«سيدة القرفة»... رواية ترصد تشابكات العالم عبر المطبخ

«سيدة القرفة»... رواية ترصد تشابكات العالم عبر المطبخ
TT

«سيدة القرفة»... رواية ترصد تشابكات العالم عبر المطبخ

«سيدة القرفة»... رواية ترصد تشابكات العالم عبر المطبخ

في روايتها «سيدة القرفة» الصادرة أخيراً عن دار «الشروق» بالقاهرة، تحاول الكاتبة رحمة ضياء فهم العالم ورصد تشابكاته الخفية وعلاقاته الملتبسة عبر المطبخ والمذاقات والنكهات. ويعد الطهي في هذا النص وسيلة للتغلب على صعوبات الحياة اليومية ومفاجآتها حيث تؤدي التوابل دور المرشد والدليل ليس فقط لساردة الأحداث «ميمي» التي وجدت نفسها فجأة في مأزق لا قدرة لها على فهم أبعاده وسبر غموضه، بل أيضاً لأبيها ومعلمها الذي علَّمها لغة الخضراوات والأعشاب وأساطيرها.

ورغم أن الرواية واقعية تماماً، فإن المؤلفة تحاول أن تحيل تفاصيل الواقع إلى ما يشبه الأسطورة عبر التوابل عموماً و«القرفة» بشكل خاص. لكن هذه الأجواء التي كان من الممكن أن تصنع نصاً مختلفاً، سرعان ما تنازلت عنها المؤلفة لصالح التشويق والأجواء البوليسية من خلال بنية الغموض والألغاز بشكلها التقليدي من خلال العثور على جثة والد الراوية طافية على النيل ومن ثم اكتشاف مفاجآت متوالية عن حياته وعلاقاته النسائية.

كما أن الشخصية الرئيسية بدت مغرقة في مثاليتها ونقائها الملائكي دون مبرر درامي أو إنساني واضح، وهو ما يتجلى في النهاية المفاجئة حين تقرر أن تعفو عن الجميع بمن فيهم قاتل أبيها. كما يبدو العمل ككل شديد التأثر بالرواية المكسيكية الشهيرة «كالماء للشوكولاته» ويسير على نهج مؤلفتها لاورا إسكيبيل في وصفها البشر والمشاعر من خلال الطعام ومفردات الطهي المختلفة. يتضح هذا التأثر في بعض التشبيهات والتوصيفات على نحو خاص كما في تشبيه والدها بـ«الفلفل الأسود» لأنه «محبوب من الجميع» ولديه قدرة على «التناغم» مع مختلف الأشخاص، فضلاً عن تشبيه رأسها حين تستبد بها الانفعالات العاصفة بأنه «بيضة في ماء مغلي».

من أجواء الرواية نقرأ:

«تخيلتك تجلس أمامي حول طاولة المطبخ ترتدي واحدة من بيجاماتك المخططة وفوقها المريول والقبعة البيضاء الطويلة فضحكت ومسحت الدموع المنسابة على وجهي. وقفت وتجولت في المطبخ وأنا أتبعك وأنت تتناول قضمة من كل صنف وتتصاعد منك آهات اللذة، تُبدي ثناء أو ملاحظة ثم تلف ذراعك حول ظهري وتمسك يدي وتضمني إليك ونرقص معاً وتمازحني. تعلو ضحكتي وأحتضنك بشدة حتى أتأكد أنك لن تفارق مجدداً.

حين فتحت عينيَّ وجدت أنني كنت أقبض على الهواء، هاجمتني دفقة شديدة من الحنين أفسدت كل محاولاتي للتماسك في الساعات الماضية وأحالت مراسم الوداع إلى مناحة. شعرت باشتياق مجنون لملمس وجهك وسماع صوتك وتذوق طعم ورائحة حضنك وقبلاتك. غادرت المطبخ قبل أن أغرق في بحر دموعي مثل أليس في رحلتها إلى بلاد العجائب. ذهبت إلى الشرفة، نظرت مجدداً إلى نبتة القرفة، كيف أخبرها أنها لن تستطيع النظر في عينيك مرة ثانية، لن تسمع صوت ضحكتك، لن تشعر بملمس يدك على أوراقها، أنَّ أوان الحكايات انتهى.

ما زلت أتذكر صوتك الحنون ونظراتك الدافئة وذراعك الرحبة وهي تحتضن جسدي الصغير، بينما تحكي لي الحكاية لأول مرة وعيناي اللامعتان تزدادان اتساعاً وترقياً كلما كشفت لي فصلاً جديداً.

