الرياض تحتفي بمئوية كتاب «ملوك العرب» لأمين الريحاني

عبد الرحمن الشبيلي: كان أحد مصادر التاريخ السعودي وعلى درجة من الدقة في تدوين الأحداث

أمين الريحاني (الشرق الأوسط)
أمين الريحاني (الشرق الأوسط)
TT

الرياض تحتفي بمئوية كتاب «ملوك العرب» لأمين الريحاني

أمين الريحاني (الشرق الأوسط)
أمين الريحاني (الشرق الأوسط)

يعود المفكر والأديب والمؤرخ والرحالة والشاعر والرسام العربي اللبناني أمين الريحاني، إلى الواجهة مجدداً، بعد 85 عاماً على رحيله، من خلال احتفاء دارة الملك عبد العزيز، بمضيّ قرن على صدور كتابه «ملوك العرب»، الذي يعد خلاصة رحلة المؤرخ الراحل إلى الجزيرة العربية بين عامي 1922 و 1924.

ويرعى الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز، رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، ندوة علمية، تنظمها الدارة، بالتعاون مع مؤسسة أمين الريحاني، الأربعاء 15 يناير (كانون الثاني)، للاحتفاء بمئوية صدور كتابه «ملوك العرب»، وذلك في قاعة الملك عبد العزيز للمحاضرات.

الأمير فيصل بن سلمان بن عبد العزيز (الشرق الأوسط)

ووفقاً للمؤرخ الراحل الدكتور عبد الرحمن الشبيلي، فإن أمين الريحاني يعد أحد مصادر التاريخ السعودي، وكان على درجة من الدقة فيما يتعلق بالمعلومات والأحداث التاريخية، مشيراً إلى أن ابن أخي الأديب المهجري اللبناني أمين الريحاني أصدر عام 2000 كتابه «الرسائل المتبادلة بين الملك عبد العزيز والريحاني»، تناول ومضات الإعلام الخارجي في تلك الرسائل، إذ أبانت الحسّ الإعلامي الفطري عند الملك، واهتمامه بالرأي العام الخارجي، وأشارت إلى تنفيذ الريحاني مبادرات وصيَغ إعلاميّة متقدّمة، إذا ما قيست بظروف عشرينات القرن الماضي ومعاييره، كالمقالات السياسيّة في الصحف اللبنانيّة والمصرية، وإلقاء المحاضرات في الجمعيّات الأميركيّة والكنديّة والأوروبيّة وإذاعتها في الإذاعات، مما قام به الريحاني ودّيّاً بوصفه صديقاً للملك، خدمةً للإعلام السياسي للدولة السعودية الناشئة.

وأضاف الشبيلي في مقالة كتبها في «الشرق الأوسط» نهاية أبريل (أيار) 2018: «وقد وقعتُ على كتابين قديمين -نادرين بالنسبة لي- يتّصلان بسيرة أمين الريحاني وتراثه: الأول؛ أصدره عام 1951 ألبرت، وهو الشقيق الأصغر للريحاني، ونشرته دار الريحاني ببيروت في 570 صفحة، متضمّناً رسائل خاصة أمكن العثور عليها حتى عام صدور الكتاب، تبادلها مع عدد من الساسة والمفكّرين، يقع تاريخ كتابتها بين عام 1896 والعام الذي توفي فيه 1940، وهي تضمّ خمائل من أدب الريحاني، وألواناً من إبداعاته في الفكر والشعر والفن والسياسة والعلوم، وتكشف عن أهوائه وهواياته، وهمومه وآلامه وتجلّياته، وتعرض جوانب من شخصيّته، وهي أولاً وأخيراً، لون متميّز معروف في التراث العربي (أدب الرسائل) وقد أضاف إليها ابن أخيه عام 2000 مخاطبات عمّه مع الملك عبد العزيز، كما سبق».

