مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي
TT

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

مجلة «الفيصل»: صناعة النخب في الوطن العربي

صدر العدد الجديد من مجلة «الفيصل»، وتضمن مواضيع متنوعة، وخصص الملف لصناعة النخب في الوطن العربي، شارك فيه عدد من الباحثين العرب وهم: محمد شوقي الزين: صُورَةُ النُّخَب وجَدَل الأدْوَار. محمد الرميحي: المجتمع الخليجي وصناعة النخب: الوسائل والصعوبات! موليم العروسي: صناعة النخب وآلياتها. علي الشدوي: مواد أولية عن النخبة السعودية المؤسّسة. ثائر ديب: روسيا مطلع القرن العشرين وسوريا مطلع الواحد والعشرين: إنتلجنسيا ومثقفون.

أما حوار العدد فكان مع المؤرخ اللبناني مسعود ضاهر (أجراه أحمد فرحات) الذي يرى أن مشروع الشرق الأوسط الجديد يحل محل نظيره سايكس بيكو القديم، مطالباً بالانتقال من التاريخ العبء إلى التاريخ الحافز. المفكر فهمي جدعان كتب عن محنة التقدم بين شرط الإلحاد ولاهوت التحرير. وفي مقال بعنوان: «أين المشكلة؟» يرى المفكر علي حرب أن ما تشهده المجتمعات الغربية اليوم تحت مسمى «الصحوة» هو الوجه الآخر لمنظمة «القاعدة» أو لحركة «طالبان» في الإسلام. ويحكي الناقد الفلسطيني فيصل دراج حكايته مع رواية «موبي ديك». ويستعيد الناقد العراقي حاتم الصكر الألفة الأولى في فضاء البيوت وأعماقها، متجولاً بنا في بيته الأول ثم البيوت الأخرى التي سكنها.

ويطالع القارئ عدداً من المواد المهمة في مختلف أبواب العدد. قضايا: «تلوين الترجمة... الخلفية العرقية للمترجم وسياسات الترجمة الأدبية». (عبد الفتاح عادل). جاك دريدا قارئاً أنطونان أرتو (جمال شحيّد). عمارة: العمارة العربية من التقليدية إلى ما بعد الحداثة (عبد العزيز الزهراني). رسائل: أحلام من آبائنا: فيث أدييلي (ترجمة: عز الدين طجيو). ثقافات: خوليو كورتاثر كما عرفته: عمر بريغو (ترجمة: محمد الفحايم). عن قتل تشارلز ديكنز: زيدي سميث (ترجمة أماني لا زار). سيرة: أم كلثوم ونجيب محفوظ نسيج متداخل وروابط متعددة (سيد محمود). اليوتوبيا ونهاية العالم: القرن العشرون صحبة برتراند راسل: خاومي نافارو (ترجمة: نجيب مبارك). رحلة أدب الأطفال الروسي من جامع الفلكلور حتى حكايات اليوم (عبادة تقلا). الأدب والفلسفة: جان لويس فييار بارون (ترجمة حورية الظل). بواكير الحداثة العربية: الريادة والحداثة: عن السيَّاب والبيَّاتي (محمَّد مظلوم). بروتريه: بعد سنوات من رحيله زيارة جديدة لإبراهيم أصلان (محمود الورداني). تراث: كتاب الموسيقى للفارابي: من خلال مخطوط بالمكتبة الوطنية بمدريد (أحمد السعيدي). فيلسوفيا: فيليب ماينلاندر: فيلسوف الخلاص (ياسين عاشور). فضاءات: «غرافيتي» على جدران الفناء (هاني نديم).

قراءات: قراءة في تجربة العماني عوض اللويهي (أسامة الحداد). «القبيلة التي تضحك ليلاً»: تشظي الذات بين المواجهات النسقية (شهلا العجيلي). مختارات من الشعر الإيراني المعاصر (سعد القرش). نور الدين أفاية ومقدمات نقد عوائق الفكر الفلسفي العربي الراهن (الصديق الدهبي). تشكيل: تجربة التشكيلي حلمي التوني (شريف الشافعي). تشكيل: غادة الحسن: تجربتي بمجملها نسيج واحد والعمل الفني كائن حي وله دوره في الحياة (حوار هدى الدغفق). سينما: سعيد ولد خليفة: ما يثير اهتمامي دائماً هو المصاير الفردية للأبطال اليوميين (سمير قسيمي). الفلسفة فناً للموت: كوستيكا براداتان (ترجمة أزدشير سليمان). ماذا يعني ألا تُصنف كاتب حواشٍ لأفلاطون؟ (كمال سلمان العنزي). «الومضة» عند الشاعر الأردني «هزّاع البراري» (عبد الحكيم أبو جاموس).

