«فوات الأوان»... ديوان يمزج السخرية بالتجريب

«فوات الأوان»... ديوان يمزج السخرية بالتجريب
TT

«فوات الأوان»... ديوان يمزج السخرية بالتجريب

«فوات الأوان»... ديوان يمزج السخرية بالتجريب

تشكل السخرية ملمحاً بارزاً من ملامح ديوان «فوات الأوان» للشاعر محمد أبو زيد، الصادر حديثاً في القاهرة عن «دار ديوان»، حيث تتسع لتشمل رؤيته للعالم والبشر والأشياء من حوله، كما يصل فيها الشاعر إلى حد انتقاد نفسه كشاعر وانتقاد زملائه الشعراء، بل السخرية من فكرة الشعر نفسها.

في قصيدة «جد عجوز فاض به الكيل لا يحتمل أحداً» تمتزج السخرية بمحاولة التجريب في الشكل من خلال بداية تبدو هجومية النبرة، قصصية الطابع، تجمع بين الفصحى والعامية الدارجة ينادي فيها «الشاعر - الراوي» على عدد من الشخصيات مستنكراً مواقفهم الحياتية، كما تعيد قراءة التراث العالمي المتمثل في قصتي «السندريلا» و«الشاطر حسن» من منظور مختلف.

يقول الشاعر: «هاهاها. والله أنت طفل مسخرة. هل صدقت حكاية الشاطر حسن الذي سيتزوج الأميرة في نهاية القصة؟ وأنت؟ هل فعلاً تعتقدين أن سندريلا لم تتناس الحذاء؟ الأحمق الذي يفكر في المستقبل هناك أخبرني أولاً لماذا ننزلق إلى قاع البالوعة؟ أين عقولكم؟ ماذا تتعلمون في المدرسة؟ أنتِ؟ أليس من الأولى أن تفكري في غسل الصحون المتراكمة في المطبخ؟ وأنتَ لماذا تأخر راتبك حتى الآن؟ هل سيستغنون عنك؟».

ويسخر الشاعر من فكرة التجديد في شكل كتابة القصيدة حيث يبدي نوعاً من الحنين للشكل الكلاسيكي العمودي قائلاً: «لا أفهم لماذا يكتب الشعراء قصائدهم بهذه الطريقة! كان السطران مريحين أكثر، أضع رأسي في واحد وأمدد قدمي في الآخر. أتغزل في فتاة لا أعرفها أول القصيدة وأمدح رجلاً لا أعرفه في منتصفها وأملأ جيبي بصرة دنانير وأنا أغلق درفتي دولابها خلفي».

وتمتزج السخرية بالمأساة في قصيدة «كم أنت جميل أيها الموت»، فرغم رهبة المقابر، فإنها تتحول هنا إلى مباراة عبثية بين اثنين من «الحانوتية» يتنافسان على أيهما قام بدفن جثة أجمل من الأخرى: «أمام مقبرتين متجاورتين، قال الحانوتي لزميله: جثتي أجمل من جثتك رد الزميل: تؤتؤ جثتي أجمل - لكن جثتي عيناها خضراوان كطحالب بركة آسنة - لجثتي عينان سوداوان كحقل قمح محروق - جثتي شعرها أطول من لسانك.. انظر»، ويستشهد الشاعر في مقدمة ديوانه بكلمة كان قد قالها في ديوانه «سوداء وجميلة»، الصادر 2015، تتعلق بعنوان ديوانه الحالي وحيثيات اختياره له جاء فيها: «أفكر أن أسمي كتابي القادم (فوات الأوان) لكنني لم أحدد هل أضيف في البداية (قبل) أم (بعد)، لكن أياً ما يكون الأمر سأكون قد أطلقت صرختي الأخيرة وأنا راض تماماً. يتحدث ميلان كونديرا على أن الحياة لا تتكرر ويسخر من فكرة نيتشه عن العود الأبدي، لكنني لست بحاجة إليه لأدرك أنني عرفت هذا بعد فوات الأوان، فكل شيء أدركه بعد أن تكون قدمي وصلت إلى الحافة وتأرجح جسدي في الهواء».