غلاف كتاب «ملوك العرب» الذي سيحتفى بمضي 100 عام على صدوره

وزاد بالقول: «أما الكتاب الثاني؛ فهو بالغ الأهميّة كذلك، صدر عام 1979 بمناسبة الذكرى السنويّة لمولد الريحاني (عام 1879) واعتنى بإصداره أخوه ألبرت أيضاً، ويتضمّن فهارس بيبلوغرافيّة في 550 صفحة، لمجمل ما نُشر عن الريحاني ومنه حتى ذلك العام، في المطبوعات العربيّة والأجنبيّة في الشرق وفي المهجر، نشرته المؤسّسة العربيّة للدراسات والنشر في بيروت».

وشدد على أنه «رغم قِدَم الكتابين، وأنه مضى على صدورهما حين من الزمن، فإِنهما يُشكّلان ذخيرة نفيسة لمن يسعى للاطّلاع على تراث هذا الأديب العربي الكبير، الذي توفي في حادث سقوطه من دراجة في بلدته (الفريكة) بلبنان عام 1940 عن 63 عاماً، ولا غنى لمن يعمل على سيرته والتنقيب في أعماله عن كتابيه المشار إليهما، ولا يملك من يطّلع عليهما إِلا أن يتمنّى تحديثهما، وإضافة ما جدّ عليهما خلال العقود الماضية».

ومع أن الريحاني لم يُعمّر طويلاً، وأنه أمضى زهرة شبابه في المهجر (أميركا)؛ فإنه مع بداية العشرينات زار الحجاز ونجداً وعدداً من الدول العربيّة والأوروبيّة، واتّصل بكثير من القادة والساسة، وراسلهم وكوّن صداقات معهم، ومن بينهم الملك عبد العزيز، والشريف حسين بن علي، ملك الحجاز، ويحيى حميد الدين، إمام اليمن، وأحمد الجابر الصباح، أمير الكويت، وسلمان آل خليفة، أمير البحرين، وفيصل الأول، ملك العراق، ومن المفكّرين العرب جرجي زيدان، وأحمد شوقي، ومحمد كرد علي، وبشارة الخوري (الأخطل الصغير) وغيرهم.

وذكر الشبيلي أن من مؤلّفاته النثريّة والأدبيّة الثلاثين، والخمسة والعشرين بالإنجليزيّة، كتابين اثنين، هما؛ ملوك العرب (1924 - جزآن) وتاريخ نجد الحديث (1927)، والثاني يُعدّ قطعة من تاريخ السعودية، وعلى درجة من الدقّة فيما يتعلّق بالمعلومات التاريخيّة، بحكم أنه استقى كثيراً منها برواية الملك عبد العزيز نفسه، وكان الملك يطّلع على تطوّر إصداره، ومرتاحاً لما تضمّنه من مواد، وإن كانت تردّدت شبهات حول زيادات فيه من تصرّف الريحاني، قد تكون ناتجة عن غيرة، كما يحدث أحياناً بين المتنافسين.

وحسب الزركلي، فإن للريحاني كتاباً ثالثاً نشره بالإنجليزيّة بعنوان «ابن سعود ونجد»، صدر بعد عام 1927، ومما ذكرته الجريدة الرسميّة السعودية «أم القرى» عن الريحاني، حضوره عام 1926 استقبال أعيان الحجاز للملك عبد العزيز، في منزل الشيخ محمد حسين نصيف، عند مَقدمه لأول مرّة، وإلقاء كلمة فيه.

استمر التواصل واللقاءات بين الملك عبد العزيز والريحاني نحو عشرين عاماً، تدور مراسلاتهما حول النزاع بين السعوديين والأشراف في مطلع العشرينات، والأحداث الحدوديّة الجارية مع اليمن في أوائل الثلاثينات، وحرص القيادة السعودية على إطلاع الرأي العام الداخلي والخارجي بصراحة وموضوعيّة على مجريات تلك الأحداث أوّلاً بأول، كما كان يتلقّى التأكيد على إيلاء القضيّة الفلسطينيّة الاهتمام الواجب، وذلك قبل نشوء دولة الاحتلال بأعوام.

