يوم حضرنا فيلم «هنيبعل»

قصة

تمثال نصفي من الرخام لهنيبعل وجد في مدينة كاپوا القديمة في إيطاليا
تمثال نصفي من الرخام لهنيبعل وجد في مدينة كاپوا القديمة في إيطاليا
TT

يوم حضرنا فيلم «هنيبعل»

تمثال نصفي من الرخام لهنيبعل وجد في مدينة كاپوا القديمة في إيطاليا
تمثال نصفي من الرخام لهنيبعل وجد في مدينة كاپوا القديمة في إيطاليا

مرّةً في الأسبوع كان أبي يصطحبنا، أمّي وأخي وأنا، لحضور فيلم سينما في طرابلس. كان يتّجه بنا، من غير أن يستشير أيّاً منّا، إلى سينما «بالاس» التي فضّلها على باقي الصالات. ذاك أنّ أفلامها، كما كان يقول جازماً، أفلام تاريخيّة وفيها أبطال وبطولات ومعارك. أمّا «كولورادو»، التي عُدّت أفخم سينمات المدينة وكانت أحدثها، فدارَ معظم أفلامها حول العشق والغرام ممّا اعتبره أبي إضاعة وقت وسخافات لا يُعوّل عليها.

وعندما علمتْ خالة أمّي ماريانا ببرنامجنا الأسبوعيّ هذا، أصرّت على أن تنضمّ إلينا. هكذا صارت تحشر جسمها النحيل إلى جانبي وجانب أخي في المقعد الخلفيّ من سيّارة «الأوبِّل» التي اشتراها الوالد للتوّ.

والخالة ماريانا كانت الوحيدة بين أخواتها السبع التي أُعطيت اسماً غير عربيّ. لكنّها اختلفت عنهنّ أيضاً في أمور أخرى. فهي أكثرهنّ حبّاً للجدل والمهاترة، تخوض معاركها مع الرجال بالإصرار الحديديّ نفسه الذي تتسلّح به في مواجهة النساء، وهي من ثمّ أرفعهنّ صوتاً وأصلبهنّ في ما تظنّه صواباً. أهمّ من هذا أنّها الوحيدة التي عاشت في أسبانيا بعد زواجها من رجل قضى سنوات في أميركا اللاتينيّة قبل أن ينتقل منها إلى مدريد ويستقرّ فيها. وها هي تكتسب خصوصيّة أخرى بإعلان رغبتها في حضور الأفلام ممّا لم يُثِر حماسة شقيقاتها اللواتي كنّ يؤثرن البقاء في المنزل والاهتمام بشؤونه.

والفيلم الذي اختاره أبي لذاك الأسبوع كان عن هنيبعل، وأظنّ أنّ فيكتور ماتيور، بطول قامته وعرض كتفيه وابتسامته ذات المعاني الملتبسة، هو مَن أدّى فيه دور القائد القرطاجيّ الكبير. لكنّني سمعتُ الخالةَ ماريانا تقول لأمّي، فيما كان أبي يشتري التذاكر، إنّها لا تعرف الكثير عن هنيبعل، وكلُّ ما تعرفه عنه سمعتْه ذات مرّة من أحدهم حين شبّهه بالجنرال فرانكو. ذاك أنّ الاثنين، نقلاً عن ذاك المتحدّث، يصلّيان ويحبّان الله كما يحبّان الوطن. والخالة، إبّان إقامتها في أسبانيا، كنّت لفرانكو تقديراً وإعجاباً ظلّا طويلاً يلازمانها.

على أنّ تجربتنا المشتركة الأولى في حضور الأفلام لم تخلُ من مفاجآت. فقلب الخالة، على ما يبدو، تعلّق بهنيبعل بوصفه الرجل الشجاع والبطل الذي لا يتعب من خوض الحروب. إلاّ أنّ معاركه الكثيرة وأعداءه الكثيرين جعلوا القلق عليه يستبدّ بها. وحين تساءلت في منتصف الفيلم عمّا إذا كان سيصيبه مكروه، همس أبي في أذنها، كي لا يزعج جمهور الحاضرين، مُطمْئناً إيّاها إلى أنّ بطلها سوف ينتصر في النهاية. وإذ نظرتْ إليه نظرة متردّدة وشكّاكة، وهي ترى العدد الهائل من الجنود الرومان الذين يواجهونه، أقسمَ لها بي وبأخي وبأعزّ ما يملك بأنّه متأكّد من معلومته التي قرأها في أحد الكتب.

