رحلة في عالم تمكين الذات

كاتب يدعو إلى تطوير عقلية إيجابية تساعد على تحقيق الأهداف

رحلة في عالم تمكين الذات
TT

رحلة في عالم تمكين الذات

رحلة في عالم تمكين الذات

أصدرت «منشورات رامينا» في لندن كتاب «أنا أوّلاً... أنا الآن: استراتيجيات لتمكين الذات وبناء مستقبل مشرق»، للمؤلف والمدرب في التنمية الذاتية بهجت بيجاكجي، الذي يقدم فيه دليلاً شاملاً لتحقيق التوازن الشخصي والنمو الذاتي. ترجِم الكتاب إلى العربية عبد الله ميزر، وجاء ليكون «مرجعاً عملياً وعلمياً للراغبين في تحسين حياتهم وتطوير قدراتهم الذاتية بطرق تتماشى مع الحياة المعاصرة وتحدياتها».

يقع الكتاب في 11 فصلاً، يتناول كل منها جانباً من جوانب التمكين الشخصي. تبدأ الفصول بتوضيح أهمية التفكير الإيجابي، ثم تنتقل إلى مواضيع أكثر عمقاً مثل التسويف والمماطلة، وضبط النفس، والانضباط الشخصي، والتحدي الذي يُبرز كيفية التحكم في الرغبات والاندفاع. كما يؤكّد أهمية استثمار الوقت وتطوير العلاقات الاجتماعية الإيجابية التي تُثري تجارب الحياة.

يقدم الكتاب أدوات واستراتيجيات يعتقد المؤلف أنها فعالة لمواجهة التحديات اليومية، سواء كانت مهنية أو عاطفية، ويتحدث عن أهمية التخلي عن الأفكار السلبية وتطوير عقلية إيجابية تساعد على تحقيق الأهداف. بالإضافة إلى ذلك، يعرض خطوات عملية لتحسين مهارات التواصل وبناء علاقات ناجحة، سواء في بيئة العمل أو في الحياة الشخصية.

يبدأ الكتاب بطرح فكرة التفكير الإيجابي أساساً لتحسين جودة الحياة، حيث يقدم بيجاكجي في الفصول الأولى أساليب مدروسة لتغيير الأنماط السلبية والتفكير بتفاؤل، مشيراً إلى أن هذا النوع من التفكير يمكن أن يكون دافعاً رئيسياً للنجاح. ويسهب المؤلف في تقديم تقنيات الوضوح العقلي التي تساعد القارئ على فهم ذاته وتحديد أولوياته بشكل أوضح.

في فصل «الدافع»، يتناول بيجاكجي مسألة إيجاد الدافع الداخلي للتغيير، وكيف أن تحفيز الذات يشكل جزءاً أساسياً من الرحلة نحو تحقيق الأهداف. يقدم الكتاب استراتيجيات عملية تساعد القارئ على اكتشاف دوافعه الحقيقية، وتعزيز ثقته بنفسه ليصبح قادراً على تحقيق التحولات التي يرغب فيها.

أما في الفصل الرابع، الذي يحمل عنوان «سرّ السعادة بسيط»، فيستعرض المؤلف مفهوم السعادة من منظور شخصي ونفسي، معتبراً أن السعادة لا تأتي من الخارج، بل هي نتاج سلسلة من القرارات التي يتخذها الشخص يومياً. يعتمد بيجاكجي في هذا الفصل على مجموعة من الأمثلة والمواقف التي توضح كيف يمكن للتغيرات البسيطة في السلوك والتفكير أن تخلق تحولاً كبيراً في حياة الفرد.

يخصص الكتاب فصلاً للحديث عن العلاجات المجتمعية، مؤكداً دور العلاقات الإنسانية في دعم الأفراد. ويوضح بيجاكجي أن التفاعل مع المجتمع والأصدقاء يمكن أن يكون مصدر قوة للشخص، وأن التشارك في التجارب يساعد على تعزيز المرونة النفسية، وتخطي التحديات بسهولة أكبر. ويشدد على أهمية الدعم الاجتماعي ووجود دوائر آمنة للمناقشة والتواصل، حيث يعزز ذلك من فرص الاستقرار النفسي ويعطي حياة الإنسان معنى أعمق.

