الشاعر الطاجيكي نذر الله نزار: هناك تراث شعري مشترك مع العرب

يقول إنهم يقرأون لأبرز شعراء العرب وقد ترجموا للكثير من شعراء الخليج

الشاعر الطاجيكي نذر الله نزار: هناك تراث شعري مشترك مع العرب
TT

الشاعر الطاجيكي نذر الله نزار: هناك تراث شعري مشترك مع العرب

الشاعر الطاجيكي نذر الله نزار: هناك تراث شعري مشترك مع العرب

«ثمة مشتركات تجمع بين الشعر الطاجيكي والشعر العربي، بينها العَروض وما فيه من البحور، والوزن والقافية، واستخدام فنون البديع من تشبيه واستعارة وكناية وجناس وطباق ومقابلة وغيرها. القارئ الطاجيكي يتقبل الشعر العربي ويلتذ ببلاغته ومعانيه ومحاسنه كما يلتذ بإبداعات شعراء بلده»، كما يقول الشاعر والدبلوماسي والمترجم الطاجيكي نذر الله نزار، عضو اتحاد كتاب طاجيكستان.

وخلال لقاء مع الشاعر الطاجيكي في الرياض، حيث كان يقوم بزيارة الى العاصمة السعودية مؤخراً. وذكر نزار أن الشعر احتل مكانة عالية في الأدب الطاجيكي الكلاسيكي، أما في الأدب الحديث فإن القصة أو الرواية، نتيجة التأثر بالأدب الروسي والغربي، قد أخذتا تتبوآن مكانة مرموقة، ومنها، على سبيل المثال، «المذكرات» و«العبيد» و«موت المرابي» للكاتب صدر الدين عيني، و«انتفاضة واسع» و«رواية الصغد» للكاتب ساطم أولوغ زاده، و«اثنتا عشرة بوابة بخارَى» و«ابنة النار» للكاتب جلال إكرامي.

العربية لدى الشعوب الآرية

والطاجيك، كما هو معروف، من أقدم شعوب منطقة آسيا الوسطى، وينتمون إلى الشعوب الآرية، وهم أصحاب حضارة عريقة تمتد إلى عمق التاريخ بآلاف السنين، ولغتهم الطاجيكية هي اللغة الفارسية نفسها التي ينطقون بها في إيران، وأفغانستان.

ولعل قراء العربية قد تعرفوا بشكل وافٍ، على تاريخ الشعب الطاجيكي القديم وحضارته العريقة كانت من خلال كتاب الرئيس إمام علي رحمن، رئيس جمهورية طاجيكستان «الطاجيك في مرآة التاريخ» الصادر عن دار الفكر العربي بالقاهرة بطبعتين (2009 و2011) في أربعة أجزاء، وكذلك كتاب «الطاجيك» للأكاديمي باباجان غافوروف الصادر عن دار «بعل» السورية في جزأين والذي يتناول بعمق وشمولية تاريخ وحضارة الطاجيك منذ النشأة إلى الوقت الحاضر. وتتمير ثقافة الطاجيك بالأصالة، وأما شعرهم فإنه امتداد للشعر الطاجيكي الفارسي الكلاسيكي الذي يعود منهله إلى القرن التاسع الميلادي ما بعد الفتوحات الإسلامية.

ووفقاً لنزار، يعدّ أبو عبد الله جعفر بن محمد الرودكي (858 - 941) من «منطقة بانجاكنت»، رائد الشعر الطاجيكي الفارسي، باعتباره أول من كان له ديوان شعري بالفارسية، وأعقبه خواجه كمال الخجندي (1321 - 1400) المولود في شمال طاجيكستان بغزلياته الرقيقة، ومولانا عبد الرحمن الجامي (1414 - 1492) من جنوب طاجيكستان بدواوينه العرفانية، وعشرات آخرون.

