كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

تستحضره عائلته في ذكرى غيابه الثالثة

لُقّب الدويهي بـ«روائيّ الحياة اللبنانية» وقد انطلقت معظم قصصه من مجتمعه المحلّيّ (فيسبوك)
لُقّب الدويهي بـ«روائيّ الحياة اللبنانية» وقد انطلقت معظم قصصه من مجتمعه المحلّيّ (فيسبوك)
TT

كيف أمضى جبّور الدويهي يومه الأخير؟

لُقّب الدويهي بـ«روائيّ الحياة اللبنانية» وقد انطلقت معظم قصصه من مجتمعه المحلّيّ (فيسبوك)
لُقّب الدويهي بـ«روائيّ الحياة اللبنانية» وقد انطلقت معظم قصصه من مجتمعه المحلّيّ (فيسبوك)

كانت جائحة كورونا تعصف بالكوكب يوم أغمض جبور الدويهي عينَيه قبل 3 أعوام. حالت ظروف الحَجر والمرض العضال الذي تمكّنَ من جسده، دون احتفاله بروايته الأخيرة «سمٌّ في الهواء». لم يوقّعها للأصدقاء كما جرت العادة ولم يُشرف على ترجمتها إلى الفرنسية. لكنّ سنوات الغياب لم تتراكم غباراً فوق الكتاب، فهو يعود إلى أيادي المتابعين والأصدقاء ضمن احتفاليّة تعدّ لها عائلة الأديب اللبناني الراحل في المكان الأحبّ إلى قلبه، بلدة إهدن شمالي لبنان.

«سمّ في الهواء»

يحلّ تاريخ 23 يوليو (تموز) ثقيلاً على الزوجة تيريز والابنة ماريا اللتَين تخصّان «الشرق الأوسط» بحديث عشيّة الذكرى. «رغم غصّة الرحيل التي لم تفارقنا بعد، سنحتفي بأدبه نهاية هذا الصيف من خلال قراءات وشهادات حول شخصه وأعماله، لا سيّما (سمّ في الهواء)»، تقول ماريا الدويهي.

تلك الرواية بدأ الدويهي بكتابتها خارج البيت، هو الذي وجد إلهامه في المقاهي وسط زحمة الناس الذين شكّلوا خميرة حكاياته. لكن عندما خارت قواه، نقل الحِبر إلى ما بين جدران غرفته، حيث لا رفيق سوى شعاع شمسٍ صغير ومشهد جبل إهدن يسمو قبالة النافذة. أمّا الطقوس فبقيت هي هي، على ما تروي تيريز الدويهي؛ «كان يتأنّق لملاقاة الحروف، يرتدي البدلة قبل البدء بالكتابة كما لو أنه يهمّ بالخروج من المنزل». لفَرط ما روّض الموت في رواياته، لربّما تآلفَ جبور الدويهي معه. تسترجع زوجته أيامه الأخيرة مؤكّدة أنه «عاشها كأنه ليس مريضاً ولن يموت». طيلة فترة المرض، لم يتحدّث مرة عن الرحيل رغم معرفته بأنه كان على مقربة منه. «هو أصلاً لم يكن يفتح قلبه ويشاركنا الأفكار الدائرة في رأسه»، تقول تيريز.

اليوم الأخير

السنتان الأخيرتان في حياة جبور الدويهي، واللتان انقضتا بين سطور الرواية الأخيرة وعيادات الأطبّاء وأروقة المستشفيات، اختُتمتا صباح الجمعة 23 يوليو 2021. عن اليوم الأخير تتحدّث تيريز قائلة إنه أُصيب بانحطاط كامل في الصباح، فاحتاج إلى المساعدة كي يجلس. لكنه كان مصرّاً على مراقبة كل ما يدور حوله. تتابع السرد: «تحلّقنا حوله نداعب شعره ونقبّل وجهه. ابنتاه تُدفئان يدَيه وابنُه يناديه من دون جواب. غادر كأنه نعس ونام في حضن أولاده». هكذا مضى جبور الدويهي عن 72 عاماً، مستلهماً مشهده الأخير من عنوان روايته الأولى «الموت بين الأهل نعاس»، 1990. لم يكن خائفاً ولا متألّماً، بل كان محاطاً بالحب والرعاية. «وفي اللحظة الأخيرة، كان مبتسماً كي لا نحزن»، تروي الابنة ماريا.

