث بنبرة مرشد سياحي مخففة، «جرت هنا المعركة الوحيدة في العالم التي حصلت بسبب حقوق النشر». شاهدته يهز رأسه.

«حقيقة»، قال السائق: «نَسَخ أتباع القديس كولومبا ترانيم كتاب ألَّفه القديس فينيان، وتسبب هذا بمعركة بين أتباع القديس كولومبا وأتباع القديس فينيان. ثلاثة آلاف قتيل، ولكن الملك حسم المعركة؛ قال: «كما يعود كل عجل لبقرته، تعود كل نسخة إلى الكتاب». «لا تريد إذن أن تشهد ميدان المعركة؟».

«كلا»، قلت، «أنا أبحث عن قبر».

«آخ»، رد السائق، «ييتس، نعم، وتريد الذهاب بالتأكيد حينها إلى اينيسفري».

«لا أعرف بعد»، قلت، «توقف هنا لحظة من فضلك».

الغربان تطير من على شواهد القبور، وتنعب محلقة حول برج الكنيسة. وكان قبر ييتس مبللاً، والحجر بارداً، والكلام الذي أراد ييتس أن يُكتب شاهداً على قبره كان ببرودة إبر الثلج التي أُطلقت عليّ من قبر سويفت، ويقول «أيها الراكب أرسل نظرة باردة إلى الحياة، وعلى الموت، وواصل ركوبك». نظرت إلى الأعلى: «هل كانت الغربان بجعات مسحورة؟ تنعب نحوي بازدراء، وتخفق حول برج الكنيسة؟».

تطوق السرخسيات الذابلة، التي فلطحها المطر، قمم التلال، بلون نحاسي متأكسد. شعرت بالبرد.

«نواصل»، قلت للسائق.

«إذن، إلى اينيسفري بالفعل؟».

«كلا» قلت، «نعود إلى المحطة».

صخور في الضباب، والغربان السود تحلق حول الكنيسة الوحيدة، وأربعة آلاف كيلومتر من الماء تحيط بقبر ييتس. ولا بجعة على مرمى النظر.

* ولد هاينريش بول في مدينة كولونيا في21 ديسمبر (كانون الأول) 1917 وفارق الحياة يوم 16 يوليو (تموز) 1985. كان أبوه فيكتور بول يعمل نجاراً، وكانت أمه ماريا هي الزوجة الثانية لأبيه. وهو الابن السادس لأبيه. ونشأ وسط عائلة برجوازية كاثوليكية.

ترأس في سنة 1970 نادي القلم PEN Club الألماني الأدبي حتى سنة 1972، وترأس في الفترة نفسها، بين 1971 - 1974، نادي القلم الدولي.

في سنة 1972 حصل هاينريش بول على جائزة نوبل للآداب. وتعد رواية الشرف الضائع لكاترينا بلوم من أشهر رواياته على الإطلاق، وقد ترجمت إلى أكثر من 30 لغة، وحولت إلى فيلم سينمائي، وبيع منها في ألمانيا وحدها نحو 6 ملايين نسخة.

وورد النص المعنون «لا بجعة على مرمى النظر» في كتابه الشهير «يوميات آيرلندية»، الذي ينتظر أن توزع ترجمته العربية في مهرجان القاهرة الدولي للكتاب سنة 2026. وعنوان النص إشارة إلى أحد أشهر دواوين الشاعر وليم بتلر ييتس «البجع البري في كول» وقصيدته التي تحمل الاسم نفسه في المجموعة. والمقصود هنا حديقة كول coole Park المعروفة في آيرلندا.


مقالات ذات صلة

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

كتب «وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

«وجوه لا تغيب»... بورتريهات ترسم ملامح رموز ثقافية وفنية

يقدم كتاب «وجوه لا تغيب: بورتريهات في محبة مبدعين» للناقد المصري الدكتور علاء الجابري حالة من القراءة التحليلية الممزوجة بالمعلومات وبالتأمل.

عمر شهريار
كتب صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

صراع الإمبراطوريات والأفكار في القرن التاسع عشر

عن دار «صفصافة» للنشر في القاهرة، صدرت حديثاً رواية «الروزنامجي» للروائي المصري هشام البواردي، وتطرح تساؤلات جذرية عن الأرض والمرض.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم.

