«القاهرة للكتاب»... الفلسفة والتاريخ ينافسان الرواية رغم ارتفاع الأسعار

حقق رقماً قياسياً جديداً إذ تجاوز عدد زواره 5 ملايين ونصف المليون

جانب من المعرض الذي اختتم فعالياته الأربعاء
جانب من المعرض الذي اختتم فعالياته الأربعاء
TT

«القاهرة للكتاب»... الفلسفة والتاريخ ينافسان الرواية رغم ارتفاع الأسعار

جانب من المعرض الذي اختتم فعالياته الأربعاء
جانب من المعرض الذي اختتم فعالياته الأربعاء

اختتم معرض القاهرة الدولي للكتاب فعاليات دورته الـ56 التي تميزت بظهور دور نشر جديدة صعدت إلى منصات التتويج وقدمت إصدارات شديدة التميز، مع احتفاء لافت بالشعر وسط أجواء احتفالية نجحت في جذب رواد الحدث الثقافي الأبرز، وإقبال جماهيري حقق رقماً قياسياً جديداً. فقد تجاوز عدد زوار المعرض في هذه الدور خمسة ملايين ونصف المليون زائر على مدى أيامه الـ13؛ في الفترة من 23 يناير (كانون الثاني) الماضي، حتى 5 فبراير (شباط) الحالي، بينما بلغ عدد الزائرين العام الماضي نحو 4 ملايين و785 ألف زائر. وعدّ الدكتور أحمد فؤاد هنو، وزير الثقافة المصري، أن «هذا الحضور الجماهيري الكبير يؤكد الريادة الثقافية المصرية، كما يؤكد على مكانة القاهرة بصفتها منارةً للفكر والثقافة»، مشيراً إلى أن «تنوع الجمهور من مختلف الجنسيات يعكس قيم التبادل الثقافي والحوار الإنساني».

عيد عبد الحليم يتسلم جائزة أفضل ديوان

وكشفت أسماء الفائزين بجوائز المعرض عن حضور لافت لوجوه جديدة شابة ظهرت مؤخراً في المشهد الثقافي، مثل ماجد شيحة الذي فاز مناصفة بجائزة «أفضل رواية» لعام 2024 عن روايته «شبح عبد الله بن المبارك» مناصفة مع الكاتب المخضرم محسن يونس الذي فاز عن روايته «جزيرة هرموش»، كما ذهبت جائزة «أفضل ناشر» إلى دار جديدة هي «منشورات الربيع».

ماجد شيحة يتسلم جائزة أفضل رواية مناصفة مع محسن يونس

وتستلهم رواية «شبح عبد الله بن المبارك» حكاية تراثية شهيرة لشخص يُدعى «عبد الله بن المبارك» يقال إنه شُوهد بمكانين مختلفين في وقت واحد. يستعيد المؤلف تلك الحكاية من خلال بناء درامي معاصر يقوم على ثنائية الأستاذ الجامعي والطالب، التي تبدو بدورها استلهاماً لثنائية الشيخ والمريد؛ إذ يروي الأستاذ تلك القصة على تلميذه من أجل سماع رأيه فيها.

وتمزج رواية «جزيرة هرموش» الواقع بالخيال في أجواء فانتازية من خلال مجموعة أشخاص يتصارعون على امتلاك الذهب في جزيرة نائية ومنعزلة وقد سيطرت عليهم روح الشراهة والرغبة في تحقيق ثروة مذهلة دون مجهود.

وفازت «تيريز لا أحد» للكاتب كريم سعيد، بجائزة «أفضل مجموعة قصصية»، بينما فاز «مناب الغايب» للشاعر إبراهيم عبد الفتاح بجائزة «أفضل ديوان شعر عامية» و«مزرعة السلاحف» للشاعر عيد عبد الحليم بـ«أفضل ديوان شعر فصحى»، وفاز كتاب «شغف الترحال: علم السرد المعرفي مدخلاً إلى أدب الرحلة» بجائزة «أفضل كتاب في النقد الأدبي» لدعاء حسن البلكي.

