عوض اللويهي: بعض الشعراء العرب حازوا شهرة لا يستحقونها

الشاعر العماني يلوذ بالطفولة هرباً من فظاعة الواقع الإنساني

عوض اللويهي: بعض الشعراء العرب حازوا شهرة لا يستحقونها
TT

عوض اللويهي: بعض الشعراء العرب حازوا شهرة لا يستحقونها

عوض اللويهي: بعض الشعراء العرب حازوا شهرة لا يستحقونها

رغم أنه ليس غزير الإنتاج، ولا يتكالب على الأضواء، فإن الشاعر عوض اللويهي نجح في وضع بصمة قوية على خريطة الشِّعر المعاصر في سلطنة عمان.

صدر ديوانه الأول «كائنات الظهيرة» في 2006 ليعلن عن ملامح موهبة مختلفة تتميز بخفوت النبرة، ثم جاءت أعماله اللاحقة «بصيرة وحصى»، و«العتمة تفر من ظلالها»، و«المياه تخون البرك» لتكشف عن اشتباك مرهف مع العالم والطبيعة، مع توظيف بارع لمفردات البيئة المحلية.

هنا... حوار معه حول تجربته وهموم الكتابة، واستحضاره اللافت لمناخات الطفولة في شعره.

* تقول في قصيدتك «حركة أخيرة»: «متى تهدئين أيتها العاصفة؟ / متى تهدئين لأدرك أن الآدميّ في داخلي / قد عادت إليه سكينةُ النبع»... هل قدر الشعراء البحث دون جدوى عن الطمأنينة؟

- يبدو الأمر كذلك، ومن المفارقات أن مَن يتأمل الكتابة الشِّعرية بشكل أكثر عمقاً يجد أنها أتون ملتهب من الأسئلة والجمر والفخاخ. فالشِّعر ليس مبعث طمأنينة وراحة، بل مصهر متواصل. هذا التصور عن الشِّعر نجده بالطبع عند مَن ينظر إليه على أنّه وسيط جمالي لطرح وعي آخر مغاير للعالم الذي يعيش فيه وليس عالماً معطراً ومفروشاً بالورد والحرير.

* في قصيدة أخرى تحمل عنوان «يبرُد الشاي» تقول: «لا تلتحفيني حين يبرُدُ شايُكِ على مقهى الرصيف / أنا الذي لا يجرؤ على العبور إلى داخل مخاوفه / فماذا سأفعل حين تزيحين الزبَدَ عن رُكبةِ البحر؟»... أيهما يبدو مخيفاً أكثر بالنسبة لك: المجهول المتواري داخل الذات أم المجهول المتواري في الطبيعة؟

- المجهول فعلاً طبقات كما وصفته، ليس بالضرورة أن يكون متوارياً فقط، بل إنه مراوغ ومخادع فما يبدو لنا أننا نعرفه الآن أو أننا نستطيع تكوين صورة لمعرفتنا به، يتحول ويتبدل لاحقاً ليصبح وهماً يتفلت سريعاً من بين أصابعنا. هذا الأمر يجبر الشاعر على اليقظة والتبصر والمراجعة المستمرة وعدم الاطمئنان إلى الراحة التي تمنحنا إياها السكينة التي تشتهيها النفس في خضم المسيرة الشِّعرية.

* لماذا يظل الحنين إلى الطفولة بقوة في قصائدك كما في قولك: «صغاراً كنا ونحن نبحث عن نافذة لم تطمثها الشمس / موسعين رئة النار بالعراجين القديمة»، هل هي صرخة احتجاج ضد فظاظة العالم بحثا عن زمن البراءة؟

- يوجد في الطفولة ما لا يوجد في غيرها من المراحل العمرية، في تلك السنوات الأولى لا توجد الحدود ولا القيود وليس هناك تكرار أو رتابة، وكل مرة هناك اكتشاف واندهاش وتفاعل مرِح مع العالم. هذه وغيرها من مميزات الطفولة نفقدها مع تقدمنا في العمر وتدجين فكرنا في أطر وبراويز مختلفة ومتنوعة مما يفقدنا الثراء والتنوع وحرية الحركة والتنقل والعبور الخفيف من الصورة إلى الظل.

الاستئناس بالطفولة في الشِّعر هو استحضار لتلك الروح الحرة التي لم تُقيد، الروح الوثابة التي تستكشف العالم دون أن يكون هناك وعي قبلي يؤطر ويكبح رغبتنا في تأسيس وعي آخر، وخلق عالم موازٍ متخفف من ضغوط العالم الحقيقي.