يشار إلى أن محمد أبو زيد شاعر وصحافي مصري، وهو مؤسِّس ورئيس تحرير «موقع الكتابة الثقافي». ولد بمحافظة سوهاج بصعيد مصر عام 1980، وتخرَّجَ في كلية التجارة بجامعة الأزهر، وعمل بالصحافة أثناء دراسته الجامعية بمكتب صحيفة «الشرق الأوسط» بالقاهرة، ثم بجريدة «التحرير» المصرية.

أصدر عدداً من الدواوين الشعرية، منها «قوم جلوس حولهم ماء»، «مديح الغابة»، «طاعون يضع ساقاً فوق الأخرى وينظر للسماء». وصدرت له أعمالٌ سردية، منها رواية «أثر النبي»، «عنكبوت في القلب» و«ملحمة رأس الكلب».

فازت روايته «ممر طويل يصلح لثلاث جنازات متجاورة» بجائزة يحيى حقي بالمجلس الأعلى للثقافة في مصر 2003، وفي عام 2005 حصل على جائزة سعاد الصباح في الشعر عن ديوانه «أمطار مرت من هنا».


مقالات ذات صلة

أسماء معيكل: انحياز الأديب للسياسي يفقده شرط الحرية

ثقافة وفنون أسماء المعيكل وروايتها تل الورد

أسماء معيكل: انحياز الأديب للسياسي يفقده شرط الحرية

تعرف الأكاديمية والناقدة والروائية السورية، الدكتورة أسماء معيكل بدراساتها النقدية، وخاصة اهتمامها بقضايا النسوية والدراسات السردية والثقافية

ميرزا الخويلدي (حوار)
كتب الذكاء الاصطناعي يقلب المقاييس

هل بات الكاتب مجرد «مفبرك بيانات»؟

كتب بعشرات الآلاف، باتت في متناول القراء، هي كلياً من إنتاج الذكاء الاصطناعي. عدد كبير آخر هجين، كتب بتعاون بشري وآلي، وما تبقى لا يزال بشرياً.

سوسن الأبطح (بيروت)
كتب عمر خالد... وكتابه

عمر العقاد: ما جدوى فن لا يدين الإبادة الجماعية؟

فيما يشيح العالم بوجهه عن المذبحة الرهيبة التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في قطاع غزة، وتجاهد حكومات الغرب لقمع الأصوات المؤيدة لفلسطين

ندى حطيط
ثقافة وفنون شاكر الناصري

«مجرد وقت وسيمضي»... سردية السرطان و«سرد الذاكرة»

كيف لنا أن نكتب عن أمراضنا؟ المتنبي المتفرد، دائماً، ترك لنا ما لم يتركه غيره في هذا المقام؛ فكانت قصيدته في وصف الحمى درساً مختلفاً

حمزة عليوي
ثقافة وفنون الإريتري أبو بكر كهال يسرد وجع الهجرة والشتات

الإريتري أبو بكر كهال يسرد وجع الهجرة والشتات

تسرد رواية «مراكب الكريستال» للكاتب الإرتيري أبو بكر حامد كهال، الصادرة حديثاً عن «الآن ناشرون وموزعون» في الأردن في 66 صفحة من القطع المتوسط

«الشرق الأوسط» (عمَّان)

أسماء معيكل: انحياز الأديب للسياسي يفقده شرط الحرية

أسماء المعيكل وروايتها تل الورد
أسماء المعيكل وروايتها تل الورد
TT

أسماء معيكل: انحياز الأديب للسياسي يفقده شرط الحرية

أسماء المعيكل وروايتها تل الورد
أسماء المعيكل وروايتها تل الورد

تعرف الأكاديمية والناقدة والروائية السورية، الدكتورة أسماء معيكل بدراساتها النقدية، وخاصة اهتمامها بقضايا النسوية والدراسات السردية والثقافية، وهي حائزة على الدكتوراه من جامعة عين شمس، وعملت أستاذة نقد حديث وباحثة في النقد الأدبي والدراسات الثقافية والنسوية.