الترجمة جسر ثقافات الشعوب

على صعيد دور الترجمة في تجسير ثقافات الشعوب، يذكر نزار أنه قد نُشرت ترجمة عربية لنماذج من القصيدة الطاجيكية الحديثة ضمن مجموعات شعرية مثل «وردة في الخد وأخرى في النظر» (الكويت، 2006)، و«أوراق متفرقة» (القاهرة، 2018)، و«مخيلة القصائد» (الكويت، 2019)، و«خماسية الحماسة» (دمشق، 2022)، «كما قمنا بترجمة كبار الشعراء العرب إلى الطاجيكية، مثل عبد العزيز المقالح من اليمن، الشيخة سعاد الصباح من الكويت، والشاعر الكبير نزار قباني من سورية، والشاعر الكبير الأمير خالد الفيصل من السعودية، وعدد آخر من الشعراء. والعمل في هذا المضمار جارٍ بهمة عالية».

الشاعر نزار في سطور

* نذر الله نزار من مواليد 1949، تخرج في كلية اللغات الشرقية - قسم اللغة العربية بجامعة طاجيكستان الوطنية سنة 1973.

* عضو اتحاد كتاب طاجيكستان. في الفترة 2007 - 2014، عمل سفيراً لجمهورية طاجيكستان لدى جمهورية مصر العربية.

* يمارس الترجمة عن الطاجيكية إلى العربية منذ سنوات الدراسة الجامعية، حيث نُشرت نماذج منها في الصحف والمجلات العربية في مصر، وسوريا، والعراق، والكويت واليمن.

صدرت له كتب في دور النشر المحلية والعربية:

• «بسمة البراعم» (قصائد الشاعر ميرسيد ميرشكر للأطفال)، منشورات دار الشرق الحر، دوشنبيه، 1998.

• «ثلاث مسرحيات من طاجيكستان» (بالاشتراك مع الدكتور غسان مرتضى من سوريا)، منشورات اتحاد الكتاب العرب، دمشق، 2002.

• «وردة في الخد وأخرى في النظر» (قصائد للشاعرين من طاجيكستان جولروخسار وجزلنظر)، منشورات دار القبس، الكويت، 2006

• «أوراق متفرقة» (قصائد عربية للمؤلف وقصائد مترجمة من شعراء طاجيكستان وسائر جمهوريات الاتحاد السوفياتي)، منشورات شمس، القاهرة، 2018

• «مخيلة القصائد» (قصائد الشاعر دورو نجات)، منشورات المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، 2019

• «خماسية الحماسة» (قصائد خمسة شعراء من طاجيكستان نظام قاسم وجولنظر وجولروخسار وفرزانة ودورو نجات)، منشورات دار الأمل الجديدة، دمشق، 2022

كما أصدر بالطاجيكية بالاشتراك مع كبار شعراء طاجيكستان دواوين:

• «كأس من الدموع» للشاعر اليمني عبد العزيز المقالح، 1990

• «خيمة الكلمة القدسية» للشاعرة الكويتية سعاد الصباح، 1999

• «صوت الوجع» للشاعر السوري نزار قباني، 2002

• «سحابة هلت مطر» للشاعر السعودي الأمير خالد الفيصل، قيد الطباعة

كما راجع وقدّم:

• «الطاجيك في مرآة التاريخ» لرئيس طاجيكستان إمام علي رحمان، المطبوع في القاهرة في 4 أجزاء، دار الفكر العربي، 2009 و2011

• «الطاجيك» للأكاديمي باباجان غفوروف المطبوع في دار بعل السورية في جزأين، دمشق، 2023

نماذج مما ترجمه الشاعر المترجم نذر الله نزار

من قصائد لشعراء طاجيكستان مقطع من قصيدة «أنا وأنت» للشاعرة فرزانة وتُصبحُ عند قُبحِكَ أنتَ تُشـبِهُـني وأمسي أشابهُكَ في جميلي وأكثراَ. ولو أنَّ سوءاً مسّكَ مِن انسيٍّ فنادِني مَـلَكـاً في سمائِكَ أحضُراَ. فانكَ آخرُ نورٍ في أفـولي وإنني لآخِرُ نَـفَسٍ بِذبـولِـكَ أخضَـراَ. من رباعيات الشاعر جولنظر فلْتَصْفُ السّماءُ أبداً فوقَ الرّاسْ ولْتَـنْمُ بساتينُ تَعِـشْ فيها النّاسْ. لا لستُ أريـدُ غـيرَ قوسِ قُـزَحٍ أنْ يبقَى لنا وسْطَ جميعِ الأقواسْ. مقطع من قصيدة «ليس» للشاعر نظام قاسم فَليسَ كُلُّ سالكٍ طريقاً دليلَ قومٍ ولا كُلُّ آتٍ إليكَ تَودُّداً خِلاًّ يُرام ولا كُلُّ من وجد ليلى له يكونُ قَيْساً ولا كُلُّ واقعٍ في الجُبِّ يوسُفَ عليه السلام. مقطع من قصيدة «لو كنت حجراً» للشاعر دورو نجات خيرٌ لو كنتُ حجراً لكنتُ أعلنتُ اعتزازي بشقيقي – الحجر الأسود إذ تهوي إليه الأفئدة.



