أحمد عائل فقيهي... يوّدع «البكاء تحت خيمة القبيلة» ويسافر «في حقول الضوء»

التجربة الشعرية الحديثة في السعودية توّدع أحد أبرز رموزها

الشاعر السعودي أحمد عائل فقيهي
الشاعر السعودي أحمد عائل فقيهي
TT

أحمد عائل فقيهي... يوّدع «البكاء تحت خيمة القبيلة» ويسافر «في حقول الضوء»

الشاعر السعودي أحمد عائل فقيهي
الشاعر السعودي أحمد عائل فقيهي

بعد معاناة مع المرض، رحل اليوم (الثلاثاء)، الشاعر والكاتب والصحافي السعودي أحمد عائل فقيهي، القائل في «البكاء تحت خيمة القبيلة»: «وأنا المسافر في حقول الضوء/ والآتي على كتف الرياح/ وأنا المضمّخُ بالجراح/ ولا جراح... ولا جراح».

وُلد أحمد عائل فقيهي في مدينة جازان عام 1952، وكانت أولى قصائده بعنوان «الفجر الأخضر» نهاية السبعينات، وهو من أوائل الذين اشتغلوا على القصيدة الحديثة في السعودية، نشر محلياً وعربياً، وشارك في كثير من المهرجانات الشعرية والثقافية والعربية أهمها مهرجان المربد، ومهرجان جرش، ومهرجان بابل الثقافي في بغداد، ومهرجان الجنادرية، وتم تكريمه في كثير من المؤسسات الثقافية.

وكتب عن تجربته الشعرية الكثير من الدراسات النقدية، بينها: الناقد عبد الله نور، وعبد العزيز المقالح، والناقد الدكتور عالي القرشي، وأحمد فضل شبلول، ومحمد أحمد عواد، ومحمد صالح الشنطي، وأحمد كمال زكي، وفوزي خضر، وآخرون.

واشتغل في الصحافة، وشغل منصب مدير التحرير في جريدة «عكاظ» لسنوات عدة، كان خلالها يكتب مقالاً في زاويته «رفيف الكلام»، إلى جانب مشاركاته العديدة في الأمسيات الشعرية من خلال اللقاءات العربية والمحلية.

الحداثة الشعرية

خلال مسيرته الأدبية كان الشاعر والكاتب السعودي أحمد عائل فقيهي يمزج بين جماليات القصيدة الحديثة التي كان من أوائل الذين كتبوها في السعودية، ورؤيته بصفته كاتباً يدافع عن الحداثة، والتجديد، خصوصاً فيما يتعلق بتجديد الخطاب الديني الذي يرى أن كثيراً منه لا يحمل عمقاً فكرياً فـ«هناك دعاة، وليسوا مفكرين في هذا الخطاب».

رثاه الناقد السعودي الدكتور عبد الله الغذامي، قائلاً عبر منصة «إكس»، قائلاً إن أحمد عائل فقيهي «عاش حياة كلها محبة ووفاء ورقي في التعامل، حمل راية الإبداع، وتصدى لقضية التحديث بنصّه وبتبنيه لأسئلة المرحلة، وواجه الضغوط برحابة عقله، وطهارة روحه ولسانه».

أما الناقد سعيد السريحي فكتب قائلاً: «حين يُكتب تاريخ تجربة الحداثة الشعرية في المملكة ثم لا يذكر اسم أحمد عائل فقيهي باعتباره من أوائل مَن طرقوا أبواب هذه التجربة والمؤسسين لها فإن هذا التاريخ تاريخ ظالم».

وفي حوار مع «الشرق الأوسط»، (نشر في 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012)، قال أحمد عائل فقيهي إنه غير قلق من تراجع الشعر، «لكن يقلقني تراجع القيمة التي يحملها الشعر، وهي الانحياز إلى الإنسان، بوصف هذا الإنسان قيمةً. ولا تأتي أهمية الحياة إلا عبر الشعور بأهمية الإنسان نفسه، وإذا تراجعت قيمة وأهمية الإنسان تراجع كل شيء».

وأضاف: «أما القصيدة فتظل في حالة حضور بقدر حضور معنى القصيدة نفسها، ولا يمكن أن يتحقق هذا المعنى إلا بتحقق جدوى الشعر نفسه، وجدوى اللغة بوصفها المعبّر عن الواقع والمتخيل الذي ينبني عليه هذا الواقع».