ومن مؤلفاتها في «النقد»: «الأصالة والتغريب في الرواية العربية - حيدر حيدر نموذجاً»، و«الأفق المفتوح، نظرية التوصيل في الخطاب الروائي المعاصر»، و«في تلقي الإبداع والنقد»، و«سيرة العنقاء: من مركزية الذكورة المعاصرة».

وبالإضافة لروايتها الأولى: «خواطر امرأة لا تعرف العشق»، وروايتها الأخيرة «ليالي الخذلان»، قدمّت أسماء معيكل مشروعاً روائياً يتكون من ثلاث روايات عن المأساة السورية: «تلّ الورد»، و«عماتي الثلاث»، و«الجحش السوري».

هنا حوار معها:

> كتبتِ ثلاث روايات عن المأساة السورية: «تلّ الورد»، و«عماتي الثلاث» و«الجحش السوري»، كيف ترين دور الأدب والرواية خصوصاً في مثل هذه القضايا؟

- الأدب عموماً، والرواية على وجه الخصوص، ليسا ترفاً يتسلى به الكاتب، وليس خافياً على أحد مكانة الرواية في تعبيرها عن قضايا مجتمعاتها في مختلف أرجاء العالم، وما قمتُ به في رواياتي يتنزّل بين التمثيل السردي والتخييل السردي، في روايتيّ «تل الورد» و«عماتي الثلاث»، قمت بإعادة تمثيل سردي لما جرى في بلادي (سوريا) على امتداد حقبة زمنية طويلة، فـ«عماتي الثلاث» التي كتبتها ونُشرت بعد «تل الورد»، تسبقها زمنياً بأحداثها ووقائعها، حيث عُدتُ بعجلة الزمن إلى الوراء، إلى زمن «السفر برلك» في ظل الإمبراطورية العثمانية، وامتدت الرواية إلى العصر الحديث والحرب المدمرة في سوريا، وفي «تل الورد» عائلة المعراوي هي امتداد لعائلة الشيخ عبد الهادي في «عماتي الثلاث»، وفيها أعدت تمثيل ما جرى في بلادي منذ لحظة بدء المظاهرات السلمية، مروراً بتسليحها بعد القمع الوحشي الذي تعامل به النظام الديكتاتوري مع المظاهرات السلمية، وانتهاء بتحول سوريا إلى ساحة صراع بين قوى كبرى بعد التدخلات الخارجية فيها.

أمّا روايتي «الجحش السوري» فهي رواية ساخرة تعتمد على السخرية القائمة على المفارقة، على طريقة «دون كيخوته»، ولا تخلو من حس مأساوي يذكر بالملاحم الإغريقية القديمة، وقد اعتمدت فيها على التخييل السردي للتعبير عن حال بلادي في ظل الصراع المأساوي الذي عصف بها من شرقها إلى غربها ومن شمالها إلى جنوبها، وقد لجأت في تخييل أحداثها إلى لعبة سردية معروفة في روايات المسخ والتحولات، متخذة من تحول بطل الرواية إلى (جحش) ذريعةً سردية؛ للغوص في عمق ما يجري، والكشف عما آل إليه الحال بشفافية وموضوعية، عبر عين الجحش التي تشبه عين الكاميرا التي ترصد ما يجري بعيداً عن الأدلجة.

> هل يمكن للأديب أن يرى الحدث بمعزل عن ضوضاء الآيديولوجيات والاستقطاب السياسي؟ إلى من ينحاز الأديب في مثل هذه المواجهات؟