لكنْ ما لبث أن تبيّن أنّ قلق الخالة على هنيبعل كان في محلّه، وأنّ طَمأنة أبي لا تطمئن كثيراً. ذاك أنّ أحدهم ظهر على الشاشة على نحو مفاجىء، متسلّلاً إلى خيمة القائد وواقفاً خلف ظهره وفي يده سكّين ينوي طعنه بها. وإذا بالنصف الأعلى من جسد الخالة يقفز من الكرسيّ وتبدأ الصراخ بصوت مرتفع ووجه مشدوه: «انتبهْ يا هنيبعل، إنّه يقترب، إنّه وراءك، وراءك». وتضيف مخاطبة جنود هنيبعل المبعثرين في الصورة: «أمسكوا بالمجرم يا أولاد الكلب، أمسكوا به...». وإذ طال المشهد قليلاً، راحت الخالة تشتم القاتل المحتمل الذي سمّته «الأجير ابن الأجير»، كما تلعن هنيبعل نفسه لأنّه طيّب القلب وبطيء التنبّه إلى محاولة الاغتيال التي تستهدفه: «يلعن أبوك يا هنيبعل، راح يقتلك هالمجرم، تطلّع لَوَرا يا هنيبعل، صار وراك، وراك...».

وإذ لفّنا شعور بالحَرَج الذي يتخلّله ضحك مكبوت، لم يحسّ جمهور السينما بأنّ شيئاً غريباً يحدث في الصالة. فالجميع حافظوا على هدوئهم وكانوا يتصرّفون كما لو أنّ الخالة تمثّلهم كلّهم وتنطق بلسانهم وتؤدّي العمل المطلوب والمتوقّع.

إلاّ أنّ الطامة الكبرى حلّت مع إقدام هنيبعل على الانتحار ممّا خُتم به الفيلم. فهنا نظرت الخالة إلى أبي نظرة عدوانيّة إذ اتّهمته بكتم تلك المعلومة عنها. ومرّة أخرى أقسم أبي بأنّه لم يسمع بانتحاره من قبل، فردّت عليه بغضب متّهمة إيّاه بأنّه يقرأ على مزاجه، وهازئةً بالقراءة وفضائلها جملةً وتفصيلاً.

وهكذا ما إن انتهى الفيلم وخرجنا حتّى شرع الآخرون، الذين يغادرون القاعة مثلنا، يحيّونها من بعيد بهزّة رأس متأسّفة تعزّي وتتضامن.

أمّا نحن فبدأنا نتحسّب لما سوف يحصل في طريق عودتنا. وفعلاً، وعلى مدى ثلاثة أرباع الساعة، واصلت الخالة حديثها الغضوب. هكذا كانت تتهجّم على أبي الذي اتّهمتْه بخداعها، لتنتقل بعد ذاك إلى ذمّ القراءة ومن يبنون معلوماتهم على قراءات كاذبة، مُعرّجة على أحداث الفيلم التي شكّكت فيها: ذاك أنّ الذي يحقّق انتصارات كالتي حقّقها هنيبعل رجلٌ شجاع لا ينتحر. وهي استنتجت من استعراضها هذا أنّ الفيلم كاذب خدعنا وخدع سوانا ممّن حضروه كي يسرق أموالنا. فإمّا أن يكون هنيبعل قد أحرز الانتصارات التي أحرزها ولم ينتحر، وإمّا أنّه انتحر لأنّه لم يحرز أيّ انتصار ممّا نسبه إليه الفيلم. وبعد مونولوغ طويل وسط صمتنا جميعاً، غادرت الخالة السيّارة غاضبة وأقفلت الباب وراءها بقوّة توحي أنّها قرّرت مقاطعتنا.

لكنّ أبي وأمّي توجّها، بعد يومين أو ثلاثة، إليها بقصد مصالحتها والاعتذار عمّا حصل، وحين دعياها أن ترافقنا إلى حضور فيلم آخر بعد أيّام، كان لها شرط واضح: أن يكون الفيلم القادم عن هنيبعل، وأن ينقل قصّته بصدق على عكس الفيلم السابق. فعندما قال لها أبي إنّنا في الأسبوع الماضي حضرنا فيلم هنيبعل وليس هناك فيلم آخر عنه، أصابها استغراب مشوب باستهجان. فنحن في أسبانيا، كما قالت، كان يمكننا أن نحضر فرانكو كلّ يوم، إمّا على شاشة التلفزيون أو على شاشة السينما. وإذ حاول أبي وأمّي معاً إقناعها أنّ أمور السينما في بلدنا لا تجري على هذا النحو، وأنّ علينا الآن أن نحضر فيلماً غيره، انقلب غضبها إلى أسى عميق.