* يُشكِّل الماء وتجلياته من ينابيع وعيون وأنهار «ثيمة» رئيسية في عالمك الشِّعري... ما السر وراء ذلك؟

- نحن أبناء القرى العمانية يتوزع الماء في تكويننا إلى شقين رئيسيين، هما الفلج والوادي، فالفلج هو الماء الجاري في القنوات، والوادي هو الذي يجري فيها السيل المتكون من مياه الأمطار التي تأتي من رؤوس الجبال. بالطبع هناك آبار في القرى ولكن وجود الأفلاج وجريان الأودية بعد نزول المطر يُشكِّلان مظهرَين من مظاهر الاحتفال والغبطة، والماء في بلد يعاني من قسوة الحرارة.

الفلج هو الأكثر قرباً إلى النفس لكون الفلج هو مصدر الماء على مدار اليوم، فمنه نستحم ونغسل ملابسنا ومنه نسقي الحيوانات، وأيضاً منه يغسَّل الأموات، وهو مصدر لسقي المزروعات. سابقاً لم تكن البيوت القديمة تضم في داخلها حمامات ومسابح بسبب عدم وجود مياه تصل عبر الأنابيب، ولغياب الكهرباء، فالفلج هو المكان الذي يلبي الحاجات اليومية للجميع، لكن للفلج معنى آخر في حياة الطفل القروي فهو المصدر الأول للعلب والمتعة، فالسواقي، والظلال الكثيفة للأشجار، والبساتين المزروعة بالنخيل وغيره من المحاصيل، والدروب الضيقة هي التي صنعت جزءاً كبيراً من ذاكرة الطفولة في وعينا.

* صدر لك في 2018 ديوانان هما «العتمة تفر من ظلالها»، و«حصى وبصيرة» دفعة واحدة، ما جعل كثيرين يتوقعون انطلاقة كبرى منك على مستوى الإنتاج، لكنك منذ ذلك الحين توقفت عن إطلاق إصدارات جديدة... ما سر صمتك طوال 7 سنوات؟

- هناك نصوص كثيرة جداً تراكمت خلال السنوات الماضية سواء السنوات التي سبقت صدور الديوانين أو التي بعدها. والديوان الشِّعري بالنسبة لي ليس أن أكتب مجموعةً من النصوص ثم تُجمع كيفما اتفق وتخرج بين غلافين. ربما حدث هذا في المجموعة الشِّعرية الأولى «كائنات الظهيرة» التي صدرت في 2006، وذلك فقط لكونها الإصدار الأول.

هناك فرق بين الكتابة التي نحتاج إلى ممارستها من حين إلى آخر، وهي أشبه بالتمارين التي تجعلنا على صلة دائمة ومستمرة حتى لا نبتعد عن الممارسة الإبداعية، وهناك كتابة تأتي ثمرةً ونتاجاً نهائياً لمشروع شعري وجمالي متأسس على رؤية فنية وطرح شعري، وهذا النتاج بطبيعة الحال أيضاً يغامر ويتجاوز ما أُنجز سابقاً.

أزعم أنني في «المياه تخون البرك»، و«العتمة تفر من ظلالها»، و«بصيرة وحصى» قد اشتغلت على مشاريع وقراءه وتأمل ومراجعة وتقديم وعي ورؤى فنية جديدة، هذا طبعاً ما أظنه وأعتقد فيما تم في أمر تلك المجموعات.

الخلاصة أنني لا ألهث وراء النشر، ولا يجب أن يكون معيار الحكم على تجربة الشاعر بكم الأعمال التي أنتجها، وإنما بالكيف والقيمة الفنية، كما أن كل ما يكتبه الشاعر لا يجب أن يُنشر بالضرورة.

* لكن التأخر الشديد في النشر والابتعاد عن الساحة الإبداعية لفترة طويلة للغاية يطرح أيضاً علامات استفهام؟

- بعد 2018 كانت هناك فكرة العمل على مشروع شعري جديد، وبدأت بكتابة نصوص تحمل مناخات هذا المشروع. خلال تلك الفترة كان والدي، رحمه الله، تحت تأثير الجلطة التي أُصيب بها في 2015. كان الأمر مزعجاً جداً لي وأنا أرى جسد أبي يذوي يوماً بعد آخر رغم محاولاتنا لعلاجه في عمان وخارجها... كسرني رحيله من الداخل، لم يكن أبي يقرأ ويكتب ولكنني كنت أشعر بالسعادة بوجودنا في العالم نفسه، حالة اليتم التي انتقلتُ إليها أفقدتني لفترة رغبتي واهتمامي بالشِّعر، ولكنني تجاوزتها الآن، وهناك عودة واستئناف لمشروع شعري جديد.

