رواية عن الزنازين السورية

رواية عن الزنازين السورية
TT
20

رواية عن الزنازين السورية

رواية عن الزنازين السورية

في عمله الروائي الجديد «جدران تنزف ضوءاً»، ينقل الكاتب السوري الكردي ماهر حسن القارئ إلى قلب الزنازين السورية، حيث يتحول المكان الضيق إلى عالم متكامل، يفيض بالخوف والألم، لكنه أيضاً ينبض بالحياة والمقاومة. الرواية، التي صدرت عن «دار تاسك للنشر» في الولايات المتحدة تمتد على 470 صفحة من القطع الوسط، وتحمل غلافاً للفنان خليل عبد القادر، في تجسيد بصري يعكس روح النص العميقة.

ورغم انتمائها إلى أدب السجون، فإن الرواية تتجاوز حدود التوثيق إلى فضاء أكثر إنسانية، حيث لا يكون الاعتقال مجرد قيد على الجسد، بل اختبار للروح والذاكرة. من خلال شخصيات متعددة، يعيد حسن رسم ملامح أولئك الذين عاشوا التجربة: المسجون الذي يرفض الانكسار، والمنفي في داخله حتى بعد تحرره، والروح التي تبحث عن معنى في عتمة الزنازين. ولا يكتفي الكاتب بنقل الأحداث، بل يجعل القارئ يشعر ببرودة الجدران، يسمع صرير الأبواب، ويعايش نبض الأمل الخافت في عيون المسجونين.

السجن في الرواية ليس مجرد جدران وأسلاك شائكة، بل فضاء للصراع الداخلي، حيث يقف الإنسان وجهاً لوجه أمام خوفه وأمله. ورغم السواد الطاغي، ينجح الكاتب في رسم لحظات الضوء الخفيّة: نظرة صامتة تحمل ألف معنى، في ضحكة مكبوتة تقاوم الانهيار. هذا الضوء، كما يوحي العنوان، لا ينبع من الخارج، بل من أعماق الإنسان في أقسى لحظاته، عن تلك القوة التي تنبثق من الضعف، وعن المعاني التي تنبت حتى في أكثر التربة قسوة. إنها شهادة أدبية تلامس التجربة الإنسانية بأبعادها المختلفة، حيث لا يكون الألم مجرد معاناة، بل حالة وجودية تفرض على المرء إعادة اكتشاف ذاته وحدوده.

ما يميز الرواية هو قدرتها على التوازن بين القسوة والجمال، بين العتمة والنور. فالسجن، رغم بشاعته، يتحول إلى فضاء للتأمل، إلى مسرح تنكشف فيه أعمق طبقات النفس البشرية. هناك من ينهار، وهناك من يعيد بناء نفسه من تحت الأنقاض. من ذاكرته، من صموده، من تلك الحكايات التي يتناقلها السجناء سرّاً، كأنها حبال نجاة تربطهم بالحياة خارج القضبان.

لا يوجد هنا افتعال أو تصنّع؛ بل مشاهد مرسومة بصدق يجعل القارئ يشعر وكأنه هناك، يسمع أنين المعذبين، ويرى شحوب الوجوه، لكنه في الوقت نفسه يلتقط بريق العيون التي ترفض الانكسار.


مقالات ذات صلة

المسكونون بشغف الأسئلة

كتب ديفيد دويتش

المسكونون بشغف الأسئلة

كتبتُ غير مرّة أنّني أعشق كتب السيرة الذاتية التي يكتبها شخوصٌ نعرف حجم تأثيرهم في العالم. السببُ واضحٌ وليس في إعادته ضيرٌ: السيرة الذاتية

لطفية الدليمي
كتب هانز كونغ

هانز كونغ والحوار مع الإسلام

كان العالم اللاهوتي الكاثوليكي السويسري هانز كونغ (1928-2021) متحمساً جداً للحوار مع الإسلام. والكثيرون يعدونه أكبر عالم دين مسيحي في القرن العشرين

