حتى البحر يموت

نص

حتى البحر يموت
TT
20

حتى البحر يموت

حتى البحر يموت

كافيه «السلسلة» هو المقهى الوحيد الذي يطلّ على شاطئ الإسكندرية ويظهر فيه البحر ممتداً، شاسعاً، لا نهائياً. لكن القرب من البحر في الصباح الأول يصيبنا بنوع من الجنون المحبب، يشبه في بعض وجوهه زيارة المتاحف والمقابر، ويسكننا عندها ذهول يُقارب الانخطاف فنبدو مثل أشخاص مسحورين. أحفظُ هذه الكلمات لأمين معلوف:

«لو ُغلقتْ الأبواب أمامك فأبحر على متن سفينة، لأن هناك مدينة تنتظرك».

عضّني قلبي وأنا أردّد هذا الكلام. هل الإسكندرية هي مكاني المأمول؟ لكني بلغتها بواسطة الطائرة والباص، وما الفرق بين الطرق الثلاثة؛ البرّ والبحر والجوّ؟ المهمّ هو أن تنفذ من بين شقوق الموت الذي سببه العجز والكآبة بأي وسيلة. يفضّل ماركيز السفر بواسطة القطار، لأن الجسد يبلغ المكان المقصود مع الروح، وفي الطائرة تتأخّر الروح عن الجسد يومين أو ثلاثة أيام، أما عن طريق البحر فإن الاثنين يصلان معاً ما إن ترتفع المرساة.

جلستُ نحو ساعة وتناولتُ فطوري، ثم قمتُ أتمشّى على الكورنيش، والسماء أخذت ترشّ ألوانها على الموج وهو يعلو، ويتحدر، ثم يتكسّر، كأنه مرآة عظيمة تتحطم إلى شظايا تذوب مباشرة في الرمل. كم يبدو مسحوراً هذا الكهل الذي يدير ظهره إلى البحر ويغطي عينيه بنظارة سوداء، ويدخّن؟ امرأة تشغل يديها بأعمال الحياكة وتشرب العصير وتأكل الجبس، وتُدير ظهرها إلى البحر هي الأخرى. أما أكثر الذين صادفتهم انخطافاً فهي عجوز ترتدي ثوباً رمادياً غامقاً مع زنّارٍ أزرق، وتسبّح بمسبحة تتدلّى إلى الأرض. كأن هؤلاء الثلاثة نقلوا لي انعكاسات قديمة لأشخاص عاشوا في الماضي، وانقرضوا، وأعادهم البحر إلى الحياة في هذا الزمان. إنهم يديرون وجوههم عن البحر كي لا يبصروا في البعيد صورهم الأولى. إخفاء حقيقي لوميض الشهوة في العينين إلى الماضي، خصوصاً الكهل بنظارتيه المعتمتين. ها هو يأخذ نفساً عميقاً من سيجارته، ويحدّق في خيلاء إلى جدار المبنى المقابل، في الجهة الأخرى من البحر. ربما كانت العجوز ذات الزنّار والمسبحة تعيش قبل آلاف السنين بصورة كاهنة في معبد فرعوني أو هيليني، كلّ شيء جائز في هذه الحياة العجيبة، ولو عدنا إلى مثل هذا اليوم من عام 2024 قبل الميلاد، فمن المحتمل أننا نجد المرأة التي تجلس على المسنّاة وتحوك كنزة لزوجها كانت أميرة هذه البلاد، وتملك مئات العاملين والعاملات العبيد يطرّزون لها بدلة العيد السعيد. إنه افتراض لا غير، والمنطق والعقل السليم لا يحاسبان أحداً أن يذهب بعيداً في خياله، ما زال يسكن خارج أسوار مستشفى المجانين.

عندما غابت الشمس في المساء قلّ وهج البحر، وصار له لون الفولاذ المغسول والمترع بالقوة. كان يعبر السماء في تلك اللحظة سربٌ من طيور مهاجرة يأخذ شكل سهم. من هو الرامي، وما هو الهدف؟ في المدن البحرية تأخذ شوارعها، وحتى البعيدة منها، رائحة البحر التي تجعل سكانها يختلفون في النكهة وفي الطباع عن البقيّة، حتى يمكن القول إنهم كائنات بحرية من كثر ما جاوروا البحر. عندما آويتُ إلى فراشي في التاسعة مساء كنت أفكّر في أمر الرجل ذي النظّارتين السوداوين، وكيف كان يعيش قبل خمسة آلاف عام.

