«البابطين الثقافية» احتفلت بتوزيع جوائز مسابقة ديوان «شهداء العزة»

1246 شاعراً من 36 بلداً شاركوا... و3 شعراء من الجزائر واليمن والبحرين حققوا الفوز

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» والسفير الفلسطيني مع الشعراء الفائزين (الشرق الأوسط)
رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» والسفير الفلسطيني مع الشعراء الفائزين (الشرق الأوسط)
TT

«البابطين الثقافية» احتفلت بتوزيع جوائز مسابقة ديوان «شهداء العزة»

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» والسفير الفلسطيني مع الشعراء الفائزين (الشرق الأوسط)
رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» والسفير الفلسطيني مع الشعراء الفائزين (الشرق الأوسط)

احتفلت «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية»، الأحد، على مسرح مكتبة البابطين المركزية للشعر العربي في الكويت، بتوزيع جوائز مسابقتها «ديوان شهداء العزة» للفائزين، بحضور شخصيات دبلوماسية وفكرية وثقافية وضيوف الجائزة.

وفاز بالجائزة، التي بلغ عدد المشاركات فيها 1410 قصائد، تقدم بها 1246 شاعراً وشاعرة، يمثلون 36 دولة عربية وأجنبية، كل من: الشاعر مُحَمَّد عِبُّو (من الجزائر) محققاً الجائزة الأولى، وقدرها 15 ألف دولار، عن قصيدتِهِ «حُدَاءُ شَارِبِ الرِّيح»، والشاعر وضَّاح عليّ حاسِر (من اليمن) بالجائزة الثانية، وقدرها 10 آلاف دولار، عن قصيدتِهِ «وَطَنٌ يُصَلِّي في الجَحيم»، والشاعر أحمد سيّد هاشِم (من مملكة البحرين) بالجائزة الثالثة، وقدرها 5 آلاف دولار، عن قصيدتِهِ «شَهِيدٌ مُخضّبٌ بالوَرْدِ».

وقد أشادت لجنة التحكيم بجمال النصوص المقدمة من قبل المشاركين، الذين اختاروا «تجسيد روح شهداء العزة وتضحياتهم في قصائدهم المعبرة».

رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز البابطين الثقافية» متحدثاً في الحفل (الشرق الأوسط)

وألقى رئيس مجلس أمناء «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» المنظمة للمسابقة، سعود عبد العزيز البابطين، كلمة أكد فيها أن «مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية» «شقّت طريقها بقوة في المجتمع الثقافي العربي والعالمي، وابتكرت لها هوية لا غبار حولها منذ تأسيسها عام 1989، وسنظل أمناء في التعبير عن الهدف الأسمى الذي أعلنه وتبناه والدي عبد العزيز سعود البابطين منذ البداية، وهو تشجيع الأدباء، والكتّاب، والمفكرين والباحثين، والعلماء العرب، وتكريمهم، اعتزازاً بدورهم في النهوض الفكري والعلمي في مجالات الثقافة والأدب والعلم في الوطن العربي».

وأشار البابطين إلى أن «المؤسسة تلقت مشاركة واسعة من مختلف أنحاء العالم، إذ بلغ عدد المشاركات 1410 قصائد، تقدم بها 1246 شاعراً وشاعرة، يمثلون 36 دولة عربية وأجنبية، وهذه المشاركة الواسعة والإقبال السريع من مشاركة الشعراء إن دلّت فتدل على ثقتنا وثقة والدنا (الراحل عبد العزيز البابطين) التي عهدناها في ضمائر شعراء الأمة العربية اليقظة والمتعايشة مع قضايا أمتها العربية، من خلال شعرهم، وهو الأسلوب المعبر ليكون دفاعاً عن عرينهم الوطني الذي يحتضنهم». وأضاف: «الشعر أحد أهم الفنون الأدبية التي يتم من خلالها الدفاع عن الوطن، ولقد لبى الشعراء النداء، وكانت استجابتهم للدعوة على قدر الحدث، بل إنها فاقت جميع التوقعات، فتحولت المسابقة بفضل مشاركاتهم المذهلة في عددها وفي نوعيتها إلى تظاهرة ثقافية عربية وإنسانية شاملة».

وأضاف البابطين: «شاءت إرادة الله عزَّ وجلَّ أن يكون أول كتاب أقدّمه إلى المكتبة العربية بعد أن حُمِّلتُ أمانة رئاسة مجلس أمناء (مؤسسة عبد العزيز سعود البابطين الثقافية) هو ثمرة النداء الذي وجّهه والدي عبد العزيز سعود البابطين - رحمه الله - في 23 أكتوبر إلى شعراء العربية في كل بقاع الأرض، ألا وهو (ديوان شُهداء العزة) الذي يتضمن قصائد مختارة لـ712 شاعراً وشاعرة من مختلف أقطار الوطن العربي وبعض دول العالم الأخرى».