وأوضح: «تكمن أهمية القصيدة ليس في قيمتها الجمالية وشعريتها فحسب، ولكن في الموقف الذي تحمله هذه القصيدة سواء من الواقع الاجتماعي، أم من السلطة بمفهومها العام (السياسي، الديني) أو من العالم».

قضية الشعر

في ذلك الحوار مع «الشرق الأوسط» قال فقيهي: «لقد شكّل الشعر الحديث لحظة فاصلة في تاريخ الشعر العربي. هذا الشعر وهذا الإبداع أحدث ثورة على مستوى اللغة وعلى مستوى النظر لمعنى الشعر، ويعتبر من أهم الإنجازات الثقافية والشعرية العربية، وتغييبه هو نتاج تكريس الذهنية الثقافية التقليدية التي تقود المؤسسة التعليمية والتربوية. ولا بد أن يتجاور في المناهج القديم والجديد في الشعر».

وأضاف: «أغلب مَن يتعاملون مع الشعر يقرأونه وينظرون إليه بوصفه لغة، وليس بوصفه معنى. أن تعرف الشعر وتفهمه أهم من أن تقرأه، هناك شعر غارق في التفاهة والهشاشة كما نرى في قصائد النظم. علينا أن نذهب إلى ماهية الشعر الحقيقي. إن السائد على ألسنة الناس هو السطحي وليس الأهم والأعمق».

وأكمل: «الشعر هو جوهرة الإبداع الإنساني، وعلى هامشه وضفافه تقف كل الفنون. والشعراء الكبار هم مَن يعبّرون عن القضايا الكبيرة، والهموم الكبيرة، والانعطافات الكبيرة في التاريخ».

التجربة الشعرية

قدّم أحمد عائل فقيهي للمكتبة الشعرية والأدبية والفكرية عدداً من المؤلفات، بينها كتاب ‏«عَشْرُ مَرَايا... لِوَجْه وَاحِد» الصادر عن «الدار العربية للعلوم ناشرون»، وقدم للديوان بقراءة نقدية الناقد الدكتور عبد العزيز المقالح.

يضم الديوان قصائد في الشعر العربي الحديث، من بينها: «عشر مرايا... ‏لوجه واحد»، و«سوادٌ مدجج بالتآويل»، و«خماسية الاغتراب»، و«في حقيبة مسافر عربي»، و«أبجدية ‏الفقد»، و«فجائياً يكتب قدر الأرض»، و«زهرة بيروت»، و«ورقة صغيرة من دفتر عشق قديم».

كما قدّم فقيهي ديوان «بكائية على صدر الزمان» الصادر عن «مركز الأدب العربي للنشر والتوزيع»، وهو تجربة شعرية ممتدة لسنوات طويلة تتخللها قصائد عمودية وتفعيلية ونثر.

ومن أبرز النصوص التي كتبها أحمد عائل فقيهي نصّ «البكاء تحت خيمة القبيلة» الذي نُشر لأول مرّة في مجلة «اليمامة» وحظي بقراءة نقدية من الراحل عبد الله نور، وعن هذا النصّ يقول أحمد عائل فقيهي لـ«الشرق الأوسط» في حوار سابق: «يمثل لي نص (البكاء تحت خيمة القبيلة) النص المفارق، تداخل فيه الذاتي مع الزمان والمكان، في ظل عنفوان سنوات التكوين الأولى التي انفتحت على تجربة الحداثة العربية، وعبّر عن لحظة وجدانية ورومانسية مرتبطة بالجذور والأرض، ودلالة المرأة ورمزيتها في هذه الأرض، وهو نص كتب عنه الناقد الراحل عبد الله نور مقارناً بينه وبين قصيدة (القمر) للشاعر البريطاني ديلان توماس، بينما كتب عنه الناقد محمد صالح الشنطي والناقد عالي القرشي. وأنا أتلمس الطريق بحثاً عن هوية شعرية وسط شعراء كبار متميزين في سنوات التكوين الأولى».

