«القلم الذهبي» تنقل الرواية الشعبية من الهامش إلى متن السينما

ليس ملائماً حضور الرواية الأدبية مُطوقة ومحصورة في «الواقعية» فقط

«القلم الذهبي» تنقل الرواية الشعبية من الهامش إلى متن السينما
TT

«القلم الذهبي» تنقل الرواية الشعبية من الهامش إلى متن السينما

«القلم الذهبي» تنقل الرواية الشعبية من الهامش إلى متن السينما

في يوم من أيام 1910، نشر الكاتب الأمريكي بيتر ب. كاين قصته القصيرة «برونكو بيللي والرضيع» في صحيفة «ساترداي إيفننغ بوست». وصادف أن المُنتج والممثل ج. م. أندرسون قرأ القصة وأعجبته، فترجمها سينمائياً إلى فيلم لعب فيه دور البطولة، حسب جِم هِت في كتابه «كلمات وظلال، 1992، 3». كان ذلك في زمن الأفلام الصامتة، التي لم تكن صامتة تماماً، إذ كان يصاحب عرض الفيلم عزف على الأورغ، مع وجود «مُحاضر» يقف بجانب الشاشة يروي ويعلق على الأحداث، ويملأ الثغرات، ويوجه انتباه المشاهدين، حسب وارِن بكلاند في «الحكاية والسرد،2021».

بعد مشاهدة الفيلم وإعجابه به، زار كاين المُنْتِجَ والممثل أندرسون، وأوضح له أنه يتوقع الحصول على مبلغ من المال مقابل قصته. استجاب أندرسون لطلبه، وحصل على ما يريد دون الحاجة للجوء إلى القانون. بطلبه ثمناً لترجمة قصته للشاشة، أرسى كاين حجر أساس العلاقة بين الأديب وصانع الأفلام. وله يدين بالفضل الأدباء الذين انفتحتْ أمام رواياتهم الممرات إلى عالم السينما. يمكن القول إنه لولا مبادرة كاين، ما تجرأ الروائي الأمريكي ثيودور درايزر، مثلاً، أن يطلب مائة ألف دولار عندما أبدت «باراماونت» رغبتها في ترجمة روايته «مأساة أمريكية، 1925» للشاشة الكبيرة. كان مبلغاً كبيراً بمقاييس ذلك الزمان، لدرجة أن وكيل درايزر حاول إقناعه بخفض المبلغ إلى 25 ألف دولار. لكن باءت محاولات الوكيل بالفشل أمام إصرار درايزر على الحصول على المائة ألف. وبعد مفاوضات ساخنة ومتوترة، وافق الروائي على «90» ألفاً. وأنتجت «باراماونت» الفيلم بعنوان الرواية نفسه في 1931، بإخراج الروسي سيرجي آيزنشتاين «كلمات وظلال، 1992، 60». ذكرت بعض ما ورد أعلاه في العرض التقديمي «القصة القصيرة على الشاشة» الذي قدمته في 2016، في جمعية الثقافة والفنون في الدمام.

روائيون أثرياء

وتكرر الرقم «9»، ولكن في «9 ملايين دولار» هذه المرة، دفعتها «باراماونت» لمؤلف روايات الإثارة القانونية الروائي جون غريشام لشراء حقوق ترجمة روايته «الشركة» إلى فيلم بالعنوان نفسه أخرجه سيدني بولاك، ولعب دور البطولة فيه الممثل توم كروز. ويُعد غريشام، الذي تقدر ثروته بـ400 مليون دولار، من الكُتّاب الأكثر ثراءً في العالم، ضمن قائمة يهيمن عليها كُتّابُ الرواية الشعبية بأنواعها المختلفة (الفانتازيا، الإثارة، التشويق، الرعب، الجريمة، الرومانسية، الخيال العلمي، الغموض). تتربع في رأس هذه القائمة الروائية ج. ك. رولينغ، مؤلفة سلسلة «هاري بوتر»، إذ تقدر ثروتها بمليار دولار، وآخرون مثل جيمس باترسون «900 مليون دولار»، ودانييل ستيل «600 مليون»، وستيفن كينغ «500 مليون».