هدف كتاب «ملوك العرب» إلى التعريف بسِيَر ثَمَانيَة من قادة العرب، من خلال معرفة المؤلّف بهم، فيما تطرّق كتابه الثاني «تاريخ نجد الحديث» إلى سيرة الملك عبد العزيز، وتاريخ الدولة الجديدة التي جمع شتاتها، وأنه بصدد إعلان توحيدها سياسياً في دولة واحدة (1932) وقد استقى المؤلّف كثيراً من التفاصيل من الملك مباشرةً كما سلف، فضلاً عن نشر الوثائق والرسائل التي كانت بحوزة المؤلّف، وتَحَرّى الدقّة في ضبط أسماء الأعلام والبلدان، كما ضمّ الكتاب ثلاث نُبَذ عن نواحي نجد، والوهابيّة، والأسرة السعودية الحاكمة.

وبعد؛ لعل مما يُسجّل دليلاً على حنكة الملك عبد العزيز، ضمن جهوده في تأسيس الدولة طيلة مدّة حكمه (54 عاماً) أنه أحاط ديوانه بمستشارين رسميين من جميع الأقطار العربيّة (منهم يوسف ياسين من سوريا، ورشدي مَلحَس من فلسطين، وفؤاد حمزة من لبنان، وحافظ وهبة من مصر، وعبد الله الدملوجي ورشيد عالي الكيلاني من العراق)، وبأصدقاء مفكّرين (منهم عبد الله فيلبي من بريطانيا، ومحمد أسد من النمسا، وأمين الريحاني من لبنان)، فضلاً عن نخبة من المستشارين المثقفين السعوديين (منهم أحمد بن ثنيّان آل سعود، وعبد الله بن عبد الرحمن آل سعود، وخالد السديري، وإبراهيم المعمّر، وحمزة غوث) يلتقيهم كل يوم، ويناقش آراءهم، ويتخاطبون معه مباشرةً، ومع ذلك يكون الرأي الأخير له، والقرار إرادته، ومن هنا صارت له الغَلَبة والتوفيق، بفضل الحكمة والدهاء والمشورة والثقة بالنفس.


مقالات ذات صلة

الإعلان عن «مهرجان أبوظبي الثقافي 2025» تحت شعار «أبوظبي: العالم في مدينة»

ثقافة وفنون يسعى «مهرجان أبوظبي 2025» إلى تقديم تجربة ثقافية شاملة تشمل الموسيقى الكلاسيكية والأوبرا والباليه والمعارض التشكيلية (الشرق الأوسط)

الإعلان عن «مهرجان أبوظبي الثقافي 2025» تحت شعار «أبوظبي: العالم في مدينة»

أعلنت مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون عن برنامج الدورة الثانية والعشرين من «مهرجان أبوظبي 2025» الذي سيقام تحت شعار «أبوظبي: العالم في مدينة».

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
العالم الدكتور زهير الحارثي أمين عام المركز خلال الحفل (كايسيد)

«كايسيد»: نستثمر في مستقبل أكثر سلاماً

أكد الدكتور زهير الحارثي، أمين عام مركز الحوار العالمي «كايسيد»، أن برامجهم تستثمر في مستقبل أكثر سلاماً بجمعها شخصيات دينية وثقافية لتعزيز الحوار والتفاهم.

«الشرق الأوسط» (لشبونة)
ثقافة وفنون جانب من الحضور في المؤتمر (بيت الفلسفة)

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يؤكد مراعاة خصوصية المشكلات الفلسفية في منطقة الخليج

أكد البيان الختامي لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة في دورته الرابعة، الذي اختُتم اليوم، إقامة مشروع بحثي فلسفي يدرس نتاج الفلاسفة العرب وأفكارهم وحواراتهم.