جيرار دو نيرفال... عبقري على حافة الجنون

جيرار دو نيرفال
جيرار دو نيرفال
TT

جيرار دو نيرفال... عبقري على حافة الجنون

جيرار دو نيرفال
جيرار دو نيرفال

تقول لنا النظرية الحديثة في علم النفس والتحليل النفسي: العُصاب الجنوني هو الذي يصنع الكتاب الكبار والإبداع العبقري هو الذي يشفيه. العبقرية بهذا المعنى تعني الانتصار على الجنون الداخلي، أو ترويضه، أو تحجيمه. كان دوستيوفسكي قد قال لأخيه في رسالة مبكرة: عندي مشروع كبير؛ أن أصبح مجنوناً (أي عبقرياً). وبالفعل لو لم يستطع تأليف رواياته الهائلة كـ«الجريمة والعقاب» و«الإخوة كرامازوف» لكان قد جُنَّ نهائياً. وقل الأمر ذاته عن سلفادور دالي الذي أنقذته لوحاته الخارقة من الجنون. وقِسْ على ذلك... هذه هي المعادلة الجدلية، أو المعادلة الديالكتيكية، التي تربط بين العبقرية والجنون. معظم العباقرة الذين نسمع بأسمائهم ونُبجّلهم ونعظّمهم كانوا يعانون معاناة سيكولوجية هائلة تصل أحياناً إلى حافة الجنون. ولكن بضربة عبقرية خارقة كتأليف قصيدة، أو رواية، أو كتاب فلسفي نادر، استطاعوا التغلب عليها. بهذا المعنى كل عبقري مجنون بشكل من الأشكال ولكن ليس كل مجنون عبقرياً. فجنون المجانين لا يؤدي إلا إلى الهذيان الكامل ولا ينتج عنه أي شيء. إنه لا يؤدي إلى تأليف روائع أدبية كبرى كتلك التي أتحفنا بها شكسبير أو المتنبي أو جان جاك روسو الذي أوصلوه إلى حافة الجنون في أواخر حياته من كثرة الملاحقات والاضطهاد. كنت قد كرست فصلاً كاملاً لمعالجة هذه الإشكالية الكبرى في كتابي الأخير الصادر عن «دار المدى» بعنوان: «العباقرة وتنوير الشعوب».

والآن ماذا عن جيرار دو نيرفال الذي جُنَّ وانتحر في نهاية المطاف بعد أن أتحفنا بروائع أدبية خالدة؟ لم يستطع حتى الإبداع الخارق أن يحميه من السقوط في حمأة الجنون وجحيمه البهيم. وبالتالي فهو استثناء على القاعدة. ولكنه ليس الوحيد. هناك نيتشه أيضاً وهولدرلين وبعض الآخرين. نيرفال، هذا الرجل المسكين الطيب الذي احتقره عصره في القرن التاسع عشر بسبب متاعبه النفسية وفقره، راح القرن العشرون يرفعه إلى مصافِّ الكبار، بل كبار الكبار من أمثال بودلير، وفلوبير، وبلزاك، وفيكتور هيغو، وسواهم من المشاهير. بل إن بودلير ذاته كان مجهولاً في عصره إلى حد كبير ولم تنفجر شهرته كالقنبلة الموقوتة إلا بعد موته. وقد استشعر ذلك هو شخصياً عندما قال هذه العبارة الرائعة: شهرة ما بعد الموت تعنيني! ولكن على الأقل شهرة بودلير لم تتأخر نصف قرن أو قرناً كما حصل لجيرار دو نيرفال. هل نعلم مثلاً أن غوستاف لانسون، أستاذ طه حسين في السوربون وأشهر ناقد أدبي فرنسي في مطلع القرن العشرين، لم يذكره إلا في هامش صغير في أسفل الصفحة؟ كان مارسيل بروست أحد الأوائل -والقلائل- الذين عرفوا أهمية جيرار دو نيرفال. كان أول من أدرك قيمته داخل الأدب الفرنسي وربما العالمي. وكان أول من أطلق عليه لقب: عبقري! كان ذلك في بدايات القرن العشرين. ولكن لم يستمع أحد لصوت مارسيل بروست صاحب الرواية الخالدة: بحثاً عن الزمن الضائع. لم يكن قد آن الأوان لكي يعرف الناس من هو جيرار دو نيرفال...