الرواية الأسرع وصولاً إلى الشاشة

إن الرواية الشعبية بأفرعها هي ما كان يفكر فيه المستشار تركي آل الشيخ وهو يُخطط لـ«جائزة القلم الذهبي»، وترجمة الروايات الفائزة إلى أفلام، كاشفاً عن وعيه ومعرفته لحقيقة أن الرواية الشعبية هي الأسرع والأكثر وصولاً إلى الشاشات في صالات السينما الترفيهية التجارية، وإلى منصات البث التدفقي، مثل «نتفليكس». ولبعض الكُتّاب المذكورين أعلاه نصيب كبير من الروايات (والقصص) «المحَوَّلة» إلى أفلام: جون غريشام (10) روايات، ج. ك. رولينغ (11)، وستيفن كينغ (51) رواية وقصة، متوفقاً على أغاثا كريستي برقم واحد (50). لهذه الأسباب جاءت تغريدة آل الشيخ الأولى، التي أعلن فيها مشروع الجائزة خاليةً من أي ذكر، أو إشارة إلى الرواية الأدبية، سواء الواقعية أم غيرها. وقد استهل تغريدته، التي أطلقها في 20 يوليو (تموز) 2024، بذكر أنه سيطلق قريباً «(جائزة القلم الذهبي للرواية) التي تركز على الأعمال الروائية الأكثر شعبية والأكثر قابلية للتحويل لأعمال سينمائية». وتضمنت تغريدته قائمة بجوائز مسارات الرواية: الرواية الرومانسية، رواية الإثارة والغموض، الرواية الكوميدية، رواية الحركة، رواية الفانتازيا، الرواية البوليسية، رواية الرعب، الرواية التاريخية.

القلم الذهبي للرواية الشعبية

واضح تماماً أن الهيئة العامة للترفيه خصصت الجائزة للرواية الشعبية، ولا يبدو أن آل الشيخ فكّر في الرواية الأدبية، باستثناء الرواية التاريخية. ورغم ذلك استقبل المشهد الثقافي، بابتهاج شديد، الإعلان على أنه يشمل الرواية بشكل عام. وجاء البيان الصحفي في 25 يوليو بعنوان يفتح الجائزة على الأدب الأكثر تأثيراً، دون احتواء المتن ولو على شرح مختزل لمعنى عبارة «الأدب الأكثر تأثيراً». وأضاف البيان جائزة إلى الجوائز المعلنة سابقاً: جائزة الرواية الواقعية، وقد وردت في نهاية قائمة الجوائز، كأنما إضافتها حصلت بصفتها فكرة تالية.

يفتح عنوان البيان باب الجائزة على مصراعيه على «الأدب الأكثر تأثيراً» كله، والمتن يغلقه على الرواية الشعبية والتاريخية والواقعية. فماذا، على سبيل المثال، عن الرواية الحداثية المحلية والعربية؟ وما بعد الحداثية المحلية والعربية؟ فإذا كانت القابلية للتحويل إلى عمل سينمائي أحد شروط فوز أي رواية مشاركة في المسابقة بإحدى الجوائز، فقد أثبتت بعض الروايات الحداثية العالمية، وعلى سبيل المثال أيضاً، قابليتها للترجمة السينمائية. وقد ينطبق ذلك على الرواية المحلية والعربية. من الأفلام المُحَوَّلة من روايات حداثية: فيلم «السيدة دالَوِي» عن رواية فرجينيا وولف، وفيلم من روايتها الأخرى «إلى الفنار» بالعنوان نفسه، وفيلم «طريق إلى الهند» عن رواية إِ. م. فورستر، وبالعنوان نفسه أيضاً. أما بخصوص الرواية الما بعد حداثية، فإن أفضل مثال هي رواية جون فاولز «امرأة الملازم الفرنسي»، التي ترجمت إلى فيلم بالعنوان نفسه؛ والفيلم «محبوبة» من رواية «محبوبة» للروائية الأمريكية توني موريسون. وفيلم «كائن لا تحتمل خفته» عن رواية ميلان كونديرا. أكتفي بهذه الأمثلة، رغم أن اسم الجائزة المُشرّع على «الأدب الأكثر تأثيراً» كله يغري بأن أُشرع باب الكتابة على المسرح أيضاً. وماذا عن القصة القصيرة التي افتتحت الكتابة بها؟ في البال هذه اللحظة 35 قصة جمعتها الأميركية ستيفاني هاريسون في «أنثولوجيا»، ووصفتها بأنها 35 قصة عظيمة ألهمت/أوحت بأفلام عظيمة. ذكرتُ عدداً منها في تغريدة أطلقتُها بعد إعلان «جائزة القلم الذهبي للرواية» أو «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً». وأضاف الروائي عواض شاهر في تعليق على التغريدة الفيلم «دخان» عن قصة بالعنوان نفسه لبول أوستر، وهي، في الحقيقة، واحدة من القصص في «أنثولوجيا» هاريسون.