ميرزا الخويلدي (الفجيرة)
ثقافة وفنون الدكتور أحمد البرقاوي والدكتور عبد الله الغذامي في الجلسة الأولى لمؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة... وأدار الجلسة الدكتور سليمان الهتلان (تصوير: ميرزا الخويلدي)

مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة يناقش «النقد الفلسفي» وتشكيل المستقبل

تحت عنوان «النقد الفلسفي» انطلقت، صباح اليوم، فعاليات مؤتمر الفجيرة الدولي للفلسفة بدورته الرابعة، الذي يقام بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة.

ميرزا الخويلدي (الفجيرة)
يوميات الشرق منحوتاته تعكس صمود نساء يثابرن رغم ما يُعرقل (كارين أخيكيان)

الأرميني كارين أخيكيان لـ«الشرق الأوسط»: منحوتاتي صوت معارك النساء

كارين أخيكيان نحّات من أرمينيا، تستكشف أعماله موضوعات الصمود والعواطف المركَّبة. باستخدامه أسلاك الحديد والنحاس، يبتكر منحوتات تعكس تخبُّط الروح وإنجازاتها.

فاطمة عبد الله (بيروت)

سحر الموجي: إنني مهمومة بالكتابة عن لحظات التحوّل في حياة البشر

سحر الموجي
سحر الموجي
TT

سحر الموجي: إنني مهمومة بالكتابة عن لحظات التحوّل في حياة البشر

سحر الموجي
سحر الموجي

تولي الكاتبة والروائية المصرية سحر الموجي اهتماماً خاصاً في أعمالها بتأمُّل العالم الإنساني وتحوّلاته من منظور وجودي ونفسي يتسع للأسطورة وبراح التخييل. تعمل الموجي أستاذةً للأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة، ولها اهتمامات بعروض فن «الحكي»، ومجال «السيكودراما».

من أبرز أعمالها مجموعة «سيدة المنام» و«ن»، التي حصلت على جائزة «كفافيس» 2008، ورواية «مسك التل» التي فازت بجائزة «ساويرس» الثقافية 2019.

هنا حوار معها حول عالمها الروائي وهموم الكتابة:

* استلهمتِ شخصية «كاثرين» بطلة «مرتفعات ويذرنغ» و«أمينة» من عالم نجيب محفوظ، لتكونا بطلتَي عالم «مسك التل» الخيالي. كيف تعاملتِ مع تداخل أزمنة القراءة والكتابة في هذه الرواية؟

- أحب ألعاب الزمن، وربما اكتشفتُ هذا الأمر بعد الانتهاء من كتابة «مسك التل»؛ فأنا مغرمة بهذه الألعاب، وعلاقتي ببطلتَي الرواية مرتبطة بزمن قراءة ممتد عبر السنوات، فقد تعرفت على «كاثرين»، منذ قرأت «مرتفعات ويذرنغ» وأنا طفلة، وعندها أبهرني هذا المكان ببريّته وشخصياته الخارجة عن السياق. وفي عام 1999، زُرت بيت «برونتي» في إنجلترا لأقترب من هذا العالم من جديد في زمن آخر. كانت تجربة مختلفة جداً أن أشاهد ملابسهم وحجم أجسامهم الضئيل، كما درست هذا العمل الأدبي عندما كنتُ طالبة في كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية. وبعدها بسنوات قمت بتدريسه للطلبة؛ لذلك هو نص أدبي ممتد على مدار عمري. أما شخصية «أمينة»، فلديَّ معها تساؤلات كبيرة. طالما استوقني نقدياً رسم شخصيتها، بعكس تعقيد شخصية «السيد أحمد عبد الجواد». كانت «أمينة» بسبب الوعي النسوي المبكر في عمق اهتمامي بكيفية تقديم الأدب للنساء، وأصواتهن، ليس أبداً من باب فكرة الانتصار لهن، ولكن لفهم هزيمتهن؛ لذلك لحظة التفكير في جمع «كاثرين» و«أمينة» في نص جديد كانت لحظة سحرية بالنسبة لي.

