عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

الشاعر العراقي بقي سنوات يأمل أن يكتب رواية وفعل أخيراً

عبد الزهرة زكي
عبد الزهرة زكي
TT

عبد الزهرة زكي: الكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر

عبد الزهرة زكي
عبد الزهرة زكي

«غريزة الطير» رواية للشاعر العراقي عبد الزهرة زكي، صدرت أخيراً في بغداد، ولاقت احتفاءً نقدياً ملحوظاً، وهي الرواية الأولى له بعد صدور مجموعته الشعرية الكاملة، وإسهامه على مدى أربعين عاماً في المشهد الشعري العراقي.

هنا حوار معه حول روايته الجديدة وتجربته الروائية:

> أنت شاعر مكرس، ولك حضور مهم في راهن الشعر العراقي. وأخيراً فاجأت القراء والنقاد برواية جديرة بالوقوف عندها، ما الذي دفع بك إلى ذلك؟

- الشعر، أتوقع الشعرَ وليس سواه، هو ما دفع بي إلى الرواية، أو بتعبير آخر هو ما ألجأني إلى السرد، وكان سرداً روائياً. للشعر فضائل كثيرة على مَن يقيم فيه، والكتابة السردية هبة هداني إليها الشعر حين فتح لي أفقاً آخر في الكتابة، وهو أفق الكتابة الروائية.

منذ أكثر من عشرين عاماً كان الشعر يستدعي مني، من خلال ما كتبت من دواوين، اعتماد تقنيات «السرد الشعري» في كتابة الكثير من نصوص تلك الدواوين، حتى تكرّس هذا بشكل خاص في ديوان «شريط صامت»، وهو ديوان مكرس تماماً لرؤية الحياة في ظروف الحرب والعنف التي عاشها العراقيون، ثم ما تلاه من دواوين.

لكن الشعر، في جانبٍ مهم من صيانيته، عادة ما يحصّن نفسه من الانسحاق، ومن مواراة هويته، وذلك كلما كان بصدد الانفتاح على السرد وسواه، بهذا كنت أميّز بين السرد، كما هو في مواطنه بالرواية والقصة القصيرة وسواهما من فنون السرد النثري، وبين الطابع الخاص، التقني والبلاغي والتخييلي، لما سميته قبل قليل بـ«السرد الشعري».

بهذا، وفي موازاة اندفاعي باعتماد السرد في الشعر، كانت كتابتي في النثر تنمّي قدراتها حتى صار السرد في أحيان كثيرة من مستلزمات كتابتي المقالة، وحتى بعد ذلك حين أنجزت كتاب «واقف في الظلام»، وهو كتاب أقرب إلى السيرة الشخصية ممتزجة بسيرة مجتمع خلال سنوات أواخر القرن الماضي، وحتى كتابتي بعد ذلك «طريق لا يسع إلا فرداً»، وهذا كما تعرف كتاب نظري في الفكر الشعري. كلا الكتابين كانا يعتمدان بشكل أساس على الإفادة من السرد. لقد عدّ بعض النقاد والقراء كتاب «واقف في الظلام» رواية سيرية، وهذا ما لم أكن مخططاً له، لكني كنت خلال العشرين عاماً الأخيرة أروي الأفكار والرؤى والوقائع، والقصائد أيضاً كحكايا، كوقائع سيرة للأفكار والأحداث.

> لم تشر، في هذا السياق والاستذكار، إلى كتابك الأخير «في نبض العالم»، وهو كتاب مكرس بالكامل عن الحياة في العمى، لقد امتزج فيه السرد بالشعر بشكل حاد، أعتقد أنه حمل عنواناً فرعياً تصف به نصوصه على أنها «سيرة الأعمى، وقد رأى كل شيء»...

- نعم، هذا الكتاب ما كدت أكمله، وقد استغرق مني عاماً، حتى وجدته يسلمني مباشرة إلى كتابة الرواية، «غريزة الطير».

> تريد أن تقول إن الرواية كانت بوحي من هذا الكتاب؟

- لا، أبداً... لكن كتاب «في نبض العالم» كان قد مضى بي إلى السرد، إلى أقصى ما مضيت به في السرد، لقد خرجت منه وأنا مشبع بروح السرد وطاقته.

