عن دار «ريشة» للنشر في القاهرة، صدر كتاب «دماء على البالطو الأبيض» للكاتب المصري الدكتور خالد منتصر الذي يناقش عبر فصوله ظاهرة لافتة، بل صادمة، وتثير الدهشة إلى حد كبير، تتمثّل في العلاقة بين الطب والتطرف، وكيف تصدّر الكثير من خريجي الكليات الطبية قيادة تنظيمات متطرفة تدعو إلى انتهاج العنف سبيلاً للتغيير، تحت مزاعم ولافتات دينية مغلوطة.
ويؤكد المؤلف أن هدفه ليس الإدانة، بل الفهم والتحليل؛ إذ يسعى إلى كشف الآليات التي تجعل «العقل العلمي» عرضة أحياناً إلى «الانغلاق الآيديولوجي»، وبالتالي يسهل تزييف وعيه وتوجيهه إلى مسارات خاطئة. ويتساءل: «كيف للطبيب، رمز الإنسانية والرحمة، أن يتحول إلى شخص يتبنّى أفكاراً متطرفة تتناقض مع جوهر مهنته؟ وما الحلول الممكنة لمواجهة تلك الظاهرة»؟... يلح هذا السؤال على المؤلف عبر فصول الكتاب الأحد عشر، فيتتبع نماذج من الواقع؛ إذ تحوّل الأطباء المعروفون بـ«ملائكة الرحمة» إلى عناصر فاعلة في تنظيمات مثل «القاعدة» و«داعش»، مستعرضاً الخلفيات الاجتماعية والفكرية والنفسية التي تنتج في النهاية «شخصية منغلقة أو ناقمة في ظل بيئة تعليمية صارمة، مدفوعة بأحلام مجهضة وضغط طبقي».
يستند المؤلف إلى خبرته الشخصية باعتباره أحد خريجي كلية طب قصر العيني، بجامعة القاهرة، عام 1983، حيث كان شاهد عيان على صعود وهيمنة الجماعات المتطرفة داخل الكلية، وما فرضته من طقوس متشددة امتدت إلى الجامعات الإقليمية في المحافظات، من بينها محاولة فرض الحجاب بالقوة على الطالبات، وتمزيق المجلات اليسارية والاعتداء الجسدي على من يحضر الحفلات الموسيقية. ويخلص إلى أن طريقة تدريس الطب الحالية تعزّز «اليقين المطلق»، وتقلّل من «التفكير النقدي» على نحو يُسهم في تكوين عقلية منغلقة تجتذبها الأفكار العنيفة، مما يجعل من إدراج العلوم الإنسانية، مثل الفلسفة والمنطق، ضمن المناهج المقررة على طلبة الطب ضرورة ملحة.
ويشدد الدكتور خالد في هذا السياق على أهمية انتقاء مناهج جيدة مناسبة تشمل علم النفس والاجتماع والأنثروبولوجيا بوصفها نماذج للعلوم الاجتماعية التي يمكن أن تصنع الفارق، مع عدم إغفال أهمية تدريس الفنون؛ مثل: الأدب، والأفلام، والموسيقي، والفن التشكيلي، والمسرح، واعتبار علوم الفلسفة والتاريخ والأخلاق بمثابة رأس الحربة في تحصين طلبة الطب البشري والبيطري والأسنان والصيدلة والهندسة، وغيرها من «الكليات العملية»، وجعلهم هدفاً مستعصياً على خطاب العنف والتطرف، وما يكتنفه من جاذبية لدى من يتميّز بالتكوين السطحي المنغلق.