هاشم صالح
ثقافة وفنون هاروكي موراكامي

هاروكي موراكامي شخصية العام الثقافية في «جائزة الشيخ زايد للكتاب»

أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب في مركز أبوظبي للغة العربية، عن اختيار الكاتب الياباني العالمي هاروكي موراكامي شخصية العام الثقافية.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
ثقافة وفنون «ملصقات بيروت» للروائي ماجد الخطيب... رحلة باتجاه واحد

«ملصقات بيروت» للروائي ماجد الخطيب... رحلة باتجاه واحد

حين يقرر الإنسان السفر، تراوده مشاعر القلق والترقب، لكنه يجد في التجربة مغامرةً وتجديداً

حمدي العطار (بغداد)
كتب تشارلي إنجلش

الكتب مهّدت لانتصار الغرب الحاسم في الحرب الباردة

يبدو اسم كتاب صحافي «الغارديان» البريطانية تشارلي إنجلش الأحدث «نادي الكتاب في وكالة المخابرات المركزية» أقرب لعنوان رواية جاسوسيّة منه لكتاب تاريخ

ندى حطيط

إنهم يسرقون الكلمات

كيت موس
كيت موس
TT
20

إنهم يسرقون الكلمات

كيت موس
كيت موس

تشكل منظومات الذكاء الاصطناعي القادرة على إنتاج أعمال نصيّة تهديداً خطيراً لمهنة الكتابة والإبداع الأدبي. وتلتهم التقنيات التوليدية المبنية بشكل غير قانوني كميات هائلة من النصوص المحميّة نظرياً بحقوق الطبع والنشر دون منح مؤلفيها أي تعويض أو حتى استشارتهم، وذلك لإنتاج مواد قد تتنافس مع الكتب والمقالات الصحافية، وغير ذلك من فضاءات التحليق الأدبي وتحل مكانها، مما قد يؤدي في النهاية إلى تقلص المهنة، حيث سيتمكن عدد أقل من محترفي نحت الكلمات من الحفاظ على مصدر رزقهم من ممارسة حرفتهم.

وهذه ليست مجرد معضلة للمؤلفين فحسب، بقدر ما هي مسألة ينبغي أن يعنى بها الجميع لأنها ماضية بسرعة البرق في إزهاق روح الإبداع الإنساني المتدفقة عبر أوردة الكتابات، وما لم نتمكن نحن البشر من فرض حوكمة عادلة على طرائق استخدام الذكاء الاصطناعي، فسوف نجد أنفسنا في عالم من النصوص القائمة على المزج وتكرار السابق، وسنفقد الأصوات المغايرة التي تحرّض الخطاب العام على التغيير.

في بريطانيا، وقعت الأسبوع الماضي مجموعة من أبرز الروائيين بمن فيهم ريتشارد عثمان، وكازو إيشيغورو، وكيت موس، وفال ماكديرميد على رسالة مفتوحة باسم جمعية المؤلفين البريطانيين كتبتها رئيستها التنفيذيّة، آنا جانلي، تدعو حكومة المملكة المتحدة إلى محاسبة شركة «ميتا» الأميركيّة للتكنولوجيا، مالكة «فيسبوك»، على استخدامها للكتب المحمية بحقوق الطبع والنشر في تدريب منظومة الذكاء الاصطناعي التي تطورها. وطالبت الرسالة ليزا ناندي، وزيرة الدولة للثقافة والإعلام والرياضة في الحكومة البريطانية، باستدعاء كبار المديرين التنفيذيين في «ميتا» للمساءلة في البرلمان، ودعت الحكومة إلى «اتخاذ جميع الإجراءات المتاحة لضمان حماية حقوق ومصالح ومصادر عيش المؤلفين بشكل كاف»، مشيرة إلى أن تقصير السلطات سيكون له دون أدنى شك تأثير كارثي لا رجعة فيه على جميع المؤلفين والكتّاب في المملكة المتحدة.