ونقرأ مراجعات لعدد من الكتب: «جوامع الكمد» لعيد الحجيلي (أحمد الصغير). «حقائق الحياة الصغيرة» للؤي حمزة عباس (حسين عماد صادق). «أنا رسول بصيرتي» لسيد الجزايرلي (صبحي موسى). «طبول الوادي» لمحمود الرحبي (محمد الراشدي). «عقلان» لمحمد الشجاع (محمد عبد الوكيل جازم)

وكذلك نطالع نصوصاً لشعراء وكتاب قصة: برايتون (عبد الكريم بن محمد النملة). في طريق السفر تخاطبك النجوم: أورهان ولي (ترجمة: نوزاد جعدان). بين صحوي وسُكْرها (سعود بن سليمان اليوسف). خرائطُ النُّقصان (عصام عيسى). الغفران (حسن عبد الموجود). أنتِ أمي التي وأبي (عزت الطيرى).


مقالات ذات صلة

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

ثقافة وفنون أسود عاجية ونحاسية من موقع الدُّوْر في إمارة أم القيوين، يقابلها أسد برونزي من موقع سمهرم في سلطنة عُمان

أسود منمنمة من موقع الدُّور في أمّ القيوين

خرجت من موقع الدُّور في إمارة أم القيوين مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية المتنوّعة، تعود إلى حقبة تمتد من القرن الأول ما قبل الميلاد إلى القرن الثاني للميلاد.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون أفلاطون

ما بال العالم كله ينعم بالسلام ونحن من حرب لحرب؟

الأغلب من دول العالم يعيش حياة طبيعية تختلف عما نراه في أفلام السينما

خالد الغنامي
ثقافة وفنون عبد الزهرة زكي

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

«غريزة الطير» رواية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي، صدرت أخيراً في بغداد، ولاقت احتفاءً نقدياً ملحوظاً، وهي الرواية الأولى له بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة

علاء المفرجي (بغداد)
ثقافة وفنون عادل خزام

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟

شاكر نوري (دبي)
ثقافة وفنون سامانثا هارفي تمسك بجائزة البوكر ورايتها «أوربيتال» (إ.ب.أ)

سامانثا هارفي: أهدي فوزي لأولئك الذين يتحدثون باسم الأرض

ذكر رئيس لجنة التحكيم، الفنان والمؤلف إدموند دي وال، بأن رواية سامانثا هارفي تستحق الفوز لـ«جمالها وطموحها»

«الشرق الأوسط» (لندن)

«الخواجاية»... مفارقات العلاقة بين الشرق والغرب

«الخواجاية»... مفارقات العلاقة بين الشرق والغرب
TT

«الخواجاية»... مفارقات العلاقة بين الشرق والغرب

«الخواجاية»... مفارقات العلاقة بين الشرق والغرب

كثيراً ما اهتم الأدب العربي برصد تجليات العلاقة الملتبسة بين الشرق والغرب، لا سيما في بعدها العاطفي الرومانسي، وهو ما ظهر في روايات مثل «عصفور من الشرق» لتوفيق الحكيم و«موسم الهجرة للشمال» للطيب الصالح، لكن كتاب «الخواجاية» الصادر عن دار «الشروق» مؤخراً اختار أن يطرح القضية نفسها من خلال سيرة روائية واقعية تقدمها المؤلفة فيموني عكاشة لأمها الهولندية.

أول تجليات هذه العلاقة مفارقة اسم المؤلفة نفسه، فهي ابنة رجل مصري يدعى أنور عكاشة، وامرأة هولندية تدعى غيردا. اختار الأب اسم ولديه، عبد الله وكمال، على اسم أبيه وأخيه، ثم أراد أن يرضي زوجته فاختار لابنته هذا الاسم المركب الذي يجمع بين اسم (فام)، أم زوجته، و(خوني) اسم شقيقتها، فجاء الاسم (فيموني) بعد حذف حرف الخاء لثقله في النطق.

تروي تلك السيرة إذن قصة الحب والزواج بين أنور، مهندس النسيج المصري بوسامته ومرحه وثرائه الأرستقراطي، وبين غيردا جليسة الأطفال التي لم يتحمس أهله في البداية لها كخيار للزواج كونها أجنبية، فضلاً عن مهنتها. وفي المقابل لم تكن عائلة «غيردا» متحمسة لأنور بسبب اختلاف الجنسية والثقافة والجغرافيا.