السفير الفلسطيني في الكويت رامي طهبوب يلقي كلمته (الشرق الأوسط)

وشهد الحفل قراءات شعرية للشعراء الفائزين والمشاركين، قدّمت لمحات من معاناة وكفاح الشعب الفلسطيني.

كما شارك إلى جانب الشعراء الفائزين عدد من الشعراء العرب في أمسية شعرية حملت عنوان «شهداء ديوان العزة». وهم: الشاعر مُحَمَّد عِبُّو (الجزائر)، الشاعر أحمد سيّد هاشِم (مملكة البحرين)، الشاعر وليد الصراف (العراق)، الشاعر وليد القلاف (الكويت)، الشاعر عبد الله الفيلكاوي (الكويت)، الشاعرة بشرى أبو صبرة (الأردن)، الشاعرة حنان فرفور (لبنان)، الشاعرة سميا حسين صالح (سوريا)، الشاعر عبد الرحمن الطويل (مصر)، الشاعر محمد تركي حجازي (الأردن)، الشاعر نادي حافظ (مصر) مقيم بدولة الكويت.

وفي نهاية الحفل، كرّم سعود عبد العزيز البابطين، رئيس مجلس أمناء المؤسسة الفائزين بالجوائز...

«حُدَاءُ شَارِبِ الرِّيح»

مقتطفات من قصيدة «حُدَاءُ شَارِبِ الرِّيح»، للشاعر محمد عبو، الفائز بالمركز الأول:

مَرَّتْ بِخَاطِرَتِي أَطْيَافُ مَنْ عَبَرُوا

كَانُوا هُنَا شَجَرًا يَشْتَاقُهُ الْمَطَرُ

فِي الْأَرْضِ هَا دَمُهُمْ مَا زَالَ يَدْفَعُنَا

نَحْوَ الْمَجِيءِ وَدَمْعُ الرِّيحِ يَنْتَصِرُ

كَانُوا هُنَا كُتُبُ التَّارِيخِ تَعْرِفُهُمْ

حَتَّى لَتَنْطِقُ فِي أَوْرَاقِهَا الصُّوَرُ

كَانُوا هُنَا رِيحُهُمْ فِي الْقُدْسِ قَائِمَةٌ

تَتْلُو التَّسَابِيحَ، وَالْأَطْيَافُ تَنْتَشِرُ

مَا زَالَ مِنْ عَرْفِهِمْ شَيْءٌ يُلَازِمُنَا

يَا قَوْمُ جُدُّوا الْحُدَاء الْقَوْمُ قَدْ حَضَرُوا

شُدُّوا سُرُوجَ السَّمَا وَالْأَرْضِ وَانْتَبِهُوا

فَالْمُنْتَهَى وَاقِفٌ وَالْكُلُّ يَنْتَظِرُ

إِسْرَاءُ أوَّلِكُمْ مِعْرَاجُ آخِرِكُمْ

شُدُّوا الْوَثَاقَ، وَهَيَّا الْآنَ لَا وَزَرُ

إِنَّ الرُّؤَى غَزَّةٌ، وَالْأَرْضُ تَعْرِفُهَا

والأُفقُ يرْفَعُهَا وَالنَّجْمُ وَالْقَمَرُ

والْقَلْبُ يَكْتُمُهَا حُبًّا، وَيَكْتُبُهَا

بِالنَّارِ يَا طِفْلَةً نَادَتْ بِهَا السُّوَرُ

ستُّونَ كَوْنًا، شُمُوعُ الْأَرْضِ تَقْرَأُهَا

تَأْتِي لِتُخْبِرَ مَا نَأْتِي وَمَا نَذَرُ

فِي الْمَاءِ جَرَّ الْمَدَى أَذْيَالَ عِفَّتِهَا

وَاخْتَالَ حَتَّى رَآهُ الْجِنُّ وَالْبَشَرُ

مَا زِلْتُ أَحْمِلُهَا فِي الرِّيحِ مَلْحَمَةً

تَنْأَى بِمَلْمَحِهَا، وَالشَّمْسُ تَعْتَجرُ

«وطن يُصلِّي في الجحيم»

مقتطفات من قصيدة «وطن يُصلِّي في الجحيم» للشاعر وضاح علي حاسر، الفائز بالمركز الثاني:

