حظيت هذه الرواية الصادرة عن دار «الكرمة» بالقاهرة باحتفاء لافت في الصحافة الغربية، باعتبارها أحد أهم الأعمال الأدبية الصادرة في ألمانيا بالسنوات الأخيرة. وصفتها صحيفة «التايمز» البريطانية بأنها «مؤرقة، تصور بشكل درامي كيف تتأثر الحياة العادية بالتاريخ». وعدّت «الفايننشال تايمز» أنها «بانوراما جذابة للغاية لتاريخ ألمانيا القلق في القرن العشرين»، بينما أكدت «الغارديان» أن مؤلفتها جني إربنبك «واحدة من أفضل المؤلفين وأكثرهم إبهاراً».
نجح المترجم السوري نبيل الحفار في الحفاظ على الحس الشاعري والروح العذبة للنص في نسخته العربية، وجاءت الشخصيات مرسومة بإتقان رغم الإيقاع السريع والسرد المكثف الذي يغطي مساحة زمنية هائلة. يرتكز العمل على منزل صغير يقع على شاطئ بحيرة براندنبورغ خارج برلين، بحيث تغطي الأحداث أكثر من مائة عام من التاريخ الألماني، من القرن التاسع عشر إلى جمهورية فايمر، ومن الحرب العالمية الثانية إلى جمهورية ألمانيا الديمقراطية الاشتراكية، وأخيراً إعادة توحيد شطري البلد وما نجم عنه من عواقب.
تقدم «الفجيعة» قصص حياة أفراد يسعون إلى جعل هذا المنزل الصغير السحري مسكنهم الخاص. تعيش الشخصيات على هامش الحياة اليومية للمنزل وتتلألأ بتفاصيلها، فيحكي النص عن اهتمامات ومصائر السكان من خلال فيسفساء أدبية أنيقة وشاعرية للقرن الماضي، فُتفتح الجروح وتقدم لحظات من المصالحة، مع دراما مؤثرة واستحضار رائع لمكان لا يمكن لأي اضطراب سياسي أن يغيره حقاً.
لجني إربنبك أعمال أدبية عديدة، وتعد الروائية الأهم في الأدب الألماني المعاصر، حسب كثيرين. تُرجمت أعمالها إلى 30 لغة، وفازت عنها بأكثر من 20 جائزة دولية، مثل جائزة «توماس مان» الألمانية و«بريميو ستريجا» الإيطالية.
ولدت إربنبك في برلين الشرقية 1967 وهي ابنة الفيزيائي والفيلسوف الكاتب جون إرنبنك والمترجمة دوريس كيلياس التي ترجمت عدداً كبيراً من الأدباء العرب، لنجيب محفوظ وإبراهيم أصلان وبهاء طاهر وجمال الغيطاني ومحمد شكري وآخرين إلى الألمانية.
أما نبيل الحفار فهو مترجم وناقد مسرحي سوري ولد في دمشق 1945، درس الأدب واللغة الألمانية في جامعة «هومبولت» ببرلين، كتب مقالات عديدة في النقد المسرحي في صحف ومجلات عربية وألف مع د. حنان المالكي «غوته وهوغو وحوار الحضارات» عام 2009. ترجم قصصاً ومقالات أدبية وما يزيد على 3 روايات و34 مسرحية لكبار الأدباء الناطقين بالألمانية.
ومن أجواء الرواية نقرأ:
«لا يعرف أحد في القرية من أين يأتي. ربما كان موجوداً دائماً، يساعد الفلاحين في تطعيم أشجار فاكهتهم في الربيع، ويجدد تطعيم الأغصان في مطلع الصيف مراعياً البراعم المتفتحة ومنتبها للبراعم النائمة على الرغم من اندفاع النسغ الثاني. يقلم أغصان الأشجار التي ستخضع إلى التطعيم أو يجرحها حسب الثُخّن، يهيئ الخلطة الضرورية من الراتنج والشمع والتربنتين، ويضمد الجروح بعد ذلك بورق أو لحاء. يعرف جميع من في القرية أن الأشجار التي يشرف على تطعيمها بنفسه تمتلك مع استمرار نموها التيجان الأكثر تناسقاً. في الصيف يستدعيه الفلاحون بوصفه حصّاداً أو لتوضيب الحزم، ويستشيرونه عند تجفيف التربة الداكنة في قطع الأرض الواقعة على ضفة البحيرة، وهو يجيد جدل أغصان الشربين الخضراء في ضفائر، ينزلها إلى العمق المناسب داخل الثقوب المحفورة من أجل رفع المياه، ويساعد أهالي القرية في إصلاح محاريثهم وجرارتهم، ويشاركهم شتاء في التحطيب ونشر الجذوع بالمنشار. إنه لا يملك أرضاً ولا قطعة من غابة، ويسكن وحيداً في كوخ صيد مهجور على طرف الغابة، يسكن هناك منذ الأزل، كل من في القرية يعرفه، ومع ذلك فإنهم، كبيرهم وصغيرهم، ينادونه (البستاني) وحسب، وكأن لا اسم له سواه».