في الفصل السادس، يسلط بيجاكجي الضوء على ظاهرة التسويف والمماطلة، مشيراً إلى الأسباب النفسية وراء هذه العادة، وآثارها السلبية على النجاح الشخصي والمهني. يتناول هذا الفصل بعضاً من الأساليب الفعّالة التي تساعد القارئ على التغلب على المماطلة، مثل تقنية تقسيم المهام ووضع جداول زمنية واضحة. يعرض المؤلف أمثلة واقعية ونصائح تطبيقية، بما فيها تحديات صغيرة تساعد على كسر حلقة التسويف تدريجياً وتدفع الشخص نحو الإنجاز الفعلي.

ينتهي الكتاب بفصل عن أهمية الوقت المخصص للذات، حيث يرى بيجاكجي أن قضاء الوقت في التفكير والتأمل هو جزء أساسي من بناء شخصية متوازنة. يشير المؤلف إلى أن تخصيص وقت للذات يساعد على تحقيق السلام الداخلي، ويمكن من خلاله بناء الثقة بالنفس وتعزيز الرضا الشخصي. ويؤكد أن هذا الوقت يعد محطة للعودة إلى الذات وتحديد الاتجاهات المستقبلية بشكل أفضل.

ويقول الناشر إن هذا الكتاب يعد خطوة عملية لأولئك الساعين نحو تحسين ذواتهم والتعامل مع الحياة بمزيد من الإيجابية والتوازن، ومرجعاً للراغبين في تحقيق إنجازات شخصية ومهنية، مقدّماً أدوات فعّالة يمكن تطبيقها في الحياة اليومية.

والمؤلف بهجت بيجاكجي بريطاني - تركي، وهو كاتب ومدرب في مجال التطوير الذاتي. بدأ حياته المهنية في مجال القانون في تركيا ولندن، حيث عمل محامياً ومستشار أعمال لفترة طويلة. وقد ساعدته هذه التجربة على فهم التحديات النفسية والاجتماعية التي يواجهها الأفراد، مما قاده إلى تطوير اهتمامه في مجال التنمية الذاتية.

في عام 2018، قرر بيجاكجي تحويل مساره بالكامل نحو التدريب على النمو الشخصي وتمكين الذات، حيث أسس موقعاً إلكترونياً يعرض من خلاله محتوى تثقيفياً متنوعاً يشمل مدونات ومقالات تحفيزية، بالإضافة إلى بودكاست يُلقي من خلاله الضوء على أفكار ملهمة حول تحسين جودة الحياة وتحقيق الأهداف. يجمع بيجاكجي في كتاباته وأعماله بين مبادئ التحفيز النفسي وتقنيات عملية يمكن تطبيقها في الحياة اليومية.

يؤكد بيجاكجي أهمية إدراك الإنسان قيمته الذاتية وقدراته الكامنة، ويحرص على تشجيع القراء على تبني فكر إيجابي يعزز من تقديرهم لذواتهم وقدراتهم. كما يقدم بيجاكجي تدريبات حول إدارة المشاعر، وتنمية الوعي الذاتي، واستخدام الاستراتيجيات التحفيزية لمواجهة تحديات الحياة بنجاح.

أما عبد الله ميزر، فهو مترجم وكاتب سوريّ مقيم في الإمارات العربية المتّحدة. له كثير من الترجمات في الفنون والثقافة والسينما والسياسة بين اللغتين العربية والإنجليزية.



سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم
TT

سوريا الماضي والمستقبل في عيون مثقفيها

هاني نديم
هاني نديم

بالكثير من التفاؤل والأمل والقليل من الحذر يتحدث أدباء وشعراء سوريون عن صورة سوريا الجديدة، بعد الإطاحة بنظام الأسد الديكتاتوري، مشبهين سقوطه بالمعجزة التي طال انتظارها... قراءة من زاوية خاصة يمتزج فيها الماضي بالحاضر، وتتشوف المستقبل بعين بصيرة بدروس التاريخ، لأحد أجمل البلدان العربية الضاربة بعمق في جذور الحضارة الإنسانية، وها هي تنهض من كابوس طويل.