لم يسلّم العائلة وصيّة ولا مخطوطات رواياتٍ جديدة، إنّما ترك خلفه قبّعته الشهيرة والكثير والكثير من الكتب. «كل ما في البيت يذكّرنا به. لكن عندما نقرأ كتبَه نشعر بحضوره قوياً حولنا، ونشعر بغيابه كذلك»، تقول ماريا والغصّة تملأ صوتها.

دخول متأخّر إلى الرواية

كان جبور الدويهي زاهداً في الحياة. أحبّ منها أشياءها البسيطة، كالجلسات اليوميّة في المقهى مع الأصدقاء للعب الورق، وكزيارته الأسبوعية لبيروت للاطمئنان إلى أحوال العاصمة. أحبَّ كذلك طلّابه في «الجامعة اللبنانية» حيث درّسَ الأدب الفرنسيّ، وغداءَ يوم الأحد مع الأولاد والأحفاد. لكن أكثر ما أحبّ الدويهي، الحكايات... يسردها، يكتبها، يقرأها ولا يملّها. تخبر تيريز بأنه «تعرّض خلال طفولته للتنمّر في المدرسة لأنه كان قارئاً نهماً، لا يفارق الكتاب حتى في الملعب». لكنّ سخرية الرفاق لم تغيّر شيئاً، فظلَّ الكتاب صديق الدرب. من بين مؤلّفاته، كانت رواية «شريد المنازل»، 2010، الأقرب إلى قلبه لأنها تعكس جزءاً أساسياً من مرحلة شبابه. أما من بين الكتّاب العالميين، فتأثّر الدويهي بأسلوب غابرييل غارسيا ماركيز، كما أحبَّ مارسيل بروست وإميل زولا. الفارق بينه وبين هؤلاء الأدباء أنه أتى إلى الرواية متأخّراً، وتحديداً في عامه الأربعين. والأغرب من ذلك أنه اختار الكتابة باللغة العربيّة وهو المتمرّس بالفرنسيّة ومدرّسُها في الجامعة. تخبر تيريز الدويهي أن قصة حقيقية من القرن الـ19 عن امرأة من شمال لبنان رفضت إخراج جثة ابنها الوحيد من البيت مبقية عليه داخل صندوق معها، هي التي أوحت لجبور بدخول عالم الرواية، فكانت باكورته الأدبيّة «الموت بين الأهل نعاس». ثم كرّت السبحة رواياتٍ تُرجمت إلى لغاتٍ عدّة وحصدت الجوائز، من أبرزها «اعتدال الخريف»، و«مطر حزيران»، و«عين وردة»، و«حي الأميركان». أما القاسم المشترك بينها فهو المكان، إذ ينطلق الدويهي دائماً من لبنان؛ وليس عبثاً أن أُطلق عليه لقب «روائي الحياة اللبنانية». لطالما كرّر أنّ «المطارح هي أساس الرواية»، ومطرحُه المفضّل كان وطنه الذي عالجه روائياً بأبعاده التاريخية والاجتماعية والسياسية والدينية والنفسيّة.

«رجُل من حبر وورق»

مع كل رواية أصدرَها، أثبتَ جبور الدويهي أنه ليس قلماً عابراً في عالم الأدب. ورغم دخوله المتأخّر إلى هذا العالم، فهو سرعان ما تحوّل إلى رائدٍ من روّاد الرواية اللبنانية المعاصرة وأحد أهمّ أعمدتها. غير أنّ كل ذلك المجد لم يُخرجه من دائرة الظلّ التي ارتضاها لنفسه. تختصر ماريا الدويهي حالة الخفر تلك لدى والدها بعبارة تصيب الهدف: «روايته أكبر من الصورة التي عكسَها عن نفسه». لم يسمح الدويهي للروائي الذي يسكنه أن يسرق الضوء من الرواية. تتابع ماريا شارحة: «لم يكتب من أجل الحصول على تقدير أو شهرة أو إعجاب، فهذه كانت سخافات بالنسبة له». لكن وفق الابنة، فهو «ربّما كتب سعياً للخلود من خلال كتاباته». ولعلّ تلك العبارة التي قالها في أحد أحاديثه الصحافية القليلة تُثبت النظريّة: «كتُبي جعلتني رجلاً من حبرٍ وورق». وبهذا الحبر والورق، دخل جبور الدويهي الأبد فعلاً، رغم ذهابه إلى الأبديّة.



ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها
TT

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

ليلى العثمان تقتحم باسمها الصريح عالم روايتها

رواية «حكاية صفية» للروائية الكويتية ليلى العثمان الصادرة عام 2023، رواية جريئة بشكل استثنائي، فهي، من خلال بطلة الرواية «صفية»، تنحاز بشكل صريح إلى هموم المرأة العربية وأشواقها وحريتها، وتصلح أن تكون أنموذجاً للرواية النسوية الواعية التي ترفض هيمنة النزعة الذكورية على الحياة بشكل عام، وعلى حق المرأة في الاختيار وممارسة الاستقلال بشكل خاص.

بطلة الرواية صفية، ربما مثل (إيما بوفاري) بطلة رواية «مدام بوفاري» للروائي الفرنسي فلوبير، تتمرد بوعي وإصرار على كل التابوهات والأعراف الاجتماعية والأسرية، تتحول تدريجياً إلى رواية شخصية Personality Novel، تتحكم البطلة فيها بالحدث، بل تصنعه، وليس العكس.

لكن سلوك البطلة المتمرد والمتحرر لا يمر بسلام؛ إذ تصطدم بقوانين العرف الاجتماعي التي تمثلها سلطة الأب القاسية المتشددة. فعندما يكتشف الأب عيسى أن ابنته صفية تخرج خارج البيت، وتلعب مع الأولاد يغضب ويعاقبها، لكنه عندما يكتشف علاقتها بابن الجيران حسين يعرضها إلى صنوف التعذيب، ويخضعها إلى مختلف أشكال العقاب والعنف الجسدي والنفسي، بل يتمادى في قسوته إلى تدبير المكائد العديدة لقتلها والتخلص منها. لكنها كانت دائماً تنجو منها بأعجوبة، حتى قال عنها أبوها مرةً إنها «بسبعة أرواح مثل القطط»، ولذا يقرر أن يودعها السجن طيلة حياتها عقاباً لها على تماديها. وهكذا تمضي صفية ثلاثين عاماً من عمرها داخل السجن الذي تتعرف فيه إلى عدد كبير من السجينات اللائي يروين لها حكاياتهن الخاصة المؤلمة. ولا تخرج من السجن إلا بعد وفاة أبيها. وتسلم أخوها الأصغر (هلال) الوصاية عليها، حيث يقدم طلباً، بوصفه وصياً عليها بعد وفاة أبيه من أجل إطلاق سراحها. لكنها تكون، آنذاك، مثقلة بالأحزان والمكابدات، وقد تسربت إليها الشيخوخة، وذَوَى جمالها، وترهل جسدها. والرواية لا تنتهي عند هذا الحد، فهناك جزءٌ ثانٍ، يشكل لعبة سردية ذكية تقتحم فيها المؤلفة ليلى العثمان باسمها الصريح عالم البطلة، وتعرض عليها أن تكتب سيرتها وحكايتها، التي تتحدث فيها عن السنوات الثلاثين التي أمضتها داخل السجن.

تتردد صفية في البداية؛ لأنها سبق وأن وعدت أخاها (هلال) بأن تحكي له حكايتها تلك داخل السجن، لكنها تقنعها بأنها ستتيح الفرصة لأخيها هلال بالاطلاع على كافة التفاصيل، بعد أن أخبرتها أنها في الحقيقة هي التي كتبت حكايتها حتى لحظة دخولها السجن، وترغب الآن في استكمال سرد الحكاية بناء على رغبات قرائها الذين اطلعوا على الجزء الأول من سيرتها، وهو ما يؤكد الطبيعة الميتا سردية للرواية:

«ما يصير يا صفية كل قرائي لحكايتك الأولى التي طلبت مني أن أكتبها يلحّون ويطالبونني بأن أكتب جزأها الثاني عن حياتك في السجن». (ص 166)