وذهبت جائزة «أفضل كتاب مترجم» إلى «اسمها فلسطين: المذكرات الممنوعة لرحالة إنجليزية في الأرض المقدسة» تأليف آدا جودريتش وترجمة خميلة عبد الحميد، في حين ذهبت جائزة «أفضل ناشر مصري» لـ«دار الربيع»، وجاءت جائزة «أفضل ناشر عربي» مناصفة بين دار «نماء للبحوث والدراسات»، و«منشورات تكوين».

وأوضح ماجد شيحة أن فوزه بجائزة «أفضل رواية» يعني له الكثير من الأشياء، أهمها عودة الأمور إلى نصابها الصحيح في ذهنه، فلسنوات كثيرة اعتقد أن الأدب الحقيقي هو تغريد خارج السرب، لكنه الآن يؤمن أن جميع المبدعين يجب أن يستمروا في الكتابة الجادة والجميلة إلى أن يجدوا التقدير الذي يستحقونه.

وأضاف: «سأعود إلى أولادي اليوم ببرهان أن أباهم لم يكن واهماً بالساعات الطويلة التي يقضيها في الكتابة، وأنهم يجب أن يفعلوا ما يحبونه من دون انتظار للنتيجة».

ورغم أن الرواية حافظت على مكانتها في صدارة خيارات القراء، فإنها شهدت طوال فترة الفعاليات، من 24 يناير حتى 5 فبراير، منافسة شرسة بين كتب الفلسفة والتاريخ والتصوف والذكاء الاصطناعي والتنمية البشرية وعلم النفس، بحسب جولة لـ«الشرق الأوسط» في أروقة المعرض وأجنحته المختلفة وحديثها مع ممثلي أبرز دور النشر. واستمرت في الدورة الجديدة ظاهرة الإقبال الحاشد من جانب المراهقين على روايات الرعب والفانتازيا التي تحمل توقيع مؤثرين في عالم منصات التواصل الاجتماعي، وهو ما حدث في حفل توقيع الكاتب السعودي أسامة المسلم. وعدّ الناقد الأدبي سيد محمود الظاهرة «مؤشراً دالاً على وجود متغيرات جديدة في سوق النشر وذائقة جيل الشباب، خصوصاً من هم دون سن العشرين والذين يأتي كثيرون منهم بصحبة أولياء أمورهم»، مشيراً إلى أن «مثل هذه الظواهر ربما تتضمن حراكاً إيجابياً من حيث الوصول إلى شرائح وفئات من القراء عجزت النخبة الثقافية عن الوصول إليها، بشرط ألا يكون هذا اللون من الكتابة الأدبية هو الوحيد على الساحة أو الأكثر هيمنة». ورأى علي قطب، مسؤول النشر بـ«دار بيت الحكمة»، أن فوز الدار بجائزة «أفضل كتاب مترجم في أدب الطفل» عن سلسلة «المحقق باور - لغز الكلمات النائمة» للمترجمة هاجر فوزي، ينطوي على مسؤولية كبرى تجاه أدب الأطفال وما يتضمنه من قيم ومعانٍ تخاطب الناشئة عبر نصوص مشوقة. وأكد إيهاب الملاح، المشرف العام على النشر بـ«دار المعارف»، أن فرحته لا توصف بفوز كتاب «جينات المصريين» لأحمد حسن، الصادر ضمن سلسلة «اقرأ» قبل ثلاثة أشهر فقط، بجائزة «أفضل كتاب علمي» ضمن جوائز، مشيراً إلى أن هذا هو أول كتاب من إصدارات مؤسسة «دار المعارف» العريقة يفوز بجائزة من جوائز معرض الكتاب منذ تأسيسها عام 1980. وألقى عشرات الشعراء من مختلف الأجيال والبلدان العربية قصائدهم في قاعة «ديوان الشعر» يومياً في تواصل مباشر مع الجمهور، لكن الشاعر فتحي عبد السميع انتقد ما رآه «زيادةً مُبالَغ فيها في عدد الشعراء المشاركين»، مؤكداً أن الأمسية الشعرية في معرض الكتاب يجب أن تقتصر على ثلاثة أو أربعة شعراء لا أكثر.

