عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

المشهد العربي عموماً لا يهتم بالرواية الشعبية

 نوبوكوف
نوبوكوف
TT

عبده خال كاتب رواية بوليسية... هل توقف نموه؟

 نوبوكوف
نوبوكوف

كنت أتهيأ للكتابة حين باغتتني رغبة في تصفح محتوى صفحة «الثقافة» في جريدة أجنبية. فوقع بصري، لحظة انبساط محتواها أمامي، على عنوان مُرَكبٍ من جزأين؛ الجزء الأول «مُلائِمَةٌ للقراءةِ في ليالي الشتاء»، وعرفت من الجزء الثاني أن الملائِمَةَ للقراءة هي عدد من روايات الجريمة يقترح مُعِدُّوها الاستمتاع بقراءتها في عطلة «الكريسماس». تلك قائمة لا أتوقع أن تقترحها الصحافة الثقافية العربية. «يا للمصادفة الغريبة» قلت في داخلي، فالمقالة التي كنت أنوي كتابتها تتمحور حول رواية الجريمة، أو الرواية البوليسية؛ لا أُفرقُ هنا بين النوعين. وكان للمصادفة امتداد آخر، إذ فرغت، وقبل قراءة تلك القائمة، من قراءة روايتين، هما روايتا جريمة «فسوق» لعبده خال، و«اللص والكلاب» للروائي العربي الكبير نجيب محفوظ.

عبده خال

ثنائية الركض والزحف

ركضت عبر «فسوق» عبده خال لأنها كانت القراءة الثانية، أو الثالثة؛ ووجدت في تعليقاتي وشخبطاتي في هوامش صفحاتها ما يغني عن قراءتها زاحفاً. أما أثناء قراءة رواية محفوظ، وكانت القراءة الثانية، كنت القارئ المتأني والبطيء لأنني لم أستطع مقاومة الرغبة في تفحص التقنية السردية فيها، ورصد لعبة الضمائر التي لا بد أن محفوظ استمتع بها أثناء الكتابة، واستمتع باستباق تلاعبه بالقارئ المحتمل بانتقاله من ضمير إلى آخر على نحو قد يجعل القراءة بطيئةً، أومُشوِشَّةً لبعض القراء.

يبدأ الفصل الأول بصوت السارد العليم - المحدود - بضمير الغائب: «مرة أخرى يتنفس نسمة الحرية، ولكن الجو غبار خانق وحر لا يُطاق. وفي انتظاره وجد بدلته الزرقاء وحذاءه المطاط، وسواهما لم يجد في انتظاره أحداً» (5). وابتداءً من الكلمتين الأخيرتين من السطر الثامن، يتحول ضمير الغائب إلى ضمير المخاطب المثنى، إلى صوت سعيد مهران مُخاطباً زوجتة سابقاً وزوجها الغائبين: «نبوية عليش، كيف انقلب الاسمان اسماً واحداً؟ أنتما تعملان لهذا اليوم ألف حساب، وقديماً ظننتما أن باب السجن لن ينفتح، ولعلكما تترقبان في حذر» (5)، ثم إلى ضمير المتكلم «ولن أقع في الفخ، ولكني سأنقض في الوقت المناسب كالقدر» (5). وقبل نهاية الصفحة بسطرين، يتحول الخطاب إلى مونولوغ داخلي بضمير المُخاطب المفرد: «استعِن بكل ما أوتيت من دهاء، ولتكن ضربتك قوية كصبرك الطويل وراء الجدران» (5). وفي مكان آخر فيما بعد، يلتقي ضميرا المتكلم والمخاطب الجمع معاً في كلام سعيد مهران، وهو يتحدث إلى مستشارين متخيلين في محاكمة متخيلة: «لست كغيري ممن وقفوا قبلي في هذا القفص، إذ يجب أن يكون للثقافة عندكم اعتبار خاص، والواقع أنه لا فرق بيني وبينكم إلا أني داخل القفص وأنتم خارجه...» (100). من المستبعد ألا يتذكر البعض همبرت همبرت في رواية فلاديمير نابوكوف «لوليتا» وهو يخاطب المحلفين أثناء محاكمته. اللافت في الأمر أن سعيد وهمبرت «بطلان» مضادان «antiheroes»، ومُبَئِران، وساردان إشكاليان غير موثوقين في روايتي جريمة؛ سعيد مهران لص وقاتل، وهمبرت همبرت «بيدوفايل/pedophile/ المنجذب جنسياً للأطفال» وقاتل. مأزق أخلاقي يجد القارئ نفسه مُسْتَدْرَجاً إلى التورط فيه في حال تماهيه مع الشخصية جراء تقلص أو تلاشي المسافة الجمالية بينه وبينها.