والحقيقة هي أن الفضل في اكتشافه وإعطائه المكانة التي يستحقها على قمة الأدب الفرنسي تعود إلى السرياليين. ولو لم يكن لهم إلا هذه الميزة لكفاهم ذلك فخراً. صحيح أن الشاعر أبولينير قال عنه عام 1911 هذه العبارة اللافتة: «إنسان رائع. لو تعرفت عليه لأحببته كأخ، كشقيق»... ولكنّ أندريه بريتون، زعيم السرياليين، هو الذي خطا الخطوة الحاسمة في اتجاه الاعتراف بأهمية جيرار دو نيرفال. يقول عنه عام 1924 في المانيفست الشهير للحركة السريالية:

«كان بإمكاننا أن نستعمل مصطلح ما فوق الطبيعية بدلاً من مصطلح ما فوق الواقعية: أي السريالية في اللغة الفرنسية. والمعنى واحد في نهاية المطاف. لقد سبقنا جيرار دو نيرفال إلى اختراع السريالية الواردة في كتابه: بنات النار.

ينبغي أن نعترف بذلك. إنه الرائد الأول بالنسبة لنا. فالواقع أن نيرفال كان يمتلك الروح التي تهمنا والتي ننسب أنفسنا إليها: عنيت الروح الهذيانية السريالية، أو روح ما فوق الواقع، ما فوق الطبيعة والطبيعية. هناك عالم آخر فوق هذا العالم التافه البليد الذي نعيشه: إنه العالم السريالي الرائع. إنه أجمل وأبهى بألف مرة من جحيم الواقع الأرضي». بهذا المعنى...

يقول الناقد ريمون جان إن موقف السرياليين من جيرار دو نيرفال كان معقداً. فهو يتراوح بين الإعجاب العقائدي به، والانبهار بالتجربة المعيشة للجنون. السرياليون كانوا مهووسين بالجنون، كانوا يحبونه، يقدسونه. كانوا يعدّونه مرادفاً للإبداع العبقري. لا إبداع بلا جنون خارق. نقول ذلك ونحن نعلم أن جيرار دو نيرفال قد عرف هذه التجربة الجنونية واكتوى بحرِّ نارها. والدليل على ذلك أنه دخل المصحَّ العقلي أكثر من مرة. وبين كل إقامتين في مستشفى المجانين كان يُنتج رائعة أدبية، عبقرية. وربما لم يكن انتحاره وهو في الثامنة والأربعين إلا تتويجاً لتجربة الجنون. فقد وصل به التأزم النفسي إلى درجة لا تُحتمل ولا تُطاق فقرر أن يضع حداً لحياته. وشنق نفسه على عمود كهرباء في ساحة الشاتليه وسط العاصمة الفرنسية. مهما يكن من أمر فإن السرياليين أعطوا نقطة الانطلاق للاعتراف بجيرار دو نيرفال بوصفه كاتباً كبيراً. وقد وصل الأمر ببول إيلوار إلى حد الانبهار بعبارته التي تقول: «الطقس رائع إلى درجة أننا لا نستطيع أن نلتقي أو يقبِّل بعضنا بعضاً في البيوت. لنخرج فوراً»!