تطويق الرواية الأدبية

قد لا يكون ملائماً إضافة جائزة للقصة القصيرة في قائمة تُهيمن عليها الرواية، أي الرواية الشعبية، ولكن ليس ملائماً أيضاً حضور الرواية الأدبية مُطوقة ومحصورة في «الواقعية» فقط. يبدو حضورها بهذا الشكل نشازاً وضعيفاً، ويشي وجودها في ذيل القائمة بهامشيتها، وأنها ألصقت بها استدراكاً. «الرواية الأدبية» هو المسمى والخيار الأفضل لانفتاحه على أي نوع من أنواع الرواية. الخيار الثاني أن تُزال الرواية الأدبية، ممثلة بالرواية الواقعية، من القائمة، وتبقى الرواية الشعبية متسيدة فيها، وهذا أكثر اتساقاً وانسجاماً مع عمل واختصاص الهيئة العامة للترفيه. ثمة خيار ثالث يتمثل في إبقاء الرواية الأدبية الواقعية، مشروطاً بحرص لجنة التحكيم على الميل إلى ترشيح الروايات الشعبية التي تُجَسِّرُ الفجوةَ بينها والرواية الأدبية، أي التي تجتمع فيها خصائص الرواية الشعبية والأدبية، الرواية الهجين، إذا صح التعبير. من الكُتاب الذين حققوا هذا المزيج والمزاوجة والمعادلة مؤلف روايات الـ«ويسترن» الروائي لاري ماكميرتي. فازت روايته «يمامة وحيدة» بجائزة «بوليتزر 1986». وفازت رواية كولسون وايتهيد «السكة الحديدية تحت الأرض» بجائزة «بوليتزر 2017»، كما وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة آرثر سي. كلارك البريطانية للخيال العالمي 2017. ورُشِّحَت رواية الإثارة «الفتاة المفقودة/ Gone Girl» لجيليان فلين لجائزة «بيلي» البريطانية للأدب النسائي 2013.

لكن الخيار الثاني هو الأفضل؛ لأنه يعيد الرواية الأدبية إلى هيئة الأدب والنشر والترجمة، فهي إلى ذلك المكان تنتمي، وحيث ينبغي أن تبقى فقد يأتي اليوم الذي تحظى فيه بجائزة كبيرة لها، إضافة إلى إيقافه الازدواجية، والتداخل بين الهيئات في مجالات العمل والاختصاص.

نتائج محتملة للقلم

من المتوقع إسهام جائزة القلم الذهبي في انتقال الرواية الشعبية من هامش الأدب إلى متن السينما. وستُغري جوائزها كثيرين بالقفز على عربة فرقة كتابتها. بعضهم بموهبة وشغف وجدية، وبعضهم الآخر تقودهم الرغبة في الجائزة والمال والشهرة عند وصول رواياتهم، إن وصلت، إليها، إلى الشاشة. هؤلاء هم الـ«هاكس - Hacks» المعاصرون، المقيمون في «Grub Street» الثالث، الذي قد تُسبب الجائزة ظهوره المجازي إلى الوجود على امتداد العالم العربي. سَيُقبِلون على كتابة الرواية الشعبية اعتقاداً بسهولتها، ومُحَفَّزِين بسهولة نشرها. أتوقع أن مهمة لجنة الفرز لن تكون نزهة!

