انطلاقاً من الدور البارز الذي تضطلع به المتاحف في سبيل تجسيد الإشعاع الحضاري، والازدهار الثقافي والفني والسياسي للأمم والشعوب، يأتي الكتاب الجديد للباحثة المغربيّة هدى البكاي لهبيل «الدبلوماسية الثقافة للمملكة المغربية... تجربة متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر»، مبرزاً دور المتحف في تعزيز الدبلوماسية الثقافية المغربية، وتلاقح الحضارات وحوارها، من خلال ما تقدمه من عروض متنوعة تسهم في تقارب الحضارات والشعوب.
جاء الكتاب، الصادر حديثاً عن «الآن ناشرون وموزعون» بالأردن، في 160 صفحة، وضم فصلين:
تناول الفصل الأول مباحث نظرية بهدف تحديد المفاهيم التي يتطرَّق إليها الكتاب، من خلال الاعتماد على عدد من المراجع والمصادر التي تناولت الموضوع، والمتعلقة بمجال الدبلوماسية الثقافية والمتحف وتقاطعاتهما ونقاط التقائهما، على اعتبار أن المفهومين يلتقيان في عنصرَي الثقافة والفن، اللذين يعدّان رافدَين مهمَّين من روافد كل من الدبلوماسية الثقافية والمتحف.
أما الفصل الثاني، فتناول تجربة متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، لكونه متحفاً يتماشى في رؤيته واستراتيجيّته مع السياسة الثقافية للمغرب، وبوصفه معلمةً ثقافيةً تقع في قلب العاصمة الرباط، التي اعتُمدت عاصمةً للثقافة في العالم الإسلامي سنة 2022 من طرف «الإيسيسكو»، فضلاً عن اختيارها عاصمةً للثقافة الأفريقية لـ2022 و2023، وهو الأمر الذي عكس صورةً لحضارة المغرب وثقافته.
وقد تطرَّق الكتاب إلى جهود ورؤية المؤسسة الوطنية للمتاحف، ومتحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر، المؤسستين اللتين تضطلعان باستقطاب عروض فنية دولية وازنة، منها معرض «أوجين دولاكروا... ذكريات رحلة إلى المغرب»، ومعرض «أفريقيا بعدسة مصوريها... من مالك سيديبي إلى اليوم»، ومعرض الفنان المصور العالمي هنري كارتييه بريسون، فضلاً عن معرض «بين الغضب والرغبة... القلب النابض للإنسان» للمصور الفرنسي جيرار رونسينان، وكارولين غودريو. وكلها عروض قدمت أعمال فنانين عالميين كبار وأسماء فنية وازنة في الساحة الفنية العالمية. ولإبراز هذا الجانب سلط الكتاب الضوء على المعارض السالفة الذكر من خلال تقديم قراءة تحليلية لكل عرض من العروض التي تم تقديمها بالمتحف خلال سنة 2021 - 2022، عززتها شهادات المسؤولين عن المتحف ومندوبي المعارض، منها ما استقته المؤلفة بشكل مباشر خلال تغطيتها لبعض تلك العروض، ومنها ما استخرجته من مادة توثيقية تمَّت الاستعانة بها من مصادر مختلفة، لتقديم رؤية مبسطة حول كل معرض على حدة، وتوضيح أهميته في تعزيز الدبلوماسية الثقافية.
كما تناول الكتاب أيضاً عرضين من العروض الخارجية قدمهما المتحف والمؤسسة الوطنية للمتاحف في هولندا (متحف كوبرا بأمستلفين) وفي إسبانيا (متحف مدريد). وللإحاطة بجوانب وأبعاد المعرضين المتحفيين، سعى الكتاب إلى تقديم تحليل للمقابلات والحوارات مع المسؤولين المباشرين عن تلك العروض، من خلال تجميع المادة المتعلقة بتلك المعارض قيد الدراسة.
تقول المؤلفة في خاتمة الكتاب: «على اعتبار أن الفن المتحفي لغة تنتمي إلى جماليات خاصة، ومتنوعة، تحددها الثقافات المختلفة في العالم، ولأن طبيعة هذه اللغة بصرية، فإنها تبقى قادرة على تجاوز الحدود الثقافية المحصورة والمحدودة في جغرافيا معينة، لتحقيق حوار بصري مع المتلقي أياً كانت لغته، وثقافته، وانتماؤه. ولأن الحوار قصد حضاري، فإن عالم المتاحف يتجاوز حدود المتعة بالأثر الفني إلى حدود المثاقفة مع الآخر، من خلال تقابل الجماليات والرؤى الفنية المختلفة الانتماء والهوية، في سبيل تعزيز التلاقح الحضاري، وتعزيز الدبلوماسية الثقافية».