ينبغي في هذا الصدد أن نطَّلع على ما كتبه عنه الناقد الكبير شارل مورون في كتابه المرجعي الأساسي: «من المجازات الهلوسية إلى الأسطورة الشخصية- مدخل إلى النقد التحليلي النفسي». فهذا الناقد المهمَل عندنا لأننا لا نعرف غير رولان بارت الذي بلور نظرية كاملة متكاملة عن الإبداع الأدبي العبقري. وإذا كنت قد فهمته جيداً فإنه يريد أن يقول ما يلي: كل شاعر كبير يكون مهووساً حتماً ببعض العُقد النفسية. وينعكس هوسه هذا على كتاباته الإبداعية بطبيعة الحال. ويتجلى هذا الهوس في نوعية المجازات الإبداعية الرائعة التي يبتكرها والتي تتكرر بأشكال مختلفة على مدار أعماله. وبالتالي فلكي نفهم هذا الشاعر، لكي ننْفذ إلى عالمه الحقيقي، ينبغي أن نستخلص هذه المجازات اللغوية الإبداعية الخارقة من كل مؤلفاته من أولها إلى آخرها. ينبغي أن نفرزها فرزاً وأن ندرسها عن كثب لكي نتوصل إلى معرفة الأسطورة الشخصية التي تكمن وراءها، أي لكي نتعرف على شخصيته الحقيقية العميقة. فبودلير مثلاً كان مهووساً بأشياء محددة، وقد انعكس هذا الهوس على موضوعاته الشِّعرية ومجازاته اللغوية وصياغاته التعبيرية التي تسحرنا حتى اللحظة. وشكَّل هذا الهوس عالماً بأسره هو عالم شارل بودلير. وهو يختلف عن عوالم كل الشعراء الآخرين. ورامبو أيضاً كان مهووساً بأشياء أخرى، وقِسْ على ذلك... الشاعر الكبير هو وحده القادر على اختراع مجازات وعلاقات لغوية خارقة لم يعرفها تاريخ الشِّعر من قبل. من هنا جاذبيته التي لا تقاوم.

لكنَّ هوس نيرفال كان من النوع الثقيل جداً من الناحية النفسية وكان يضغط عليه أحياناً إلى حد الشلل. وقد سخر بعض الأصدقاء منه ومن جنونه بشكل ودود ومحب فتأثر كثيراً وقال ما معناه: يصعب عليَّ أن تروني مجنوناً. لم أعد أستطيع تقديم نفسي إلى أي مجلس. لم أعد أستطيع أن أتزوج أو أن أجد امرأة تقبل بي. بل لم أعد أستطيع أن أُقنع الآخرين بأن يُصغوا إليَّ بشكل جدي عندما أتحدث. مَن يستمع إلى مجنون؟ لقد فقدت هيبتي واحترامي في أعين الناس. وربما تخليت عن هذه المهنة التعيسة: مهنة الكتابة. لم يعد لي أمل بأي شيء. لقد انتهيت أنا، انتهيت...».

هذا القلق المرعب الذي كان يكتسحه من الداخل اكتساحاً هو الذي زعزع شخصيته وأفقده هيبته وأدى به إلى الانتحار في نهاية المطاف. ولكن قبل أن ينتحر كتب هذه القصيدة:

شاهدة على قبر

لقد عاش أحياناً فرحاً مرحاً كزرزور

أحياناً عاشقاً خليَّ البال حنوناً

وأحياناً مكفهراً حالماً كطائر حزين

حتى سمع في يوم من الأيام دقاً على الباب

×××

إنه الموت! لقد جاء ملاك الموت. فترجاه أن ينتظر قليلاً

حتى يكون قد وضع اللمسة النهائية على قصيدته الأخيرة

ثم من دون أي تأثر أو انفعال راح يتمدد

في أعماق الصندوق البارد حيث يرتجف جسده

×××لقد كان كسولاً حسبما تقول الرواية

كان يترك الحبر ينشف كثيراً في المحبرة

كان يريد أن يعرف كل شيء

ولكنه جاء وراح ولم يعرف شيئاً

×××وعندما حانت اللحظة حيث متعباً من هذه الحياة

قُبضت روحه في أمسية شتائية

رحل وهو يقول: لماذا جئت إلى هذا العالم؟ الشاعر الكبير هو وحده القادر على اختراع مجازات وعلاقات لغوية خارقة لم يعرفها تاريخ الشِّعر من قبل