في الحقيقة بقيت سنوات طويلة كنت آملاً خلالها أن أكتب رواية، ولم أستطع ذلك، لم أجرب، لم أحاول. فجأة وجدتني أكتب وأستمر أكتب بلا انقطاع. كنت أشعر أني ممتلئ بطاقة كبيرة على السرد، كما لو أن سنوات التمني كانت خزانة ملؤها تلك الطاقة، لقد انفتحت الخزانة ومعها تدفقت كتابة السرد.

> كيف حصل هذا؟

- الحكمة التي خرجت بها تفيد ألا تقسر نفسك على الكتابة إن استعصت، ولا تتمنّع عليها إن أقبلت.

هذا ما يحصل عادة في كتابة الشعر، وأجد أنه قابل للتعميم على أي كتابة جادة ومنطلقة من دافع حقيقي.

> قوبلت «غريزة الطير» باستحسان من قبل النقاد والكتّاب، هل ستكون نقطة افتراق عن الشعر، خصوصاً أنك أصدرت كتاب «الأعمال الشعرية» بعد فترة قصيرة على صدور الرواية؟

- لا، لماذا نعتقد أنه لا تعايش ما بين الأجناس المتنوعة في الكتابة والفن؟ لماذا نعتقد ألا ينهض جنس كتابي لدى كاتب إلا على دفن جنس آخر؟ نحن بشر بأرواح ووجدان في تغير مستمر، والحاجات هي، لا نحن، التي تستدعي تقديم فن كتابي حيناً وتأخير آخر. وواقعاً حتى من دون الانشغال بالرواية من الممكن عدم الإقبال على كتابة الشعر، والعكس صحيح أيضاً. لا مشكلة في ذلك ما دامت الكتابة تعبيراً عن حاجة، تكفُّ الحاجات ربما فتكفّ معها الرغبة بالكتابة، سواء في الشعر أو في سواه.

> ولكن كلما فكّر شاعر بكتابة رواية فغالباً ما يقال إن اللجوء للرواية نتاج للإحساس بإزاحتها الشعرَ من عرشه، خاصة مع تطور هذا الفن «أعني الرواية» في العراق، في العقدين الأخيرين؟

- كلانا كما أعتقد نتحدث هنا عن الأدب الجاد، عن الكتابة الجادة. وإزاء جدية الحياة في الكتابة، شعراً أو رواية، لا أعتقد أن التنافس ما بينهما انتحاري، أي لا يقوم فن إلا بنحره فناً آخر.

نحن نحيا في عالم مستمر بتغيراته السريعة، تغيرات تلقي بظلالها على كل شيء... فرص الإمتاع تتنوع، بما يدفع بملايين البشر إلى أن ينشغلوا باهتمامات قد لا تطرأ في بالنا.

لا ينبغي لنا، نحن بشر هذه السنوات، أن نتأسى على بشر المستقبل لافتقادهم ما نراه الآن ضرورة لا تستقيم الحياة من دونها.

الشعر والأدب والفن عموماً يجري إنتاجها استجابة لحاجات منتجيها أولاً وإن انتفت حاجة المحتاجين لهذا الإنتاج مستقبلاً فلا ضير في ذلك.

أكتب الشعر كحاجة شخصية، وكتبت الرواية كاستجابة لحاجة أخرى مقابلة. في الحالين كنت أتنفّس متعتي الوجدانية والذهنية، وبالتالي فلا أقف كثيراً عند من سيبقى أو سيموت من الفنون والآداب.

> ما زلت بصدد الصلة ما بين الشعر والسرد... لكن بدا لي أثناء قراءتي الرواية أنك كنت حذراً من الوقوع في أسر الشعر بلغتك، فاعتمدت لغة واضحة، أتساءل: ما إذا كان ذلك بسبب واقعية الكثير من أحداث الرواية؟

- فعلاً كانت هذه مشكلة أثناء الكتابة. ليس من اليسير أن تعرف أنك، كشاعر، ما زلت مستمراً بلغة الشعر فيما أنت تكتب رواية. هذه مشكلة كثير من الشعراء الذين كتبوا الرواية، وهي أيضاً مشكلة كاتب الرواية غير الشاعر حين يريد «تزيين» لغة الرواية ببلاغة شعرية، هذه بلاغة غالباً ما تكون فجّة لمجيئها خارج سياقها المألوف.