** ناقد وكاتب سعودي



ما سرّ النسر الجارح في فيلكا؟

قطعة أثرية من جزيرة فيلكا محفوظة في متحف الكويت الوطني
قطعة أثرية من جزيرة فيلكا محفوظة في متحف الكويت الوطني
TT

ما سرّ النسر الجارح في فيلكا؟

قطعة أثرية من جزيرة فيلكا محفوظة في متحف الكويت الوطني
قطعة أثرية من جزيرة فيلكا محفوظة في متحف الكويت الوطني

يحتفظ متحف الكويت الوطني بقطعة مهشّمة من الطين المحروق تحمل نقشاً ناتئاً يمثل سلسلة من الطيور الجارحة تنقض في حركة واحدة وجامعة على فرائس من ذوات الأربع القوائم. عُثر على هذه القطعة في جزيرة فيلكا، وهي جزء من جرة بقيت منها مجموعة صغيرة من الكسور المبعثرة تمّ جمعها وترميمها، والصورة المنقوشة التي تزيّنها ما هي في الواقع إلاّ صورة طُبعت على مادتها الطينية اللزجة قبل حرقها، وفقاً لتقنية معروفة شاعت في الشرق الأوسط القديم.

اكتُشفت هذه القطعة الطينية المميّزة في عام 1988. خلال أعمال التنقيب التي قامت بها بعثة فرنسية في تل يقع في الزاوية الجنوبية الغربية من فيلكا، يضمّ أهم المعالم الأثرية في هذه الجزيرة. عُثر على هذه القطعة في بناء ذي أرضية مربّعة يبلغ ضلعها نحو عشرين متراً، شُيّد في عام 1900 قبل الميلاد، واستخدم على مدى أربعة قرون، هُجر بعدها وتحوّل إلى خربة غمرتها الرمال. عمدت البعثة الفرنسية إلى مسح هذا البناء الذي يجاور منطقة استكشفتها بعثة دنماركية ثم بعثة أميركية، وجمعت كل ما عثرت عليه من لقى أثرية تعود إلى أثاثه، وتبيّن أن هذه الغلّة تتكون من مجموعة صغيرة من الكسور، منها تلك التي تكوّنت منها القطعة الطينية المختومة بنقش تصويري.

تشكّل هذه القطعة جزءاً من جرة طينية مهشّمة بقيت منها بضع من الكسور المبعثرة، وتكمن قيمتها الفنية في الصورة الناتئة التي تزيّنها، وفقاً لتقليد استخدم لتحديد هويّة صاحب القطعة المختومة. تمتدّ هذه الصورة على مساحة يبلغ عرضها نحو 15 سنتمتراً، وتمثل سلسلة من خمسة طيور كبيرة ينقض كل منها على حيوان من ذوي الأربع القوائم في حركة واحدة جامعة. تظهر أربعة من هذه الطيور مع فرائسها بشكل كامل، ويتضح أنها تعود إلى ختم يحمل صورتين تتشابهان بشكل كبير، غير أنهما لا تتماثلان كلياً. في كلتا الصورتين، يحضر الطير الجارح فوق فريسته بشكل متطابق، غير أن التباين يكمن في العناصر التي تحتل القسم الأعلى من التأليف. في واحدة من الصورتين، يظهر قرص على شكل زهرة محوّرة هندسياً تتكون من عشر بتلات، يجاورها هلال أفقي بسيط. وفي الصورة الأخرى، يظهر قرص حلزوني يمثل على ما يبدو ثعباناً يلتفّ حول نفسه مشكّلاً ثلاث حلقات حلزونية ناتئة متلاصقة. في كل من الصورتين المتشابهتين، يستقر القرص بين جناحي الطير المبسوطَين في الفراغ.

