أهمية القانون في دعم اقتصاد الفن واستثماره

لعل حقوق الملكية الفكرية من أكثر المواضيع المرتبطة به

زهرة دوغان - مدينة نصيبين
زهرة دوغان - مدينة نصيبين
TT

أهمية القانون في دعم اقتصاد الفن واستثماره

زهرة دوغان - مدينة نصيبين
زهرة دوغان - مدينة نصيبين

تأتي علاقة الفن بالقانون من عدة جوانب، فيمكن أن يكون موضوعاً يجري التعبير عنه، أو عن المفاهيم والحالات الإنسانية المرتبطة به، كالعدالة والمساواة والبراءة. كما يمكن أن يُستخدم الفن قوةً ناعمةً للتعبير عن القضايا القانونية أو المجتمعية، حين يسلّط الضوء على القضية من دون إثارة الجدل أو تحميله شكل المعارضة المجتمعية.

ومع ذلك قد يكون هذا التعبير الفني «خشناً» أحياناً، أو صادماً ومفاجئاً كحالة الفنانة الكردية زهرة دوغان، التي حُكم عليها بالسجن بتهمة الدعاية الإرهابية، حين نشرت لوحة تصوِّر مدينة نصيبين في تركيا بعد اشتباكات بين الجيش التركي والأكراد، مع رسم الأعلام التركية على المباني المدمَّرة، في إشارة واتهام واضحين للسلطات التركية بالتعدي والهجوم على المدنيين.

وفي حالات يمكن أن يكون الفن بحد ذاته قضية قانونية، بسبب عدم وجود تعريفات دقيقة للفنون، خصوصاً الفن المعاصر. وقد ظهرت هذه الإشكالية في بداية القرن العشرين، حين تغير الفن ولم يعد محاكاة للواقع. فالفنان على سبيل المثال لن يهمه رسم الطائر بشكل واقعي لأن الصور الفوتوغرافية تقوم بذلك، فبحث الفنان عن شكل آخر للتعبير، كالتعبير عن حالة تحليق الطير مثلاً؛ وهو ما قام به الفنان الروماني برانكوزي في منحوتته «طائر يحلق في السماء» التي توحي بالانطلاق والحرية. هذا العمل كان مثار قضية عام 1926م في الولايات المتحدة –التي تستثنى الأعمال الفنية بما فيها المنحوتات من ضريبة الاستيراد- فعند وصول المنحوتة إلى أميركا، رفضت السلطات اعتبارها عملاً فنياً وفرضت ضريبة استيراد، لأنها لا تمثل الطير، حينها رفع الفنان قضية للدفاع عن عمله وقدم شهادات من عدة خبراء في الفنون. وكانت نهاية الحكم هو أن تعريف الفن وقتها لم يعد صالحاً ومناسباً لاتجاهات الفن الحديثة التي ابتعدت عن التمثيل والمحاكاة واتجهت نحو التجريد.

قضية شيبرد فيري... العمل الفني والصورة الأصل

قانون الفن

وقد ظهر تخصص «قانون الفن» لدى بعض شركات المحاماة العالمية، بعد الحرب العالمية الثانية، عندما استولى النازيون على كثير من الأعمال الفنية في أوروبا، وبعدما طالبت الأوطان الأصلية لهذه الأعمال، باستعادتها وحمايتها والتعويض عما تعرضت له من حالات تزوير وتهريب.

يتضمن هذا التخصص حالات التزوير والاحتيال، والضرائب، وحفظ وحماية الحقوق، وعمليات البيع والشراء وغيرها من الجوانب. خصوصاً مع الأعمال ذات القيمة التاريخية، حيث تظهر أهمية الوثائق التي تدل على أصل العمل، كما أن عدم وجود وثائق تثبت صحة عمليات البيع والشراء وانتقال الملكية المرتبطة به، قد يدل على أن العمل الفني -يتيم- مسروق، مما يؤثر بالتالي في قيمته المادية.

ولعل حقوق الملكية الفكرية من أكثر المواضيع المرتبطة بالقانون، فالعمل الفني يمكن أن يتم استنساخه واستخدامه تجارياً، أو في المنتجات النفعية المختلفة، كالأثاث والأزياء والمطبوعات.