فقد أطرقت وضربت كفّاً بكفّ معلنةً يأسها من لبنان كلّه. ذاك أنّ أسبانيا أفضل منه بكثير، كما استنتجت. أمّا السينما فآثرت أن تقاطعها بعد تلك التجربة.



آل الشيخ يكشف عن أعضاء «جائزة القلم الذهبي للأدب»

المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
TT

آل الشيخ يكشف عن أعضاء «جائزة القلم الذهبي للأدب»

المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)
المستشار تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية (الشرق الأوسط)

كشف المستشار تركي آل الشيخ، رئيس مجلس إدارة هيئة الترفيه السعودية، الأربعاء، عن أعضاء لجنة «جائزة القلم الذهبي للأدب الأكثر تأثيراً»، والتي تهدف إلى إثراء صناعة السينما بالمنطقة، ودعم المواهب الإبداعية في كتابة الرواية من جميع الجنسيات والأعمار.
وتَشكَّلت لجنة الجائزة من أعضاء يملكون خبرات واسعة في مجالات الأدب، والكتابة السينمائية، والإنتاج والإخراج السينمائي، حيث جاءت برئاسة الأديب والروائي السعودي الدكتور سعد البازعي، والروائي والمترجم والسيناريست السعودي عبد الله بن بخيت نائباً له.

وتضم اللجنة في عضويتها كلاً من الكاتب والروائي السعودي عبده خال، والروائي الكويتي سعود السنعوسي، والروائي المصري أحمد مراد، والروائية السعودية الدكتورة بدرية البشر، والكاتب والسيناريست السعودي مفرج المجفل، والكاتب والسيناريست المصري صلاح الجهيني، والناقد السينمائي المصري طارق الشناوي، والسيناريست المصري شريف نجيب، والخبير عدنان كيال مستشار مجلس إدارة هيئة الترفيه، وكاتبة السيناريو المصرية مريم نعوم، والمخرج المصري محمد خضير، والمنتج السينمائي المصري أحمد بدوي، والمخرج المصري خيري بشارة، والمنتج اللبناني صادق الصباح، والمخرج السينمائي المصري مروان حامد، والمخرج والمنتج السينمائي السعودي عبد الإله القرشي، والكاتب والسيناريست المسرحي السعودي ياسر مدخلي، والكاتب والروائي المصري تامر إبراهيم.

وتركز الجائزة على الروايات الأكثر جماهيرية وقابلية لتحويلها إلى أعمال سينمائية، مقسمة على مجموعة مسارات؛ أبرزها مسار «الجوائز الكبرى»، حيث ستُحوَّل الروايتان الفائزتان بالمركزين الأول والثاني إلى فيلمين، ويُمْنح صاحب المركز الأول مبلغ 100 ألف دولار، والثاني 50 ألف دولار، والثالث 30 ألف دولار.

ويشمل مسار «الرواية» فئات عدة، هي أفضل روايات «تشويق وإثارة» و«كوميدية» و«غموض وجريمة»، و«فانتازيا» و«رعب» و«تاريخية»، و«رومانسية» و«واقعية»، حيث يحصل المركز الأول على مبلغ 25 ألف دولار عن كل فئة بإجمالي 200 ألف دولار لكل الفئات.
وسيحوّل مسار «أفضل سيناريو مقدم من عمل أدبي» العملين الفائزين بالمركزين الأول والثاني إلى فيلمين سينمائيين مع مبلغ 100 ألف دولار للأول، و50 ألف دولار للثاني، و30 ألف دولار للثالث.
وتتضمن المسابقة جوائز إضافية أخرى، حيث سيحصل أفضل عمل روائي مترجم على جائزة قدرها 100 ألف دولار، وأفضل ناشر عربي 50 ألف دولار، بينما يُمنح الفائز «جائزة الجمهور» مبلغ 30 ألف دولار، وذلك بالتصويت عبر المنصة الإلكترونية المخصصة.