ذاكرة حديدية

يغطي الكتاب الفترة منذ الستينيات حتى انتفاضة 25 يناير 2011، حيث لم تكتف المؤلفة بما رأته وسمعته، بل راحت تجمع شهادات عائلية من هنا وهناك وهي تحاول أن تلملم فتات ذاكرتها التي كانت أمها تطلق عليها «ذاكرة السمكة»، مقارنة بذاكرتها الحديدية التي كانوا يعتبرونها «أرشيف العائلة الحي» سواء في مصر أو في هولندا. كانت تعرف كل تواريخ العائلتين، من تزوج ومتى ولد أو مات حتى إنها صححت لشقيقة زوجها (كوثر) ذات مرة تاريخ ميلاد ابنها الثاني وأنه قد ولد قبل أسبوعين من تسجيله الرسمي في شهادة الميلاد. يبرز في رد فعل شقيق المؤلفة حين عرف أن والدته قد أصيبت بالخرف فصاح: «يا نهار أسود! من سوف يخبرنا بتواريخ وأحداث العائلة؟ نحن لا نعرف شيئاً».

كانت صدمة إصابة الأم بخرف الشيخوخة نابعة من حقيقة أنها كانت متوهجة وحاضرة الذهن وتحب أن تلعب كل ألعاب الذاكرة، حتى قبل أسبوعين فقط من وقوعها فريسة للمرض، لم تفقد قدرتها الفذة على الحكي وتذكر كل التفاصيل الدقيقة عن عائلتها منذ كانت طفلة صغيرة وما عاشته في أثناء الحرب العالمية الثانية وقصصاً كثيرة عن حياة ملوك أوروبا والممثلين والمغنيين والموسيقيين الذين كانت تتابع أخبارهم وتعرف كل تفاصيلهم منذ صغرها وتحتفظ في كراسات خاصة بصورهم جميعاً، حتى الكومبارس الموجودين في خلفية مشهد ما.

وتروي المؤلفة كيف اعتقدت أن جدتها الهولندية باردة المشاعر وهي صغيرة حين ذهبت بصحبة والدتها لزيارتها في أوروبا. كان موعد الطائرة قد تغير ولم تستطع أمها أن تخبر جدتها بموعد وصولهما، فأخذتا القطار من أمستردام إلى مدينة زوولة، حيث تعيش هناك. كانتا تضحكان وهما تتخيلان الإثارة التي سيحدثها وصولهما المفاجئ. وعندما وصلتا بالفعل، صدمت الحفيدة عندما وجدت جدتها تفتح الباب بكل هدوء وتسلم عليهما ببساطة كأنهما كانتا تشتريان الخبز من السوق وتأخرتا فقط لمدة نصف ساعة!

ذُهلت الحفيدة من هذا الاستقبال البارد، ولكن أمها شرحت لها أن الجدة تشعر بالفرحة ولكن طريقتها في التعبير عن ذلك مختلفة عنهم في مصر، نحن الذين نصرخ ونبكي ونتعانق عندما نقابل شخصاً عزيزاً جاء من السفر. من هنا عرفت المؤلفة مبكراً ومنذ صغرها أنها معلقة بين عالمين مختلفين تماماً وثقافتين تتنازعان، ليس فقط بين عائلتيها هنا وهناك، ولكن بداخلها أيضا كصراع كان كبيراً في صغرها لكنها حسمته فيما بعد وتعايشت معه واستغلته لصالحها، مع انحياز كامل للحياة في مصر التي رفضت أن تغادرها إلا لفترات محدودة.

من منظور الأم غيردا عن شخصية زوجها المستقبلي، كان لأنور نصيب من اسمه، فهو يضيء المكان الذي يوجد به بحكاياته وضحكاته وشخصيته الجذابة. يعشقه الكبير والصغير على السواء كما أنه وسيم ورياضي ويمارس السباحة بانتظام. يستطيع التحدث ببساطة مع الجميع، أنيق في ملابسه ووجهه دائماً مبتسم وله ضحكة خلابة. برع في الرقص، خاصة التانغو الذي قلما رأت أحداً يرقصه ببراعة مثله. كان الفتى المحبوب في عائلته، أخواته يفضلن أن يلجأن إليه في مشاكلهن أكثر من أخيهن كمال الأكثر عصبية وتحفظاً. لم يكن غريباً أن تقع في حبه من أول نظرة.