شوقي بزيع
ثقافة وفنون فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

الفكر الفلسفي المسيحي في متناول القارئ العربي

في سياق الاهتمام المتنامي في العالم العربي عموماً، وفي البلدان الخليجيّة خصوصاً، تبرز «موسوعة الفلسفة الفرنسيّة المعاصرة».

مالك القعقور

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
TT

إسرائيل ستشارك في «يوروفيجن 2026»

المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)
المغنية الإسرائيلية إيدن جولان الممثلة لبلدها على خشبة المسرح خلال التدريبات قبل الجولة النهائية لمسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2024 في مالمو بالسويد يوم 10 مايو 2024 (رويترز)

قال مصدران في دولتين من أعضاء اتحاد البث الأوروبي، لوكالة «رويترز»، إن إسرائيل ستتمكن من المشاركة في مسابقة «يوروفيجن» 2026، بعد أن قرر أعضاء الاتحاد، اليوم (الخميس)، عدم الدعوة إلى التصويت بشأن مشاركتها، رغم تهديدات بمقاطعة المسابقة من بعض الدول.

وذكر المصدران أن الأعضاء صوتوا بأغلبية ساحقة لدعم القواعد الجديدة التي تهدف إلى ثني الحكومات والجهات الخارجية عن الترويج بشكل غير متكافئ للأغاني للتأثير على الأصوات، بعد اتهامات بأن إسرائيل عززت مشاركتها هذا العام بشكل غير عادل.

انسحاب 4 دول

وأفادت هيئة البث الهولندية (أفروتروس)، اليوم (الخميس)، بأن هولندا ستقاطع مسابقة «يوروفيجن» 2026؛ احتجاجاً على مشاركة إسرائيل.

وذكرت وكالة «أسوشييتد برس» أن إسبانيا انسحبت من مسابقة «يوروفيجن» للأغنية لعام 2026، بعدما أدت مشاركة إسرائيل إلى حدوث اضطراب في المسابقة.

كما ذكرت شبكة «آر تي إي» الآيرلندية أن آيرلندا لن تشارك في المسابقة العام المقبل أو تبثها، بعد أن قرر أعضاء اتحاد البث الأوروبي عدم الدعوة إلى تصويت على مشاركة إسرائيل.

وقال تلفزيون سلوفينيا الرسمي «آر تي في» إن البلاد لن تشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) لعام 2026، بعد أن رفض أعضاء اتحاد البث الأوروبي اليوم (الخميس) دعوة للتصويت على مشاركة إسرائيل.

وكانت سلوفينيا من بين الدول التي حذرت من أنها لن تشارك في المسابقة إذا شاركت إسرائيل، وفقاً لوكالة «رويترز».

وقالت رئيسة تلفزيون سلوفينيا الرسمي ناتاليا غورشاك: «رسالتنا هي: لن نشارك في مسابقة الأغنية الأوروبية (يوروفيجن) إذا شاركت إسرائيل. نيابة عن 20 ألف طفل سقطوا ضحايا في غزة».

وكانت هولندا وسلوفينيا وآيسلندا وآيرلندا وإسبانيا طالبت باستبعاد إسرائيل من المسابقة؛ بسبب الهجوم الذي تشنّه على المدنيين الفلسطينيين في غزة.

وتنفي إسرائيل استهداف المدنيين خلال هجومها، وتقول إنها تتعرض لتشويه صورتها في الخارج على نحو تعسفي.


صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب
TT

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

صور الجمال وتجلياته في أدب الغرب

لم يكن الجمال بوجوهه المتغايرة مثار اهتمام الفلاسفة والعلماء وحدهم، بل بدت أطيافه الملغزة رفيقة الشعراء إلى قصائدهم، والفنانين إلى لوحاتهم والموسيقيين إلى معزوفاتهم، والعشاق إلى براري صباباتهم النائية. والأدل على تعلق البشرفي عصورهم القديمة بالجمال، هو أنهم جعلوا له آلهة خاصة به، ربطوها بالشهوة تارة وبالخصب تارة أخرى، وأقاموا لها النصُب والمعابد والتماثيل، وتوزعت أسماؤها بين أفروديت وفينوس وعشتروت وعشتار وغير ذلك.