* ما الرابط الذي جعلكِ تجمعين بينهما في نص جديد؟

- لم أكن أعلم السبب بدقة مع بداية كتابتي للعمل. ومع الكتابة أدركت أن ما يجمع بينهما علاقتهما بالسياقات المجتمعية، كيف أن «كاثرين» تقمع الجانب البري في شخصيتها وتستسلم لما يتطلبه منها المجتمع الفيكتوري، وتهزم نفسها بالاستسلام للمتوقَّع اجتماعياً منها، وتدفع ثمن هذا بموتها، وكذلك علاقة «أمينة» بالمتوقَّع منها في علاقتها بالسياقات المجتمعية في الجزء الأول من «الثلاثية» ورضاها عنه، وكيف أنها لا ترى في ذلك أي انسحاق، وهذا ما عبَّرت عنه في شخصيتها في «مسك التل» بأنها راضية وسعيدة بأداء هذا الدور الذي نراه نحن انسحاقاً. كان التحدي بالنسبة لي هو منحهما فرصة لحياة جديدة لهما دون أن أُخلّ بالروايتين.

أنا شخصياً عشتُ أكثر من حياة واحدة؛ كنتُ في لحظة أُشبِه «أمينة» التي تُصدق تماماً ما يقوله المجتمع، وفي لحظة أخرى تمردتُ وخرجت عن هذا المتوقَّع؛ فتمردت على «أمينة» التي بداخلي. منذ تلك اللحظة، وأنا أسأل نفسي عندما تقابلني أي فكرة: هل هذه فكرتي الخاصة أم أنها فكرة المجتمع، ورغم أنني عشتُ حيوات متعددة فإن هناك جوهراً لا يغادرني رغم الطفرات الهائلة التي لحقت بالوعي والاختيارات والشخصية، ومن ثم تبلور السؤال الوجودي الذي يحركني في النص حتى لو لم أكن واعية به لحظة كتابته؛ وهو سؤال: ماذا سنكون لو عشنا أكثر من زمن؟

*هل فكرتِ في أن تكون هذه الرواية بمثابة عالم نسوي مُصغّر؟

- سُئلت في مناقشات حول «مسك التل»: «أين الرجال في النص؟»، وفي الحقيقة لم أكن مُتعمدة هذا، لكن كان يشغلني رؤية العالم بعيون نساء، وأعتقد أن هذا سؤال كبير، هو سؤال الأدب نفسه، فعلى مدار نحو 200 سنة اتسع النهر الذي يجمع كتابة النساء عن أنفسهن والعالم، ومع ذلك ليس لدى كل الكاتبات وعي نسوي.

* هناك من يعتبرن أن الكتابة النسوية تشكل تضييقاً لزاوية رؤية العالم، وهناك مَن يتبرأن منها؛ هل تتعمدين الكتابة بهذه النزعة؟

- لا أتعمد ذلك أبداً، فالكتابة ترجمة لعالم الكاتب عبر التخييل، وبها تظهر همومه وأسئلته التي يطرحها عبر شخصيات مُتخيَّلة. بالنسبة لي لدي وعي نسوي مبكر منذ كان عمري 20 عاماً، لكن في البحث الأكاديمي أستطيع أن أوظِّف النقد النسوي في قراءة عمل، فيما الأمر مختلف في الكتابة الأدبية التي أعتبرها حكاية تطرح أسئلتي أنا؛ كسؤال الموت والزمن وصوت النساء، أسأل نفسي مثلاً: ماذا لو أخذت «أمينة» فرصة حياة أخرى؟ رضوى عاشور على سبيل المثال كانت تقول إنها ليست كاتبة نسوية، وذلك لأن ما كان يُحركها في الكتابة هو قضايا اليسار. أنا لا أريد إثبات شيء أو الانتصار لشيء، ولدي مساحات أخرى تنخرط مع الواقع للتعبير عن قضايا النسوية، مثل ورش العمل. أما منطقة الكتابة فيجب أن نتنبه ألا يكون بها إسقاط أو آيدولوجيات؛ فهاك خط فاصل بين الأسئلة الوجودية والآيدولوجيا.