وقالت الرسالة التي نشرت لاحقاً عبر موقع إلكتروني، ووقّع عليها إلى الآن خمسة آلاف شخص من المعنيين بالثقافة والكتب، إنّه ينبغي مطالبة المديرين التنفيذيين في «ميتا» بتقديم رد مفصّل على الادعاءات حول تعمدهم انتهاك حقوق الطبع والنشر بالجملة، وتقديم تأكيدات لا لبس فيها بأنهم سيحترمون تلك الحقوق للمؤلفين البريطانيين مستقبلاً، وسيدفعون تعويضات لهم مقابل جميع الانتهاكات السابقة. وقد تداعى نحو مائة وخمسين من أبرز الكتّاب والمؤلفين إلى التظاهر أمام المقر الرئيس لفرع شركة «ميتا» البريطاني، وحاولوا الدّخول إلى المبنى لتقديم نسخة مطبوعة من الرسالة إلى المديرين التنفيذيين، لكن رجال أمن المبنى منعوهم. ويبدو أن تعليمات مشددة تلقاها العاملون في الشركة التي تمتلك تطبيقات «فيسبوك»، و«واتساب»، و«إنستغرام» بعدم تجاذب أطراف الحديث مع المتظاهرين، والامتناع عن تسلّم أي وثائق منهم. وقال الروائي إيه جيه ويست متزعم المظاهرة للصحافيين مستنكراً: «إنهم يرفضون أن يتسلموا ورقة واحدة منا، لكنهم لا يتورعون عن سرقة سبعة ملايين كتاب وواحد وثمانين مقالاً في انتهاك فاضح لقانون حقوق النشر»، وأضاف أن «الشخص الذي أريد حقاً أن أسمع منه الآن ليس مارك زوكربيرغ، بل ليزا ناندي، وزيرة الثقافة المفترضة لدينا، التي وقفت مكتوفة الأيدي، بينما نشاهد أكبر اعتداء على حقوق الطبع والنشر في التاريخ البريطاني كله، وسرقة مليارات الكلمات، ولم تر أنه من المناسب أن تقول كلمة اعتراض واحدة بشأن ذلك».

وسخرت الروائيّة كيت موس التي تركت جولة لها في المملكة للاحتفاء بالذكرى العشرين لصدور روايتها «المتاهة - 2005»، وجاءت خصيصاً للمشاركة بالمظاهرة: «إنهم لا يقبلون تسلم رسالتنا، وهم يدّعون بأن تطبيقاتهم معاقل لحريّة التعبير، لكنهم ليسوا مهتمين بالاستماع إلى مظلمة الكتّاب». وقالت الروائيّة تريسي شوفاليه لصحيفة «الغارديان» البريطانيّة إن كتبها مسروقة في مكتبة افتراضيّة تضم مواد مقرصنة على الإنترنت، وإنها تعتقد بأن كبار المديرين التنفيذيين لشركة «ميتا»، بمن فيهم مؤسسها ورئيسها التنفيذي مارك زوكربيرغ، على دراية أكيدة باحتواء المكتبة على كتب مسروقة عندما سمحوا باستخدام موادها المقرصنة لتعليم أنظمة الذكاء الاصطناعي، ما عدّت أنهّ «يؤثر على فرصها بالكسب، لأن الذكاء الاصطناعي سيمكنه قريباً إنتاج روايات على نسق ما أكتبه، فلا تعد بالقراء ثمة من حاجة إلى تريسي شوفاليه».

