رثاء البشر في شيخوختهم والمدن في غروبها

نجوى بركات في روايتها الأخيرة «غيبة مي»

رثاء البشر في شيخوختهم والمدن في غروبها
TT

رثاء البشر في شيخوختهم والمدن في غروبها

رثاء البشر في شيخوختهم والمدن في غروبها

«ميْ! سقط الصوت عليّ مثل غلالة شفافة أوقفتْ شعر بدني وهزت قلبي، فطنّ في أذني طبلاً أجوف قوياً.

تسمرتُ في مكاني وقطعتُ نفَسي فساد صمتٌ رحيم، لكن ما إن حركتُ قدمي أنوي التقدم حتى كرر الصوت اسمي بنبرة عاتبة. أغمضتُ عيني وانكمشتْ أعضائي وتضرّعتُ: يا إلهي، اجعله حلماً أو حتى كابوساً، لا يهم. إنما أتوسل إليك، أعنّي على الاستيقاظ».

لعل في هذا المقطع القصير الذي تستهل به نجوى بركات عملها الجديد «غيبة مي»، ما يصيب برمية واحدة أكثر من غاية وهدف. ذلك أنه يُظهر من جهة أولى مدى تمكُّن الكاتبة من أدواتها السردية، ويُظهر من جهة ثانية قدرتها على استثمار ضمير المتكلم في تقديم مونولوغ مؤثر يعكس الوضع المأزقي لبطلة الرواية، ويُظهر من جهة ثالثة براعتها الأسلوبية وهي تضع، من خلال جمل فعلية متلاحقة، حجر الأساس لمشهدية روائية متوترة، لا تترك للقارئ سبيلاً إلى الهدوء، حتى بعد الانتهاء من قراءة سطرها الأخير.

ورغم أن كثيراً من عناوين الكتب لا يشي بمضامينها، فإن عنوان رواية بركات، هو من العناوين «المفتاحية» التي يتمحور حولها العمل، لأن الغيبة المسندة إلى بطلته تنفتح على دلالات دينية وتراثية ومعجمية مختلفة، تتراوح بين الاختفاء الجسدي، والغربة الروحية والانخطاف العقلي. وإذا كان العديد من الكتاب العرب قد هدفوا من خلال الاختفاء الملغز لأبطالهم إلى إظهار عقم الواقع وفقدان الاتصال به، فإن «غيبة مي» تُضاف إلى سلسلة «الغيبات» المماثلة، التي تعكس التلازم الوثيق بين انهيار الأفراد وانهيار الأوطان.

أما في الجانب التقني من السرد، فتقسم نجوى بركات روايتها إلى فصول ثلاثة، تتولى العجوز الثمانينية، التي تعيش وحيدة في منزلها البيروتي، سرد فصلها الأول، وتتولى مي الأخرى مهمة إطلاعنا، في الفصل الثاني، على سيرة الممثلة البارعة التي كانتها المرأة في شبابها الغضّ، فيما يتولى يوسف، ناطور البناية السوري، سرد ما تبقى من سيرة مخدومته في حقبة انطفائها المأساوي. وفي فصول العمل المختلفة، تسلّط بركات الضوء على عالم الشيخوخة المثقل بالألم والوحشة وانعدام الجدوى.

وإذ تقترن عزلة البطلة بعجزها الجسدي وخوفها من الموت، أو من الإصابة بالخرف؛ حيث تصبح الحياة خليطاً مشوشاً من الحقائق والأوهام، تشرع مي في تخيل امرأة شبيهة بها وجالسة في مقعدها، أو في سماع أصوات لا أثر لوجودها الفعلي. ثم تبدأ بتقنين صلتها بالعالم الخارجي، لتقتصر على الخادمة التي تعتني بها، وعلى يوسف، ناطور البناية البيروتية التي تشغل طابقها التاسع، الذي كان يأتيها بما يلزمها من طعام وشراب، ويهبّ لنجدتها كلما اصطدمت بإحدى الحشرات، أو داهمها لصوص متوهمون.