* الأسطورة، وتحديداً المصرية القديمة، لها حضور بارز في أعمالك، أتذكر حضور «إيزيس» في مجموعتك «سيدة المنام»، و«حتحور» في رواية «ن». حدثينا عن ذلك.

- أنا مهتمة بفكرة زواج الأسطورة وعلم النفس، بالنسبة لي الأسطورة تمنحنا إجابات عن كثير من أسئلة عالمنا الباطني؛ فشخصية «إيزيس» في «سيدة المنام» كانت تلك الذات الأنثوية التي تُعيد ولادة نفسها من جديد، وتعيد رؤية نفسها في مواجهة ما رسخّت له الأسطورة؛ ففي وقت «سيدة المنام» كنتُ أسأل نفسي: لماذا تم الترويج لـ«إيزيس» في الوعي العام بوصفها الأم والزوجة المخلصة وليست كسيدة «قوية» جداً، من دونها لن تكون هناك أسطورة من الأساس؛ فأردتُ في قصتي أن تُلملم «إيزيس» أشلاءها دون استسلام للتأويل العام للأسطورة، وفقاً لقراءات غارقة في مؤسسية بطريركية ورأسمالية وغيرها، أما رواية «ن» فشخصية «حتحور» الربّة المصرية القديمة هي عمودها الفقري: «حتحور» جزء منا جميعاً، بما في ذلك رغبتنا وقدرتنا على الحب والحرية، علاوة على رغبتي في مدّ الجذور لإرث يخصني بشكل شخصي بالاتجاه للأسطورة المصرية القديمة.

* ربما بسبب ذلك، وعلى المستوى الفني، كان لشخصية «حتحور» دور مركزي كراوٍ عليم وشاهد على تحوّلات الحكاية.

- الأسطورة مكان مرن ورحب، لأنها بالأساس منطقة تخييل، بعكس التاريخ الذي يكون مُقيداً بشكل أكبر. الأسطورة شكل للحكي الشعبي: «حتحور» في رواية «ن» كانت بمثابة راوٍ عليم ومُشارِك ومشتبك مع الشخصيات؛ لذلك هي شخصية مُحرِكة للنص، وهذا كان مُرضيا فنياً بالنسبة لي، وجعلني أخلق نسخة روائية لـ«حتحور» تخصني تعبر عن تلك اللحظة من الزمن. كنت ألعب مع الأسطورة في ملعب أكبر، لم تكن مواصفات «حتحور» تؤهلها فقط لأن تكون سارِدة للنص، لكنني أيضاً لاحظتُ أنها لم تحظَ بشعبية داخل الأسطورة المصرية القديمة، في مقابل «إيزيس»، على سبيل المثال، وأردت أن أنتصر لها من هذا التهميش.

* هل تؤرِقك مسألة الإصدار المُتباعد لأعمالك الأدبية؟

- أحتاج إلى وقت طويل كي أصدّق العالم الذي أخلقه، كي أصدق مثلاً أن هناك «بيت سيرنت»، وقد طرحتُ على نفسي هذا السؤال قبل ذلك، وتصالحتُ مع واقع أنني غير مهتمة بمنطق الكمّ؛ فما الذي يُكرسه لديَّ الكم؟ أريد أن أكون راضية عن مستوى أعمالي وليست لدي تطلعات في مسألة عددها؛ فالحياة منحتني أكثر مما تخيّلت، ورهاناتي الفنية والإنسانية بعيدة عن توقعات العالم الذي يرى أن الكاتب يجب أن يكون له عمل روائي جديد على فترات متقاربة، كما أنني أريد أن أنتصر للحياة، مثل عملي وشغفي بالتعلُّم.

