«عالمية الثقافة العربية» لمحمد غبريس

«عالمية الثقافة العربية» لمحمد غبريس
TT

«عالمية الثقافة العربية» لمحمد غبريس

«عالمية الثقافة العربية» لمحمد غبريس

ضمن مشروعها الثقافي بـ«طباعة المنجز الإبداعي العربي (طبعة بغداد)»، صدر حديثاً عن سلسلة «ثقافة عربية» التي تصدرها «دار الشؤون الثقافية العامة – وزارة الثقافة والسياحة والآثار» في العراق، للشاعر والإعلامي محمد غبريس كتاب تحت عنوان: «عالمية الثقافة العربية»، وهو مجموعة من المقالات والافتتاحيات التي نُشرت في عدد من المجلات الثقافية العربية.

ويشير الكاتب في مقدمة الكتاب إلى أنّ «الثقافة العربية سعت منذ تثبيت دعائمها إلى أن تشق طريقاً مختلفاً إلى الآفاق العالمية، وقدمت نفسها باعتبارها مشروعاً قائماً على العدل والمساواة والانفتاح، حيث ينقل لنا التاريخ كيف استوعبتْ كلَّ الثقافات وهضمت كل الحضارات، وكيف شكلت رافداً غزيراً للثقافات الأخرى».

ويرى المؤلف أنّ «الثقافة العربية اغتنت بدورها بهذا التواصل والتفاعل الخلاق، واستفادت مما أنتجه الفكر الإنساني في الغرب، واكتسبت أبعاداً كونية بكل ما أبدعه الفكر الإسلامي من معارف وعلوم، وهي حين انطلقت إلى الآخر، انطلقت من رسالتها الإنسانية ومبادئها الحضارية والقيمية، وأضاءت شعلة الحوار منذ ذلك الوقت لتكريس مفهوم الأنسنة، عبر وسائط فنية وإبداعية وفلسفية وعلمية، اعترف بها العالم لتنوعها وتأثيرها وحركيتها».

وانطلاقاً من ذلك، يسلط الكتاب الضوء على «أصالة الثقافة العربية وعراقتها وصمودها أمام المتغيرات الحداثوية؛ لما تشكله من مرونة وحيوية نابعة من القيم الإنسانية العليا»، فيما يتوقف عند «دور المثقفين والمفكرين والمبدعين والمؤسسات الثقافية المختلفة، في إيجاد سبل التواصل، والتحرك عالمياً، وإيصال صوت الثقافة العربية للآخر»، وهو يخلص إلى أنّ «المشاركة العربية في المهرجانات والفعاليات الثقافية العالمية، خصوصاً معارض الكتب الدولية، دليل على استعادة الثقافة العربية مكانتها الريادية من جديد، ونقل التراث والحضارة برؤى جديدة تحاكي تطلعاتنا وآمالنا».

ويبيّن الكتاب كيف أن «الشعر قادر على تغيير العالم والتاريخ وأنسنة الإنسان، وكيف نجحت عبقرية الأدب العربي في تجلياتها الكبرى ومساراتها العطرة في أن تصوغ رؤى جديدة للعالم والحياة والمستقبل»، لافتاً إلى أنه «من الضروري أن تنتج الثقافة الإنسانية مثقّفاً مبدعاً متسلّحاً بالتنوير والتغيير والحداثة، يستطيع أن يواجه التحوّلات التي تحدثها في العالم، ويتصدّى للممارسات التي يفرزها الواقع الجديد»، فيما يشدّد على «أهمية الوعي الثقافي والتاريخي في عملية التقدم والازدهار، وكيف أن الترجمة... ضرورة إنسانية»، شارحاً «دور الثقافة العابرة للحدود والتواصل الثقافي، إضافة إلى التكامل بين الأدب والفن والإبداع».

كذلك يحتفي الكتاب بـ«إسهامات العرب في تشكيل الحضارة الإنسانية، وأهمية الإرث اللغوي والبلاغي الذي خلّفه العلماء العرب وشكل جسراً للتواصل الحضاري والثقافي»، ويحتفي أيضاً بـ«عالمية الخط العربي، وكيف لعب دوراً حيوياً في نشر اللغة العربية والتعريف بثقافتنا وقيمنا وتراثنا».


مقالات ذات صلة

ما الذي تبقى من الاستشراق؟

ثقافة وفنون أرنست رينان

ما الذي تبقى من الاستشراق؟

أثار المفكر المرموق أنور عبد الملك في حينه (1962) موضوعاً مهماً، وهو يعرض لأزمة الاستشراق.

د. محسن جاسم الموسوي
ثقافة وفنون جوهر التاريخ وروح الأسطورة في منعطفات النص

جوهر التاريخ وروح الأسطورة في منعطفات النص

منذ رواية «زينب» لمحمد حسين هيكل، وحتى أعمال إلياس خوري، وقبلهما التوحيدي والجاحظ، هناك أنواع متعدّدة من السرد.

قاسم حداد
ثقافة وفنون «المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

«المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

رغم وفاته في سن السادسة والثلاثين، فإن الكاتب المسرحي والمخرج السينمائي والممثل الألماني راينر فيرنر فاسبندر (1945 - 1982) ترك وراءه كنزاً من الإبداع

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
ثقافة وفنون تمثالان من متحف البحرين الوطني بالمنامة (مقبرة الحجر الأثرية)

سيّدتا الحجر تحافظان على سرّ هويتهما الفنية

كشف أثري بمقبرة في بلدة بالبحرين، تم العثور فيها على تمثالين أنثويين في مدفن فارغ من أي عظام بشرية، ويتميّزان بأسلوب فني فريد من نوعه.