ومع معرفتنا بأن لدى مي ولدين شابين يقيمان في أميركا حيث يعملان، ويتوليان تكاليف معيشتها بالكامل، سرعان ما يتبين لنا أن صلتها بالولدين تقتصر على المكالمات الهاتفية المتقطعة، وتفتقر إلى ما يربط الأمهات بأولادهن من حنان بالغ وعاطفة جياشة.

ومع أن الولدين التوأمين كانا ثمرة زواج ناجح، أعقب تجربة عاطفية مروعة، فإن البطلة لا تتردد في قول ما حرفيّته: «يقال إن الأمومة تبث في المرأة قوة وطاقة تمكنانها من تحريك جبال. أنا شخصياً لم يقوّني مجيء ابنيّ التوأمين، بل كأن امرأة أخرى هي من حملتْ بهما وأنجبتهما».

وحيث كان يُفترض بالبطلة العجوز أن تجد في اقتناء الحيوانات الأليفة ما يعوضها عن غياب البشر، فهي لم تتقبل القطة التي أصرت على ملازمتها، وظلَّت تتعامل معها بوصفها ضيفة بالإكراه.

وفي ظل هذه الفوبيا المتفاقمة من الكائنات الحية، تمكّنت النباتات وحدها من أن تكسب ثقة مي وتكون صديقتها الوفية. ومع ذلك فقد بدا موت القطة المريضة في وقت لاحق، التي تعذر إنقاذها من قبل الطبيب البيطري، نوعاً من نذير الشؤم الذي حمل لمي صورة مأساتها المقبلة.

كان لا بد في وضع كهذا أن تتجه أحوال البطلة المسنة نحو المزيد من التدهور، على المستويات الصحية والعقلية والنفسية. ولم تبخل المؤلفة من جهتها، في إحاطتنا علماً بكل تفاصيل التراجع المطرد لجسد مي، الذي فقد قدرته على التحكم بوظائفه البيولوجية، الأمر الذي طعن كرامتها في الصميم، وضرب ما تبقى من أنوثتها الغاربة.

إلا أن بركات لم توقف عملها السردي على الأحوال المأساوية لبطلتها العجوز، بل عملت على المواءمة الحاذقة بين شيخوخة المدن وشيخوخة سكانها، مُسترجِعة ما تبقى من أحوال بيروت المنهكة من حروب الداخل والخارج، وصولاً إلى فساد الطبقة السياسية والانهيار المالي، وسرقة أموال المودعين، وانفجار المرفأ كما أمكننا أن نتعرف إلى مي وقد تخرجت في كلية الفنون، قبل أن يسند إليها لعب دور رئيسي في مسرحية لجان كوكتو. وأثناء التمارين تلتقي بكاتب سيناريو ثلاثيني، سرعان ما تقع تحت سطوته «اللغوية» الماكرة، بعد أن أسمعها ما ترغب في سماعه من كلمات الإطراء ومشاعر الحب، لتشاطره بعد ذلك العيش في بلدة ساحلية، خارج إطار الزواج وضد رغبة الأهل.

لكن الرقة الظاهرية للبطل العاشق سرعان ما أسفرت أثناء المساكنة عن نقيضها الضدي؛ حيث تكشّف الحبيب المزعوم عن رجل آخر، مستهتر وسيئ الطباع، وعن شخص مدمن على الكحول والمقامرة، لا يتورع عن تعنيف المرأة التي أحبته وسرقة أموالها. وحيث الحياة تسدد ضرباتها بالجملة، لم تكد مي تقرر الهروب بعيداً عن نفق عالمها المظلم، حتى صُدمت برحيل أبيها المصاب بالسرطان، الذي طالما رأت فيه ملاكها الحارس وظهيرها في الشدائد.

ومع ذلك. ورغم كل ما خلّفه رجلها الفظ في داخلها من ندوب، عادت مي للزواج منه، بعد أن أوهمها مرة ثانية بأنه حبيبها الدائم وقدرها المحتوم، بما بدا محاكاة جديدة للمقولة السائدة عن افتتان الضحية بالجلاد.