كازو إيشيغورو
كازو إيشيغورو

وكانت مجموعة من الكتّاب الأميركيين، من بينهم تانهيسي كوتيس، وأندرو شين غرير، والممثلة الكوميدية سارة سيلفرمان، قد رفعوا دعوى قضائيّة في وقت سابق من هذا العام، زعموا فيها أن مارك زوكربيرغ وافق شخصياً على الاستفادة من محتويات المكتبة سيئة السمعة، التي يقدر عددها بأكثر من سبعة ملايين كتاب. ونشرت مجلة أميركيّة الشهر الماضي قاعدة بيانات يمكن البحث فيها عن العناوين التي تضمها تلك المكتبة ليكتشف كثير من المؤلفين أن أعمالهم يمكن أن تكون قد تحولت من دون إذن مسبق منهم إلى مادة لتدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي لدى شركة «ميتا». على أن الشركة ما زالت عند موقفها بأنها لم ترتكب أي مخالفات قانونيّة بشأن حقوق الملكيّة الفكريّة، وتؤكد على أن استخدام المعلومات المتاحة على الإنترنت في تدريب نماذج الذكاء الاصطناعي يتوافق مع التشريعات الحاليّة التي تتيح الاستخدام العادل للمواد المتوفرة في الفضاء العام.

وقال متحدث رسمي باسمها إن الشركة ستواصل الدّفاع عن نفسها بقوة ضد الاتهامات، وحماية تطوير النماذج الأكثر تقدماً من الذكاء الاصطناعي لما فيه مصالح الجميع. وبحسب معنيين بصناعة الكتب في المملكة المتحدة، فإن لندن مترددة باتخاذ إجراءات أشد بحق شركات التكنولوجيا الأميركيّة في هذه المرحلة بالنظر إلى الأجواء الحذرة السائدة في العلاقة مع الولايات المتحدة بعد فرض الأخيرة تعريفات جمركيّة تتراوح بين 10 و25 في المائة على الصادرات إلى السوق الأميركيّة. واقترح مفاوضون بريطانيون على نظرائهم الأميركيين إيقاف ضريبة بقيمة 2 في المائة منذ 2020 تتقاضاها الخزينة العامّة من مداخيل شركات التكنولوجيا الأميركيّة الكبرى، مثل «غوغل»، و«ميتا»، و«مايكروسوفت» من عملياتها بالمملكة. وقرّع مسؤولون أميركيون كباراً في إدارة الرئيس دونالد ترمب الحكومة البريطانية علناً عدّة مرات لمحاولاتها فرض قيود على مواقع التواصل الاجتماعي التي تديرها شركات أميركيّة، كما أنها اضطرت للتراجع تحت ضغوط من واشنطن عن تطبيق تشريع محلي على شركة «أبل» الأميركيّة يفرض عليها توفير صلاحية الدخول إلى معلومات مستعملي جوالات آيفون لأغراض أمنيّة. ومع سلبيّة الحكومة البريطانية، والتكاليف الباهظة للتقاضي مع شركات ذات ثروات طائلة، فإن معظم الكتاب البريطانيين على قناعة كبيرة بأن «ميتا» وأخواتها سيفلتون على الأرجح من العقاب، ما يدفع الكثير منهم إلى الإعلان على قبولهم مبدأ استخدام موادهم، ولكن مقابل بدل مادي.

ريتشارد عثمان
ريتشارد عثمان

لكن الشركات لا تبدو حتى الآن بوارد المبادرة بهذا الاتجاه أقلّه في مدى منظور. وتبذل بريطانيا وجهات أوروبيّة منذ بعض الوقت جهوداً لفرض حد أدنى من الحوكمة لمنع تغّول الآلة على الإبداع الإنساني، وتسعى إلى بناء توافق دولي عريض حول تشريعات وقواعد ناظمة للنزاعات بشأن حقوق المحتوى الإبداعي، لكنّها تواجه بتعنت من الجانب الرسمي الأميركي الذي يبدو حريصاً على حماية شركات التكنولوجيا الأميركيّة من كل مساءلة.

إنهم (أي المديرين التنفيذيين في ميتا) يرفضون أن يتسلموا ورقة احتجاج واحدة منا لكنهم لا يتورعون عن سرقة سبعة ملايين كتاب وواحد وثمانين مقالاً في انتهاك فاضح لقانون حقوق النشر



الروائي إيه جيه ويست