«حدوث ما لم يكن حدوثه ممكناً»

خليل النعيمي

بهذه العبارة يصف الكاتب الروائي خليل النعيمي المشهد الحالي ببلاده، مشيراً إلى أن هذه العبارة تلخص وتكشف عن سر السعادة العظمى التي أحس بها معظم السوريين الذين كانوا ضحية الاستبداد والعَسْف والطغيان منذ عقود، فما حدث كان تمرّداً شجاعاً انبثق كالريح العاصفة في وجه الطغاة الذين لم يكونوا يتوقعونه، وهو ما حطّم أركان النظام المستبد بشكل مباشر وفوري، وأزاح جُثومه المزمن فوق القلوب منذ عشرات السنين. ونحن ننتظر المعجزة، ننتظر حدوث ما لم نعد نأمل في حدوثه وهو قلب صفحة الطغيان: «كان انتظارنا طويلاً، طويلاً جداً، حتى إن الكثيرين منا صاروا يشُكّون في أنهم سيكونون أحياءً عندما تحين الساعة المنتظرة، والآن قَلْب الطغيان لا يكفي، والمهم ماذا سنفعل بعد سقوط الاستبداد المقيت؟ وكيف ستُدار البلاد؟ الطغيان فَتّت سوريا، وشَتّت أهلها، وأفْقرها، وأهان شعبها، هذا كله عرفناه وعشناه. ولكن، ما ستفعله الثورة المنتصرة هو الذي يملأ قلوبنا، اليوم بالقلَق، ويشغل أفكارنا بالتساؤلات».

ويشير إلى أن مهمة الثورة ثقيلة، وأساسية، مضيفاً: «نتمنّى لها أن تنجح في ممارستها الثورية ونريد أن تكون سوريا لكل السوريين الآن، وليس فيما بعد، نريد أن تكون سوريا جمهورية ديمقراطية حرة عادلة متعددة الأعراق والإثنيّات، بلا تفريق أو تمزيق. لا فرق فيها بين المرأة والرجل، ولا بين سوري وسوري تحت أي سبب أو بيان. شعارها: حرية، عدالة، مساواة».

مشاركة المثقفين

رشا عمران

وترى الشاعرة رشا عمران أن المثقفين لا بد أن يشاركوا بفاعلية في رسم ملامح سوريا المستقبل، مشيرة إلى أن معجزة حدثت بسقوط النظام وخلاص السوريين جميعاً منه، حتى لو كان قد حدث ذلك نتيجة توافقات دولية ولكن لا بأس، فهذه التوافقات جاءت في مصلحة الشعب.

وتشير إلى أن السوريين سيتعاملون مع السلطة الحالية بوصفها مرحلة انتقالية ريثما يتم ضبط الوضع الأمني ويستقر البلد قليلاً، فما حدث كان بمثابة الزلزال، مع الهروب لرأس النظام حيث انهارت دولته تماماً، مؤسساته العسكرية والأمنية والحزبية كل شيء انهار، وحصل الفراغ المخيف.

وتشدد رشا عمران على أن النظام قد سقط لكن الثورة الحقيقية تبدأ الآن لإنقاذ سوريا ومستقبلها من الضياع ولا سبيل لهذا سوى اتحاد شعبها بكل فئاته وأديانه وإثنياته، فنحن بلد متعدد ومتنوع والسوريون جميعاً يريدون بناء دولة تتناسب مع هذا التنوع والاختلاف، ولن يتحقق هذا إلا بالمزيد من النضال المدني، بالمبادرات المدنية وبتشكيل أحزاب ومنتديات سياسية وفكرية، بتنشيط المجتمع سياسياً وفكرياً وثقافياً.

وتوضح الشاعرة السورية أن هذا يتطلب أيضاً عودة كل الكفاءات السورية من الخارج لمن تسمح له ظروفه بهذا، المطلوب الآن هو عقد مؤتمر وطني تنبثق منه هيئة لصياغة الدستور الذي يتحدد فيه شكل الدولة السورية القادمة، وهذا أيضاً يتطلب وجود مشاركة المثقفين السوريين الذين ينتشرون حول العالم، ينبغي توحيد الجهود اليوم والاتفاق على مواعيد للعودة والبدء في عملية التحول نحو الدولة الديمقراطية التي ننشدها جميعاً.

