رواية عُمانية عن لعنة الخوف الذي يأكل الأرواح

رواية عُمانية عن لعنة الخوف الذي يأكل الأرواح
TT

رواية عُمانية عن لعنة الخوف الذي يأكل الأرواح

رواية عُمانية عن لعنة الخوف الذي يأكل الأرواح

بعد النجاح الذي حققته روايته «تغريبة القافر»، والتي تُوجت بجائزة «البوكر العربية»، صدرت عن دار «مسكيلياني» للروائي العماني زهران القاسمي روايته الجديدة «الرَّوع» التي تدور في عالمه الأثير، وهو البيئة العمانية الريفية من خلال القرى والجبال والمنحدرات والسهول وما يكتنفها من مفارقات ودراما خلف هدوء الطبيعة الخادع.

ويشير عنوان الرواية إلى تلك الفزاعة أو التمثال المزيف الذي ينتصب في الحقول وحول المزارع في المناطق المفتوحة غير الآمنة، بهدف إخافة الطيور والحيوانات نهاراً واللصوص ليلاً، حيث أبدع بطل النص «محجان» في تشييد «الرَّوع» الخاص به من أجود أنواع الأخشاب وغطاه بالأقمشة على نحو متقن وبارع، حتى إنه هو نفسه يندهش مما صنعته يداه: «وقف مطوَّلاً أمام عمله البديع متأملاً التفاصيل التي ساعدت في اكتماله، شيء لا يُصدّق؛ كيف استطاع أخيراً صنعه، وبذلك الكمال لدرجة أن الحياةَ ستدبّ في أوصالهِ؛ سَيجْري الدم في العروق، وينتشر الدفءُ فيه؟ شعَر بفخرٍ ونشوةٍ خرجتْ على شكل نفَسٍ عميقٍ وزفرةٍ طويلةٍ حتى كادَت رئتاه تخرجان مع الهواء».

تتطور الأحداث سريعاً لتصاب القرية بلعنة الجفاف وغيرها من المصائب الموسمية، فتكون المفاجأة أن أهاليها يلقون باللائمة على روع «محجان» وقد تحول في نظرهم إلى أصل كل الشرور، لكن الأكثر غرابة هو انتفاء الحد الفاصل بين الواقع والخيال في علاقة «محجان» بتمثاله؛ إذ يسكنه خوف مقيم ورعب حقيقي من «الرَّوع» وقد بدا له أنه لعنة تطارده في الصحو والمنام.

و«محجان» هو لقب بطل الرواية؛ إذ إن اسمه «عبيد بن ربيع»، لكنه لُقِّب بـ«محجان»؛ لأنه «يشبه (محجان) الراعيات، تلك العصا الطويلة التي يخبِطنَ بها أوراقَ الأشجارِ العاليةِ لتتساقط إطعاماً للماشية. فما إن أكملَ سنواتِ طفولته حتى صار أطولَ مَن في القريةِ».

ومن أجواء الرواية، نقرأ:

«جثّةٌ بلا رأس، بلا كفَّيْن أو قدمَيْن، تَمْثُلُ مصلوبةً على روع الحقل. كانت تستقبلُ بصدرها الغربَ، عاريةً إلّا من خرقةٍ ممزّقةٍ تستر وسطَها وقد نزَّ الدمُ من رقبتها وسالَ على صدرِها وتخثّر. رجلاها مربوطتان على الجذع دونَ أن تلامسَ أصابعُهما التراب. لمن هذه الجثّة يا إلهي؟ من أين جاءت؟ كيف وصلَتْ إلى المكان؟ ومن أتى بها؟

سقَطَ محجان لهول المفاجأة، وظلَّ في إغماءته تلك زمناً قبل أن يستيقظ ثانيةً ليُشاهدَ ذلك الجسدَ الممزّق بالطعنِ والجروح في كلِّ جزءٍ منه. ازدادَ جحوظُ عينَيه وتشنُّجُ قسماتِ وجهه. وأخذت أصابعُه تنبشُ في التّرابِ عميقاً لعلّه يحفرُ مخبأً يقيه من الموت الجاثم أمامه؛ إذ لَمْ يسبق له أن رأى شيئاً كهذا في حياته. اسودّت الدنيا في عينَيه، وكأنّ جاثوماً يضغطُ عليه ويُكبّل حركتَه وهو يحاولُ جاهداً الخروجَ من الكابوس، يحاولُ أن يقفز أو يهوي، وبعدَها يصحو، وليَكُنْ ما يكون.

ورغم ذلك، فإنّ الخوف الذي امتلأتْ به تلك اللّحظة، وجسدُهُ مُلقًى على التراب، لم يمنَعْ ضحكةً سمجةً من التجاوب في صدرِه؛ إذ سخرَ فجأةً من الموقف كلّه، ووصَفه بالكذبة. فلطالما سمعَ الأكاذيب وعاشَ في متاهاتها. ألَمْ يكن كُلُّ مَنْ حَوْلَهُ يكذب؟ والدموعُ التي فاضت ذاتَ يومٍ على فقيدٍ في القرية، ألَمْ تسبقها لعناتٌ كثيرةٌ عليه؟ وماذا يخفي الحبّ، خلفَ أقنعة الوجوه، غير الكراهية والحقد؟ والطّاعةُ؟ ألا يتوارى بين طيّاتها عصيانٌ بغيض؟

رفعَ عينَيه إلى السماء مُستجدياً، فلمحَ قبيلةً من الغربان. ركضَ وتعثّر، قامَ وسقط، إلّا أنّه لم يجرؤ على الاستسلام. تعثّر مرّةً أخيرةً قُبيلَ خروجِه من مزرعته. تلقّفَ الأرض براحتَي يدَيه كي لا يرتطمَ وجهُه بالطمي، وأحسّ بالمكان يجتذبُه إليه ليعيقَه عن الذهاب، وشعرَ بكائناتٍ سوداء تسحبُه محاوِلةً إرجاعَه إلى الروع.