وفي واحدة من القضايا العالمية الشهيرة المرتبطة بالملكية الفكرية، استُخدمت صورة للرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، وجرى تحويلها إلى بوستر، استُخدم في الحملات الانتخابية للرئيس السابق. وكان أصل هذا العمل هو صورة فوتوغرافية التقطها المصور ماني غارسيا، لصالح وكالة «أسوشييتد برس»، وبعد أن حقق البوستر الفني انتشاراً كبيراً لم تنله الصورة الأصل، رفعت الوكالة الإعلامية التي تملك أصل الصورة قضية على الفنان شيبرد فيري الذي استخدم الصورة في تصميمه للبوستر الشهير للمطالبة بتعويض عن استخدامه الصورة الفوتوغرافية، وقد جرى التوصل إلى تسوية خاصة بين الطرفين تضمَّن جزء منها مقاسمة الأرباح التي حصل عليها العمل الفني.

• الفن وغسل الأموال

يوجد كثير من الحالات المشابهة لهذه القضية في الفن نتيجة عدم وجود حدود واضحة للاقتباس والاستلهام، وتشابه الأفكار ومصادر الإلهام التي تجعل من بعض الأساليب والمواضيع الفنية متشابهة.

ومن الجوانب القانونية كذلك، استخدام الفن في غسل الأموال، لإخفاء اكتسابها بطريقة غير مشروعة، بسبب عدم الشفافية والغموض في سوق الفن. ويلاحَظ هذا الغموض في المزادات العالمية، حين تتم الإشارة إلى العمل الفني على أنه ضمن «مجموعة خاصة»، أو حين يباع من خلال ممثلين لمُلاك مجهولي الهوية.

ومن الميزات الاستثمارية للفن، ارتفاع قيمته مع مرور الزمن، وفي ذات الحين إعفاؤه من الضريبة مما يجعله وسيلة لعدد من الأثرياء حول العالم لتجنب الضرائب. ونظراً لاختلاف نظام الضرائب في البلدان، تختلف طرق الاستفادة من هذه الميزة.

ففي بعض الدول يُمنح خفض ضريبي للمتبرعين في المجالات الثقافية والتعليمية، لتشجيع الدعم والتبرع لهذه المجالات، بما يساعد على تقديم الدعم المالي للمتاحف، وفي ذات الوقت خدمة للمجتمع الذي يستفيد من المتاحف، التي تعتمد بشكل كبير على التبرعات الخيرية. كما يمكن الحصول على إعفاء ضريبي، عبر اقتناء الأعمال الفنية ذات القيمة المتزايدة، وحفظها في الموانئ الحرة في مناطق معفاة من الضرائب –كموانئ سويسرا- حيث تتميز هذه الموانئ بمستودعات خاصة تحمي الثروات والأصول الفنية الثمينة.

تشريعات ضرورية

وقد تكون القضايا المتعلقة بالفن من القضايا التي يندر تناولها محلياً في المحاكم السعودية، نظراً لحداثة هذا المجال وعدم انتشاره وصغر حجم الدائرة الاجتماعية المرتبطة به.

فمن ناحية علاقة الفن بالإعفاء الضريبي، فالفن لا يدخل ضمن الإعفاءات المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية لنظام ضريبة القيمة المضافة في المملكة.

كما أن الهيئة السعودية للملكية الفكرية توضح إمكانية تسجيل الفنان عمله بصفته المؤلف الذي قام بإنشائه، وخدمة التسجيل هي خدمة اختيارية، والحماية يكتسبها العمل الفني دون الحاجة لأي إجراء شكلي وفقاً لـ«اتفاقية برن» لحماية المصنفات الأدبية والفنية التي انضمت إليها المملكة عام 2003، حيث نصَّت الاتفاقية على مبدأ الحماية التلقائية.

يمكن أن يكون الفن في حد ذاته قضية قانونية بسبب عدم وجود تعريفات دقيقة للفنون خصوصاً الفن المعاصر

ومع ذلك تظهر الحاجة إلى توضيح بعض الأنظمة الخاصة بالوساطة الفنية والبيع والشراء وانتقال ملكية الأعمال وغيرها. فعلى سبيل المثال، هل يحق للفنان معرفة المقتني لعمله، وما دفع له؟ فالمفترض أن تحصل صالة العرض على نسبة من عملية البيع، إلا أن بعض الصالات تقتني مجموعة من الأعمال، وتعيد بيعها بمبالغ مضاعفة لجهة ما أو مقتنٍ معروف، في أشهُر بسيطة. وفي هذه الحالة يتم تضخيم أسعار الأعمال الفنية، كما أن الفنان لا يعرف القيمة الحقيقية لبيع أعماله. مع أن نظام حماية حقوق المؤلف، يوضح أن للفنان التشكيلي حق التتبع والحصول على نسبة من كل عملية بيع لأعماله الفنية، فكما يشير النظام نصاً، «يتمتع مؤلفو مصنفات الفن التشكيلي ومؤلفو المخطوطات الموسيقية الأصلية -ولو تنازلوا عن ملكية النسخ الأصلية لمصنفاتهم- بالحق في المشاركة بنسبة مئوية عن كل عملية بيع لهذه المصنفات».