سوى هذا التعمد هنالك اللاوعي، فبعد سنوات طويلة من كتابة الشعر تأخذ بلاغة اللغة الشعرية فرصها للعمل والظهور في الكتابة النثرية بتلقائية دونما وعي من الشاعر.

قد تساعد الخبرة الصحافية، لكاتب مثلي، في ضبط اندفاع لغة الشعر، لكن الكتابة الصحافية شأن آخر. ففي الرواية يكون الكاتب أمام وضع آخر لا صلة له بلغة الصحافة، إنه أمام رواية، وهي نص أدبي، تحتاج بلاغة أدبية نثرية، وهذا ما يضاعف مسؤولية الكتابة في نص أدبي روائي. كان خياري أن أرجئ التفكير في هذه المشكلة لما بعد الانتهاء من الرواية، وفعلاً قمت بأكثر من مراجعة لها، كنت أسعى خلالها لاصطياد أي أثر بلاغي شعري جاء في غير محلّه، وبالمقابل عملت على تنمية البلاغة النثرية الأدبية في نص الرواية. في كل حال هي مهمة ليست باليسيرة لكنها لم تكن مستحيلة، وكان لصبري على الرواية أثر مهم في هذا الجانب.

> هل كنت متعمداً تناص عنوان الراوية، «غريزة الطير»، بشكل أو بآخر مع «منطق الطير» لفريد الدين العطار، خاصة أن هناك تماثلاً بينهما في الثيمة المركزية، كما تتجلى سردياً في الرواية، مما يوحي بأنها نص موازٍ؟

- حقيقة لم أكن أفكر بهذا، لقد جاء هذا العنوان «غريزة الطير» متأخراً بعد إنجاز مراجعتها وبعد أكثر من عنوان لم تصمد جميعها أمام تبرّمي منها لحين ما استقررت على العنوان الأخير، وهو مستلّ من متن الرواية.

أعتقد أن اهتمامات «غريزة الطير» كانت أرضية، وثيقة الصلة والانشداد إلى حياة أفراد ومجتمع ومدينة بخلاف ما عني به كتاب «منطق الطير» من اهتمامات متعالية. الطير يتعالى في كتاب فريد الدين بينما طائر الرواية أوّاب منشدّ إلى مدينته وأرضه.

في كل حال، لا أدري، ربما يجد قارئ ما يمكن أن يؤكد الصلة التناصية التي تشير إليها ما بين الكتابين.

> إلى أي مدى ظلت «غريزة الطير» تتحدث عن إشكالية الهوية الاجتماعية، وعلاقتها بالآخر الذي يقاسمها المكان، والوجود، من خلال الشخصيات التي أرى أنها استحدثت بقصدية واضحة؟

-ـ كنت منشغلاً في الرواية، بجانب أساس منها، بمصائر الأرستقراطية الوطنية العراقية، التي نشأت في أربعينات وخمسينات القرن العشرين وبدأت بالاندحار ما بعد ذلك. الأب سليمان زيني كان عضواً فاعلاً، في شبابه بالبصرة، بالحزب الوطني الديمقراطي، وكنت أرى فيه معبّراً إلى حدٍّ ما عن مصير الليبرالية العراقية، وهذا جانب من سيرورة المجتمع لم يحظَ باهتمام يذكر سواء في الأدب أو الفكر السياسي.

نحن بشر بأرواح ووجدان في تغير مستمر، والحاجات هي، لا نحن، التي تستدعي تقديم فن كتابي حيناً وتأخير آخر

> الشخصية المحورية آدم زيني، تقدمه بوصفه المرشد والحكيم، فالجميع يخطب وده وينشد حمايته، حتى (الأب) سليمان زيني يقول عنه: «هو معلمي»، هل هناك قصدية ما في بناء هذه الشخصية، أم هو اعتراف، وانحياز منك، لحكمة ودراية الآخر ذي النسب الإنجليزي؟

- سعيت كثيراً من أجل أن أضمن لشخصيات الرواية حريتها، استقلاليتها عني. من هنا تمتع آدم بقدر وافٍ من الحرية التي جعلت منه شخصاً يبدو مستقراً آناً ومضطرباً في آنٍ آخر. كل شيء واضح في ذهنه، لكن التعبير عن كل شيء يظل بالنسبة له غير ممكن وغير واضح وحتى ملتبساً بالنسبة للآخرين.