المسكون بالقرية

أحمد عائل فقيهي مسكون بروح القرى، تتجلى هذه العلاقة في ديوانه «صباح القرى»، (صدر عن النادي الأدبي بالرياض في 2018)، حملت القصيدة الأولى في الديوان عنوان «البكاء... تحت خيمة القبيلة» كنصٍ افتتاحي، وجاء فيها:

صباح القرى يا صبايا الحي

صباحاً توضّأ بالصحو

صب على القلب إشراقة ومطر

صباحاً له نكهة العشب

تسربل بالغيم

وضوع في الرمل

إضمامة وحجرْ

لتلك البلاد

لإغفاءة البنت تلك التي

أرضعتني حليب الوداد

وألقت على شفتي قبلة ومطرْ

إلى أن يقول في ختامها:

يا شامة الصحراء

يا وجهاً توهج في الخيال

هذي فصول الحلم تتلوها الرمال

وذا كتاب البحر... من يقرأ؟

تلك خاتمة السؤال

يا شامة الصحراء

يا ألق الصباح

هذا ابتداء ينتهي

وذا انتهاء يبتدي

وأنا المسافر في حقول الضوء

والآتي على كتف الرياح

وأنا المضمخ بالجراح

ولا جراح... ولا جراح


مقالات ذات صلة

السعودية تحتفي بإبداعات الثقافة العراقية في مهرجان «بين ثقافتين»

يوميات الشرق يسعى مهرجان «بين ثقافتين» إلى إثراء المعرفة الثقافية عبر تجاربَ فنيّةٍ مبتكرة (الشرق الأوسط)

السعودية تحتفي بإبداعات الثقافة العراقية في مهرجان «بين ثقافتين»

تحتفي وزارة الثقافة السعودية بنظيرتها العراقية في النسخة الثانية من مهرجان «بين ثقافتين» خلال الفترة من 18 إلى 31 ديسمبر (كانون الأول) المقبل في الرياض.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الخليج الأمير فيصل بن فرحان خلال مشاركته بالجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع في إيطاليا (واس)

السعودية تدعو المجتمع الدولي للتحرك لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان

شددت السعودية، الاثنين، خلال الجلسة الموسعة للاجتماع الثاني لوزراء خارجية دول مجموعة السبع (G7)، على ضرورة تحرك المجتمع الدولي لوقف إطلاق النار في غزة ولبنان.

«الشرق الأوسط» (فيوجي)
الخليج الأمير محمد بن سلمان ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي (الشرق الأوسط)

ولي العهد السعودي يتلقى رسالة خطية من رئيس جنوب أفريقيا

تلقى الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، ولي العهد رئيس مجلس الوزراء السعودي، رسالة خطية، من سيريل رامافوزا رئيس جنوب أفريقيا، تتصل بالعلاقات الثنائية.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق جانب من حضور الجلسات الحوارية في اليوم الأخير من «المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة»... (تصوير: تركي العقيلي)

عقود من الرّيادة السعودية في فصل التوائم

«مؤتمر التوائم الملتصقة»، الذي يُسدل الستار على أعماله الاثنين، ينتشر في مقرّه وبالمعرض المصاحب له عدد من الزوايا التي تسلّط الضوء على تاريخ عمليات فصل التوائم.

غازي الحارثي (الرياض)
الاقتصاد الأمير سعود بن مشعل نائب أمير منطقة مكة المكرمة خلال تكريمه الفائزين في الجائزة العالمية في جدة (إمارة منطقة مكة المكرمة)

14 مشروعاً تحقق جوائز الابتكار العالمية للمياه في السعودية

حقق 14 مبتكراً في 6 مسارات علمية جوائز النسخة الثانية من «جائزة الابتكار العالمية في تحلية المياه».

«الشرق الأوسط» (جدة)

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر
TT

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر

أربعة أيام في محبة الشعر، شارك فيها نحو 40 شاعراً ومجموعة من النقاد والباحثين، في الدورة التاسعة لمهرجان الشعر العربي، الذي يقيمه بيت الشعر بالأقصر، تحت رعاية الشيح سلطان القاسمي، حاكم الشارقة، وبالتعاون بين وزارة الثقافة المصرية ودائرة الثقافة بالشارقة، وبحضور رئيسها الشاعر عبد الله العويس، ومحمد القصير مدير إدارة الشئون الثقافية بالدائرة.

نجح المؤتمر في أن يصنع فضاء شعرياً متنوعاً وحميمياً، على طاولته التقت أشكال وأصوات شعرية مختلفة، فكان لافتاً أن يتجاور في الأمسيات الشعرية الشعر العمودي التقليدي مع شعر التفعيلة وقصيدة النثر وشعر العامية، وأن يتبارى الجميع بصيغ جمالية عدة، وتنويع تدفقها وطرائق تشكلها على مستويي الشكل والمضمون؛ إعلاء من قيمة الشعر بوصفه فن الحياة الأول وحارس ذاكرتها وروحها.