* بشكل عام، ألا يمكن الجمع بين غزارة الإنتاج وجماليات القصيدة في آن واحد؟

- النتاج الشِّعري لأي شاعر لا يمكن بطبيعة الحال أن يُقاس بالكم، قصائد الشاعر هي علامات انتقاله من وعي جمالي إلى آخر وإن كانت تعد بعدد الأصابع. الشِّعر إن لم يحمل روح التجدد والنماء والتطور فلا فائدة للإنسان أن يضيع وقته به. الكتابة الشِّعرية في نظري لا تقتصر على قراءة الشِّعر، بل القراءة الموسوعية وهضمها وتقطير المعرفة المتأتية من ذلك، وصياغة ذلك النتاج بروح مستضيئة بشعلة الشِّعر الخالدة.

* كيف ترى المشهد الشِّعري في سلطنة عمان... وهل أنجز نجاحات مماثلة لما حققته الرواية؟

- التجربة الشِّعرية العمانية الحديثة متعددة ومتنوعة المشارب والمرجعيات الجمالية والشِّعرية، هناك أسماء لها حضور كبير على المستويين العربي والعالمي، بل إنه من غير الممكن اليوم دراسة التجربة الحداثية في الجزيرة العربية مثلاً دون أن نلتفت إلى تجارب شعرية عمانية لها بصمتها، ليس فقط في سلطنة عمان، بل على مستويات أبعد من حدود العالم العربي.

ما يمكن ملاحظته على المشهد الشِّعري العماني هو ظهور أصوات شعرية من الجنسين، ثم لا تلبث أن تختفي، كذلك يلاحظ المتابع وجود الأشكال الفنية (القصيدة الكلاسيكية، وقصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر) وهناك تجارب شعرية عمانية تتنقل من قالب إلى آخر أو تكتب في القوالب الثلاثة، وهناك تجارب هجرت القصيدة الكلاسيكية والتفعيلة لتستقر وتستمر في كتابة قصيدة النثر.

أما ظاهرة بروز الرواية، فهي ظاهرة عالمية وليست عربية أو عمانية، ما فعلته الرواية العمانية هو أنها قدَّمت الوجه الأدبي العماني في جانبه السردي مثلما قدمت التجارب الشِّعرية العمانية الحداثية سابقاً الوجه الأدبي والحضاري لعمان.

* ما مواصفات القصيدة التي تستهويك على الساحة العربية حالياً... ومَن شعراؤك المفضلون؟

- أصدقك القول إنني لا أحب أن أضع مواصفات مسبقة، فعلاقتي مع النصوص، أدبية كانت أو غير أدبية، مبنية على التعالق والاشتباك مع النص فهماً واستقصاءً وغوصاً وتماساً مع المكونات العميقة للنص المقروء. قد نجد أن الشهرة قد رفعت على سبيل المثال فلاناً من الشعراء ولكن نصوصه قد لا تعكس أو لا تتوازى مع حجم الزخم المثار حوله، خصوصاً أن بعض الشعراء العرب حازوا شهرةً لا يستحقونها. وفي هذه الحالة عليّ أن أقرأ نصوص هذا الشاعر أو ذاك بصورة فاحصة وحذرة مخافة الانسياق وراء ما يحبه الجمهور.

من الصعب القول إن هذا هو شاعري المفضل على الإطلاق، المعرفة الشِّعرية متغيرة مع تقدم الوعي واستمرار الإلمام والوقوف على تجارب شعرية من مختلف العصور والتجارب والثقافات.

* أخيراً، هل استرد الشِّعر سيفه ودرعه مرة أخرى من توغل الرواية في الثقافة العربية؟

- يُشكِّل الشِّعر القاعدة الصلبة في البنيان الجمالي والفني للوعي البشري. الرواية وسيط آخر من عائلة السرد جاء لينتقم من الشِّعر الذي تربع على عرش الجمال لقرون طويلة. وهذا الصراع بين الأجناس الأدبية ليس بسبب الأجناس ذاتها، ولكن بسبب المزاج البشري والتفضيلات الجمالية التي تتغير من زمن إلى آخر. ومع ذلك الشِّعر فن باقٍ ولا تستغني عنه شعوب وثقافات العالم أجمع حتى تلك التي لا تعرف الكتابة.