أول مرة رأيت فيها البحر كانت في باكو. ما زلت أذكر كيف أثارت تلك النظرة لدي حاسة الشمّ، وأخذت أشاهد الماضي كله مجتمعاً، لأني كنت أشمّه. جميع الذين عاشوا في السابق، أجيال وأجيال، أسلافي وأجداد غيري من البشر، وجميع المباني التي اندثرت، والحدائق، وكذلك الغيوم التي عبرت سماء تلك القرون القصيّة... كلّ ذلك صار أمامي في لوحة واحدة؛ هي صورة البحر. كيف يمكن مجاورة العين مع الأنف في مقاربة التجربة، فيعمل هذا، وتأخذ البصيرة ناتج العمل؟ لا أستطيع شرح الأمر، لكنه حدث بالفعل، وصار أن ظلّ يتكرّر معي كلما شاهدتُ أمواج البحر التي تموت وتحيا وتموت، كأنها الحياة القديمة تعود إليها الحياة بعد أن ماتت.

الخلود للنوم في وقت مبكّر هو مفتاح السعادة، فهو يضمن لك الاستيقاظ مع الطير الأول، والوقوف على معجزة الخَلق. إن السير على غير هدى لا يقود أبداً إلى نتائج حسنة، ومتى يتعلّم الإنسان أن مبلغ السعادة لا يكمن في الاسترخاء والراحة ولعب البوكر والشرب وممارسة الجنس، كلّ هذا في وقت واحد؟ لا أدري أين قرأت هذا، أم أنه من تأليفي: «علينا أن نكون أطفالاً أبداً، لا صبيانيين». أسندتُ أذني إلى ظلام الوسادة الناعم، وكان وجه العجوز ذات المسبحة يختفي في ظلام الغرفة، ويظهر من نقطة في أفوله، كأن شعاعاً ضئيلاً من شرنقة تحيط بالوجه.

لكني لا أستطيع النوم وأنا أسمع هدير الموج قريباً من غرفتي في الفندق، يهدر ويزبد. «حتى البحر يموت» يقول لوركا، وكان عليه أن يستثني بحر الإسكندريّة. نهضتُ وأغلقتُ النافذة والأباجور كي لا يصلني صخب الشارع والبحر. يمكن للرياح القويّة أن تكون تذكاراً، وكم هو شعور بالراحة ذلك الذي يبعثه تحقيق حنين ما. كانت أمي تطفئ الضوء في غرفة نومي ويحلّ عندها صمت وحيد وعميق، تزيد من حدّته الرياح التي تدفع النوافذ والجدران تريد أن تخرقها دون كلل. ثم ترتفع شيئاً فشيئاً أغنية تتردّد ألحانها مع قمر النخيل الذي يعبر حديقتنا ونافذة غرفتي. إن نبحتِ الكلابُ، فليست علامة على أنك يجب أن تركض ممتطياً فرسك. أين قرأت هذه الجملة؟

لو أني سُئلتُ عمّا تمتاز به مدينتي (العمارة) عن غيرها لأجبت فوراً هي الرياح القويّة في جميع الفصول، تعبرُ البساتين والأنهار من جميع الجهات. تغلق أمي الباب، ويغمرني شعور بأن الريح ابتعدت إكراماً لأمي، وهذه ميزة بيتنا عن بقية بيوت الحيّ، والمدينة، والبلاد. كنت أصغي إلى العالم الذي كان حيّاً في الماضي في إغواء ريح جديدة، وأقلّب عيني في ظلام الغرفة واعتقدتُ أنني نمتُ واعترتني موسيقى القمر، وكانت الموسيقى تنتهي لتضيئني الأحلام. لكني لا أستطيع النوم حتى الآن، الفجر بعيد وأمي بعيدة، وما زلت أسمع صخب الموج العالي من البحر القريب. أنا أنتظر النوم، وكأني أنتظر دون انتظار شيء، ثم بدأت أفكّر بالنوم بجديّة، وعندما مات البحر في لحظة جاءت الغفوة، وكنت أتصل بالعالم المنبثق من الماضي، وكنت أعدو بين الماء والغيمة، بين النوم واليقظة، وكان البحر ناضجاً ويدور من حولي بصخوره وبسحره، خطوته عجلى، وفي يده محارة. أفتح المحارة، ويطلع لي نور، أو هالةٌ، أو نار مقدسةً كأنها تقولبت بين مصراعي صدفة محززة، وكانت ترقص في النار امرأة سوداء الجديلة عسليّة العينين، وقرصان ضخم الجثة مثل عملاق يمدّ لها سيفه، ويصرخ بها:

- قبّليه!