كما قدمت وزارة الثقافة في منصتها للتراخيص الثقافية (أبدع) بعض التراخيص المرتبطة بالفن والتي تسهم في تنظيم وتوثيق الأنشطة الفنية. ومع أن الهدف هو الشراكة مع القطاع الخاص ودعم وتمكين النشاط الثقافي في المملكة، إلا أن منح التراخيص وحده لا يبدو كافياً. فالفن بحاجة إلى مزيد من الدعم أسوةً بالمجالات الأخرى التي تقوم الجهات المرتبطة بها تنظيمياً بدعمها بالرعاية والتمويل والتطوير والتسويق، كما في الصناعة والسياحة وغيرها من القطاعات.

إن الفن التشكيلي في السعودية بحاجة إلى توضيح كثيرٍ من الجوانب القانونية المرتبطة به، بما يسهم في دعم اقتصاد الفن والاستثمار فيه. وحفظ حق كلٍّ من الفنان والمقتني وصالة العرض أو الوسيط، خصوصاً مع دعم «رؤية السعودية 2030» للفن وما يحدث حالياً من انتعاش في الحركة التشكيلية السعودية.

* كاتبة وناقدة سعودية


مقالات ذات صلة

في مئويته... بالدوين لا يزال الضحيّة والشاهد

ثقافة وفنون جيمس بالدوين

في مئويته... بالدوين لا يزال الضحيّة والشاهد

يضع كبار نقّاد الثقافة الأميركية في القرن العشرين تأثير مجمل أعمال الصحافيّ الأفروأميركي جيمس بالدوين على الحياة الثقافيّة في الولايات المتحدة في مقام «المذهل».

ندى حطيط
ثقافة وفنون «طباطيب العِبَر»... تحولات المجتمع المصري من منظور قرية

«طباطيب العِبَر»... تحولات المجتمع المصري من منظور قرية

«طباطيب العِبَر» (أو «حكايات أدبية من الدراكسة») للصحافي والكاتب المصري، أسامة الرحيمي، ليس مما يُقرأ ويُنسى، بل يعيش في الذاكرة طويلاً

د. رشيد العناني
كتب «الشارقة الثقافية»: حضور نجيب محفوظ في الصين

«الشارقة الثقافية»: حضور نجيب محفوظ في الصين

صدر أخيراً العدد الـ94، لشهر أغسطس (آب) 2024م، من مجلة «الشارقة الثقافية»، وقد تضمّن مجموعةً من الموضوعات والمقالات والحوارات

«الشرق الأوسط» (الشارقة)
ثقافة وفنون مأدبة أفلاطون

هل طرد أفلاطون الجسد من جنة الحب؟

لم يكن كتاب «المأدبة» الذي وضعه أفلاطون قبل خمسة وعشرين قرناً مجرد مدونة منتهية الصلاحية حول الحب والرغبة والعلاقات بين البشر

شوقي بزيع
ثقافة وفنون مجسمان من محفوظات متحف الكويت الوطني مصدهما جزيرة فيلكا

وجهان فتيّان من فيلكا يتبعان الأسلوب اليوناني

في نهاية خمسينات القرن الماضي، شرعت بعثة دنماركية في استكشاف جزيرة فيلكا الكويتية، وأظهرت الحفائر الأولى مسكناً كبيراً عُرف باسم «دار الضيافة».

محمود الزيباوي

أحمد عائل فقيهي... يوّدع «البكاء تحت خيمة القبيلة» ويسافر «في حقول الضوء»

الشاعر السعودي أحمد عائل فقيهي
الشاعر السعودي أحمد عائل فقيهي
TT

أحمد عائل فقيهي... يوّدع «البكاء تحت خيمة القبيلة» ويسافر «في حقول الضوء»

الشاعر السعودي أحمد عائل فقيهي
الشاعر السعودي أحمد عائل فقيهي

بعد معاناة مع المرض، رحل اليوم (الثلاثاء)، الشاعر والكاتب والصحافي السعودي أحمد عائل فقيهي، القائل في «البكاء تحت خيمة القبيلة»: «وأنا المسافر في حقول الضوء/ والآتي على كتف الرياح/ وأنا المضمّخُ بالجراح/ ولا جراح... ولا جراح».