وحيث كان الجمال ولا يزال، محلّ شغف الشعراء والمبدعين واهتمامهم الدائم، فقد انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع، وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغاني. كما تلمّسته النظرات الذاهلة للواقعين في أشراكه، بأسئلة ومقاربات ظلت معلقة أبداً على حبال الحيرة والقلق وانعدام اليقين. وقد بدا ذلك القلق واضحاً لدى الشاعر الروماني أوفيد الذي لم يكد يُظهر شيئاً من الحكمة والنضج، حين دعا في ديوانه «الغزليات» الشبان الوسيمين إلى أن «يبدعوا لأنفسهم روحاً مشرقة صيانةً لجمالهم»، حتى أوقعه الجمال المغوي بنماذجه المتعددة في بلبلة لم يعرف الخروج منها، فكتب يقول: «لا يوجد جمال محدد يثير عاطفتي، هنالك آلاف الأسباب تجعلني أعيش دائماً في الحب، سواء كنت أذوب حباً في تلك الفتاة الجميلة ذات العينين الخجولتين، أو تلك الفتاة اللعوب الأنيقة التي أولعتُ بها لأنها ليست ساذجة. إحداهن تخطو بخفة وأنا أقع في الحب مع خطوتها، والأخرى قاسية ولكنها تغدو رقيقة بلمسة حب».

على أن الجمال الذي يكون صاعقاً وبالغ السطوة على نفوس العاجزين عن امتلاكه، يفقد الكثيرمن تأثيراته ومفاعيله في حالة الامتلاك. ذلك أن امتناع المتخيل عن تأليف صورة الآخر المعشوق، تحرم هذا الأخير من بريقه الخلاب المتحالف مع «العمى»، وتتركه مساوياً لصورته المرئية على أرض الواقع. وفضلاً عن أن للجمال طابعه النسبي الذي يعتمد على طبيعة الرائي وثقافته وذائقته، فإن البعض يعملون على مراوغة مفاعيله المدمرة عن طريق ما يعرف بالهجوم الوقائي، كما هو شأن الشعراء الإباحيين، وصيادي العبث والمتع العابرة، فيما يدرب آخرون أنفسهم على الإشاحة بوجوههم عنه، تجنباً لمزالقه وأهواله. وهو ما عبر عنه الشاعر الإنجليزي جورج ويذر المعاصر لشكسبير، بقوله:

«هل عليّ أن أغرق في اليأس

أو أموت بسبب جمال امرأة

لتكن أجمل من النهار ومن براعم أيار المزهرة

فما عساني أبالي بجمالها إن لم تبدُ كذلك بالنسبة لي».

وإذ يعلن روجر سكروتون في كتابه «الجمال» أن على كل جمال طبيعي أن يحمل البصمة البصرية لجماعة من الجماعات، فإن الشاعر الإنجليزي الرومانسي وردسوورث يعلن من جهته أن علينا «التطلع إلى الطبيعة ليس كما في ساعة الشباب الطائشة، بل كي نستمع ملياً للصوت الساكن الحزين للإنسانية».

والأرجح أن هذا الصوت الساكن والحزين للجمال يعثر على ضالته في الملامح «الخريفية» الصامتة للأنوثة المهددة بالتلاشي، حيث النساء المعشوقات أقرب إلى النحول المرضي منهن إلى العافية والامتلاء. وقد بدوْن في الصور النمطية التي عكستها القصائد واللوحات الرومانسية، مشيحات بوجوههن الشاحبة عن ضجيج العصر الصناعي ودخانه السام، فيما نظراتهن الزائغة تحدق باتجاه المجهول. وإذا كان بعض الشعراء والفنانين قد رأوا في الجمال الساهم والشريد ما يتصادى مع تبرمه الشديد بالقيم المادية للعصر، وأشاد بعضهم الآخر بالجمال الغافي، الذي يشبه «سكون الحسن» عند المتنبي، فقد ذهب آخرون إلى التغني بالجمال الغارب للحبيبة المحتضرة أو الميتة، بوصفه رمزاً للسعادة الآفلة ولألق الحياة المتواري. وهو ما جسده إدغار آلان بو في وصفه لحبيبته المسجاة بالقول: «لا الملائكة في الجنة ولا الشياطين أسفل البحر، بمقدورهم أن يفرقوا بين روحي وروح الجميلة أنابيل لي، والقمر لا يشع أبداً دون أن يهيئ لي أحلاماً مناسبة عن الجميلة أنابيل لي، والنجوم لا ترتفع أبداً، دون أن أشعر بالعيون المتلألئة للجميلة أنابيل لي».

