«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي

«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي  بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي
TT

«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي

«الشارقة... وجهة نظر» يحتفي  بتجارب أربعة فنانين في التصوير الفوتوغرافي

تنظم مؤسسة الشارقة للفنون ضمن برنامجها لخريف 2024، الدورة الثانية عشرة من معرضها السنوي للتصوير الفوتوغرافي «الشارقة... وجهة نظر»، الذي يقام في بيت عبيد الشامسي التراثي، في الفترة بين 28 سبتمبر (أيلول) و8 ديسمبر (كانون الأول) 2024.

تسلط هذه النسخة الضوء على المصورين الصاعدين من المنطقة وخارجها، وتقام تحت عنوان «لو كنتُ غيري» المستوحى من قصيدة للشاعر محمود درويش، وتستحضر الأعمال المعروضة تجارب شخصية على مستويي التاريخ والذاكرة الجماعية، ورغم تنوّع المنهجيات المستخدمة في إنشاء الصور الفوتوغرافية، فإن جميعها تجمعها ذكريات متشظية تتناغم مع التجارب الإنسانية المشتركة.

واختارت المؤسسة أربعة فنانين من الشباب، ممن قدموا طلباتهم للمشاركة في المعرض وذلك من خلال دعوة دولية مفتوحة، هم: سارة قنطار، وثاسيل سوهارا بكر، وأروم دايو، ومشفق الرحمن جوهان، ليجمع المعرض بين أصوات وتجارب متنوعة، مجسداً روح التجريب في التصوير الفوتوغرافي المعاصر، ويقدم منصة ديناميكية تستعرض مجموعة واسعة من الأساليب، بدءاً من الوثائقية وصولاً إلى التجريبية.

تعاين أروم دايو (مواليد 1984، جاوة الوسطى، إندونيسيا) من خلال مشروعها: الثقافة والمجتمع الحديثَين في جاوة، مركِّزةً على قضايا النسوية والأمومة والضغوط التي تواجهها النساء العازبات.

ويسافر المصور الوثائقي وعالم الأنثروبولوجيا مشفق الرحمن جوهان (مواليد 1997، بنغلاديش) في جميع أنحاء بنغلاديش لالتقاط السرديات البصرية التي تسلط الضوء على القضايا الإنسانية وتوثيق مصاعب المجتمعات المهمشة في صراعها مع النزوح.

أما المصورة والمخرجة السورية سارة القنطار فتوثّق تجاربها الشخصية في المنفى ململمةً شظايا الذكريات المنسية ومعاينةً آثار النزوح عبر سلسلتها الفوتوغرافية «نحو النور»، إذ تسجل عبورها من سوريا إلى اليونان مروراً بتركيا بين ديسمبر 2015 وفبراير (شباط) 2016، حيث استخدمت هاتفها المحمول لتصوير رحلتها المحفوفة بالمخاطر، وشاركت الصور مع عائلتها، لطمأنتهم عن وضعها وسلامتها.

وفي سلسلته «شواطئ مضاءة» يعاين ثاسيل سوهارا بكر (مواليد 1992، كيرلا) مواضيع البيئة والسياسات الحيوية عبر عدسة مزدوجة عمادها المسرح والفن البصري. في رحلة استمرت استمرت لثلاثة أشهر زار فيها خمس ولايات هندية، وتتضمن صوراً التقطها خلال الاضطرابات التي عمّت البلاد، جراء جائحة كوفيد-19 وأدت إلى تشريد مجتمعات الطبقة العاملة والتسبب بخسائر فادحة في الأرواح، بما لا يتناسب مع خسائر الطبقات الأخرى.

يُذكر أن أعمال كل فنان ستُعرض في هذه الدورة بشكل مستقل على امتداد بيت الشامسي كما تتضمن برنامجاً إرشادياً مهنياً فردياً، يتيح للفنانين فرصة التواصل مع ممارسين ثقافيين محترفين يختارونهم بأنفسهم.