البداية المُزاحة بالاستطراد

هنا البداية الأولى، الأصلية، للمقالة، وقد أزاحها إلى هذا المكان الاستطراد السابق، ولا أخفي أنني مِلْتُ إلى الاسترسال فيه. البداية الأصلية: الروائي والأكاديمي موكوما وانغوغي ودعوته في «نهضة الرواية الأفريقية» إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للقص الشعبي ومنه الرواية البوليسية؛ «جائزة القلم الذهبي» بكونها، في الأساس، مشروعاً يرفع القص الشعبي العربي من الهامش ويُنزله في المركز وبؤرة الاهتمام في المشهد الأدبي؛ ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية عن الرواية البوليسية في العالم وخُلُوِّه من أي ذكر لرواية بوليسية عربية واحدة، ثلاثة عوامل شكلت دافعاً على الكتابة عن الرواية البوليسية، وعن عبده خال، الذي أراه مشروع كاتب رواية بوليسية يعيش في كمون، أو لأقل، في حالة «توقف نمو» (ARRESTED DEVELOPMENT)، بغض النظر عمّا إذا كان يرى نفسه كذلك أم لا. الأمر مجرد رأي شخصي.

وانغوغي... الانحياز إلى الرواية البوليسية

بالإضافة إلى مناداته باعتبار الكتابات المبكرة - ما قبل جيل ماكيريري - جزءاً لا يتجزأ من «الخيال الأدبي والنقدي الأفريقي» (نهضة الرواية الأفريقية، 34)؛ دعا وانغوغي إلى فتح التقليد الأدبي الأفريقي للأدب المكتوب باللغات المحلية وللأدب الشعبي، مؤكداً على الرواية البوليسية بالذات، واصفاً مجيء أدباء ماكيريري بأنه مثل «تسونامي أدبي» طمر الكتابات المبكرة «تحت سيل من الروايات الواقعية» التي كتبوها بالإنجليزية. وكانت قوة وزخم حركتهم السبب في إخفاق النقد الأدبي في استرداد الحقبة الأدبية المبكرة. لقد أرسى أولئك الأدباء تسلسلاً هرمياً «يعلي شأن كل ما هو أدبي على الفنون الشعبية» (253)، بينما الفجوة بين الأدبي والشعبي، في رأيه، مجرد تباينات سطحية، لا تعني له ولجيله شيئاً ذا بال، فهم يقرأون «الأدب جنباً إلى جنب الأدب الشعبي» أو يقرأون «ما هو أدبي مع ما هو شعبي في آن معاً» (255). ويرى أن النقد الأدبي الأفريقي الملتزم بالخط الفكري الممتد من تشينوا أتشيبي إلى تشيماماندا أديتشي كاذب ومزيف، وأنه ومجايليه يتطلعون إلى نقدٍ أدبي يتيح لهم قراءة الأعمال الأدبية لشكسبير وأتشيبي ونغوغي وا ثيونغو، على سبيل المثال، إلى جانب الروايات الشعبية والبوليسية.