لكن المفهوم الرومانسي للجمال سرعان ما أخلى مكانه لمفاهيم أكثر تعقيداً، تمكنت من إزالة الحدود الفاصلة بينه وبين القبح، ورأت في هذا الأخير نوعاً من الجمال الذي يشع من وراء السطوح الظاهرة للأشياء والكائنات. إنه القبح الذي وصفه الفيلسوف الألماني فريدريك شليغل بقوله «القبح هو الغلبة التامة لما هو مميز ومتفرد ومثير للاهتمام. إنه غلبة البحث الذي لا يكتفي، ولا يرتوي من الجديد والمثير والمدهش». وقد انعكس هذا المفهوم على نحو واضح في أعمال بودلير وكتاباته، وبخاصة مجموعته «أزهار الشر» التي رأى فيها الكثيرون المنعطف الأهم باتجاه الحداثة. فالشاعر الذي صرح في تقديمه لديوانه بأن لديه أعصابه وأبخرته، وأنه ليس ظامئاً إلا إلى «مشروب مجهول لا يحتوي على الحيوية أو الإثارة أو الموت أو العدم»، لم يكن معنياً بالجمال الذي يؤلفه الوجود بمعزل عنه، بل بالجمال الذي يتشكل في عتمة نفسه، والمتأرجح أبداً بين حدي النشوة والسأم، كما بين التوله بالعالم والزهد به.

وليس من المستغرب تبعاً لذلك أن تتساوى في عالم الشاعر الليلي أشد وجوه الحياة فتنة وأكثرها قبحاً، أو أن يعبر عن ازدرائه لمعايير الجمال الأنثوي الشائع، من خلال علاقته بجان دوفال، الغانية السوداء ذات الدمامة الفاقعة، حيث لم يكن ينتظره بصحبتها سوى الشقاء المتواصل والنزق المرَضي وآلام الروح والجسد. وليس أدل على تصور بودلير للجمال من قوله في قصيدة تحمل الاسم نفسه:

«أنا جميلة، أيها الفانون، مثل حلمٍ من الحجر

وصدري الذي أصاب الجميع بجراح عميقة

مصنوعٌ لكي يوحي للشاعر بحب أبدي وصامت كالمادة

أنا لا أبكي أبداً وأبداً لا أضحك».

وكما فعل آلان بو في رثائه لجمال أنابيل لي المسجى في عتمة القبر، استعار رامبو من شكسبير في مسرحيته «هاملت» صورة أوفيليا الميتة والطافية بجمالها البريء فوق مياه المأساة، فكتب قائلاً: «على الموج الأسود الهادئ، حيث ترقد النجوم، تعوم أوفيليا البيضاء كمثل زنبقة كبيرة. بطيئاً تعوم فوق برقعها الطويل، الصفصاف الراجف يبكي على كتفيها، وعلى جبينها الحالم الكبير ينحني القصب». وإذا كان موقف رامبو من الجمال قد بدا في بعض نصوصه حذراً وسلبياً، كما في قوله «لقد أجلست الجمال على ركبتيّ ذات مساء، فوجدت طعمه مراً» فهو يعود ليكتب في وقت لاحق «لقد انقضى هذا، وأنا أعرف اليوم كيف أحيّي الجمال».

ورغم أن فروقاً عدة تفصل بين تجربتي بودلير ورامبو من جهة، وتجربة الشاعر الألماني ريلكه من جهة أخرى، فإن صاحب «مراثي دوينو» يذهب بدوره إلى عدّ الجمال نوعاً من السلطة التي يصعب الإفلات من قبضتها القاهرة، بما دفعه إلى استهلال مراثيه بالقول:

«حتى لو ضمني أحدهم فجأة إلى قلبه

فإني أموت من وجوده الأقوى

لأن الجمال بمثابة لا شيء سوى بداية الرعب

وكلُّ ملاكٍ مرعب».

انشغل به الأدب والفن الغربيان على نحو واسع وكتبت عنه وفيه القصائد والمقطوعات والأغانيrnولا يزال الشغف به مشتعلاً

وفي قصيدته «كلمات تصلح شاهدة قبر للسيدة الجميلة ب»، يربط ريلكه بين الجمال والموت، مؤثراً التماهي من خلال ضمير المتكلم، مع المرأة الراحلة التي لم يحل جمالها الباهر دون وقوعها في براثن العدم، فيكتب على لسانها قائلاً: «كم كنتُ جميلة، وما أراه سيدي يجعلني أفكر بجمالي. هذه السماء وملائكتك، كانتا أنا نفسي».