القرصان يزعق، ويرشّ امرأته بالخمرة المرّة، ويصاحبها في الرقص. ثم اتّجه نحو البحر بسيفه وأخذ يغنّي مثل وحش. نمتُ، وكان يهدهدني غناؤه، وملأني، مثلما يفعل الحبّ، بجوهر ثمين.

كلّ شيء في الفندق في الصباح الأول أبيض اللون، الأرض والسقف والجدران والأثاث، والشمس على شاطئ بحر الإسكندريّة هيلينيّة وجديدة في آن الوقت. هنالك خرافة تقول إن السفر يغيّر المسافرين، وهكذا وجدتُ نفسي شخصاً آخر وأنا أتناول الفطور وكان يتكوّن من جبنة وحلاوة، فرشته على الطاولة الفتاة العاملة في المطعم، مجرّد سماع صوتها يجعلك تشكّ أن صاحبته تمشي على فراش من زهور ناعمة. سالتها:

- ما اسمك؟

- مِنّة. أجابت، وكانت تبدو مشرقة أكثر بسترتها البيضاء وبنطالها الأصفر، وقبعة صغيرة حمراء تحبس شعرها كي تجعله ينطلق أكثر، ويتحرّر أكثر. كان وجهُها مصبوغاً بلون الماء وكاحلها مرسوم بالزعفران ووقع أقدامها كالزغب وهي تنتقل بين المطبخ والمطعم.

- هل أنت مسيحية؟

- بل مسلمة.

الضوء الأخضر يتقاطر من شجرة المطّاط الضخمة في نافذة المطعم. قبل أن أستفسر عن معنى الاسم فكّرت أنه «منّة الله». أبواها يملكان كلّ الحقّ في وصف هذه الدرّة، ونظرت في تلك اللحظة إلى البحر الكبير يهدر. من النساء من يمتلكن جمالاً تشعر وأنت تتأمّله بالرّهبة، كأن فيه شيئاً يعطيك قوّة نماء إضافية، تماماً مثل من ينظر إلى الجبل أو البحر أو الأعمال الفنية الجليلة الخالدة. في نشيد الإنشاد نقرأ: «مَن هي المُشرقة مثل الصباح، جميلةٌ كالقمر، طاهرة كالشمس، مرهبةٌ كجيشٍ بألوية». جبن أبيض ذو ثقوب صغيرة يقطر رطوبة تحت ناقوس زجاج، مع حلاوة طحينية في صحن دائري شذري اللون، مع خبز. كانت منّة تقدّم لي كلّ هذه النعمة في الصباح فطوراً سكندريّاً فريداً.



تكريم الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب في «معرض أبوظبي»

الشيخ ذياب بن محمد بن زايد خلال تكريمه الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (وام)
الشيخ ذياب بن محمد بن زايد خلال تكريمه الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (وام)
TT
20

تكريم الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب في «معرض أبوظبي»

الشيخ ذياب بن محمد بن زايد خلال تكريمه الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (وام)
الشيخ ذياب بن محمد بن زايد خلال تكريمه الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (وام)

تحت رعاية الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الإمارات، كرَّم الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان، نائب رئيس ديوان الرئاسة للشؤون التنموية وأسر الشهداء، الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب في دورتها الـ19، خلال حفل تكريم أُقيم في مركز «أدنيك أبوظبي»، على هامش فعاليات الدورة الـ34 من معرض أبوظبي الدولي للكتاب، بحضور نخبة من رموز الأدب والثقافة العالمية.

وسلَّم الشيخ ذياب بن محمد الجوائز للفائزين، وهم: الكاتبة اللبنانية الفرنسية هدى بركات عن «فرع الآداب»، والكاتبة المغربية لطيفة لبصير عن «فرع أدب الطفل والناشئة»، والمترجم الإيطالي ماركو دي برانكو عن «فرع الترجمة»، والباحث المغربي الدكتور سعيد العوادي عن «فرع الفنون والدراسات النقدية»، والأستاذ الدكتور محمد بشاري من دولة الإمارات عن «فرع التنمية وبناء الدولة»، والباحث البريطاني أندرو بيكوك عن «فرع الثقافة العربية في اللغات الأخرى»، والباحث العراقي البريطاني رشيد الخيون عن «فرع تحقيق المخطوطات».

