ليزا جيرارد واللغة الخاصة

تشبه شطحات الصوفية ولا يمكن اعتمادها معرفةً

ليزا جيرارد واللغة الخاصة
TT

ليزا جيرارد واللغة الخاصة

ليزا جيرارد واللغة الخاصة

من وجهة نظر الموسيقار الألماني هانز زيمر، قلائل في العالم من يُتقنون الغناء، منهم المغنية الأسترالية ليزا جيرارد. ولعل أشهر أغنياتها هي التي عُرفت بعنوان «الآن قد أصبحنا أحراراً»، تلك التي عرفها العالَم من خلال فيلم ريدلي سكوت «المجالد» 2000، الذي سيُعرض الجزء الثاني منه هذا الشهر وستكون ليزا من يُلحنه ويضع موسيقاه التصويرية، من دون هانز زيمر هذه المرة.

في سنة 2000 استمتعت الجماهير بالصوت العميق العذب لكنهم احتاروا في اللغة التي تغني بها السيدة. بدت لأناس شبيهة بالعبرية، وآخرون ظنوا أنها تشبه اليديشية، لكنها ليست من هذه ولا من تلك. ولا علاقة لها باللاتينية ولا باللغات الميتة ولا الحية. لقد ألقت بنا في حيرة لفترة من الزمن. لكن المؤكد أنها فازت بجائزة «غولدن غلوب» على تعاونها مع زيمر في إبداع موسيقى الفيلم، ورُشحت لـ«أوسكار» ذلك العام.

بعد البحث عن لغة هذه الفنانة، اتضح أن ليزا جيرارد تغني بلغة خاصة بها، لغة اخترعتها هي للحديث بواسطتها إلى الله، عندما كانت طفلة صغيرة. تقول ليزا:

«أغنِّي بلغة القلب، لغة مخترَعة امتلكتها منذ زمن طويل. أعتقد أنني بدأت الغناء بها عندما كان عمري 12 عاماً تقريباً. وحينها اعتقدت أنني كنت أتحدث إلى الله، عندما غنيت بهذه اللغة. الموسيقى هي مكان للجوء. إنها ملاذ من الرداءة والملل. إنها شيء بريء للغاية، ومكان يمكن أن تتوه فيه عن نفسك، في الأفكار والذكريات وكل التعقيدات. أعلم أنني سأغني لبقية حياتي. سأغني ما حييت، لأنني أؤمن بأنها هبة من الله ويجب التشارك فيها مع الآخرين».

رغم عذوبة ما قالت والأفكار التي أثارتها فإنها من ناحية فلسفية قد دخلت في «أرض العمالقة» دون أن تشعر بذلك، فقضية اللغة الخاصة من كبرى قضايا فلسفة اللغة في القرن العشرين، ولطالما تَجادل الفلاسفة حولها بين مُثبتٍ ونافٍ. فهذا جون ديوي ولودفيغ فتغنشتاين في فلسفته المتأخرة وويلارد كواين، كلهم يُنكر اللغة الخاصة، لأنه إذا ثبت قيامها ثبت أن أسماء الإحساسات تكتسب معناها عن طريق الارتباط بموضوع عقلي لا نلاحظه إلا ملاحظة داخلية.

إنهم لا يعترفون بلغة يبتكرها شخص واحد لا يفهمها سواه، ويرفضون أيضاً القول إن ما يدور في الذهن أمر خاص بكل فرد بصورة جوهرية ولا سبيل إلى إيصاله إلى الآخرين. وعندما نفكر في أفكارنا الروحية الخاصة، فإننا نستخدم المفردات التي تتقيد بالتعبير العام. لا بد من قواعد عامة، حتى عند الحديث عن الألم. قد أصف ألمي، وقد أصف ألمك، لكن لن يشعر بالألم إلا من وقع عليه.

لا بد أن نلاحظ هنا أن اللغة الخاصة ليست مجموعة من الرموز التي يضعها شخص فيأتي آخر فيفك رموزها. اللغة الخاصة لا يمكن تعليمها للآخرين مثل سائر اللغات المعروفة، بل هي مثل شطحات الصوفية، لا يمكن اعتمادها معرفةً مكتسَبةً تُدرّس للطلبة. هي لغة تشير كلماتها إلى الإحساسات الخاصة الذاتية وإلى الحياة الداخلية المعروفة للمتكلم وحده، والتي تكون مغلقة في وجه أي شخص آخر.

في حقيقة الأمر، حجة اللغة الخاصة، لو وقع الاعتراف بقيامها، تفنِّد الكثير مما قامت عليه الفلسفة الحديثة فيما يتعلق بالعقل والمعرفة، مثل الثنائية الديكارتية، أو المعطيات الحسية وأهميتها عند التجريبيين الإنجليز. وهي أيضاً تفنّد وجهة نظر فتغنشتاين في فلسفته المبكرة التي تقول بفكرة «الأنا وحدية» أي «الأنا» وحدها هي الموجودة. يقول فتغنشتاين:

«ما تعنيه الأنا وحدية صحيح تماماً، ومع ذلك لا يمكن قوله، وإنما يُظهر نفسه. والقول إن العالم هو عالمي يُظهر نفسه في الحقيقة القائلة إن حدود لغتي تعني حدود عالمي».