لا أستطيع هنا التحدث عن شخصية مثل شخصية آدم. ثمة الكثير لم تقله الرواية، وهو مما ظل يعتمل في دخيلة آدم، وبعض هذا الكثير يستعصي فهمه وإدراكه علي أنا المؤلف الذي متّع شخصيات روايته بحريتها واستقلالها عنه. لم يكن هذا خللاً في البناء الروائي، إنما هو تعبير صامت عن طبيعة شخصية آدم، وهي طبيعة كتوم.

شخصية آدم هي من نسج جهده الشخصي في أغلب طباعها. بالتأكيد هو وَرِثَ جانباً من خصال أمه، المحافظة الإنجليزية وبعضاً من طبائع أبيه الليبرالي العراقي، لكن آدم ظل ماهراً في صنع شخصيته كما أرادها هو وحرص عليها.

> حكاية (جاسم السماك)، وهو شخصية ثانوية في الرواية، حول رؤيته رفض الكلاب نهش جثث القتلى عام 1991. هل ترى ذلك إحالة واضحة للواقعية السحرية، والتي يرى الكثير من النقاد التأثر الواضح للروائيين العراقيين بها؟

- حكاية جاسم حقيقية، روى لي صديق بصري واقعتها. في أحيانٍ كثيرة كان واقعنا أغرب من الخيال. ثمة الكثير من الكنوز السوداء التي ينبغي للأدب أن يخرجها من خزائن الألم العراقي، ما زال أدبنا زاهداً بهذه الكنوز.

> قبل أن أودعك، هل من رواية أخرى؟

- أنجزت بشكل أولي رواية قصيرة «السيدة مفسّرة الأحلام»، أبقيتُها بعيدة عني منذ أسبوعين، ربما أحتاج إلى أسبوع آخر لأعود بعده إليها بهدف المراجعة قبل دفعها للنشر.


مقالات ذات صلة

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

ثقافة وفنون عادل خزام

«مانسيرة» تجمع شعراء العالم في قصيدة واحدة

تُغذّى جذور القيم الثقافية كلما تعمقت صلتها بتراث الأمكنة والناس. لكن ماذا لو اكتشفنا أن العالم، بقاراته الخمس، قادرٌ على أن يكون مهداً لقصيدة واحدة؟

شاكر نوري (دبي)
ثقافة وفنون سامانثا هارفي تمسك بجائزة البوكر ورايتها «أوربيتال» (إ.ب.أ)

سامانثا هارفي: أهدي فوزي لأولئك الذين يتحدثون باسم الأرض

ذكر رئيس لجنة التحكيم، الفنان والمؤلف إدموند دي وال، بأن رواية سامانثا هارفي تستحق الفوز لـ«جمالها وطموحها»

«الشرق الأوسط» (لندن)
ثقافة وفنون سانت إكزوبيري

أي دور للكتاب والمبدعين في زمن الحرب؟

لم يكف البشر منذ وجودهم على هذه الأرض عن التقاتل والتذابح، وفرض سيطرة بعضهم على البعض الآخر، عبر أكثر الوسائل دمويةً وفتكاً.

شوقي بزيع
ثقافة وفنون نصبان جنائزيان من مقبرة الشاخورة

نصبان جنائزيان من مقبرة الشاخورة

يحتل الفن الجنائزي حيزاً واسعاً من ميراث أقاليم شبه الجزيرة العربية، وتتميّز جزيرة البحرين في هذا الميدان بنتاج نحتي تصويري يعود إلى القرون الميلادية الأولى

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

كمال داود يقلّب مواجع العشرية السوداء

تتويج كمال داود بجائزة «الغونكور»، وهي أبرز تكريم أدبي فرانكفوني على الإطلاق، لم يكن مفاجأة، فمنذ أشهر توقّعت عدة تقارير فوز الكاتب الجزائري بالجائزة المرموقة

أنيسة مخالدي (باريس)