ولم يكن بالأمر المفاجئ أن تتدهور العلاقة بعد ذلك على نحو أعنف. ليس فقط من خلال تعرُّضها المتكرر للإهانة والضرب، بل من خلال إجبارها بعد أن حملت، على الإجهاض، وهي التي رأت في الأمومة حبل نجاتها الأخير. إلا أن قدرها المظلم الذي ألحق بها الكثير من التصدعات، ما لبث أن مد لها يد العون من خلال طبيبها المعالج، الذي نجح في إخراجها من المصح العقلي، قبل أن يعرض عليها الزواج وتنجب منه ولدين توأمين.

أما الفصل الثالث من الرواية، الذي أوكلت المؤلفة زمامه السردي إلى يوسف، فقد بدا تتويجاً بالغ الدلالة لبنية السرد ومساره التصاعدي؛ حيث يوغل عقل البطلة وذاكرتها في التشظي تحت مطرقة الألزهايمر، الذي طالما خشيت من إصابتها به. وفي هذا الفصل يتضح لنا ما خفي من غيبة مي، التي تم إدخالها إلى مصح عقلي بعد محاولتها الفاشلة لقتل زوجها المتسلط. ومع أن بعض المواقف والعبارات الممعنة في غموضها كانت تبدو أبعد من فهم يوسف وقدرته على الاستيعاب، فإن تنبّه الكاتبة لهذه المفارقة، جعلها تكرر بلسانه عبارات دالة على جهله ببعض الوقائع والتسميات، كعجزه عن التمييز بين اسمَي فَريدة العربي، وفْريدة كاهلو، الذي أطلقته مي على قطتها، تيمناً بالفنانة المكسيكية الشهيرة التي رأت فيها نسخة أخرى عن محنتها العاطفية وجسدها المتداعي.

وإذا لم تكن لتفوتني الإشارة إلى لغة نجوى بركات الروائية، التي لا تحول جزالتها وتراكيبها المتقنة، دون رشاقتها وانسيابها التلقائي، فلن يفوتني أيضاً التنويه بالمشهد الأخير من الرواية؛ حيث تأبطت مي ذراع يوسف، وتهادت إلى جانبه في موكب كرنفالي باعث في الآن ذاته على الضحك والبكاء، ليتناهى إلى مسامعها وهي تتقدم بتؤدة، التصفيق العارم للحشود المتوهمة، و”لتقف على خشبة مسرحٍ ما، وتؤدي دورها الأخير «.


مقالات ذات صلة

كنوز غزة.... قصة القطع الأثرية التي نجت من الدمار

ثقافة وفنون تدمير المسجد العمري

كنوز غزة.... قصة القطع الأثرية التي نجت من الدمار

قبل أن تشرح السيدة إلودي بوفار، المشرفة على معرض «كنوز غزة التي أنقذت، 5000 سنة من التاريخ»، أهمية هذا الحدث الثقافي الذي يحتضنه معهد العالم العربي في باريس

أنيسة مخالدي (باريس)
ثقافة وفنون وفود من المدارس المغربية تزور المعرض

«معرض الرباط للنشر والكتاب»... اللقاءات الفكرية حظيت بالحضور الأكبر

شهد معرض الرباط الدولي للنشر والكتاب هذه السنة إقبالاً واسعاً من الزوار الذين توزعوا على أروقته طيلة هذا الأسبوع. قُرّاء من مختلف الفئات العمرية والطبقات الاجتم

عمر الراجي (الرباط)
ثقافة وفنون «إنهم حقاً رجال شرفاء»... الشيخوخة من منظور نسائي

«إنهم حقاً رجال شرفاء»... الشيخوخة من منظور نسائي

تتناول رواية «إنهم حقاً رجال شرفاء» الصادرة أخيراً عن دار «الكرمة» بالقاهرة للكاتبة ابتسام شوقي قصة سيدة عجوز تعيش وحيدة معزولة عن الآخرين،

«الشرق الأوسط» ( القاهرة)
ثقافة وفنون البابا في العراق (أ.ب)

أنوار البابا الطيب

لماذا ننعته بـ«الطيب»؟ لأنه جعل من الانفتاح على الإسلام والمسلمين أحد المحاور الأساسية لعهدته البابوية. وقد لقيتْ مبادراته أصداء واسعة

هاشم صالح
ثقافة وفنون محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

محمود البريكان... الشعر في ضوء متغيّرات العالم

كل قراءة أو «إعادة» قراءة لشاعر هي قراءة جديدة. ما مِن إعادة بمعنى التكرار إزاء النصوص المخترقة لزمنها، المتقدمة عليه.