لقد ارتفع الشعر فوق التضاد، وحفظ لكل شكلٍ ما يميزه ويخصه، فتآلف المتلقي مع الإيقاع الصاخب والنبرة الخطابية المباشرة التي سادت أغلب قصائد الشعر العمودي، وفي الوقت نفسه كان ثمة تآلف مع حالة التوتر والقلق الوجودي التي سادت أيضاً أغلب قصائد شعر التفعيلة والنثر، وهو قلق مفتوح على الذات الشعرية، والتي تبدو بمثابة مرآة تنعكس عليها مشاعرها وانفعالاتها بالأشياء، ورؤيتها للعالم والواقع المعيش.

وحرص المهرجان على تقديم مجموعة من الشاعرات والشعراء الشباب، وأعطاهم مساحة رحبة في الحضور والمشاركة بجوار الشعراء المخضرمين، وكشف معظمهم عن موهبة مبشّرة وهمٍّ حقيقي بالشعر. وهو الهدف الذي أشار إليه رئيس المهرجان ومدير بيت الشعر بالأقصر، الشاعر حسين القباحي، في حفل الافتتاح، مؤكداً أن اكتشاف هؤلاء الشعراء يمثل أملاً وحلماً جميلاً، يأتي في صدارة استراتيجية بيت الشعر، وأن تقديمهم في المهرجان بمثابة تتويج لهذا الاكتشاف.

واستعرض القباحي حصاد الدورات الثماني السابقة للمهرجان، ما حققته وما واجهها من عثرات، وتحدّث عن الموقع الإلكتروني الجديد للبيت، مشيراً إلى أن الموقع جرى تحديثه وتطويره بشكل عملي، وأصبح من السهولة مطالعة كثير من الفعاليات والأنشطة المستمرة على مدار العام، مؤكداً أن الموقع في طرحه الحديث يُسهّل على المستخدمين الحصول على المعلومة المراد البحث عنها، ولا سيما فيما يتعلق بالأمسيات والنصوص الشعرية. وناشد القباحي الشعراء المشاركين في المهرجان بضرورة إرسال نصوصهم لتحميلها على الموقع، مشدداً على أن حضورهم سيثري الموقع ويشكل عتبة مهمة للحوار البنّاء.

وتحت عنوان «تلاقي الأجناس الأدبية في القصيدة العربية المعاصرة»، جاءت الجلسة النقدية المصاحبة للمهرجان بمثابة مباراة شيقة في الدرس المنهجي للشعر والإطلالة عليه من زوايا ورؤى جمالية وفكرية متنوعة، بمشاركة أربعة من النقاد الأكاديميين هم: الدكتور حسين حمودة، والدكتورة كاميليا عبد الفتاح، والدكتور محمد سليم شوشة، والدكتورة نانسي إبراهيم، وأدارها الدكتور محمد النوبي. شهدت الجلسة تفاعلاً حياً من الحضور، برز في بعض التعليقات حول فكرة التلاقي نفسها، وشكل العلاقة التي تنتجها، وهل هي علاقة طارئة عابرة أم حوار ممتد، يلعب على جدلية (الاتصال / الانفصال) بمعناها الأدبي؛ اتصال السرد والمسرح والدراما وارتباطها بالشعر من جانب، كذلك الفن التشكيلي والسينما وإيقاع المشهد واللقطة، والموسيقي، وخاصة مع كثرة وسائط التعبير والمستجدّات المعاصرة التي طرأت على الكتابة الشعرية، ولا سيما في ظل التطور التكنولوجي الهائل، والذي أصبح يعزز قوة الذكاء الاصطناعي، ويهدد ذاتية الإبداع الأدبي والشعري من جانب آخر.

وأشارت الدكتورة نانسي إبراهيم إلى أن الدراما الشعرية تتعدى فكرة الحكاية التقليدية البسيطة، وأصبحت تتجه نحو الدراما المسرحية بكل عناصرها المستحدثة لتخاطب القارئ على مستويين بمزج جنسين أدبيين الشعر والمسرح، حيث تتخطى فكرة «المكان» بوصفه خلفية للأحداث، ليصبح جزءاً من الفعل الشعري، مضيفاً بُعداً وظيفياً ديناميكياً للنص الشعري.