وداعاً «نظام الخوف»

مروان علي

من جانبه، بدا الشاعر مروان علي وكأنه على يقين بأن مهمة السوريين ليست سهلة أبداً، وأن «نستعيد علاقتنا ببلدنا ووطننا الذي عاد إلينا بعد أكثر من خمسة عقود لم نتنفس فيها هواء الحرية»، لافتاً إلى أنه كان كلما سأله أحد من خارج سوريا حيث يقيم، ماذا تريد من بلادك التي تكتب عنها كثيراً، يرد قائلاً: «أن تعود بلاداً لكل السوريين، أن نفرح ونضحك ونكتب الشعر ونختلف ونغني بالكردية والعربية والسريانية والأرمنية والآشورية».

ويضيف مروان: «قبل سنوات كتبت عن (بلاد الخوف الأخير)، الخوف الذي لا بد أن يغادر سماء سوريا الجميلة كي نرى الزرقة في السماء نهاراً والنجوم ليلاً، أن نحكي دون خوف في البيت وفي المقهى وفي الشارع. سقط نظام الخوف وعلينا أن نعمل على إسقاط الخوف في دواخلنا ونحب هذه البلاد لأنها تستحق».

المساواة والعدل

ويشير الكاتب والشاعر هاني نديم إلى أن المشهد في سوريا اليوم ضبابي، ولم يستقر الأمر لنعرف بأي اتجاه نحن ذاهبون وأي أدوات سنستخدم، القلق اليوم ناتج عن الفراغ الدستوري والحكومي ولكن إلى لحظة كتابة هذه السطور، لا يوجد هرج ومرج، وهذا مبشر جداً، لافتاً إلى أن سوريا بلد خاص جداً بمكوناته البشرية، هناك تعدد هائل، إثني وديني ومذهبي وآيديولوجي، وبالتالي علينا أن نحفظ «المساواة والعدل» لكل هؤلاء، فهي أول بنود المواطنة.

ويضيف نديم: «دائماً ما أقول إن سوريا رأسمالها الوحيد هم السوريون، أبناؤها هم الخزينة المركزية للبلاد، مبدعون وأدباء، وأطباء، وحرفيون، أتمنى أن يتم تفعيل أدوار أبنائها كل في اختصاصه وضبط البلاد بإطار قانوني حكيم. أحلم أن أرى سوريا في مكانها الصحيح، في المقدمة».

خالد حسين

العبور إلى بر الأمان

ومن جانبه، يرصد الأكاديمي والناقد خالد حسين بعض المؤشرات المقلقة من وجهة نظره مثل تغذية أطراف خارجية للعداء بين العرب والأكراد داخل سوريا، فضلاً عن الجامعات التي فقدت استقلالها العلمي وحيادها الأكاديمي في عهد النظام السابق بوصفها مكاناً لتلقي العلم وإنتاج الفكر، والآن هناك من يريد أن يجعلها ساحة لنشر أفكاره ومعتقداته الشخصية وفرضها على الجميع.

ويرى حسين أن العبور إلى بر الأمان مرهونٌ في الوقت الحاضر بتوفير ضروريات الحياة للسوريين قبل كلّ شيء: الكهرباء، والخبز، والتدفئة والسلام الأهلي، بعد انتهاء هذه المرحلة الانتقالية يمكن للسوريين الانطلاق نحو عقد مؤتمر وطني، والاتفاق على دستور مدني ديمقراطي ينطوي بصورة حاسمة وقاطعة على الاعتراف بالتداول السلمي للسلطة، وحقوق المكوّنات الاجتماعية المذهبية والعرقية، وحريات التعبير وحقوق المرأة والاعتراف باللغات الوطنية.

ويشير إلى أنه بهذا الدستور المدني المؤسَّس على الشرعية الدولية لحقوق الإنسان يمكن أن تتبلور أحلامه في سوريا القادمة، حينما يرى العدالة الاجتماعية، فهذا هو الوطن الذي يتمناه دون تشبيح أو أبواق، أو طائفية، أو سجون، موضحاً أن الفرصة مواتية لاختراع سوريا جديدة ومختلفة دون كوابيس.

ويختتم قائلاً: «يمكن القول أخيراً إنّ مهام المثقف السوري الآن الدعوة إلى الوئام والسلام بين المكوّنات وتقويض أي شكل من أشكال خطاب الهيمنة والغلواء الطائفي وإرادة القوة في المستقبل لكي تتبوّأ سوريا مكانتها الحضارية والثقافية في الشرق الأوسط».