- من المفترض أن يتسلح الأديب بوعي عميق يجعله في منأى عن الوقوع في فخ الآيديولوجيات، والصراعات السياسية، وحالما يستجيب بطريقة ما إلى تلك المواجهات وينحاز إلى إحداها يصير بوقاً لها، العلاقة بين الثقافي والسياسي شائكة، فالسلطة السياسية من المفترض أن تكون في خدمة السلطة الثقافية، وفي حال حدوث العكس وتحول السلطة الثقافية إلى خادمة للسلطة السياسية، فسمة الثقافية تتلاشى، وتصير ناطقة باسم السلطة السياسية وترويج تطلعاتها وتسويغ أفعالها، وهنا يكون مقتل الأدب والأديب الذي ينبغي أن يتمتع بالحرية التي تمكّنه من الكشف عن الحقيقة، لا تلميع السلطة، وانحياز الأديب للسياسي يفقده شرط الحرية الذي هو شرط الإبداع، وقد وقع أدباء كثر في هذا المقتل فكانت أعمالهم أشبه بخطابات ومنشورات سياسية مؤدلجة، لا تغني ولا تسمن من جوع. إن ذلك لا يعني في حال من الأحوال أن يكون الأديب حيادياً جامداً لا رأي له فيما يجري من أحداث وصراعات في مجتمعه ومحيطه، بل ينبغي أن تكون له رؤية واضحة ينطلق منها في التعبير عن القضايا والظواهر التي يعالجها في أعماله، وهو منحاز بطبيعة الحال إلى تلك الرؤية، لكن انحيازه يكون للإنسان، والقيم الكبرى التي تلتقي حولها الإنسانية جمعاء، قيم الحق والخير والجمال، في مواجهة الظلم والشر والقبح.

> الروايات الثلاث كُتِبَتْ قبيل سقوط النظام، هل جاء التغيير كما حلم به الأدباء؟

- كتبت رواياتي الثلاث، سالفة الذكر، ونشرتها قبل سقوط النظام بمدة تتراوح بين خمس سنوات، حينها وعلى الرغم من انسداد الأفق، كانت هناك فسحة من الأمل بتغيير قد يحدث عاجلاً أو آجلاً، وظهر ذلك بشكل جليّ في روايتي «الجحش السوري». إن التغيير الذي حدث في سوريا وسقوط النظام، جاء في لحظة حلمية ما كان لأحد أن يتوقعها، أو يحلم بها على نحو ما حدث، ولا سيما في ظل إعادة تأهيل النظام البائد في السنتين الأخيرتين قبل سقوطه، وتصدّره المشهد بوصفه المنتصر على الإرهاب، وحينما فرَّ (...) في جنح الظلام على ذلك النحو الذي شهدناه، كان الحدث أكبر من أحلام الأدباء، وتوقعات المحلّلين السياسيين والعسكريين، كانت لحظة أذهلت العالم، لدرجة بقي الناس فيها لأكثر من شهر غير متيقنين مما حدث، ولديهم توجس من عودته، وأن يكون ما جرى مجرد حلم يستفيقون منه على كابوس نظام الأسد الجاثم على صدورهم منذ عقود.

الخوف من الخراب

> في «تل الورد» ختمتِ الرواية بفصلٍ حمل عنوان «حبطراش»، وهو مصطلح معروف في اللهجة الشامية، يرمز لمستوى عال من الخراب الذي لا يمكن إصلاحه... هل فعلاً ترين أن الخراب السوري لا يمكن إصلاحه؟

- لم يكن بإمكاني تقديم تفاؤل زائف في تلك الفترة، فقد شهدت تدمير بلادي بعد أن تحولت إلى ساحة صراع لقوى كبرى، وتصفية حسابات بين جماعات متقاتلة، عادت بعجلة الزمن إلى الوراء، وتكشّفت تلك المرحلة عن عنف لا مثيل له، ولذا فإن الخراب الذي ألحقته الحرب بسوريا كان هائلاً لدرجة يتعذّر فيها إصلاحه، وكما أسلفت في الإجابة السابقة، فإن التحدي ليس في إعادة إعمار البيوت ومدّ شبكات الكهرباء والمياه والطرق وغيرها من الخدمات، بل في إعادة بناء الإنسان الذي صار «حبطراشاً»، ومع ذلك لا أريد أن أكون متشائمة، وسأظل أحلم بإمكانية التغيير، فبعد سقوط النظام البائد لا شيء مستحيلاً، لكن يحتاج الأمر إلى سعي حثيث، وهمم عالية، وجهود كبيرة، وتكاتف أطياف الشعب كله لإعادة بناء سوريا الحرة، سوريا دولة المواطنة التي تكفل العيش الكريم وتحقّق العدالة الإنسانية لكل مواطنيها بمختلف أطيافهم وانتماءاتهم الدينية، والمذهبية، والإثنية، والعرقية، والجندرية.