وُلد أحمد عائل فقيهي في مدينة جازان عام 1952، وكانت أولى قصائده بعنوان «الفجر الأخضر» نهاية السبعينات، وهو من أوائل الذين اشتغلوا على القصيدة الحديثة في السعودية، نشر محلياً وعربياً، وشارك في كثير من المهرجانات الشعرية والثقافية والعربية أهمها مهرجان المربد، ومهرجان جرش، ومهرجان بابل الثقافي في بغداد، ومهرجان الجنادرية، وتم تكريمه في كثير من المؤسسات الثقافية.

وكتب عن تجربته الشعرية الكثير من الدراسات النقدية، بينها: الناقد عبد الله نور، وعبد العزيز المقالح، والناقد الدكتور عالي القرشي، وأحمد فضل شبلول، ومحمد أحمد عواد، ومحمد صالح الشنطي، وأحمد كمال زكي، وفوزي خضر، وآخرون.

واشتغل في الصحافة، وشغل منصب مدير التحرير في جريدة «عكاظ» لسنوات عدة، كان خلالها يكتب مقالاً في زاويته «رفيف الكلام»، إلى جانب مشاركاته العديدة في الأمسيات الشعرية من خلال اللقاءات العربية والمحلية.

الحداثة الشعرية

خلال مسيرته الأدبية كان الشاعر والكاتب السعودي أحمد عائل فقيهي يمزج بين جماليات القصيدة الحديثة التي كان من أوائل الذين كتبوها في السعودية، ورؤيته بصفته كاتباً يدافع عن الحداثة، والتجديد، خصوصاً فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني الذي يرى أن كثيراً منه لا يحمل عمقاً فكرياً فـ«هناك دعاة، وليسوا مفكرين في هذا الخطاب».

رثاه الناقد السعودي الدكتور عبد الله الغذامي، قائلاً عبر منصة «إكس»، قائلاً إن أحمد عائل فقيهي «عاش حياة كلها محبة ووفاء ورقي في التعامل، حمل راية الإبداع، وتصدى لقضية التحديث بنصّه وبتبنيه لأسئلة المرحلة، وواجه الضغوط برحابة عقله، وطهارة روحه ولسانه».

أما الناقد سعيد السريحي فكتب قائلاً: «حين يُكتب تاريخ تجربة الحداثة الشعرية في المملكة ثم لا يذكر اسم أحمد عائل فقيهي باعتباره من أوائل مَن طرقوا أبواب هذه التجربة والمؤسسين لها فإن هذا التاريخ تاريخ ظالم».

وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، (نشر في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012)، قال أحمد عائل فقيهي إنه غير قلق من تراجع الشعر، «لكن يقلقني تراجع القيمة التي يحملها الشعر، وهي الانحياز إلى الإنسان، بوصف هذا الإنسان قيمةً. ولا تأتي أهمية الحياة إلا عبر الشعور بأهمية الإنسان نفسه، وإذا تراجعت قيمة وأهمية الإنسان تراجع كل شيء».

وأضاف: «أما القصيدة فتظل في حالة حضور بقدر حضور معنى القصيدة نفسها، ولا يمكن أن يتحقق هذا المعنى إلا بتحقق جدوى الشعر نفسه، وجدوى اللغة بوصفها المعبّر عن الواقع والمتخيل الذي ينبني عليه هذا الواقع».

وأوضح: «تكمن أهمية القصيدة ليس في قيمتها الجمالية وشعريتها فحسب، ولكن في الموقف الذي تحمله هذه القصيدة سواء من الواقع الاجتماعي، أم من السلطة بمفهومها العام (السياسي، الديني) أو من العالم».

قضية الشعر

في ذلك الحوار مع «الشرق الأوسط» قال فقيهي: «لقد شكّل الشعر الحديث لحظة فاصلة في تاريخ الشعر العربي. هذا الشعر وهذا الإبداع أحدث ثورة على مستوى اللغة وعلى مستوى النظر لمعنى الشعر، ويعتبر من أهم الإنجازات الثقافية والشعرية العربية، وتغييبه هو نتاج تكريس الذهنية الثقافية التقليدية التي تقود المؤسسة التعليمية والتربوية. ولا بد أن يتجاور في المناهج القديم والجديد في الشعر».