- حسّيت كأنّي أنا المصلوب.

تلك هي الجملة الّتي سيظلّ يُردّدُها وهو يحكي الحكايةَ مرّاتٍ عديدةً لزوجته وأهل قريته المشدوهين».



مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء

مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء
TT

مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء

مبادرة سويسرية لإنشاء مركز عالمي للصحراء

أطلقت مجموعة من النخب السويسرية مبادرة عالمية لإنشاء مركز عالمي لجذب الباحثين وأصحاب المصالح والرؤى المكرسين لفهم وحماية الصحراء، ليكون رمزاً لممارسة مستقبلية تجمع بين الوعي التاريخي والبحث الابتكاري والمسؤولية الاجتماعية.

المبادرة كانت من فكرة الروائي الطارقي والسويسري إبراهيم الكوني، واستضافتها جامعة نيويورك أبوظبي، بمشاركة المفكّر السويسري، والأكاديمي، دكتور ريتّو زورغ، رئيس مركز دراسات «روبرت فالسر» في بيرن، والأكاديمي السويسري، المحاضر في جامعة كوبنهاغن، دكتور يان لوب، وسفير سويسرا المعتمد لدى دولة الإمارات العربية المتّحدة دكتور آرثر ماتّلي.

وفي الندوة التي عقدت بحضور أكاديميين وإعلاميين، كشف المشاركون عن أن مهمة المركز ستسهم في دعم البحث والاستكشاف العلمي للصحراء وتعزيز فهم أعمق لبيئة الصحراء، وتعزيز ثقافة وفن وأدب الصحراء، ودعم الاستدامة وضمان الحفاظ على الصحاري وإمكاناتها بمسؤولية للأجيال القادمة.

وحسب دكتور ريتو سورغ فإن المجموعة جلبت معها خبرة واسعة في إدارة وتطوير مشاريع دولية يتقاطع فيها الأدب والأكاديمية والقطاع الخاص، مع إدراك منا أن تحقيق رؤية إبراهيم الكوني لمركز صحراوي متعدد التخصصات يتطلب دعم شركاء من مجموعة واسعة في المجالات الأكاديمية، خاصة العلوم الطبيعية والاجتماعية إلى جانب مستشارين ورعاة محليين.

المبادرة وضعت التعليم والتواصل العام نصب عينيها، حسب البيان الصادر عنها، وذلك من خلال إنتاج المعرفة حول الصحراء ونشرها على نطاق واسع لردم الفجوة بين البحث والمشاركة العامة.

وقال الروائي إبراهيم الكوني في كلمة ألقاها أمام الحضور إن «الصحراء هي الأسطورة في أبجديّة وجودنا، والهجرة فيها هي درس هذه الأبجدية. أمّا الرّعي فهو المدرسة، لأن التجربة برهنت على أن مَن أعجزه أن يروّض نفسه على رعي الأنعام، فهيهات أن يفلح في رعي الأنام، لهذا السبب كان الرعي حرفة الأنبياء، لأن من رَبَّى في نفسه الصبر على شقاوة الأنعام، وحده يستطيع أن يخوض مغامرة ترويض الأنام على الإيمان».

وأضاف: «لقد كان الإنسان الحضري منذ الأزل، يتلقّى رؤيا الخلاص من أنفاس روح النموذج الهجري، كما حدث مع تجربة كل ملحمةٍ نبويّة، أفلا يكون اختيارنا اليوم لواقع هذا المكان البرّي (الإمارات) بمثابة فألٍ حسنٍ، لإطلاق سراح أوّل حرفٍ في أبجديّة تشخيص طبيعة هذه الأحجية، المدعوّة في لغتنا صحراء، لا بصفتها مسقط رأس النبوّة وحسب، ولكن بوصفها مسقط رأس التكوين، الذي استطاع هنا أن يحقق بالإرادة في العمل، وبالحكمة في العقل، حلم التطوير في مفردة، (evolution)، لا بالردّة عن التطوير، المترجمَة في مفهوم التثوير (revolution)، التي أغرقت واقع عالمنا بنزيف الدمّ، لتجهض مشروع النهضة، الذي تغنّت به الآيديولوجيات المفلسة، لتغدو الإمارات النموذج في استثمار السلم، لا في احتراف العنف، في تجربة التغيير، بإدمان أفيونٍ سحري، هو: الحبّ، ليغدو فصل الرأسمال فيه الإنسان من جانب، والطبيعة، التي يسكنها هذا الإنسان، من جانبٍ آخر، بوصفها المستودَع الذي يحتضن نشاط هذا الإنسان؟ وهو اليقين الذي تحوّل قاسماً مشتركاً أعظم بين سويسرا والإمارات، ليكون سرّ تفوّقهما، ليجعلهما قِبلة كلِّ مُريدِ حقيقة، في عالمٍ تغترب فيه الحقيقة، فلا يُدهشنا أن ننتدبهما اليوم ليكونا هما الشاهدَين على مبادرتنا في إنصاف هذا الفردوس (الصحراء)، المعجونِين من طينته، ولكننا المنكرون لنعمته، فنعمل أخيراً ما من شأنه أن يمكّنه من أن ينطق بحجّته، ليترافع عن نفسه!».