قبل قرون عديدة على جزيرة قرب البحر، نمت شجرة قرفة برِّية قيل إنها شجرة من الجنة وقيل كاشفة الأسرار وشجرة الأمنيات. طارت الحكايات إلى مختلف البلاد، أتى إلى الجزيرة المجرحون والطامعون والمتلصصون والحالمون بالمعجزات، غير أن للشجرة حراساً شداداً؛ أفاعي سامة وظيفتها أن تردع كل من يقترب من سيدتها. تحط على الجزيرة كل صباح سفن من كل الدنيا وترحل في آخره محمَّلة بالخيبات، حتى لاحظ أحد الحالمين باللحاء الثمين كيف تحط الطيور الذهبية الضخمة على أفرع الشجرة وتنعم بأريجها الخشبي الحلو دون أن تقربها الأفاعي، وعندها جاءته فكرة ماكرة.

وسوس للطيور الساذجة أن تحمل معها الأفرع اليافعة لتبني بها أعشاشها العالية وتنعم بالأريج في كل الأوقات. حلمت الطيور بأعشاش تحمل نكهة الجنة وتحقق حلمها لكنها لم تهنأ طويلاً، اخترقتها سهام غادرة من كل الجهات وتساقطت أفرع القرفة تحت أقدام الماكر الوسواس».



صدور كتاب للفلسطيني فاروق وادي بعد سنتين من رحيله

صدور كتاب للفلسطيني فاروق وادي بعد سنتين من رحيله
TT

صدور كتاب للفلسطيني فاروق وادي بعد سنتين من رحيله

صدور كتاب للفلسطيني فاروق وادي بعد سنتين من رحيله

صدر حديثاً عن «المؤسسة العربية للدراسات والنشر» كتاب «منازل القلب: كتاب الإسكندرية»، للكاتب الفلسطيني الراحل فاروق وادي، وجاء في 232 صفحة من القطع المتوسط.

يقول الروائي والشاعر إبراهيم نصر الله في تذييله للكتاب:

«بصدور هذا الكتاب، يكون قد مرَّ عامان على رحيل فاروق وادي، ولعل أجمل ما يتركه لنا الكاتب إبداع جديد لم يسبق لنا أن قرأناه، نحن الذين نفتقده يوماً بعد يوم، أكثر فأكثر، هو الذي أمتعنا بعدد من أجمل الروايات العربية، متوَّجة بعمله السّاحر الأخير (سوداد: هاوية الغزالة).

ثمة هوة عميقة أحدثها غياب فاروق في حياة القريبين منه، بحيث يمكنني القول إنها المرة الأولى التي أحس فيها بفداحة فقدان صديق.

ويأتي هذا الجديد، كما يشير فاروق في مقدمته التي كتبها للكتاب بنفسه، استكمالاً لثلاثية عشق المدن: رام الله، بيروت، الإسكندرية، هو الذي بدا لي دائماً أن أحاسيسه تجاه مدينة لشبونة، التي بدأ يستطيب الإقامة فيها، كانت تتطور بتسارع كبير بحيث تكون المدينة الرابعة، وليس أدلّ على ذلك من رواية (سوداد)، وكأن قلب فاروق لا يستطيع أن يكون خالياً من حبّ مدينة جديدة. هو الذي كان مضطرّاً دائماً إلى أن يكون بعيداً عن المدن التي أحبّ، مع اختلاف الأسباب.

هذا الكتاب، بقدر ما هو سيرة الإسكندرية، هو سيرة فاروق نفسه، وينسحب ذلك على رام الله التي كتب سيرتها وسيرته، وبيروت في (ديك بيروت يؤذن في الظهيرة)، وإن أتقن التخفّي هنا، وفي (سرير المشتاق)، الرواية التي تكشف أكثر مما تحجب.

وفي كل هذه الكتب، وغيرها، بقي فاروق واحداً من الناس، بعيداً عن بطولات الرّواة وزهْوِهِم بهذه البطولات، ففي كل ما كتب بقي ذلك الإنسان الذي يعشق ويحبّ ويتأمّل، ويسخر من كلّ شيء، ومن نفسه. لكنّه حين يكتب، يكتب بكل الحبّ، فلا يحبّ أنصاف المدن، ولا أنصاف الصداقات، ولا أنصاف الحقائق.

لا يرحل الرائعون، بقدر ما تتضاعف قوة حضورهم، ونحن نكتشف كلّ يوم كم نحن نحبّهم».