الرواية الشعبية من الهامش إلى المركز

لا اسم في الذاكرة الأدبية العربية لناقد أو روائي أو أكاديمي عربي دعا، مثل وانغوغي، إلى الالتفات نقداً أو بحثاً إلى الرواية الشعبية العربية، فالمشهد العربي عموماً يشيح باهتمامه واعترافه بها عنها، وإن ينظر إليها فبنظرة دونية، باعتبارها أدباً من الدرجة الثانية، أو ليست من الأدب على الإطلاق. وكان الوضع سيستمر لو لم يطرح المستشار تركي آل الشيخ مشروع «جائزة القلم الذهبي»، لينقلها من الهامش إلى المركز، مثيراً بذلك موجات من التصفيق والترحيب، مقابل «حلطماتِ» وهمهماتِ رفضٍ لم يجرؤ على رفع صوته في وجه المشروع. الوضع سيكون مختلفاً تماماً لو لم يكن «الرسمي» مصدرَ القرار والتنفيذ لمشروع «القلم الذهبي».

في مقالته الموسومة بـ«جائزة القلم الذهبي وصناعة مشهد مختلف» المنشورة في مجلة «القافلة» (نوفمبر/ديسمبر 2024)، يكتب الأستاذ الدكتور حسن النعمي أن «جائزة القلم الذهبي»، «فريدة من نوعها في بناء جسور التلاقي بين الرواية والسينما» (31). ما أراه هو أن فرادة وتميز الجائزة ينبعان أساساً من التفاتها إلى المهمش، أو حتى غير المعترف به؛ القص الشعبي بطيف أنواعه. القص الشعبي هو الأساس والقواعد التي تبني عليها الجائزة «جسور التلاقي بين الرواية والسينما»، وما الرواية الأدبية «الواقعية» سوى مضاف إلى الجائزة على نحو استدراكي وعرضي.

وأتفق مع الدكتور النعمي في أن الجائزة ستصنع مشهداً مختلفاً، بيد أنه اختلاف من المحتمل أن يدفع، وعلى نحو لافت، بالقص الشعبي عموماً، والرواية البوليسية خاصة، إلى الواجهة، ما قد يؤدي إلى دخولها في مجال رادارت الصحافة والنقد. فتخرج الرواية البوليسية العربية من جب غيابها الملحوظ الذي ناقشته الصحافة العربية، وكُتِبَ عن أسبابه مراراً وتكراراً، قبل أن يتأكد - غيابها - عالمياً، أيضاً، من خلال ملف صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية (جولة حول العالم عبر 80 رواية بوليسية). وكان عبده وازن (إندبندنت عربية) وباقر صاحب (جريدة «الصباح»)، ممن كتبوا عن هذا الغياب الذي وصفه وازن بالفادح.

غياب الرواية البوليسية في «المجلة العربية»

لم تسعفني ذاكرتي إلا برواية محلية واحدة (فسوق) عبده خال وأنا أفكر فيما أشارك به في ملف «المجلة العربية» عن غياب الرواية البوليسية العربية (نُشر الملف في 1/4/2011). «فسوق» رواية بوليسية بامتياز حتى وإن لم يصرح مؤلفها بأنها كذلك، لاحتوائها على عناصر الرواية البوليسية الثلاثة: الجريمة، نبش قبر جليلة محسن الوهيب وسرقة جثتها ومضاجعتها؛ «المجرم/السارق، داود الناعم/شفيق الميت»؛ التحقيق والقبض على المجرم. أو وفقاً لتنظير تزفيتان تودوروف في «تصنيف القص البوليسي»، يتألف المتن الحكائي في «فسوق»، كما في أي رواية بوليسية، من القصة الأولى، وهي سرقة جثة جليلة، والقصة الثانية، قصة التحقيق المنتهية بالتعرف على من سرق الجثة ليمارس معها «النكروفيليا». القصة الأولى، كما يُنَظِّر تودوروف، تحكي ما يحدث بالفعل، بينما تشرح الثانية، قصة التحقيق، «كيف عرف القارئ أو السارد» عنها. بالتحديد تنتمي «فسوق» إلى النوع المعروف باسم «police procedural»، القص البوليسي الذي تأخذ فيه إجراءات وأساليب عمل الشرطة موقعاً مركزياً في البنية والثيمات والحدث كما يوضح جون سكاغز في كتابه «قص الجريمة».