*هل كان لذلك علاقة بدراستك لمجال «السيكودراما»؟ وهل رأيتِ أنه سيكون مرتبطاً بمشروعِك الأدبي؟

- أذكر أنني في عام 2010 سُئِلت في إنجلترا عن ماهية الموضوع الذي أكتب عنه، استغربت هذا السؤال، ولكنني عندما تأملت كتاباتي اكتشفت أنني مهمومة بالكتابة عن لحظات التحوّل في حياة البشر، وبعد سنوات عندما التحقت بورش «السيكودراما»، عام 2013، سُئِلت عن سبب انضمامي لها؛ فقلت إنني أعتقد أن هناك رابطاً بين مشروعي في فن «الحكي» وهذا المجال، ولكنني بعد سنوات من دخولي هذا المجال ودراسته علمياً اكتشفت أنني أصبحت أشهد بنفسي لحظات تحوّل في حياة بشر، وأنني أساعدهم في ذلك، فربما هناك عامل مشترك في فكرة تأمل لحظات التحوّل عبر الكتابة والسيكودراما، ولكن السيكودراما تجعلني أشهد ذلك بشكل مباشر، تماماً مثل فكرة آنية الاستقبال في المسرح.

* هل يمكن أن تكتبي عن تجربة السيكودراما أو حتى استلهامها في عمل روائي؟

- البعض تصوّر أن «مسك التل» كان بها تأثيرات من فكرة السيكودراما، لكن في الحقيقة أنني كتبتُ هذه الرواية قبل التحاقي بهذا العالم. أما النص الروائي الذي أعمل عليه حالياً منذ 4 سنوات فبه أعمدة واضحة من السيكودراما.

قبل السيكودراما كانت لدي رحلة طويلة داخل عالمي الداخلي استغرقت نحو 20 عاماً، لذلك فإن السنوات الثلاث التي قضيتها في دراسة نظرية وعملية لهذا المجال أجدها تستحق، حتى لو كنت فكرتُ أنني كان يمكنني خلال هذه الفترة أن أنجز عملاً روائياً فيها.

* لديكِ حضور بارز في مشهد مناقشات الإصدارات الجديدة، وكذلك في لجان التحكيم، كيف تقدرين حالة الصخب التي تواكب كثافة النشر خلال السنوات الأخيرة؟

- من وجهة نظري، فإن أبرز انعكاسات عشوائية المشهد أن هذا الكم من الأعمال الأدبية لا يتناسب إطلاقاً مع القراءات النقدية الموازية، علاوة على أنني ألاحظ صدور كتابات متسرعة، ربما بسبب سهولة النشر إلى حد ما. أما بالنسبة للجوائز فأنا مع جوائز المجتمع المدني ولا أثق في الجوائز الحكومية. وما يقلقني هو أن يكتب الكاتب وعينه على شروط أو مواصفات جائزة بعينها، وألا يكون رهانه الكتابة نفسها. أعرف أنه جهاد حقيقي للنفس؛ أن يخوض الكاتب هذه المعركة مع نفسه، ولا ينشغل بماذا تريد جائزة معينة، أو ماذا يريد الغرب، كل تلك الأسئلة يجب أن يحسمها الكاتب مع نفسه.

وأعتقد أن تجربة الكتب «غير الروائية» من التجارب التي يجدر تسليط الضوء عليها، مثل كتاب إيمان مرسال «في أثر عنايات الزيات» كان له دور في دفع هذا النوع من الكتابة، وأرى أنها تحمل رحابة فنية كبيرة، وألعاباً فنية وحركة في الزمن، وهو لون فني مهجور نسبياً في مقابل كثافة الإنتاج الروائي على سبيل المثال.