محمود الزيباوي
ثقافة وفنون «أمشي ويصل غيري»... سامح محجوب يستعيد جماليات قصيدة التفعيلة

«أمشي ويصل غيري»... سامح محجوب يستعيد جماليات قصيدة التفعيلة

ديوان جديد للشاعر المصري سامح محجوب يستعيد من خلال أجوائه جماليات قصيدة التفعيلة

«الشرق الأوسط» (القاهرة)

«المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

«المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر
TT

«المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

«المسرح الألماني المضاد»... رد الاعتبار لتجربة راينر فاسبندر

رغم وفاته في سن السادسة والثلاثين، فإن الكاتب المسرحي والمخرج السينمائي والممثل الألماني راينر فيرنر فاسبندر (1945 - 1982) ترك وراءه كنزاً من الإبداع يتكون من 40 فيلماً سينمائياً وأكثر من 16 نصاً مسرحياً، علاوة على العديد من الأعمال الدرامية الإذاعية والتلفزيونية. اللافت أن شهرة منجزه السينمائي، طغت على منجزه المسرحي فجاء كتاب «المسرح الألماني المضاد» الصادر عن «الهيئة المصرية لقصور الثقافة»، سلسلة «آفاق عالمية»، للباحث د. أسامة أبو طالب ليرد الاعتبار إلى تجربة الرجل مع فن المسرح.

يبرر المؤلف أهمية مسرح فاسبندر بأنه وضع فيه عصارة فنه ورحيق تمرده ومرارة إحساسه المرهف بتناقضات الأشياء والبشر ووعيه الحاد بمفارقات الوجود والكون ومعاناته من خذلان الرؤى وخسارة التوقعات وجنون الصدمة وعمى المفاجأة حتى أصبح عقله مكتظاً، وناء وجدانه بحمل المعرفة الحارقة المبكرة فاستسلم بإرادته مقرراً أنه لم تعد لديه طاقة للاحتمال، وليستسلم الجسد المرهق ويتوقف القلب الذي أنهكته شدة الخفقان حتى أنه لم يكن ينام إلا أقل القليل وسُئل ذات يوم «لماذا لا تأخذ قسطاً طبيعياً من النوم»، فأجاب: «سأنام فقط عندما أموت».

كان عام 1968 بزخمه السياسي وما أطلق عليه «ثورة الطلبة» في أوروبا هو بداية ميلاد «المسرح الألماني المضاد» على يد فاسبندر كفن مهموم بالسياسة ومقاومة مفاهيم القهر والقمع والطغيان التي تمارسها السلطة على نحو صبغ مجريات الأحداث ووقائع الحياة في القرن العشرين، مع نزعة إنسانية فياضة لا يصعب اكتشافها في أعمال هذا النوع من المسرح، رغم الكثير من الاتهامات الموجهة له بسبب المنافسة أو بسبب عدم الفهم أو كراهية التجديد المعتادة، التي وصفت فاسبندر وأصحابه ومنهجهم بالعدمية تارة وتارة أخرى بالدعوة إلى الانحراف.

استفاد «المسرح المضاد» في تحققه من السينما وحرفياتها، إضافة إلى استخدام «التمسرح» و«التغريب»، بمعنى الخروج عن المألوف، فضلاً عن تبني فكرة «اللحظة المسرحية الساخنة» ذات الطابع الاندماجي بين العرض والمشاهد تمهيداً للخروج بها إلى فعل جماعي ذي صفة تحريضية. وانفتح المسرح المضاد كذلك على تجارب المسرح السياسي دون التقيد بتقاليده الصارمة، وتجلى كل ذلك عبر العديد من المسرحيات التي ألفها فاسبندر منفرداً، أو كانت تأليفاً مشتركاً مع آخرين. ومن أشهر مسرحيات فاسبندر في هذا السياق «المدينة والقمامة والموت» و«دم على حلق القطة» و«حرية بريمر» و«لا أحد شرير ولا أحد طيب».

ويتطرق المؤلف إلى مسرحية «القمامة والمدينة والموت» باعتبارها أبرز أعمال فاسبندر، حيث وضعت المدينة في بؤرة المفارقات الغريبة والرؤية غير المسبوقة التي تجعلها مخيفة وقاتمة، وتبعث على الرعب المقترن بالكآبة. في الليل تتجلى المدينة وتبالغ في زينتها ومغرياتها وكأنها نسخة عصرية من أساطير «سادوم» أو «عامورة»، حيث المفاتن تلطخ وجهها القبيح، أما في النهار فينكشف كل شيء على حقيقته الصادمة.

وتبرز المسرحية كيف كان فاسبندر مولعاً بالدراما النفسية، وهو ما يتجلى في فيلمه «الخوف من الخوف» الذي يروي قصة ربة بيت من الطبقة المتوسطة تضطر إلى أن تسجن نفسها في بيت كئيب جداً مع زوج قلق ومرتبك نفسياً، ما يدفعها إلى إدمان الفاليوم والإفراط في تناول الكحول، إذ بدأت تعاني من الاضطراب النفسي، وتخشى أن تنحدر صوب الجنون.