سامانثا هارفي: أهدي فوزي لأولئك الذين يتحدثون باسم الأرض

سامانثا هارفي تمسك بجائزة البوكر ورايتها «أوربيتال» (إ.ب.أ)
سامانثا هارفي تمسك بجائزة البوكر ورايتها «أوربيتال» (إ.ب.أ)
TT

سامانثا هارفي: أهدي فوزي لأولئك الذين يتحدثون باسم الأرض

سامانثا هارفي تمسك بجائزة البوكر ورايتها «أوربيتال» (إ.ب.أ)
سامانثا هارفي تمسك بجائزة البوكر ورايتها «أوربيتال» (إ.ب.أ)

أعلنت لجنة جائزة «بوكر» البريطانية للرواية في وقت متأخر مساء الثلاثاء عن فوز رواية «أوربيتال» للكاتبة البريطانية سامانثا هارفي بالجائزة ذات القيمة الأدبية الكبيرة على الرغم من مبلغها المادي المتواضع، البالغ خمسين ألف جنيه إسترليني.

وذكر رئيس لجنة التحكيم، الفنان والمؤلف إدموند دي وال، أن رواية سامانثا هارفي تستحق الفوز لـ«جمالها وطموحها»، وأنها «تعكس شدة اهتمام هارفي الاستثنائي بالعالم الثمين والمحفوف بالمخاطر الذي نتقاسمه».

وأهدت سامانثا هارفي، في خطاب الفوز جائزتها «إلى أولئك الذين يتحدثون باسم الأرض ولصالح كرامة البشر الآخرين، والحياة الأخرى، وجميع الأشخاص الذين يتحدثون عن السلام ويدعون إليه ويعملون من أجله».

وتتركز أحداث الرواية حول ستة رواد فضاء يعملون داخل محطة فضائية تدور في فلك الأرض.

وفي مراجعته للرواية كانت نشرتها «نيويورك تايمز»، كتب جوشوا فيريس أن «(أوربيتال) خالية تقريباً من الحبكة؛ فليس بها عرق فضائي يغزو الأرض، ولا كوكب يدفع الناس إلى الجنون». ومع ذلك، يقول فيريس إن الافتقار إلى السرد لم يضر الرواية، التي تضمنت مقاطع قصيرة عن البيئة والوقت والدين. وخلص الناقد إلى أن الكتاب «جميل على نحو يسلب العقل. وفي بعض الأحيان، يكفيك الشعور بالدهشة والروعة». من جهتها، قالت هارفي، في مقابلة حديثة لها مع هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)، إنها في أثناء عملها على «أوربيتال»، شاهدت «آلاف وآلاف الساعات من لقطات تصوير للأرض جرى التقاطها من الفضاء»، وأضافت هارفي أنه «نظراً لأن ذلك كان في فترة الجائحة»، فقد خالجها شعور بنوع من «التحرر الجميل أن أتمكن من القيام بذلك كل يوم، وفي نفس الوقت أكتب عن ستة أشخاص محاصرين داخل علبة صفيح».

ومن بين الروايات السابقة الفائزة بالجائزة «حياة باي» ليان مارتيل، و«أطفال منتصف الليل» لسلمان رشدي، و«القاتل الأعمى» لمارغريت أتوود.

وكانت ست روايات قد تنافست على الجائزة، ومنها «جيمس»، تأليف بيرسيفال إيفرت التي توقع مراهنون بريطانيون فوزها بالجائزة. والرواية عبارة عن إعادة سرد لرواية «مغامرات هكلبيري فين» لمارك توين، من منظور الرجل الأسود الهارب من العبودية في الرواية الأصلية. وتبعاً لمراجعة الناقد دوايت غارنر في «نيويورك تايمز»، فإن «ما يميز جيمس عن روايات إيفرت السابقة، رغم أنها تحمل الحس الفكاهي القوي ذاته مثل الكثير من الروايات الأخرى، أن الإنسانية هنا تتجلى بشكل أفضل كثيراً. هذه أكثر روايات إيفرت إثارة، وكذلك أكثرها عاطفية».