وأضاف عبر صفحته بموقع «فيسبوك»: «الزيادة تقتل الأمسية ولا تثريها مهما كانت قيمة الشعراء، الاكتفاء بأربعين شاعراً جيداً طوال المعرض يخلق حالة شعرية جيدة، والزيادة تقتل الجميع، وعلى رأسهم الشعر، كما يُقتل المريض ببعض الأدوية يُقتل الشعر بكثرة الشعراء وعدم اختيارهم بعناية».

ورغم أن الشكوى من غلاء أسعار الكتب ظاهرة يتردد صداها في الدورات الأخيرة من المعرض، فإنها تزايدت للغاية في الدورة الأخيرة بسبب وجود «قفزة» في متوسط سعر الكتاب جعلته يتراوح من 200 و400 جنيه؛ وهو ما أثر على مبيعات دور النشر المختلفة.

وفي المقابل، شهدت إصدارات الهيئات الحكومية مثل «الهيئة العامة للكتاب» و«هيئة قصور الثقافة» إقبالاً كبيراً للغاية من ناحية انخفاض السعر وتميز العناوين كما في الموسوعة التراثية «نهاية الأرب في فنون الأدب» المباعة في 33 جزءاً للمؤرخ شهاب الدين النويري و«عيون الأخبار» المكون من جزأين لأبي محمد عبد الله الدينوري و«الكنايات العامة» لأحمد تيمور باشا و«الأدب الكبير والأدب الصغير» لمحمد بن عبد الله المقفع و«حكايات فارسية» للدكتور يحيى خشاب و«هكذا تكلم زارادشيت» للفيلسوف الألماني نيتشه.

عُقدت فعاليات الدورة الـ56 لمعرض القاهرة للكتاب برعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تحت شعار: «اقرأ... في البدء كان الكلمة»؛ وحلَّت سلطنة عُمان ضيف شرف، وتم اختيار الدكتور أحمد مستجير العالم والأديب المصري الراحل، شخصية المعرض، والكاتبة فاطمة المعدول، شخصية معرض كتاب الطفل. كما شهدت الدورة مشاركة 1345 دار نشر من 80 دولة.


مقالات ذات صلة

موهبة فيكتور هوغو في الرسم التي لا يعرفها الكثيرون

يوميات الشرق تقف إحدى العاملات مع العمل الفني «الفطر (1850)» (إ.ب.أ)

موهبة فيكتور هوغو في الرسم التي لا يعرفها الكثيرون

اشتهر الكاتب الفرنسي فيكتور هوغو بتأليف روايتين هما «أحدب نوتردام» و«البؤساء»، لكن ما لا يعرفه الكثيرون هو أعماله رساماً، والتي أصبحت الآن محور معرض جديد في…

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق لوحة تُعبِّر عن الحضارة المصرية القديمة في معرض «البدايات» (الشرق الأوسط)

«البدايات»... معرض «بانورامي» لإبداعات 5 أجيال مصرية

مراحل مختلفة مرَّ بها فنانون من 5 أجيال مصرية، بعضهم احترف الرسم والتصوير وآخرون تخصَّصوا في النحت أو الحفر.

محمد الكفراوي (القاهرة)
يوميات الشرق مدارس فنّية واتجاهات مختلفة تُعبِّر عن  المرأة (الشرق الأوسط)

«سرّ الحياة» يحتفي بصلابة المرأة العربية وحضورها الطاغي

تضمَّن المعرض عشرات الأعمال التي تحتفي بصلابة المرأة العربية ومسيرتها وإنجازاتها، وحضورها الطاغي عبر التاريخ والواقع المعاصر.