وطرح الدكتور محمد شوشة، من خلال التفاعل مع نص للشاعر صلاح اللقاني، تصوراً حول الدوافع والمنابع الأولى لامتزاج الفنون الأدبية وتداخلها، محاولاً مقاربة سؤال مركزي عن تشكّل هذه الظاهرة ودوافعها ومحركاتها العميقة، مؤكداً أنها ترتبط بمراحل اللاوعي الأدبي، والعقل الباطن أكثر من كونها اختياراً أو قصداً لأسلوب فني، وحاول، من خلال الورقة التي أَعدَّها، مقاربة هذه الظاهرة في أبعادها النفسية وجذورها الذهنية، في إطار طرح المدرسة الإدراكية في النقد الأدبي، وتصوراتها عن جذور اللغة عند الإنسان وطريقة عمل الذهن، كما حاول الباحث أن يقدم استبصاراً أعمق بما يحدث في عملية الإبداع الشعري وما وراءها من إجراءات كامنة في الذهن البشري.

وركز الدكتور حسين حمودة، في مداخلته، على التمثيل بتجربة الشاعر الفلسطيني محمود درويش، ومن خلال هذا التمثيل، في قصائد درويش رأى أنها تعبّر عن ثلاثة أطوار مرّ بها شعره، مشيراً إلى أن ظاهرة «الأنواع الأدبية في الشعر» يمكن أن تتنوع على مستوى درجة حضورها، وعلى مستوى ملامحها الجمالية، عند شاعر واحد، عبر مراحل المسيرة التي قطعها، موضحاً: «مما يعني، ضِمناً، أن هذه الظاهرة قابلة لأن تتنوع وتتباين معالمها من شاعر لآخر، وربما من قصيدة لأخرى».

ورصدت الدكتورة كاميليا عبد الفتاح فكرة تلاقي الأجناس الأدبية تاريخياً، وأشارت، من خلال الاستعانة بسِجلّ تاريخ الأدب العربي، إلى أن حدوث ظاهرة التداخل بين الشعر وجنس القصة وقع منذ العصر الجاهلي، بما تشهد به المعلقات التي تميزت بثرائها الأسلوبي «في مجال السردية الشعرية». ولفتت إلى أن هذا التداخل طال القصيدة العربية المعاصرة في اتجاهيها الواقعي والحداثي، مبررة ذلك «بأن الشعراء وجدوا في البنية القصصية المساحة الكافية لاستيعاب خبراتهم الإنسانية». واستندت الدكتورة كاميليا، في مجال التطبيق، إلى إحدى قصائد الشاعر أمل دنقل، القائمة على تعدد الأصوات بين الذات الشعرية والجوقة، ما يشي بسردية الحكاية في بناء الحدث وتناميه شعرياً على مستويي المكان والزمان.

شهد المهرجان حفل توقيع ستة دواوين شعرية من إصدارات دائرة الثقافة في الشارقة للشعراء: أحمد عايد، ومصطفى جوهر، وشمس المولى، ومصطفى أبو هلال، وطارق محمود، ومحمد طايل، ولعب تنوع أمكنة انعقاد الندوات الشعرية دوراً مهماً في جذب الجمهور للشعر وإكسابه أرضاً جديدة، فعُقدت الندوات بكلية الفنون الجميلة في الأقصر، مصاحبة لافتتاح معرض تشكيلي حاشد بعنوان «خيوط الظل»، شارك فيه خمسون طالباً وطالبة. وكشف المعرض عن مواهب واعدة لكثيرين منهم، وكان لافتاً أيضاً اسم «الأصبوحة الشعرية» الذي أطلقه المهرجان على الندوات الشعرية التي تقام في الفترة الصباحية، ومنها ندوة بمزرعة ريفية شديدة البساطة والجمال، وجاءت أمسية حفل ختام المهرجان في أحضان معبد الأقصر وحضارة الأجداد، والتي امتزج فيها الشعر بالأغنيات الوطنية الراسخة، أداها بعذوبة وحماس كوكبة من المطربين والمطربات الشباب؛ تتويجاً لعرس شعري امتزجت فيه، على مدار أربعة أيام، محبة الشعر بمحبة الحياة.