في كتابها «الفن والإبداع» الصادر عن دار «أقلام عربية» بالقاهرة، تتناول الباحثة والناقدة التشكيلية رضا معوض مفاهيم وأفكاراً أولية لجماليات ومفاهيم علم الإبداع التشكيلي، لا سيما الرسم والنحت. وتؤكد في البداية أن الإبداع كفكرة عامة يشير إلى الهروب من أنماط الحياة المتعارف عليها حتى نتمكن من رؤية الأشياء بصورة مختلفة، كما أن العلماء المعاصرين اختلفوا في تحديد مفهوم الإبداع بشكل محدد لأن كلاً منهم تناوله من زاويته الخاصة أو تخصصه أو اهتماماته الشخصية، وجاءت تعريفاته تتسم بالمرونة والسعة. فهناك بعض التعريفات التي تؤكد على أهمية الإنتاج الإبداعي أو ندرته أو فائدته وأخرى تركز على العمليات العقلية المنظمة له والبعض الآخر يركز على مسار التطور والتغيير في الحياة النفسية للمبدع. كما تدور بعض التعريفات حول الخبرة الذاتية للمبدع، وهناك ما يؤكد على إدراك المشكلة الإبداعية وطرح مدخلات تقنية جديدة.
يعرّف الإبداع في المعجم «الوجيز» ومعجم «مختار الصحاح»: «إبداع الشيء هو اختراعه على غير مثال سابق». وتعرف «الموسوعة النفسية» الإبداع بأنه «القدرة على الابتكار الذي يكون رسماً أو فكرة أو نظرية أو اختراعاً، والعمل المبدع لا يصدر إلا عن شخص خلاق له خصائصه وتفكيره وله خلفية اجتماعية وثقافية وظروف بيئية تمكن الفرد من مواجهة مشكلة تستعصي على الحل فيتصدى لها ويقدم حلولاً مدهشة».
وتستشهد المؤلفة بالمُنَظِّر الألماني رودلف أرنهايم، حيث يرى أن من شروط الإبداع الحقيقي في عالم الفن التشكيلي هو العفوية والصدق واحترام قوانين الخامة وإقامة حوار حقيقي معها، مشيراً إلى أنك لا تستطيع أن تصنع من الفخار نفس ما يمكنك أن تصنعه من الحديد الخام إلا إذا كان إجباراً وافتعالاً. ويشير إلى أن الإحساس الذي يبعثه العمل سوف يكون مختلفاً، في هذه الحالة، كل الاختلاف وذلك لأن الخامة تحرك حواسنا وتجعلنا نشكل عملاً فنياً له مواصفات وشروط تنبع من داخله.
ويؤكد أرنهايم أنه على الفنان أن يرتفع بالخامة من كونها مجرد مادة إلى كونها تحدياً يحمل فكراً له دلالات وأبعاد تعبيرية مختلفة كي تصبح طريقة تفكيرنا ابتكارية. ويوضح أن هناك معايير وأسساً لاختيار الخامة، لا سيما في حالة النحت، منها ملمس الخامة الحسي من حيث النعومة أو الخشونة، طبيعة الخامة، ألوانها، مدى صلابتها. والفنان المبدع هنا هو الذي يسيطر على الخامة ويجعلها طيعة لأغراضه، فيحرك جمودها ويُنطق صمتها تعبيراً إنسانياً يتلقاه غيره من البشر بالفهم والتذوق، هكذا تتحول تكوينات المادة الخام بخطوطها وألوانها وتشكيلها الفني إلى أبعاد إنسانية تغير من ملامح العالم فيبدو متعاطفاً مع غايات الإنسان.
وبعد اختيار الخامة، يأتي دور الخيال لدى الفنان التشكيلي، فهو الذي يعيد تشكيل الخامات التي تصل إلى الحواس والعقل، فالعالم المرئي مجرد الصور والرموز التي من شأن الخيال أن يعيطها مكانة وقيمة بعد فهمها وتحويلها. يقول فان جوخ: «إن التشكيليين يجب أن يمتلكوا الخيال والعاطفة»، فالخيال الإبداعي إذن هو نشاط عقلي تنتج عنه صور واستبصارات جديدة تتميز بالشاعرية، إلى جانب ألوانه الحية. وفي هذا السياق أيضاً، يقول مايكل أنجلو: «إن التشكيلي الرديء هو من لا يكون خياله نشيطاً».