محمد الكفراوي (القاهرة )
لمسات الموضة شهد الأسبوع ثلاث بدايات: «دريز فان نوتن» و«جيڤنشي» و«توم فورد»

أسابيع الموضة العالمية لخريف وشتاء 2026 تنتهي في باريس ببدايات جديدة

بدايات جديدة في «جيڤنشي» و«دريز فان نوتن» و«توم فورد» تُوقظ الأمل بولادة عهد جديد

جميلة حلفيشي (لندن)
يوميات الشرق مازن معضّم خلال افتتاح المعرض بمدينته صيدا (فيسبوك)

مازن معضّم لـ«الشرق الأوسط»: مدينتي صيدا لا تُشبه غيرها في الشهر الفضيل

في برنامج «ليالي رمضان» نشاطاتٌ متعدّدة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالشهر الفضيل؛ فتُقام العروض المسرحية الخاصة بالأطفال، تحضُر فيها شخصيات علاء الدين والفوانيس.

فيفيان حداد (بيروت)

البحرين تنعى الفنان التشكيلي عبد الكريم العريّض

الراحل عبد الكريم العريّض من الرواد الذين أسسوا الحركة التشكيلية في البحرين (هيئة الثقافة)
الراحل عبد الكريم العريّض من الرواد الذين أسسوا الحركة التشكيلية في البحرين (هيئة الثقافة)
TT

البحرين تنعى الفنان التشكيلي عبد الكريم العريّض

الراحل عبد الكريم العريّض من الرواد الذين أسسوا الحركة التشكيلية في البحرين (هيئة الثقافة)
الراحل عبد الكريم العريّض من الرواد الذين أسسوا الحركة التشكيلية في البحرين (هيئة الثقافة)

نعت هيئة البحرين للثقافة والآثار، مساء الثلاثاء، الفنان التشكيلي عبد الكريم العريّض، مشيدةً بإسهاماته البارزة في إثراء الحركة التشكيلية في البلاد، وإبداعاته التي وصلت إلى آفاق الوطن العربي والعالم.

وأكّدت الهيئة، في بيان، أن «الساحة الفنية البحرينية فقدت قامةً بارزةً ورائداً من رواد الفن التشكيلي، الذي ساهم بإبداعاته في تشكيل الهوية الفنية للمملكة».

الراحل عبد الكريم العريّض وُلِد عام 1934 في المنامة، التي أحبّها وجسّدها كثيراً في أعماله الفنية. وكان من الرواد الذين أسّسوا الحركة التشكيلية في البحرين، إذ افتتح أول معرض فني خاص به في العاصمة عام 1960، الذي شكّل نقطة انطلاق حقيقية للفن التشكيلي في البلاد.

وتنوّعت إبداعات الراحل بين الرسم التعبيري والتجريدي، وتوثيق الحياة الاجتماعية والتراث الشعبي البحريني، كما عكست أعماله انفتاحه على الفن الأوروبي الحديث. وتميَّز بقدرته الفريدة على التعبير عن موضوعات وقضايا محلية وعالمية، بأسلوب بسيط ومبتكر في آنٍ معاً.

وساهم العريّض في تأسيس جمعيات وتجمعات فنية، من بينها «أسرة هواة الفن»، و«جمعية البحرين للفن المعاصر». ومثّل البحرين في عدة فعاليات ومؤتمرات فنية كبرى محلياً ودولياً. وعُرِضت أعماله في معارض دولية وعربية عديدة. بينها السعودية، والأردن، ومصر، والمغرب، والجزائر، وسنغافورة.

وأصدر الراحل عدة مؤلفات توثق تجربته الفنية وتسلط الضوء على تاريخ وتراث البحرين، أبرزها كتاب «نافذة على التاريخ»، و«حصاد الفن»، و«المنامة خلال 5 قرون». كما حصل على جوائز وتكريمات عديدة عكست مكانته ومسيرته الحافلة بالإنجازات.