وتكشف البطلة بشجاعة عن موقفها وحقها في ممارسة حريتها، وتخبرها بأنها لم تخجل من أخيها، وقالت له إنها أعطت جسدها حقه». (ص 167)

وهكذا تبدأ صفية بسرد حكايتها داخل السجن إلى المؤلفة. وهنا تلعب البطلة دور الراوية «شهرزاد» في سفر «ألف ليلة وليلة» التي تروي سلسلة حكايات عن طريق التنضيد، تماماً مثل «ألف ليلة وليلة» التي تتحول إلى نص غائب، كما تلعب المؤلفة ليلى العثمان دور المروي له «شهريار»، ويتحول السجن في هذا الجزء إلى بنية إطارية مولدة Frame Structure تنبثق منها، ومن عوالمها أسرار السجينات وتجاربهن المدهشة. فالسجن هو البنية المكانية التي اختزنت كل هذه العذابات والأشواق والأحلام والانكسارات.

واقتحام المؤلفة ليلى العثمان، باسمها الصريح، عالم الرواية في جزئها الثاني، يثير قضية المؤلف الضمني Implied Author أو الذات الثانية للمؤلف. فمن المعروف أننا لا نعدّ المؤلف الحقيقي، الذي هو من لحم ودم، مؤلفاً للسرد الروائي، بل تنوب عنه ذاته الثانية، التي هي ذات ورقية افتراضية. وهذا ما وجدناه في الجزء الأول من الرواية. فالمؤلفة غائبة لا تتدخل في سرد الأحداث، بل تترك ذلك لذاتها الثانية أو للمؤلف الضمني، حيث وجدنا تناوباً في السرد بين هلال الأخ الأصغر، وصفية، فضلاً عن أصوات سردية أخرى جعلت الرواية ذات طبيعة بوليفونية متعددة الأصوات.

ولذا، فإن ظهور صوت المؤلفة الحقيقية (ليلى العثمان) ينطوي على لعبة سردية جريئة، مغايرة لنمط السرد في الجزء الأول. ومع ذلك يمكن حل هذا الإشكال عن طريق الافتراض بأن اسم المؤلفة الحقيقي ليلى العثمان هو اسم افتراضي أيضاً، بوصفه الذات الثانية للمؤلفة.

والرواية بعد ذلك هي متحف للموروثات الشعبية والأنثربولوجية في المجتمع العربي عموماً، والمجتمع الخليجي بشكل أخص، حيث نجد فيها الكثير من أجواء الطفولة والحياة الأسرية الداخلية، والمفردات والإشارات التي تكشف عن الحياة الاجتماعية الشعبية في المجتمع، فضلاً عن تصوير الروائية الجريء لحياة السجون والتجاوزات التي تحدث فيها بما يتعارض ومبادئ حقوق الإنسان.

ونجحت المؤلفة إلى حد كبير في تصوير عوالم الطفولة والمراهقة والنضج، وتحديداً من خلال ما تسمى بطقوس العبور Rites of Passage، حيث الانتقال من عالم الطفولة بطقوسه إلى عالم المراهقة والنضج، من خلال ملاحقة نمو شخصية البطلة (صفية) التي كانت منذ طفولتها تميل إلى اللعب مع الصبيان، وانتقالها إلى مرحلة الوعي بحاجات الجسد ونداءاته السرية.

يسرد لنا (هلال)، الأخ الأصغر لصفية، كيف أن أباها القاسي عاقب أخته، عندما اكتشف أنها خرجت من البيت لتلعب مع الصبيان:

«يومها كان عمري خمس سنوات، مقرفصاً بجانب أمي الجالسة أمام النار، حين اندفعت صفية من الدهليز لاهثة... وأبي يركض على إثرها مسعوراً بصراخه وزبد فمه المتطاير». (ص 9)

وربما كانت قسوة الأب المفرطة هذه أحد أسباب تمرد صفية وعنفوانها وإصرارها على مواقفها الجريئة. ومن هنا تشكلت شخصية (صفية)، قويةً ومتحديةً ومتماسكةً، أهّلتها لأن تواجه كل الصعوبات والعقوبات ومنها سنوات السجن الثلاثين.