وأضاف: «أغلب مَن يتعاملون مع الشعر يقرأونه وينظرون إليه بوصفه لغة، وليس بوصفه معنى. أن تعرف الشعر وتفهمه أهم من أن تقرأه، هناك شعر غارق في التفاهة والهشاشة كما نرى في قصائد النظم. علينا أن نذهب إلى ماهية الشعر الحقيقي. إن السائد على ألسنة الناس هو السطحي وليس الأهم والأعمق».

وأكمل: «الشعر هو جوهرة الإبداع الإنساني، وعلى هامشه وضفافه تقف كل الفنون. والشعراء الكبار هم مَن يعبّرون عن القضايا الكبيرة، والهموم الكبيرة، والانعطافات الكبيرة في التاريخ».

التجربة الشعرية

قدّم أحمد عائل فقيهي للمكتبة الشعرية والأدبية والفكرية عدداً من المؤلفات، بينها كتاب ‏«عَشْرُ مَرَايا... لِوَجْه وَاحِد» الصادر عن «الدار العربية للعلوم ناشرون»، وقدم للديوان بقراءة نقدية الناقد الدكتور عبد العزيز المقالح.

يضم الديوان قصائد في الشعر العربي الحديث، من بينها: «عشر مرايا... ‏لوجه واحد»، و«سوادٌ مدجج بالتآويل»، و«خماسية الاغتراب»، و«في حقيبة مسافر عربي»، و«أبجدية ‏الفقد»، و«فجائياً يكتب قدر الأرض»، و«زهرة بيروت»، و«ورقة صغيرة من دفتر عشق قديم».

كما قدّم فقيهي ديوان «بكائية على صدر الزمان» الصادر عن «مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع»، وهو تجربة شعرية ممتدة لسنوات طويلة تتخللها قصائد عمودية وتفعيلية ونثر.

ومن أبرز النصوص التي كتبها أحمد عائل فقيهي نصّ «البكاء تحت خيمة القبيلة» الذي نُشر لأول مرّة في مجلة «اليمامة» وحظي بقراءة نقدية من الراحل عبد الله نور، وعن هذا النصّ يقول أحمد عائل فقيهي لـ«الشرق الأوسط» في حوار سابق: «يمثل لي نص (البكاء تحت خيمة القبيلة) النص المفارق، تداخل فيه الذاتي مع الزمان والمكان، في ظل عنفوان سنوات التكوين الأولى التي انفتحت على تجربة الحداثة العربية، وعبّر عن لحظة وجدانية ورومانسية مرتبطة بالجذور والأرض، ودلالة المرأة ورمزيتها في هذه الأرض، وهو نص كتب عنه الناقد الراحل عبد الله نور مقارناً بينه وبين قصيدة (القمر) للشاعر البريطاني ديلان توماس، بينما كتب عنه الناقد محمد صالح الشنطي والناقد عالي القرشي. وأنا أتلمس الطريق بحثاً عن هوية شعرية وسط شعراء كبار متميزين في سنوات التكوين الأولى».

المسكون بالقرية

أحمد عائل فقيهي مسكون بروح القرى، تتجلى هذه العلاقة في ديوانه «صباح القرى»، (صدر عن النادي الأدبي بالرياض في 2018)، حملت القصيدة الأولى في الديوان عنوان «البكاء... تحت خيمة القبيلة» كنصٍ افتتاحي، وجاء فيها:

صباح القرى يا صبايا الحي

صباحاً توضّأ بالصحو

صب على القلب إشراقة ومطر

صباحاً له نكهة العشب

تسربل بالغيم

وضوع في الرمل

إضمامة وحجرْ

لتلك البلاد

لإغفاءة البنت تلك التي

أرضعتني حليب الوداد

وألقت على شفتي قبلة ومطرْ

إلى أن يقول في ختامها:

يا شامة الصحراء

يا وجهاً توهج في الخيال

هذي فصول الحلم تتلوها الرمال

وذا كتاب البحر... من يقرأ؟

تلك خاتمة السؤال

يا شامة الصحراء

يا ألق الصباح

هذا ابتداء ينتهي

وذا انتهاء يبتدي

وأنا المسافر في حقول الضوء

والآتي على كتف الرياح

وأنا المضمخ بالجراح

ولا جراح... ولا جراح