رحيل الدكتور محمد السيد إسماعيل... صاحب العطاء الوافر في النقد والشعر

رحيل الدكتور محمد السيد إسماعيل... صاحب العطاء الوافر في النقد والشعر
TT

رحيل الدكتور محمد السيد إسماعيل... صاحب العطاء الوافر في النقد والشعر

رحيل الدكتور محمد السيد إسماعيل... صاحب العطاء الوافر في النقد والشعر

فقدت الحياة الثقافية في مصر والعالم العربي واحداً من النقاد المتميزين المتابعين بدأب ومحبة لفعالياتها وحراكها الإبداعي. فقد غيَّب الموت الشاعر والناقد الدكتور محمد السيد إسماعيل، بعد معاناة مع مرض الكبد، وشُيعت جنازته الثلاثاء بقريته عن عمر يناهز 63 عاماً، بعد أن وهب أكثر من ثلثي سنوات حياته للأدب والثقافة، شاعراً وناقداً وباحثاً أكاديمياً وكاتباً مسرحياً، وترك للمكتبة العربية الكثير من الكتب المهمة.

وُلد إسماعيل عام 1962 في قرية طحانوب (30 كيلومتراً شمال القاهرة)، وبدأ مشروعه الثقافي مع مطلع الثمانينات وهو لا يزال طالباً في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة، لحق أخيراً برفاق جيله من مبدعي الثمانينات وأصدقاء رحلته، الشعراء محمود قرني، وشريف رزق وفتحي عبد الله، وغيرهم من الذين سبقوه في الرحيل، ويبدو أن شعراء جيل الثمانينات في الشعر المصري مُنذَرون للموت مبكراً، دون أن يحصلوا على ما يوازي عطاءهم الشعري والنقدي.

لم يكن غريباً أن تتحول صفحات المثقفين المصريين في مواقع التواصل الاجتماعي سرادق عزاء مفتوحاً، يعزون فيه بعضهم بعضاً في فقيدهم، فهم يعرفون قيمته وقدره جيداً، رغم أنه ليس من المنتشرين في اللجان وتحكيم الجوائز والسفريات لمعارض الكتب والمؤتمرات بالخارج، وكان منشغلاً بأن يضع بصمته في الداخل، يتابع المبدعين الشبان، يكتب عنهم في بداياتهم، يشجعهم ويشد على أيديهم، ويكتب عن المبدعين الكبار بغض النظر عن شهرتهم، أو ما سيجنيه من ورائهم من مكاسب كما يفعل كثيرون، فالراحل تقريباً له يد بيضاء على معظم مبدعي مصر، شعراء وروائيين، ويندر أن تجد مبدعاً مصرياً لم يكتب إسماعيل مقالاً عن روايته أو ديوانه، أو على الأقل يذهب ليناقش هذه الأعمال في ندوة هنا أو هناك، دون حتى سابق معرفة أو مصلحة.

كان محمد السيد إسماعيل يسافر إلى كل محافظات مصر تقريباً، بلا مقابل، ليناقش مبدعاً في بداية طريقه، ولم يعرفه أحد بعد، لمجرد أنه يتوسم في كتابته الموهبة، فيأخذ بيده، ويرشده إلى بدايات الطريق. وكان يشارك بأبحاثه في مؤتمرات قصور الثقافة بكل المحافظات، متجشماً عناء السفر، إيماناً منه بأهمية وصول الثقافة إلى القاطنين في الهامش، هناك في المدن والقرى البعيدة عن مركزية العاصمة.

هذا الخط الذي انتهجه، كان نابعاً من إيمانه بأن المثقف ليس دوره فقط أن يبدع الكتب وينشرها؛ بحثاً عن شهرة أو مال، أو جائزة هنا أو هناك، بل كانت قناعته أن وظيفة المثقف الأولى أن يساهم في نشر الوعي في محيطه القريب، ودائرته الأولى الصغيرة، ثم تتسع هذه الدائرة إلى دوائر أكبر، ولعل فهمه هذا لطبيعة المثقف ودوره ووظيفته، كان دافعه لأن يعدّ رسالة الدكتوراه عن موضوع «المثقف والسلطة في الرواية السياسية»، ولعل هذا التصور هو الذي جعله محافظاً على الإقامة في قريته، دون الانتقال إلى العاصمة بكل أضوائها، وكان كثيراً ما يقيم ويشارك في ندوات في مكتبة صغيرة بها، ويدعو لها كبار المثقفين من أصدقائه، محاولاً إضاءة شمعة وسط عتمة الليل في فضاء القرية.