لم يخطر ببال عبده خال أنه سيصبح ذات يوم عضواً في لجنة تحكيمٍ روايات جريمة/بوليسية جزءٌ من مهمتها. ربما يحفزه هذا على السماح لكاتب «فسوق» في داخله بالنمو والتطور، ليكتب روايات بوليسية أخرى.

* ناقد وكاتب سعودي



دلايات ودبابيس جنائزية من الإمارات

قطعتان من رأس الخيمة تقابلهما قطعة من أبوظبي وأخرى من الشارقة
قطعتان من رأس الخيمة تقابلهما قطعة من أبوظبي وأخرى من الشارقة
TT

دلايات ودبابيس جنائزية من الإمارات

قطعتان من رأس الخيمة تقابلهما قطعة من أبوظبي وأخرى من الشارقة
قطعتان من رأس الخيمة تقابلهما قطعة من أبوظبي وأخرى من الشارقة

كشفت أعمال التنقيب في الإمارات العربية المتحدة عن سلسلة كبيرة من المدافن الأثرية حوت كثيراً من الحلي والمجوهرات المصوغة من الذهب والفضة والنحاس والبرونز والرصاص. تبرز في هذا الحقل مجموعة ذات أشكال حيوانية، صُنعت من سبيكة الإلكتروم المكونة من الذهب والفضة، على شكل دلايات أو دبابيس من نوع «البروش»، رافقت أصحابها الراقدين في مثواهم الأخير.

تعود هذه الحلي إلى الألفية الثانية قبل الميلاد، وتشهد لتقليد فنّي محلّي خاص، يتجلّى في تكوين أشكالها المجسّمة كما في صياغتها المتقنة.

أشهرها قطعة من محفوظات متحف رأس الخيمة الوطني، مصدرها مقبرة تقع في منطقة ضاية، شمال مدينة الرمس التي تشكل في زمننا المفتاح الشمالي لإمارة رأس الخيمة. كشفت عن هذه المقبرة بعثة ألمانية خلال السنوات الأخيرة من ثمانينات الماضي، وتبيّن أنها مقبرة يبلغ طولها 9 أمتار، وعرضها 4.4 أمتار، وقيل يومها إنها أكبر المقابر التي تمّ الكشف عنها في رأس الخيمة، وتعود إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وقد فقدت كثيراً من مكونات أثاثها بسبب تعرّضها لأعمال السرقة والنهب، واستخدام جزء كبير من مساحتها كمأوى للأغنام. حوى هذا المدفن مجموعة من القطع الفخارية والأواني الناعمة، إلى جانب مجموعة من الأدوات المعدنية، ومجموعة من الحلي المتعدّدة الأنواع. وضمّت هذه المجموعة من الحلي قطعاً بدا أنها دلايات تجمع بين الذهب والفضة والكهرمان، صيغت على شكل مجسّمات حيوانية تبعاً لنسق واحد وجامع.

أجمل هذه الدلايات وأكملها، دلاية هي كذلك أشهرها، وقد احتلّت صورتها غلاف كتاب خاص بآثار دولة الإمارات العربية، نشره المؤرخ محمد عبد النعيم في عام 1999 ضمن سلسة «آثار ما قبل التاريخ وفجره في شبه الجزيرة العربية». يبلغ طول هذه القطعة 5 سنتيمترات، وعرضها 11 سنتيمتراً، وتمثّل حيوانين من فصيلة الكلبيّات، يصعب تحديد جنسهما بدقة. صيغ هذان الحيوانان في قالب تحويري زخرفي صرف؛ حيث ظهرا متواجهين وملتصقين بشكل معاكس، أي الظهر مقابل الظهر، مع 6 قوائم منتصبة، مرصوفة عمودياً بشكل تعادلي متجانس. يشكّل جسدا هذين الحيوانين مساحة أفقية واحدة تزينها 4 كتل بيضاوية ناتئة. تعلو هذه المساحة الأفقية شبكة من الأسنان المرصوفة كأسنان المشط، ويتوسط هذه الشبكة ذيلا الحيوانين الملتفّين على شكل دائرتين لولبيتين مرتفعتين نحو الأعلى.

