في ديوانها الرابع «ذهبُ أجسادهن» الصادر عن دار «كتب» ببيروت، تسعى الشاعرة المغربية عائشة بلحاج إلى رصد العالم من منظور أنثوي شفيف يمزج بين الشجن وفداحة الخسارات والتعامل مع البشر بحذر وتوجس، إن لم يكن ارتياباً، كما في قصيدة «تراكم» التي تقول فيها الشاعرة:
«النّوافذ
صفُّ العزاء
في بيت الوحدة.
**
مثل المروحة
ألفُّ الاحتمالات
بين يديّ إلى الأبد.
**
في جيبي كلماتٌ
لم أشعل حرائقها
البشر، فضائيّون
أفشل في إقناعهم بذلك.
****
أجسادهنّ
خارطةُ بلد متنازع عليه.
في عري الأجساد
نسخٌ لا يفتَتن بها الرّجال»
يلعب الجسد الأنثوي دوراً محورياً في النص، ليس باعتباره موضوعاً للاشتهاء الحسي الصاخب، بل كنافذة مشرعة على التأمل في مفارقات الحياة وتناقضات الوجود على نحو يجعل النص مترعاً بحمولات فلسفية، رغم اتكائه في كثير من القصائد على اليومي والمعاش، كما في قصيدة «أيام متشابهة» التي تقول فيها الشاعرة:
«ترفع الأيام ستار المجهول في كل صباح
لا نملك شعلة
أو كلمات تستبق
تفتح النهار في وجه وردة
لا طاقة تحرك ريشة
أو نسمة هواء تلطف ظهيرته
من مهارة نرجو سوى
تهدئة المخاوف
ويا للسعادة التي تحملها
إلى رخام أيامنا».
يلعب الجسد الأنثوي دوراً محورياً في القصائد، ليس باعتباره موضوعاً للاشتهاء الحسي الصاخب، بل كنافذة مشرعة على التأمل في مفارقات الحياة وتناقضات الوجود.
صدر الديوان ضمن سلسلة «إشراقات»، التي أصدرت عدداً من الكتب الشعرية في هذا السياق، يشرف عليها الشاعر الكبير أدونيس، الذي جاء في الغلاف من السلسلة وصفه تلك الدواوين بأنها «سفرٌ يخلّص الشعر من الثنائية الثقافية التقليدية: الجسد / الرّوح، ويفتح فضاء الكينونة التي لا تتجزأ. تفكّر وتكتب فيما تحسّ وتحلم وتتخيل».
وسبق أن أصدرت بلحاج 3 دواوين، هي «ريحٌ تسرق ظلي» الصادر عام 2017، و«قبلةُ الماء» الصادر عام 2019، و«لا أعرفُ هذه المرأة» الصادر عام 2021.
وبحسب نقاد، تمزج نصوص عائشة بلحاج بين الخفة في اللغة والسلاسة في المعنى، وكذلك اليومي والمعاش مع الإحالات إلى الطبيعة والفلسفة، عبر صور شعرية مثيرة للدهشة والشفافية، مع تركيز خاص على القضايا الوجودية، مثل معنى الحياة وجدوى الأشياء وصراع الفرد مع جماعات تسعى لطمس فرديته، فضلاً عن العواطف الإنسانية الكبرى كالحب والأمومة.