محمد، القروي، ظل يتعامل مع الثقافة والأدب كفلاح يرعى الأرض ويحرثها، ويغرس النبتة ويرويها؛ أملاً في أن تزهر وتؤتي ثمارها، دون أن يكترث بمن الذي سيحصد ثمارها في نهاية المطاف، فالمهم لديه أن تطرح شجرة الثقافة والوعي، أما جني الثمار فلا يشغل حيزاً من تفكيره، ويترك الآخرين ليتسابقوا على الحصاد، مستمتعاً بأن غرسه أثمر. كل هذا نتيجة تكوينه الشخصي، وتركيبته النفسية وقناعاته الآيديولوجية، فقد كان اعتناقه أفكار اليسار عن العدالة الاجتماعية هو المرجعية العقلية لمساره الثقافي. وإضافة إلى عقله يساري التوجه، كان يتحرك بروح متصوف زاهد، لا يسعى إلى مكاسب الدنيا، ويعيش كأنه ناسك، لا يلهث وراء مكاسب زائلة. العقل اليساري والروح المتصوفة، امتزجا بقلب الشاعر الحالم، الباحث دوماً عن عالم أفضل، والحالم بالمدينة الفاضلة، مؤمناً بأن نشر الثقافة والجمال والإبداع والشعر هو أقصر طريق لمقاومة القبح والتطرف وكل سلبيات العالم.

حصل الراحل على الماجستير والدكتوراه في الدراسات الأدبية من كلية دار العلوم جامعة القاهرة، وعمل طوال حياته مدرساً للغة العربية، بدأ كتابة الشعر في مرحلة مبكرة، ورغم النزعة المحافظة التي تسم خريجي دار العلوم، فإنه اختط لنفسه مساراً مغايراً، فكان أحد المبشرين للحداثة الشعرية والنقدية، حتى أنه كان أحد أهم شعراء قصيدة النثر، وأحد نقادها البارزين أيضاً.

نُشرت قصائد الشاعر الراحل ودراساته النقدية في مجلات مصرية وعربية، وشارك في مهرجانات شعرية متعددة. وأصدر الكثير من الأعمال الإبداعية، منها سبعة دواوين، هي: «كائنات في انتظار البعث»، و«الكلام الذي يقترب»، و«استشراف إقامة ماضية»، و«تدريبات يومية»، و«قيامة الماء»، و«أكثر من متاهة لكائن وحيد»، و«يد بيضاء في نهاية الوقت». هذه الدواوين جعلته واحداً من أهم الأصوات الشعرية في جيل الثمانينات، ولا يمكن لباحث أو ناقد عمل مقاربة شعرية لهذا الجيل دون أن يتوقف طويلاً عند هذه الدواوين. كما أصدر أربعة أعمال مسرحية: «السفينة»، و«زيارة ابن حزم الأخيرة»، و«وجوه التوحيدي»، و«رقصة الحياة».

كما أصدر إسماعيل الكثير من الكتب النقدية التي رسّخت اسمه واحداً من أهم العقول النقدية الفاعلة في المشهدين الأدبي والنقدي، ولم تتوقف أعماله النقدية عند نوع أدبي بعينه، بل تناولت الشعر والقصة والرواية، منها: «رؤية التشكيل»، و«الحداثة الشعرية في مصر»، و«غواية السرد»، و«حداثة النص الشعري: الوعي النظري والاستجابة الجمالية»، و«شعرية شوقي»، و«الخروج من الظل: قراءة في القصة النسائية القصيرة في مصر»، و«بناء فضاء المكان في القصة العربية القصيرة»، و«أساليب السرد في الرواية الأفريقية»، و«الرواية والسلطة»، و«دلالات المكان السردي»، و«التراث والحداثة: قراءة في القصيدة العربية المعاصرة». إضافة إلى ثلاثة كتب فكرية، هي: «التراث والحداثة» و«نقد الفكر السلفي» و«تنوير المستقبل».

حاز الراحل جوائز عدة تقديراً لجهده المتواصل على مدار أربعة عقود، منها جوائر في النقد من المجلس الأعلى للثقافة، وهيئة قصور الثقافة، ودائرة الإبداع بالشارقة، ومجمع اللغة العربية، وجائزة في الشعر من صندوق التنمية الثقافية، وأخرى في المسرح من اتحاد الكتاب، وجائزة إحسان عبد القدوس. كُرم بصفته أفضل ناقد أدبي في مؤتمر أدباء مصر، واختير شاعراً في معجم البابطين، وتولى أمانة مؤتمر القاهرة الكبرى وشمال الصعيد الثقافي. لكن بعيداً عن هذه الجوائز، فإنه حاز جائزة أكبر، وهي تقدير الأوساط الثقافية المصرية لدأبه وتجرده، ومسيرته الإبداعية والنقدية الناصعة.