التحرر من الانفعالية

> كيف تجاوزتِ سرد المأساة الشخصية إلى سرد جماعي في «تلّ الورد»؟

- يتنزّل عمل الكاتب هنا تحديداً، أعني في تجاوز ما هو شخصي وتحويله إلى عمل يمسّ الجميع، وواقع الحال أن لكل إنسان حكايته ومأساته التي عاشها ويمكنه أن يحكيها، لكن ذلك لا يخلق منها رواية لها شروطها بوصفها عملاً فنياً، وليست نسخاً لحكايات يعيشها الإنسان.

الثقافة الذكورية أسهمت في خلق إناث حالمات وذكور نرجسيين

شهدتُ بدايات الأحداث في سوريا بنفسي في ربيع 2011، منذ أن بدأت المظاهرات السلمية، كنتُ وسط الأحداث، وأنا أتنقل يومياً بين مدينتي حلب وإدلب لأداء مهامي الأكاديمية والإدارية في جامعة حلب التي لها فرع في إدلب، فأرقب ما يجري، ودرجت على تسجيل بعض اليوميات، وحينما ابتعدت عن بلادي، صارت فكرة كتابة رواية تعيد تمثيل أحوال بلادي أكثر إلحاحاً، غير أنني لم أستطع الشروع في الكتابة، وأنا في حالة انفعال شديد، كنتُ أدرك بوعي الكاتب أنها ستحول دون رؤية واضحة وموضوعية لما يجري، فلذتُ بالصمت، لم أكن أرغب في كتابة رواية تسجيلية أو وثائقية عن الأحداث في بلادي. اللحظة التي شرعت فيها بالكتابة كانت حينما أصبحت قادرة على الفصل بين انفعالاتي بما يجري، وبين ما أريد الحديث عنه في روايتي، وهذا ما حال دون تحولها إلى سرد شخصي، فـ«تل الورد» ملحمة عبّرت عن المأساة السورية بمختلف مستوياتها، بل امتدت إلى خارج سوريا إلى بلدان عاشت تجارب مشابهة، ولعل أي قارئ يقرأ الرواية سيجد جانباً من مأساته فيها.

قهر المرأة

> ظهر اهتمامك بقضايا المرأة عبر شخصياتك النسوية في رواياتك السابقة، وفي روايتك الأخيرة «ليالي الخذلان» خصصتِها بمساحة أكبر، كشفتِ عن القهر الذي يطال المرأة، ونضالها ضد العنف العاطفي والنفسي والجسدي، كيف عالجت هذه الرواية تجربة القهر والاغتصاب والمقاومة عند المرأة؟- عملت نقدياً في كتابي «سيرة العنقاء... من مركزية الذكورة إلى ما بعد مركزية الأنوثة» على تفكيك المركزية الاجتماعية المتمثلة في هيمنة الذكورة، والثقافة الذكورية التي أقصت المرأة وهمّشتها، وحلّلت معظم قضايا النسوية التي أعاد تمثيلها السرد النسوي، ووجدت أن هناك بعض القضايا التي أغفلها ذلك السرد، أو قاربها على نحو سطحي، لذا أردت الوقوف عند بعض تلك القضايا ضمن مشروع روائي، بدأته بروايتي الأولى «خواطر امرأة لا تعرف العشق»، ثم توقفت عنه؛ لانشغالي برواياتي عن سوريا وحال بلادي الذي فرض نفسه بقوة، وبعد تفرّغي من رواياتي عن سوريا، عدت إلى مشروعي برواية «ليالي الخذلان» التي انطلقت فيها من تأثير الثقافة الذكورية على المرأة والرجل، وكيف أسهمت تلك الثقافة في خلق إناث حالمات وذكور نرجسيين، وحينما يلتقي النرجسي بالحالمة، فلا بد من أن تتعرض المرأة لمختلف أنواع القهر؛ لأن النرجسي المتمركز حول ذاته عاجز عن الشعور بمتطلبات شريكه أو التعاطف معه، ما يؤدي إلى الخذلان الذي لم تنج منه امرأة أياً كان شأنها، وتقصّدت في روايتي أن يكون أبطالها من المثقفين.