وفي إطار مقابلات أجريت معه، قال إيفرت إنه وقع على الفكرة في أثناء لعب التنس، وتساءل فجأة عما إذا كان أي شخص قد أعاد كتابة «هكلبيري فين». وقال في تصريحات أدلى بها في مايو (أيار): «كان سؤالاً مثيراً للاهتمام، وكشف لي كذلك عن السبب وراء ضربي للكرة بشكل رديء للغاية».

ومن الروايات الأخرى المرشحة، «بحيرة الخلق»، تأليف راشيل كوشنر. وتدور أحداثها حول جاسوسة مأجورة تتسلل إلى داخل إحدى جماعات النشطاء البيئيين في فرنسا - وإن كانت لا تعرف، على ما يبدو، حقيقة من استأجرها - لصالح تكتلات زراعية ضخمة تسعى للزج بأعضاء الجماعة في السجن. وفي مقابلة صحافية أجرتها، قالت كوشنر إن كتابة «بحيرة الخلق» كانت «أكثر ما استمتعت به في حياتي»، وإنها «فضلت العالم الذي صنعته» في الكتاب على العالم الذي نحيا فيه اليوم. ونالت الرواية إعجاب الكثير من النقاد، بما في ذلك غارنر، الذي كتب أنها «تعزز مكانة كوشنر باعتبارها واحدة من أفضل الروائيين باللغة الإنجليزية». ومع ذلك، عبَّرت ميا ليفيتين، في صحيفة «فاينانشيال تايمز»، عن اعتقادها بأن الرواية، المليئة بالتأملات الفلسفية، «رديئة الصياغة على نحو مخيب للآمال».

وحازت رواية «الحارس»، تأليف يائيل فان دير وودن، اهتمام بعض الأوساط الأدبية أيضاً، لسبب رئيس واحد: وجود قدر كبير من الجنس بها. في الواقع، كما لاحظ أحد المراجعين في صحيفة «التايمز»، تتضمن الرواية «فصلاً كاملاً عن الجنس».من جهتهم، أكد حكام جائزة «بوكر» أنهم اختاروا الرواية في القائمة القصيرة، وهي أول رواية لفان دير وودن، لأسباب تتجاوز الموضوع، واصفين العمل في بيان صحافي بأنه «قصة قوية وجذابة حول الهوس والأسرار». تدور أحداث الرواية في هولندا في ستينات القرن العشرين، وتروي قصة رومانسية لم تكن بالحسبان بين إيزابيل، امرأة باردة مهووسة تعيش في منزل والديها القديم، وإيفا، صديقة أحد أشقاء إيزابيل. وتكشف الرواية تدريجياً كذلك عن أنها قصة عن الهولوكوست وإرثه. من ناحيتها، قالت فان دير وودن في مقابلة أجريت معها قريباً، إن الكتاب مستوحى من قصة قصيرة كتبتها عن عشاء عائلي تسوده أجواء التوتر، يحضره رجل مع صديقته، التي لا يحبها أحد هناك. وكتبت لوري سوديرليند في صحيفة «التايمز»: «يا له من كتاب هادئ رائع. لا شيء في هذا الكتاب يبدو زائداً عن الحاجة».

ومن الروايات المرشحة الأخرى، رواية «ستون يارد ديفوشنال»، تأليف شارلوت وود، التي ستتولى دار نشر «ريفيرهيد بوكس» بالولايات المتحدة نشرها في 11 فبراير (شباط). وتدور عن امرأة تتخلى عن وظيفتها في منظمة غير ربحية معنية بالحياة البرية، بعدما غلبها اليأس، على ما يبدو، بسبب افتقار عملها إلى التأثير، وتلجأ إلى دير، حيث تنقطع عزلتها بسبب، من بين أمور أخرى، تفشي وباء الفئران. من جهتها، وصفت جوهانا توماس كور، التي راجعت الرواية لصحيفة «صنداي تايمز» في بريطانيا، بأنها «عمل جميل وناضج لا يخشى الحياة». أما وود، فصرَّحت عبر مقابلات صحافية حديثة بأن الرواية كُتبت في أثناء فترة الإغلاق جراء جائحة فيروس كورونا، وبعد تشخيص إصابتها بالسرطان. وقالت في بيان لموقع «بوكر» الإلكتروني إن: «الاضطرابين المزدوجين» بثَّا داخلها «غريزة ملحة للتخلص من كل ما هو غير ضروري».