أما لويس أراغون، أخيراً، فيذهب بعيداً في التأويل، حيث في اللحظة الأكثر مأساوية من التاريخ يتحول الجمال مقروناً بالحب، إلى خشبة أخيرة للنجاة من هلاك البشر الحتمي. وإذا كان صاحب «مجنون إلسا» قد جعل من سقوط غرناطة في قبضة الإسبان، اللحظة النموذجية للتماهي مع المجنون، والتبشير بفتاته التي سيتأخر ظهورها المحسوس أربعة عقود كاملة، فلأنه رأى في جمال امرأته المعشوقة، مستقبل الكوكب برمته، والمكافأة المناسبة التي يستحقها العالم، الغارق في يأسه وعنفه الجحيمي. ولذلك فهو يهتف بإلسا من أعماق تلهفه الحائر:

« يا من لا شبيه لها ويا دائمة التحول

كلُّ تشبيه موسوم بالفقر إذا رغب أن يصف قرارك

وإذا كان حراماً وصفُ الجمال الحي

فأين نجد مرآة مناسبة لجمال النسيان».


فخار مليحة

فخار مليحة
TT

فخار مليحة

فخار مليحة

تقع منطقة مليحة في إمارة الشارقة، على بعد 50 كيلومتراً شرق العاصمة، وتُعدّ من أهم المواقع الأثرية في جنوب شرق الجزيرة العربيَّة. بدأ استكشاف هذا الموقع في أوائل السبعينات من القرن الماضي، في إشراف بعثة عراقية، وتوسّع في السنوات اللاحقة، حيث تولت إدارة الآثار في الشارقة بمشاركة بعثة أثرية فرنسية مهمة إجراء أعمال المسح والتنقيب في هذا الحقل الواسع، وكشفت هذه الحملات عن مدينة تضم أبنية إدارية وحارات سكنية ومدافن تذكارية. دخلت بعثة بلجيكية تابعة لمؤسسة «المتاحف الملكية للفن والتاريخ» هذا الميدان في عام 2009، وسعت إلى تحديد أدوار الاستيطان المبكرة في هذه المدينة التي ازدهرت خلال فترة طويلة تمتدّ من القرن الثالث قبل الميلاد إلى القرن الرابع للميلاد، وشكّلت مركزاً تجارياً وسيطاً ربط بين أقطار البحر الأبيض المتوسط والمحيط الهندي ووادي الرافدين.

خرجت من هذا الموقع مجموعات متعدّدة من اللقى تشهد لهذه التعدّدية الثقافية المثيرة، منها مجموعة من القطع الفخارية صيغت بأساليب مختلفة، فمنها أوانٍ دخلت من العالم اليوناني، ومنها أوانٍ من جنوب بلاد ما بين النهرين، ومنها أوانٍ من حواضر تنتمي إلى العالم الإيراني القديم، غير أن العدد الأكبر من هذه القطع يبدو من النتاج المحلّي، ويتبنّى طرازاً أطلق أهل الاختصاص عليه اسم «فخار مليحة». يتمثّل هذا الفخار المحلّي بقطع متعدّدة الأشكال، منها جرار متوسطة الحجم، وجرار صغيرة، وصحون وأكواب متعدّدة الأشكال، وصل جزء كبير منها على شكل قطع مكسورة، أُعيد جمع بعض منها بشكل علمي رصين. تعود هذه الأواني المتعدّدة الوظائف إلى الطور الأخير من تاريخ مليحة، الذي امتدّ من مطلع القرن الثاني إلى منتصف القرن الثالث للميلاد، وتتميّز بزينة بسيطة ومتقشّفة، قوامها بضعة حزوز ناتئة، وشبكات من الزخارف المطلية بلون أحمر قانٍ يميل إلى السواد. تبدو هذه الزينة مألوفة، وتشكّل من حيث الصناعة والأسلوب المتبع امتداداً لتقليد عابر للأقاليم والحواضر، ازدهر في نواحٍ عدة من الجزيرة العربية منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.