الشيخ ذياب بن محمد بن زايد يكرّم الأديب الياباني العالمي هاروكي موراكامي الفائز بجائزة شخصية العام الثقافية (وام)
الشيخ ذياب بن محمد بن زايد يكرّم الأديب الياباني العالمي هاروكي موراكامي الفائز بجائزة شخصية العام الثقافية (وام)

كما كرَّم الشيخ ذياب بن محمد بن زايد آل نهيان الأديب الياباني العالمي هاروكي موراكامي، الفائز بجائزة «شخصية العام الثقافية»، تقديراً لمسيرته الإبداعية التي أَثرت المكتبة العالمية بأعمال روائية فريدة، إذ تُعَدُّ أعماله من بين الأكثر قراءة وترجمة في العالم، ما يعكس قدرة الأدب على التقريب بين الثقافات المختلفة، ومدِّ جسور التواصل بين الشعوب.

وشهدت الدورة التاسعة عشرة من جائزة الشيخ زايد للكتاب، التي ينظِّمها مركز أبوظبي للغة العربية، مشاركة غير مسبوقة تجاوزت 4000 ترشيح من 75 بلداً، منها 20 بلداً عربياً، مع تسجيل 5 بلدان مشاركة للمرة الأولى، هي ألبانيا، وبوليفيا، وكولومبيا، وترينيداد توباغو، ومالي، ما يعكس المكانة المرموقة التي تحظى بها الجائزة على الساحة الثقافية الدولية، ودورها في ترسيخ مكانة دولة الإمارات مركزاً عالمياً للفكر والثقافة، وحاضنةً للمبدعين والباحثين من مختلف أنحاء العالم.

ويحصل الفائز بلقب شخصية العام الثقافية على ميدالية ذهبية وشهادة تقدير، إضافةً إلى جائزة مالية بقيمة مليون درهم، ويحصل الفائزون في بقية الفروع على ميدالية ذهبية وشهادة تقدير، وجائزة مالية تبلغ 750000 درهم لكلِّ فائز، في خطوة تهدف إلى دعم الإبداع المعرفي، وتعزيز استدامة العطاء الثقافي على المستويين العربي والعالمي.

علي بن تميم: تكريم للعقل

وقبيل حفل التكريم، شهدت «منصة المجتمع»، جلسة حوارية تحت عنوان «تقدير لكل مبدع... حوار مع الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب للدورة التاسعة عشرة»، بحضور نخبة من رموز الأدب والثقافة العالمية، فيما ترأس الجلسة الدكتور علي بن تميم رئيس مركز أبوظبي للغة العربية، وأدارتها الدكتورة ناديا الشيخ عضو الهيئة العلمية للجائزة.

وفي كلمته، أكّد بن تميم أن جائزة الشيخ زايد للكتاب ترسخ التبادل الثقافي بين الحضارات، وتعزز حضور الإبداع الإنساني في عالم متغير، مشيراً إلى أن تكريم هذه النخبة من المبدعين هو تكريم للعقل المنتج، وللفكر الذي يعبر الحدود ليربط بين الشعوب.

وأكّد أن الجائزة تسعى إلى الاحتفاء بالعقل المنتج للمعرفة، وتكريم الأصوات القادرة على مد جسور الحوار بين الثقافات. وأشار إلى أن اللقاء مع الفائزين يرسخ هذه الرؤية، حيث يتحول الحفل إلى منصة للتبادل المعرفي والاحتفاء بالتنوع الثقافي، مشيداً بما يحمله كل عمل فائز من قدرة على إلهام الأجيال الجديدة وتعميق الوعي النقدي تجاه قضايا الإنسان والهوية والمستقبل.

علي تميم متحدثاً في ندوة الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (معرض أبوظبي)
علي تميم متحدثاً في ندوة الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (معرض أبوظبي)

معايير عالمية

واستهلت الروائية اللبنانية الفرنسية هدى بركات مداخلتها بالحديث عن روايتها «هند أو أجمل امرأة في العالم» التي فازت بجائزة فرع الأدب، موضحة أن كل رواية تُكتب هي شكل من أشكال الانتصار على البيئة المحيطة.

وأكّدت أن أدبها يتموضع في منطقة الحب المنتقد، حيث تروي الرواية مفاهيم الجمال بمعالجة مختلفة تتجاوز الصور التقليدية. وأشارت بركات إلى أن شخصية «هند» في الرواية ترتبط بمدينة بيروت، التي تحمل لها حباً خاصاً ممتزجاً بالألم. ورأت أن الجوائز العربية تحمل لها قيمة مضاعفة، معربة عن امتنانها العميق لجائزة الشيخ زايد للكتاب، التي تعدّها جائزة عالمية بمعاييرها واهتمام الإعلام الدولي بها.