يتميّز هذا الطير الجارح بعنق طويل وبذنب مثلّث على شكل مروحة تعلوها ستة شقوق متوازية تمثّل ريشها، وفقاً لأسلوب اتُبع كذلك في تصوير جناحيه الكبيرين. في المقابل، يتكوّن الرأس من دائرة تتوسّطها دائرة صغيرة تمثّل العين، تحدها كتلة أفقية مقوّسة الطرف تمثّل المنقار. ويوحي شكل هذا الطائر المفترس بأنه من فصيلة النسور. ينقض هذا النسر على فريسة يتكون رأسها كذلك من كتلة بيضاوية تتوسّطها عين دائرية. تظهر هذه الفريسة جاثية على قوائمها الأربع المنثنية، ويظهر ذيلها ممتداً أفقياً من خلفها، ويوحي شكلها بأنها من فصيلة العجول. تتكرّر صورة النسر المنقض على العجل في سلسلة تشكل شريطاً يحده أعلاه وأسفله سطر بسيط مجرّد من أي زخرفة، ويشكّل هذا الشريط ختماً يخصّ صاحب الجرة المهشّمة التي فقدت معالمها.

يصعب تأريخ هذه الجرة، والأكيد أنها تعود إلى زمن البناء الذي شكّلت جزءاً من أثاثه، وهو بناء ذو وظيفة دينية كما يبدو، أنشئ يوم كانت فيلكا حاضرة من حواضر إقليم عُرف باسم دلمون، امتدّ على ساحل شبه الجزيرة العربية، وشكّل حلقة وصل بين بلاد الشرق الأوسط والأدنى من جهة، وبلاد الهند من جهة أخرى. لا نجد ما يماثل هذه الجرة في ميراث فيلكا، ويبدو أنها تتبع تقليداً عُرف بشكل محدود للغاية في دلمون، وشواهده في هذا العالم معدودة، وتتمثل في ثلاثة نماذج خرجت من البحرين، تحمل صوراً مختومة تختلف بشكل جذري عن ختم جرة فيلكا.

من العالم الدلموني المتعدد الأقطاب، خرج كمٌّ هائل من الأختام الدائرية المزينة بالنقوش المتعدّدة الصور والمعالم، غير أن صورة النسر المنقض على فريسته تبدو غائبة كلياً عن هذا النتاج الثري. تظهر هذه الصورة بشكل استثنائي على ختم أسطواني محفوظ في متحف كالوست غولبنكيان في مدينة لشبونة، وفيها يبدو النسر منقضاً على فريسة يعلو رأسها قرنان طويلان، إلى جانب غزال يدير رأسه إلى الوراء، متطلّعاً في اتجاه الطير الجارح. يُنسب هذا الختم إلى ميراث مملكة ميتاني التي قامت في شمال الهلال الخصيب، غير أن الدراسة المتأنية تُظهر أنه يحمل مؤثرات خارجية، وهو على الأرجح من نتاج الألفية الأولى قبل الميلاد، أي إلى حقبة لاحقة لتلك التي تعود إليها جرة فيلكا.

كذلك، تظهر صورة النسر المنقض على طريدته المذعورة على ختم من مجموعة المستشرق الفرنسي لويس دو كليرك يُنسب إلى شبه القارة الهندية، وفيها تحلّ ضمن سلسلة من المشاهد المتنوعة على لوح مستطيل يتألف من شريطين متوازيين. يحضر النسر هنا فوق دابة من فصيلة الحَريش الشهير بوحيد قرن في تأليف غير مألوف يعكس على الأرجح مؤثرات خارجية يصعب تحديدها بدقة، ويرى البعض أن هذه المؤثرات تعود إلى ميراث آسيا الوسطى المتعدّد الأقاليم.

في الخلاصة، نسب البعض جرة فيلكا المختومة عند اكتشافها إلى الشرق الأوسط، ونسبها البعض الآخر لاحقاً إلى شبه القارة الهندية، ويرى بعض البحاثة اليوم أنها تعود تحديداً إلى جنوب آسيا الوسطى، وإلى حضارة أطلق عليها اسم أوكسوس، نسبة إلى النهر الذي يشكل الحد الفاصل بين كل من أفغانستان وأوزبكستان وطاجيكستان.

تبقى هذه القراءات افتراضية في غياب شواهد أثرية تماثل في تكوينها وفي ختمها جرة فيلكا، وفي خضم هذا السجال المفتوح، تشكّل هذه الجرة سؤالاً احتار أهل الاختصاص في الإجابة عنه.