محمد الفولي يروي تجربته في النقل عن الإسبانية

محمد الفولي
محمد الفولي
TT

محمد الفولي يروي تجربته في النقل عن الإسبانية

محمد الفولي
محمد الفولي

يروي المترجم محمد الفولي في كتابه «النص الأصلي - عن الترجمة ومسارات الحياة» الصادر عن دار «الكرمة» بالقاهرة فصولاً من كواليس وخفايا الترجمة الأدبية بين اللذة والمعاناة، انطلاقاً من تجربته الشخصية كمترجم قدّم للمكتبة العربية 28 كتاباً عن الإسبانية، فضلاً عن 4 كتب قيد النشر.

ويضرب الفولي مثالاً شديد الدلالة بأزمة المترجم مع السياق العام، الذي قد يبدو غامضاً أحياناً، فيتسبب الأمر في مشكلات كارثية، مشيراً إلى أن «أفضل مثال مبدئي يمكنني طرحه لإيضاح قدرة السياق على تحديد المعنى المقصود في الترجمة هو

رواية (العصامي) للكاتب التشيلي إيرنان ربييرا ليتيلير، التي تدور أحداثها كأغلب رواياته في مستوطنات الملح الصخري في صحراء (أتاكاما) التشيلية».

ويضيف: «حين عرض الناشر على الفولي الاشتغال على الرواية، طلب كالعادة مهلة زمنية لقراءتها كي يحدد أولاً ما إذا كانت ستروقه أم لا، وثانياً لمعرفة ماهية الصعوبات التي قد تعرقله أثناء هذه المهمة، وبناء على هذا تحديد المهلة الزمنية المتوقعة لتسليم الترجمة».

النصّ وسياق الحياة

الغريب أنه حين بدأ الفولي القراءة شعر بعجز تام أمام النصّ حتى إنه لم يفهم نسبة تكاد تقارب الربع من مفرداته، التي لم تتوافق قط مع السياق الذي ظهرت فيه داخل الكتاب. وليس مرد الأمر تقعير لغوي مبالغ فيه استخدمه المؤلف التشيلي، ولا إلى وجود تركيبات طويلة من الفقرات الملأى بجمل اعتراضية، يصعب معها استشفاف المعاني.

بل ارتبطت المسألة برمتها، كما يوضح، بسياق الحياة الاجتماعي والتاريخي في هذه المستوطنات التي تبعثرت هنا وهناك، وسط صحراء «أتاكاما» الشاسعة، «وهذا لم يخلق لهجة أو لغة جديدة فحسب، بل سياقاً لغوياً اكتسبت فيه الكلمات معاني مختلفة عن معانيها الأصلية ومفردات جديدة تماماً. حدث كل هذا طبعاً على أرض الواقع، وتعمد ليتيلير أن ينقله كما هو إلى صفحات أغلب رواياته، التي تتناول الحياة في هذا العالم».

لم يستسلم الفولي لإحساسه بالعجز، بل بدأ العمل بهدوء بعد تلاشي آثار الصدمة، وتحديد دوائر البحث الأولية. وفي الوقت نفسه، بدأ عملية البحث في المصادر التاريخية التشيلية لمعرفة كيف ظهرت صناعة الملح الصخري؟ ولماذا استمرت هذه المدة؟ وكيف انتهت؟ ولماذا بُنيت هذه المستوطنات أصلاً في وسط الصحراء؟

بعد بحث مضنٍ وطويل، تضمن تجربة عدد لا بأس به من الكلمات المفتاحية المحتملة، انفتحت أبواب «الفردوس الإلكتروني» حين ظهر له رابط سحري قاده إلى تحميل نسخة ضوئية رقمية لقاموس صادر عن جامعة تشيلي عام 1934. وحين اطلع على الملف، تهللت أساريره، لأن عنوانه هو مفردات الملح الصخري. كان عجزه منطقياً، فقد خلق عالم مستوطنات الملح الصخري سياقه اللغوي الخاص، إلى درجة أن جامعة تشيلية كلّفت نفسها عناء إصدار قاموس يوضح معانيه.