باسم المرعبي

كنوز غزة.... قصة القطع الأثرية التي نجت من الدمار

تدمير المسجد العمري
تدمير المسجد العمري
TT

كنوز غزة.... قصة القطع الأثرية التي نجت من الدمار

تدمير المسجد العمري
تدمير المسجد العمري

قبل أن تشرح السيدة إلودي بوفار، المشرفة على معرض «كنوز غزة التي أنقذت، 5000 سنة من التاريخ»، أهمية هذا الحدث الثقافي الذي يحتضنه معهد العالم العربي في باريس إلى غاية نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، بدأت بالتذكير بأن «الأولوية هي لإنقاذ الأرواح البشرية قبل القطع الأثرية، لكن مساعينا انطلقت من الرغبة في إعادة الاعتبار لتراث غزة الذي طوته المأساة، نريد أن يرى العالم الوجه الآخر لغزة، المدينة الحضارية الغنية بتراث عمره أكثر من خمسة آلاف عام».

هذا الحدث الذي يسعى إلى إحياء الذاكرة الثقافية للمنطقة وإبراز عمقها الحضاري الذي طمرته الحرب هو الأول من نوعه في فرنسا بشهادة رئيسه جاك لانغ، وهو يعرض أكثر من 130 قطعة أثرية تشهد على تاريخ غزة الطويل الممتد على مدى ثماني حضارات مختلفة. المجموعات المعروضة مستمدة من التنقيبات الأثرية لفرق فرنسية وفلسطينية عملت معاً في غزة منذ 1995 بإشراف عالم الآثار الفرنسي القس الدوميناكي جان باتيست همبير (84 سنة). أقدمها تعود إلى العهد البرونزي، أي 3200 سنة قبل الميلاد، وأحدثها من العهد العثماني في نهاية القرن التاسع عشر: منها التماثيل والأحجار والجرار والقطع النقدية، ومنها ما يحمل قيمة تاريخية كبيرة كوعاء فخاري يعود إلى أربعة آلاف عام وفسيفساء بيزنطية تعود إلى القرن السادس وتمثال لأفروديت كشاهد على التأثيرات الهلنستية في المنطقة.

المعرض رفع النقاب أيضاً عن القصة المذهلة لهذه القطع الأثرية التي حلّت في باريس قادمة من سويسرا، حيث ظلّت عالقة في منطقة جنيف الحرة لمدة تناهز 17 سنة في انتظار عودتها إلى موطنها الأصلي بعد أن عُرضت في متحف جنيف في 2006. القطع التي لم يعرض منها في باريس سوى 150 من أصل 529 لم تتمكن من العودة إلى غزة بسبب الحصار وعرقلة السلطات الإسرائيلية، يومية «لوتون» السويسرية كانت قد وصفتها بـ«الكنوز التي أصبحت عبئاً»، وكان مصممو المعرض قد اختاروا عرضها في قواعد معدنية مثبتة على عجلات وكأنها مستعدة للرجوع إلى الوطن في أي لحظة في مفارقة محزنة بين النفي القسري الذي تعرضت له هذه الكنوز الأثرية التي تنتظر في المنفى منذ 17 سنة.

تضمن المعرض أيضاً جولة افتراضية ثلاثية الأبعاد داخل دير القديس هيلاريون، الذي شُيّد عام 329 ميلادياً، ويُعد من أقدم الأديرة في الشرق الأوسط، وقد أُدرج على قائمة الممتلكات الثقافية المحمية دولياً من قبل «اليونيسكو» في يوليو (تموز) 2024. وإن كان من الصعب إجراء جرد دقيق لكل المعالم الأثرية التي تعرضت للدمار منذ بداية الحرب على غزة إلا أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والتعليم والثقافة (اليونيسكو) رصدت استناداً إلى صور الأقمار الاصطناعية الأضرار التي لحقت بأكثر من 94 موقعا أثريا في القطاع.