إنه يرفض كل الافتراضات التي تقوم عليها اللغة الخاصة، وعنده أن فهم اللغة والتمكن منها يستلزم القدرة على استعمال كلماتها وفقاً لقواعد معينة. واتباع قواعد استعمال اللغة هي ممارسة اجتماعية، فهي فعالية نتدرب عليها بوصفنا أعضاء في جماعة لغوية، ولا يمكن أن يكون اتباع القاعدة مسألة خاصة، لأنه في الحالة الخاصة لا توجد طريقة للتمييز بين اتباع القاعدة بالفعل وأن نظن أننا نتبعها. عند فتغنشتاين تكلُّم اللغة يعني الاشتراك في صورة الحياة، ويعتمد هذا الاشتراك في صورة الحياة على تدريب الإنسان، وهذا التدريب يحدث علانية في المجتمع. ولهذا لا توجد «خبرة خاصة» ولا «لغة خاصة» تُستخدم للتعبير عن تلك الخبرة، فاستعمال اللغة يتطلب معايير عامة وعلنية. ولا يمكن أن تقوم لغة من دون وسط سياقي. وجود اللغة يعني وجود قواعد تحكم استعمالها، وهذا يستلزم إمكانية فحص ذلك الاستعمال. والكلمات الدالّة على الإحساس والمشاعر الخاصة لا يمكن فحصها. إذن اللغة الخاصة مستحيلة، ولو افترضنا وجودها، فإنها ستكون عديمة الفائدة تماماً، حسب عبارة فتغنشتاين.

بهذا التقرير يتضح أنه ليس من الصواب أن نسمي ترانيم ليزا جيرارد لغة، فاللغة يجب أن تكون مفهومة في وسط اجتماعي معين ويجب أن تقوم على قواعد. لكنَّ هذا لا ينطبق على شطحات الصوفية، فلغتهم ليست لغة شخص واحد، بل هناك قاموس كامل خاص بهم، وهو تداولي فيما بينهم، ويمكن تدارسه وفهمه.

* كاتب سعودي



الجزائري الأصل كمال داود يفوز بجائزة «غونكور» الفرنسية عن «حوريات»

كمال داود محتفلا بفوز روايته "حوريات"
كمال داود محتفلا بفوز روايته "حوريات"
TT

الجزائري الأصل كمال داود يفوز بجائزة «غونكور» الفرنسية عن «حوريات»

كمال داود محتفلا بفوز روايته "حوريات"
كمال داود محتفلا بفوز روايته "حوريات"

مُنح الكاتب الفرنسي من أصل جزائري كمال داود، اليوم (الاثنين)، جائزة «غونكور» التي تُعدّ أبرز المكافآت الأدبية الفرنكوفونية عن روايته «حوريات» الصادرة عن دار «غاليمار»، وتتناول الحرب الأهلية في الجزائر بين 1992 و2002 المعروفة بـ«العشرية السوداء».

وحسبما ذكرت وكالة الصحافة الفرنسية، فإن داود قد حصل على ستة من أصوات أعضاء أكاديمية «غونكور» العشرة، في مقابل اثنين للفرنسية إيلين غودي، وواحد لكلٍّ من مواطنتها ساندرين كوليت، والفرنسي من أصل رواندي غاييل فاي الذي حصل على جائزة رونودو، كما أعلن رئيس أكاديمية «غونكور» الكاتب فيليب كلوديل.وأوضح كلوديل أن «أكاديمية غونكور توّجت كتاباً تتنافس فيه القصائد الغنائية مع التراجيديا، ويعبّر عن العذابات المرتبطة بفترة مظلمة من تاريخ الجزائر، خصوصاً ما عانته النساء».

وأضاف: «تُظهر هذه الرواية إلى أي مدى يستطيع الأدب، في حريته العالية في معاينة الواقع، وكثافته العاطفية، أن يرسم إلى جانب القصة التاريخية لشعب ما، سبيلاً آخر للذاكرة».وتُعدُّ «حوريات»، (Houris)، رواية سوداوية بطلتها الشابة «أوب» التي فقدت قدرتها على الكلام بعدما طعنها أحد الإسلاميين في 31 ديسمبر (كانون الأول) 1999.

وحرص داود على أن تكون شخصية امرأة هي الراوية للحبكة، واختار لبداية القصة مدينة وهران التي كان يعمل فيها صحافياً خلال «العشرية السوداء»، ثم تجري الأحدث في الصحراء الجزائرية التي تنتقل إليها «أوب» لتعود إلى قريتها.وهذه الرواية هي الثالثة لكمال داود والأولى التي تصدر عن دار «غاليمار».

وسبق له أن فاز بجائزة «لاندرنو» للقراء في أكتوبر (تشرين الأول). ولا يمكن نشر «حوريات» في الجزائر، إذ يحظر القانون أي مؤلَّف يستحضر الحرب الأهلية التي امتدت من 1992 إلى 2002.