قدرة الأدب

من جانبها، تحدثت الكاتبة المغربية لطيفة لبصير، الفائزة بجائزة فرع أدب الطفل والناشئة عن كتابها «طيف سَبيبة»، عن تجربتها الأولى في الكتابة الموجهة للأطفال، معتبرة أن تناول موضوع التوحد كان تحدياً إنسانياً وفنياً.

وأوضحت أنها استلهمت تجربتها من معايشتها حالات قريبة تعاني من هذا الاضطراب، ما دفعها إلى البحث والدراسة العلمية قبل الخوض في السرد الأدبي.

وأشارت إلى أن الكتابة عن التوحد كانت مؤلمة في كثير من اللحظات، لكنها شعرت أن الأدب قادر على نقل هذه القضايا الحساسة بعمق وجمال، معبرة عن فخرها بأن يكون هذا العمل رسالة إنسانية موجهة للعالم.

محاولة اختراق

بدوره، أوضح الأستاذ الدكتور محمد بشاري، الفائز بجائزة التنمية وبناء الدولة عن كتابه «حقّ الكدّ والسعاية... مقاربات تأصيلية لحقوق المرأة المسلمة»، أن كتابه يقدم قراءة فقهية تأصيلية لمفهوم الكدّ والسعاية، مبيناً جذوره الفقهية وقدرته على مواكبة التحولات الاجتماعية.

وعدّ بشاري أن كتابه يمثل محاولة لاختراق تقليدي فقهي قديم، مؤكداً أن الإسلام يملك في جوهره إمكانات كبيرة لتعزيز مبدأ المساواة بين الرجل والمرأة بطريقة علمية متأصلة.

ندوة الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (معرض أبوظبي)
ندوة الفائزين بجائزة الشيخ زايد للكتاب (معرض أبوظبي)

إحياء نصّ تراثي قديم

واستعرض المترجم الإيطالي ماركو دي برانكو، الفائز بجائزة فرع الترجمة عن نقله لكتاب «هروشيوش» من العربية إلى الإنجليزية، أهمية عمله بوصفه صلة وصل ثقافية بين عوالم متعددة.

وأشار إلى أن الكتاب يجمع بين نصّين متجاورين بالعربية والإنجليزية، ويعيد إحياء نص تراثي تمت ترجمته في العصر العباسي بأمر الخليفة المستنصر بالله. ورأى أن هذه الترجمة تفتح نافذة جديدة لدراسة التفاعل العميق بين الثقافات والحضارات عبر الزمن.

وفي مداخلته، تحدث الدكتور سعيد العوادي، الفائز بجائزة فرع الفنون والدراسات النقدية عن كتابه «الطعام والكلام... حفريات بلاغية ثقافية في التراث العربي»، عن أهمية إعادة قراءة التراث العربي من زوايا غير تقليدية.

وبيّن أن كتابه يسعى إلى تسليط الضوء على خطاب الطعام المهمل في التراث البلاغي العربي، مقدماً قراءة جديدة تعيد الحياة إلى النصوص المنسية، وتكشف أن كثيراً من مصطلحات اللغة العربية تنبع جذورها من عالم الطعام. وأوضح أن العودة إلى هذه المساحات المنسية تمنح البلاغة روحاً جديدة، وتفتح آفاقاً مختلفة لفهم الأدب العربي القديم.

وفي سياق متصل، تناول الباحث البريطاني أندرو بيكوك، الفائز بجائزة فرع الثقافة العربية في اللغات الأخرى عن كتابه «الثقافة الأدبية العربية في جنوب شرقي آسيا في القرنين السابع عشر والثامن عشر»، أثر الثقافة العربية والإسلامية في تلك المنطقة.

وأوضح أن عمله يكشف عن العلاقات المتينة التي ربطت العرب والمسلمين بجنوب شرقي آسيا، وكيف أسهم العلماء المهاجرون من الحجاز والمغرب في نشر الثقافة والمعرفة هناك، ما يعيد صياغة فهمنا للتاريخ الثقافي في تلك البقعة من العالم.

وتحدث الباحث العراقي البريطاني رشيد الخيون، الفائز بجائزة فرع تحقيق المخطوطات عن تحقيقه لكتاب «أخبار النساء»، عن أهمية العمل في حفظ التراث النسوي العربي.

وبيّن أن الكتاب يُعد من المصادر النادرة التي تناولت النساء بشكل مستقل، معتمداً على كتب تراثية مثل «الأغاني»، من دون تصنيف نمطي قائم على الطبقات الاجتماعية.

وأكّد أن تحقيقه اتسم بالدقة العلمية، وأضفى قيمة نوعية على الدراسات الأدبية والتاريخية النسائية، ما يجعله أحد أوائل المختارات النسائية في تاريخ الأدب.