لم يسر الأمر بسلاسة مطلقة، فقد كان صعباً على والد غيردا، الجد بيريند، أن تتزوج ابنته في بلد بعيد ومن رجل مسلم، خاصة أنه لم ير أنور أو أحداً من العائلة، لكن غيردا كانت قد أخبرته بالغرام الشديد بينهما في رسائلها إليه وإلى أمها وأختيها، كما أخبرتهم بجدية أنور في العلاقة وحدثتهم كثيراً عن شخصيته الحنونة المحبة.

رحلة المرض والموت

بدأت رحلة غيردا مع المرض و«التيه الطويل» حين بدأت تفقد تركيزها وتنسى الكثير من الأشياء وتخلط بين الأشخاص والأماكن، كما تخلط بين المطبخ ودورة المياه. قال طبيب الصدر الشهير إن ما بها قد يكون نقصاً في الأكسجين وعليها أن تتوقف عن التدخين. كان هذا أمراً شبه مستحيل، فهي تدخن منذ كانت في الرابعة عشر وهي الآن في الرابعة والثمانين لا تترك السيجارة فمها. خبأت الابنة كل السجائر، وبالفعل نجحت لمدة أسبوعين ولكنها شاهدتها ذات مرة تجلس في الشرفة وتمسك بولاعتها تشعلها وتشمها وتعود تشعلها وهي تبحث في جيوبها عن شيء وتحضر حقيبتها وتلقي بكل ما فيها آملة أن تجد سيجارة. كانت تبحث في كل مكان بالمنزل. شعرت ابنتها بمدى تعاستها، قررت أن عدة سجائر في اليوم لن تضر لكن لم تتوقف حالات هذيانها وصراخها من ألم غير مفهوم.

بل كانت حالتها تسوء. تنتابها نوبات من الشك والارتياب في كل من حولها وبدأت تتصرف تصرفات عجيبة. كانتا على وشك الخروج ذات مرة، طلبت فيموني من الخادمة أن تعد حقيبتها ووضعت الدواء بداخلها مع بضعة مناديل ورقية. ظنت الأم أن الخادمة تريد سرقتها أو ربما تريد قتلها لسرقة خاتم أمها الثمين الذي تحبه، فحاولت الهرب من المنزل ولما لم تقدر تظاهرت بالنوم على المقعد وانتهزت فرصة دخول الخادمة إلى المطبخ لتحضر كوباً من الماء ثم اختفت من المنزل.

جن جنون أولادها تماماً وهم يبحثون عنها في كل مكان، نزلت الابنة إلى الشارع تسأل كل من يمر إن كان رأى امرأة كبيرة في السن تسير وحدها. شعرت بالرعب أن يحدث لها مكروه وعندما رجعت إلى المنزل كانت تصرخ وتبكي كالمجنونة، وفجأة خرجت الأم من وراء ستارة حجرة الطعام. صرخت فيها الابنة قائلة:

- أنتِ هنا وراء الستارة طوال الوقت؟

ردت وهي تهمس:

- قدماي آلمتاني من كثرة الوقوف ولم أستطع مناداتك حتى لا تعرف تلك المرأة - تقصد الخادمة - بمكاني وتقتلني.

تقبلت فيموني مرض والدتها وصارت تتعامل مع مزاجها المتقلب كشيء روتيني. لم يكن هناك خيار آخر، تعودت أن تطلب من الطبيب تغيير دوائها عندما تزداد حالاتها سوءاً. كما رفضت أن تودعها داراً للمسنين في هولندا لتلقي رعاية أفضل، كانت سرعان ما تطرد ذلك الخاطر بعيداً. لم تتحمل أن تبتعد عنها كما لم تتخيل أنها ستفقدها قط، كانت تنخرط في البكاء إن تخيلت حدوث أي شيء لها.

وتروي فيموني عكاشة مشهد النهاية المؤثر قائلة: «في الساعة الثامنة صباحاً، استيقظت على مكالمة من المستشفى تبلغني أن السيدة غيردا توفيت. لم أعِ ما أقوله، طلبت من المتحدث أن يكرر ما قاله. وعندما فعل قلت له: هل أنت متأكد أنها السيدة غيردا؟ أبلغني تعازيه وكلمات أخرى حاول أن يواسيني بها. أقفلت الهاتف وأنا أبكي، أمي الصامدة دوماً لا يمكن أن ترحل عن الحياة، كيف لكل تلك البهجة والحيوية أن تموت؟».