من هذه المعالم المسجد العمري الكبير، الذي شُيّد عام 700 ميلاديا على أنقاض كنيسة بيزنطية، وتحول لاحقاً إلى كنيسة في عهد الصليبيين ثم أعيد مسجداً في زمن المماليك، قبل أن يتوسع في الحقبة العثمانية، حيث تعرض للقصف مراراً، وكان آخرها في نوفمبر عام 2023، حيث تعرضت مئذنته لأضرار جسيمة، إضافة إلى متحف قصر الباشا الذي يضم قطعاً من العهود اليوناني والروماني والبيزنطي والإسلامي، وتعود بنيته إلى القصر المملوكي في زمن الظاهر بيبرس، ويعرف أيضا باسم «قلعة نابليون» لأن نابليون بونابرت أقام فيه ثلاثة أيام خلال رحلته لمصر. وقصفته قوات الاحتلال الإسرائيلي ودمرت أجزاء كبيرة منه في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إضافة إلى تدمير الكنيسة البيزنطية وكنيسة القديس برفيريوس ثالث أقدم كنيسة في العالم.

وإن كانت الأولوية منذ بداية الحرب هي لإنقاذ الأرواح البشرية إلا أن كثيرا من المبادرات عرفت النور في محاولة لإنقاذ التراث أيضاً. فقد تم نقل مجموعات من متحفين إلى مناطق آمنة داخل قطاع غزة بدعم مالي من التحالف الدولي لحماية التراث (Aliph) الذي خصّص لها مبلغ 602 ألف يورو، كما تم أيضاً تدريب حوالي ستين محترفاً (عبر الإنترنت) من أجل التدخل الطارئ لحماية القطع أو استخراجها من الأنقاض. تشرح السيدة الودي بوفار المشرفة على معرض «كنوز غزة»: «لا نستطيع التدخل قبل وقف التدخل العسكري وترتيب الوضع الإنساني، وأول ما يمكن القيام به هو تأمين المواقع من أخطار الألغام ثم تفقّد حجم الأضرار والبدء في عمليات الجرد والتوثيق لإعادة بناء المواقع وترميمها».

وقد لاحظ رينيه إيلتر عالم الآثار في جمعية الطوارئ الدولية ومدير برنامج الحفاظ على دير سانت هيلاريون أن سكان غزة واعون بقيمة تراثهم وضرورة حمايته وهو مصدر فخر كبير، حيث أقيم مخيم للاجئين في محيط موقع دير سانت هيلاريون لكن السّكان لم يسعوا أبدا إلى دخوله، متهماً في نفس الوقت الجيش الإسرائيلي بسرقة المجموعات التي كان يحتويها متحف الباشا، حيث أردف: «أفضل القطع كانت في هذا المتحف، بعد القصف ذهب بعض زملائنا الفلسطينيين لتفقد الوضع فاكتشفوا أن الجنود الإسرائيليون قد فتحوا الصناديق وأخذوا منها بعض المقتنيات».

وكان مدير الآثار الإسرائيلي ايلي اسكوسيدو قد نشر تسجيلاً يظهر جنودا إسرائيليين محاطين بأوان فخارية قديمة من مستودع المدرسة الفرنسية للكتاب المقدّس والآثار بعد اقتحامه، مما أثار ردود أفعال منددة بسرقة التراث الفلسطيني.

إن قصة اكتشاف التراث التاريخي لغزة تعود إلى السنوات التسعين من القرن الماضي، فبعد إمضاء معاهدة أوسلو قامت السلطات الفلسطينية بإنشاء دائرة الآثار التي كانت تعمل بالتعاون مع المدرسة الفرنسية للكتاب المقدّس والآثار في التنقيب عن الآثار، وأسفرت الأبحاث عن العثور على الكثير من القطع الأثرية الثمينة، هذه الجهود لقيت أيضاً مساندة من قبل رجل الأعمال والمجمع الفلسطيني جودت الخضري الذي قام بشراء آلاف القطع الأثرية لحمايتها من التهريب والتجارة، بعضها كان معروضاً في «فندق المتحف» الذي أسّسه في 2008 وكان يضم قطعا نادرة من العصور الكنعاني والروماني والإسلامي قبل أن يدمره الاحتلال الإسرائيلي بالكامل في الـ3 من نوفمبر 2023.