تعتمد البنية السردية في الرواية أساساً على سرد متناوب من قبل الأخ الأصغر (هلال) وأخته (صفية) في مرويات ومونولوغات متعددة، فضلاً عن ظهور أصوات فردية متفرقة وتوظيف سرد «الراوي العليم» في بعض الفقرات:

«في أحد الأحياء الفقيرة عاشت العائلة الصغيرة: الأب عيسى بن نايف، رجل نحيل قصير القامة حنطي اللون، له عينان مستديرتان غير حنونتين». (ص 13)

كما يعتمد السرد إلى حد كبير، وخاصة في نهاية بعض الفصول، على تقنية الاستباق السردي Ellipsis لاستشراف ما سيحدث في المستقبل، كما نجد ذلك في نهاية المقطع الأول من الجزء الأول:

«كان الحال مستوراً، والسمعة طيبة، لكن شيئاً كالسوسة بدأ ينخر في أساسات حياتهم الهادئة ويفسدها». (ص 15)، ويسهم مثل هذا السرد في الاستباق الاستشرافي، لما سيحدث في الرواية مستقبلاً، مما يثير فضول القارئ ويشده إلى ما يسميه الناقد الألماني آيزر بـ«استشراف أفق التوقع»، إنذاراً وتمهيداً لكارثة مقبلة:

«أرادت لهذا الإنس أن يستمر، وأحست أن شهده سيصير علقماً ترتشف مرارته طيلة السنوات المقبلة». (ص 54)

وتمهد كلمات صفية لأخيها هلال، للجزء الثاني من الرواية عندما تقول: «للسجن حكاية قد أحكيها لك ذات يوم». (ص 161)

كما اعتمدت المؤلفة على تقنية «الملخص» لاختصار فترة زمنية طويلة، Summary وهي واحدة من تقنيات السرد التي شخصها الناقد الفرنسي جيرار جنيت، كما نجد ذلك في المقطع التالي:

«كلما كبرت صفية سنة، صارت أكثر تمرداً، أمي تحتملها بينما غضب أبي يكبر». (ص2)

كما يختزل الملخص التالي حركة الزمن أفقياً:

«بعد ثلاث سنوات من دخول صفية إلى السجن بدأت أمي تلح عليّ أن أتزوج لتعوض غيابها بأولادي». (ص 135)

وتلخص (صفية) حياتها داخل السجن عبر هذا التلخيص:

«شهور بليدة الأقدام، ثقيلة الظل، والحال هو الحال». (ص251)

وتجسد صفية في سردها مرور سنوات سجنها المريرة:

«بمرور السنوات اعتدت على السجن». (ص 253)

تلعب البطلة دور الراوية «شهرزاد» في «ألف ليلة وليلة» كما تلعب المؤلفة ليلى العثمان دور «شهريار»

ولا يسعنا إلا التوقف أمام العتبات النصية القليلة في الرواية، ومنها مقطع شعري من ديوان الشاعر دخيل الخليفة:

«من جناح الموت الرابع

حاولت أن تقلد العصافير

في رقصتها الأخيرة

فخانها الهواء».

وهي تختزل جوهر معاناة (صفية) في محنتها وأحلامها. كما نجد عتبة نصية أخيرة ذيلت بها المؤلفة روايتها عن تاريخ السجون في الكويت، وكانت وظيفتها إخبارية وتاريخية، عن أماكن السجون وطبيعتها، لكنها كانت تفتقد إلى إشارة محددة إلى مكان السجن الذي أودعت فيه صفية، لتكون هذه العتبة النصية جزءاً عضوياً من السرد الروائي مثل القول: «بعد الستينات نقلوا السجن إلى الفروانية، حيث أمضت صفية سنوات سجنها الثلاثين».

هذا، ويجدر الذكر بأن المؤلفة ليلى العثمان سبق لها وأن صرحت في لقاء صحافي، بأن (صفية) امرأة حقيقية التقت بها في السجن عام 1976، ودونت حكايتها، لكنها قررت أن تنشر ما كتبته بعد وفاتها، فكانت هذه الرواية التي ستحتل مكانة خاصة ومضيئة في سجل الرواية العربية عموماً، و«الرواية النسوية» بشكل خاص.