هكذا تمكن محمد الفولي، عبر هذا القاموس السحري، من حلّ الأزمة، وتبين على سبيل المثال لا الحصر أن كلمة «buque» التي إن بحث المرء عنها في أي قاموس من الإسبانية إلى العربية، أو أي قاموس أحادي اللغة، بما فيها قاموس «الأكاديمية الملكية الإسبانية»، فسيجد أن معناها «سفينة» أو «باخرة» أو «مركب»، لكن هنا وتحديداً في السياق اللغوي لمستوطنات الملح الصخري يغدو معناها «سكن العُزاب». هكذا تمنطق كل ما بدا شاذاً، فمن المستحيل وفقاً للسياق أن يعيش بطل العمل ومن معه في سفينة أو باخرة وسط الصحراء، لكن أن يعيشوا في سكن للعزاب أمر يقبله العقل.

كذلك، عرف أيضاً أن كلمة «oficina » التي إن بحث عنها المرء في أي قاموس وفقاً لكل التصنيفات التي ذكرناها سلفاً، فسيجد أن معناها «مكتب»، لكن معنى هذه الكلمة داخل هذا السياق اللغوي مختلف، فالمقصود هنا «المستوطنات» التي عاش وعمل فيها هؤلاء القوم الذين جابهوا حرّ الصحراء وشمسها القاسية وزوابع رمالها نهاراً وبرودة خلائها ليلاً. تلك الأماكن التي أنشئت فيها مدارس ومقاصف ومطاعم وأماكن ترفيه بدائية، بما فيها السينما، وكانت تفكك مع انتهاء العمل في كل منجم يجاورها لتنقل العائلات التي سكّنتها إلى مكان آخر تماماً في وسط الصحراء قرب أي منجم جديد.

من المفترض بالنسبة للمحرر الأدبي الجيد ألا يتدخل في النص المترجم إلا إذا استدعت الحاجة

تدخل المحرر الأدبي

ويشير الفولي إلى نقطة أخرى، تتعلق بعمل المحرر الأدبي، وهو يعتقد أنه «من المفترض بالنسبة للمحرر الجيد، الذي يعمل لدى الناشر، ويشتغل على نسخة المترجم، ألا يتدخل في النص المترجم إلا إذا استدعت الحاجة، وألا يمارس (تغييرات صبيانية) من دون داعٍ، لكن ما يحدث على أرض الواقع يأتي أحياناً عكس ذلك». ويذكر أنه شاهد هراء كثيراً في «تحرير» بعض من ترجماته، ومنها أشياء كادت تصيبه بالجنون، وتعلقت بإدخال تغييرات من دون أي سبب أو منطق واضح، فهي تغييرات لمجرد التغيير!

على سبيل المثال، يغير محرر ما جملة «من جهة أخرى» إلى «من جانب آخر»، فيقول الفولي: «حسناً ربما هذه صيغته المفضلة. وذات مرة، استخدم المترجم عبارة «شُغل عيال» التي تنتمي إلى العامية المصرية، لكن يمكن قراءتها بالفصحى ومفهومة من المحيط إلى الخليج، لكن المحرر قام بتعديلها إلى «أفعال صبيانية»، مع أنها وردت في النص الأصلي بمصطلح دارج يوازي في طبقته اللغوية كلمتي «شغل عيال».

ويتوجه الفولي في نهاية الكتاب بعدة نصائح أو رسائل من واقع تجربته العملية إلى المترجمين الشبان، مؤكداً أن الفشل من ثوابت الحياة. ليس عثرة، إنه جزء من الطريق، بل الطريق الوحيد نحو النجاح.

ويضيف قائلاً: «قد تفشلون في فهم المعاني وفي تقديم أفكاركم وفي صياغة عروضكم أمام الناشرين، ومع كل مرة تلعنون فيها أنفسكم أو العالم ستضعون أياديكم على مكمن الخطأ، ستقبضون عليه بأصابعكم المرتعشة من فرط الندم أو الغضب. هكذا فحسب ستعرفونه وستعترفون به، وحينئذ لن تكرروه. لا أحد يفوز دائماً. الأفضل هو من يخسر وينهض ويقاوم، لأن من يستمر في المقاومة لا ينهزم أبداً».