يتكرّر هذا الشكل في قطعة أخرى من مقبرة ضاية وصلت بشكل مجتزأ للأسف. يحضر الحيوانان في تكوين مماثل، غير أن بدنيهما يبدوان هنا منفصلين بشكل جلي، وتأخذ شبكة الأسنان المرصوفة تشكيلاً مغايراً، مع بروز الدائرتين اللولبيتين المتقابلتين في وسطها. حافظ أحد الحيوانين على رأسه وطرف قائمتين من قوائمه، وفقد الآخر الجزء الأكبر من بدنه. ويبدو هذا الرأس أشبه برأس ذئب يفتح شدقي فمه، كاشفاً عن نابين من أنيابه. تُمثّل هذه القطعة شكلاً من أشكال متنوعة تظهر في كل حلية من هذه الحلي التي تتبع نسقاً جامعاً. خرجت بعضها من مقابر تقع ضمن أراضي تتبع اليوم إمارة رأس الخيمة، وخرج البعض الآخر من مقابر تقع خارج هذه الإمارة، ومنها مقبرة على الحدود الشرقية لواحة القَطَارَة، في مدينة العين التابعة لإمارة أبوظبي.

كشفت أعمال التنقيب في هذه المقبرة عن مجموعة كبيرة من الأسلحة، ومجموعات من الأواني الحجرية والفخارية، دخل القسم الأكبر منها متحف العين. إلى جانب هذه القطع المتنوعة، تحضر مجموعة من الحلي والمجوهرات، منها بضع دلايات تشهد لشيوع هذا الطراز المحلي في هذه الناحية من الجزيرة العربية.

حافظت إحدى دلايات واحة القَطَارَة على تكوينها بشكل شبه كامل، واللافت أن هذا التكوين يماثل بشكل كبير تكوين دلاية ضاية الذائعة الصيت. يلتصق الحيوانان، وتبدو مساحة بدنيهما المتشابكين واحدة. في المقابل، تبدو ملامح رأسيهما أكثر وضوحاً، وتوحي بأنها تجمع بين الذئب والنسر، مما يعطي هذا الحيوان طابعاً خرافياً. يظهر هذا الرأس كذلك في قطعة معروضة في مركز مليحة للآثار، مصدرها مقبرة تقع في جبل البُحَيْص المجاور لبلدة المدام في المنطقة الوسطى من إمارة الشارقة. وفقاً للتقليد السائد، تمثل هذه الدلاية حيوانين مقرنين، يقفان في اتجاه معاكس، ظهراً إلى ظهر، مع ذنَبين ملتفين إلى الأعلى في الوسط. ضاع أحد هذين الحيوانين المقرنين بشكل كامل، وبقي الآخر، وتكشف صياغته عن دقة كبيرة في تجسيم مفاصل البدن وفقاً لبناء تشريحي متماسك.

يصعب تحديد وظيفة هذه الحلي بدقة، والأكيد أنها جنائزية، كما يشير حضورها في المقابر بشكل دائم. تعود هذه المقابر إلى عصر أطلق عليه البحاثة اسم عصر وادي سوق، نسبة إلى موقع أثري كُشف عنه بين مدينة العين وخليج عُمان. أظهرت دراسة هذا الموقع تحوّلاً كبيراً في طرق الاستيطان المتبعة في شمال شرقي شبه الجزيرة العربية، خلال الفترة الممتدة من 2000 إلى 1600 قبل الميلاد، كما أظهرت تحوّلاً في النسق والطرز الفنية. وظهرت ملامح هذه التحولات في مواقع أخرى متعدّدة من الإمارات.

تشكل الحلي ذات الرؤوس الحيوانية علامة من علامات هذا التحوّل الفني الذي تعددت صوره وأشكاله في ذلك العصر. تحمل هذه الحلي كما يبدو أثر وادي السند، غير أنها تتميز بطابع محلي خاص، ويتجلَّى هذا الطابع الخاص في تجسيمها المتقن، كما في صياغتها المرهفة.