تختزل هذا الطراز جرة جنائزية مخروطية ذات عنق مدبب، يبلغ طولها 30.8 سنتيمتر، وقطرها 22 سنتيمتراً. عنق هذه الجرة مزين بأربع دوائر ناتئة تنعقد حول فوهتها، تقابلها شبكة من الخطوط الأفقية الغائرة تلتف حول وسطها، وبين هذه الدوائر الناتئة وهذه الخطوط الغائرة، تحلّ الزينة المطلية باللون الأحمر القاتم، وقوامها شبكة من المثلثات المعكوسة، تزين كلاً منها سلسلة من الخطوط الأفقية المتوازية. تشهد هذه الجرة لأسلوب متبع في التزيين يتباين في الدقّة والإتقان، تتغيّر زخارفه وتتحوّل بشكل مستمرّ.

تظهر هذه التحوّلات الزخرفية في قطعتين تتشابهان من حيث التكوين، وهما جرتان مخروطيتان من الحجم الصغير، طول أكبرهما حجماً 9.8 سنتيمتر، وقطرها 8.5 سنتيمتر. تتمثّل زينة هذه الشبكة بثلاث شبكات مطليّة، أولاها شبكة من الخطوط الدائرية الأفقية تلتف حول القسم الأسفل من عنقها، وتشكّل قاعدة له، ثمّ شبكة من المثلثات المعكوسة تنعقد حول الجزء الأعلى من حوض هذا الإناء، وتتميّز بالدقة في الصوغ والتخطيط. تنعقد الشبكة الثالثة حول وسط الجرّة، وهي أكبر هذه الشبكات من حيث الحجم، وتتكوّن من كتل هرمية تعلو كلاً منها أربعة خطوط أفقية متوازية. في المقابل، يبلغ طول الجرة المشابهة 9 سنتيمترات، وقطرها 7.5 سنتيمتر، وتُزيّن وسطها شبكة عريضة تتكون من أنجم متوازية ومتداخلة، تعلو أطراف كلّ منها سلسلة من الخطوط الأفقية، صيغت بشكل هرمي. تكتمل هذه الزينة مع شبكة أخرى تلتفّ حول القسم الأعلى من الجرة، وتشكّل عقداً يتدلى من حول عنقها. ويتكوّن هذا العقد من سلسلة من الخطوط العمودية المتجانسة، مرصوفة على شكل أسنان المشط.

تأخذ هذه الزينة المطلية طابعاً متطوّراً في بعض القطع، أبرزها جرة من مكتشفات البعثة البلجيكية في عام 2009، وهي من الحجم المتوسط، وتعلوها عروتان عريضتان تحيطان بعنقها. تزين هذا العنق شبكة عريضة من الزخارف، تتشكل من مثلثات متراصة، تكسوها خطوط أفقية متوازية. يحد أعلى هذه الشبكة شريط يتكوّن من سلسلة من المثلثات المجردة، ويحدّ أسفلها شريط يتكوّن من سلسلة من الدوائر اللولبية. تمتد هذه الزينة إلى العروتين، وقوامها شبكة من الخطوط الأفقية المتوازية.

من جانب آخر، تبدو بعض قطع «فخار مليحة» متقشّفة للغاية، ويغلب عليها طابع يفتقر إلى الدقّة والرهافة في التزيين. ومن هذه القطع على سبيل المثال، قارورة كبيرة الحجم، صيغت على شكل مطرة عدسية الشكل، تعلوها عروتان دائريتان واسعتان. يبلغ طول هذه المطرة 33.5 سنتيمتر، وعرضها 28 سنتيمتراً، وتزيّن القسم الأعلى منها شبكة من الخطوط المتقاطعة في الوسط على شكل حرف «إكس»، تقابلها دائرة تستقر في وسط الجزء الأسفل، تحوي كذلك خطين متقاطعين على شكل صليب.

يُمثل «فخار مليحة» طرازاً من أطرزة متعددة تتجلّى أساليبها المختلفة في مجموعات متنوّعة من اللقى، عمد أهل الاختصاص إلى تصنيفها وتحليلها خلال السنوات الأخيرة. تتشابه هذه اللقى من حيث التكوين في الظاهر، وتختلف اختلافاً كبيراً من حيث الصوغ. يشهد هذا الاختلاف لحضور أطرزة مختلفة حضرت في حقب زمنية واحدة، ويحتاج كل طراز من هذه الأطرزة إلى وقفة مستقلّة، تكشف عن خصائصه الأسلوبية ومصادر تكوينها.