كالنَّهرِ في خدَّيهِ رقْرَقَ عبرَتَهْ

طفلٌ أمامَ الكُوخِ يَمْضَغُ حسْرَتَهْ

طفلٌ على الأنقاضِ يسألُ كلَّما

طيفٌ بَدَا: من أينَ يدخلُ حُجْرَتَهْ؟

ويصيحُ طفلٌ تحتَ أنقاضِ الأسَى

أنفاسُهُ الحَرَّى تُعرِّي لهفَتَهْ

أبَتَاهُ واشْتَعَلَتْ جراحَاتُ اللَّظَى

في جوفِهِ الخاوِي تُرَمِّدُ بَهْجَتَهْ

أبَتَاهُ وانتفضَتْ بقايا صرخَةٍ

في صوتِهِ المخنوقِ تَنْفُخُ جمْرَتَهْ

أبَتَاهُ وانْكسرَتْ على شَفَةِ الرَّدَى

لغةُ الأبوَّةِ؛ كي تُيَتِّمَ صرخَتَهْ

أبَتَا وغابَ الصَّوتُ، ما ردَّ الصَّدَى

صوتًا، ولم يحْفَظْ ركامٌ نبْرَتَهْ

لا شَيْءَ أبْشَعُ في الوجودِ كمثلِما

أنْ يفقِدَ الإنسانُ إنسانيَّتَهْ

منذُ امتزاجِ الطِّينِ والإنسانُ مِنْ

زيتِ الفلسطينيِّ يُشْعلُ فكْرَتَهْ

مُذْ جاءَ «هابيلُ» انْبجاسةَ فطْرةٍ

كانت براءتُهُ تُشَكِّلُ رحلَتَهْ

كانَ النَّقاءُ يقودُهُ من قلبِهِ

وصفاؤهُ جسرٌ يُعدِّدُ خطْوَتَهْ

حتَّى أتَى «قابيلُ» لا قَلْبًا لَهُ

ودَنَا الغرابُ لكي يُوارِي سَوْءَتَهْ

ما كانَ للدَّمِ أيُّ لونٍ قبْلَ أنْ

يأتي ظلامٌ ما؛ ليجرَحَ جَذْوَتَهْ

واليومَ لا لغةٌ سوى لغةِ الوغَى

لغةِ المجازرِ، والضحايَا مُنْصِتَةْ

يتحدَّثُ البارودُ فينا – وَحْدَهُ

لغةً مُفَسْفَرَةَ الحروفِ، مُكَبْرَتَةْ

وتذودُ «غَزَّةُ» - وَحْدَها - عن قُدْسِها

و«القُدْسُ» منذُ القصفِ يبْكي غَزَّتَهْ

من أوَّلِ الغاراتِ والدَّمُ رحلةٌ

نهرٌ تَشَرَّبَت المَنايا ضفَّتَهْ

وطَنٌ تُوَضِّئُهُ القذائفُ كي يُؤَدْ

دِي في الجحيمِ صَلاتَهُ وفريضَتَهْ

تَكْسُوْ مَلامِحَهُ الجراحُ كأنَّها

شَفَقٌ كَسَا بِيضَ السَّحائبِ حُلَّتَهْ

«شَهِيدٌ مُخضّبٌ بالوَردِ»

مقتطفات من قصيدة «شَهِيدٌ مُخضّبٌ بالوَردِ» للشاعر أحمد سيد هاشم (البحرين) الفائز بالمركز الثالث:

أسْرَجُوا الحُلمَ في عُيونِ الصَّباحِ

ثُمَّ سَارُوا على جناحِ الرِّيَاحِ

حَيثُ مَرُّوا تورَّدَتْ أغْنِياتٌ

ونَمَتْ إِثرَ كُلِّ خَطْوٍ أقَاحِي

هَكَذا كانَ لِلْبنادِقِ لَونٌ

وصَدًى أحْمرٌ لِصَوتِ الجِرَاحِ

كَسَرُوا الصَّمتَ في فَمِ المَوتِ حتَّى

شَهَقَ الموتُ بالكلامِ المُباحِ

طلْقةً طلْقةً يَدُ اللَّهِ ترمي

ينزِفُ العِزُّ من ثُقُوبِ السِّلاحِ

فِتيةٌ كالسَّماءِ تُمطِرُ في الجَدْ

بِ فتخْضَرُّ سُمْرَةُ الفَلَّاحِ

فتيةٌ زيَّتُوا الظَّلامَ وجاؤُوا

مِن أقاصِي الغُيوبِ بالإِصْبَاحِ

لمْ تكُنْ قبلَهم مَسَافةُ ضوءٍ،

دمْعةٌ شمْعةٌ، بقايَا اقتِدَاحِ

نقشُوا في رقابِهم خُطَّةَ النَّصـ

ـرِ وَذادُوا بِرَوعةِ الأرواحِ

أغلَقُوا بابَ حُزنِهم، أيُّ مَجْدٍ

يفتحُ الخُلدَ دونَما مِفتَاحِ


مقالات ذات صلة

«البحر الأحمر» يستقبل 2000 فيلم وتكريم خاص لمنى زكي وفيولا ديفيس

يوميات الشرق جانب من المؤتمر الصحافي لمهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي (الشرق الأوسط)

«البحر الأحمر» يستقبل 2000 فيلم وتكريم خاص لمنى زكي وفيولا ديفيس

أطلق مهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي نسخته الرابعة بحلة جديدة تحت شعار «للسينما بيت جديد» من قلب مقره الجديد في المنطقة التاريخية بمدينة جدة.

سعيد الأبيض (جدة)
الخليج الأمير محمد بن سلمان لدى ترؤسه جلسة مجلس الوزراء السعودي في الرياض (واس)

السعودية تجدد دعوتها دول العالم للانضمام لتحالف «حل الدولتين»

جدد مجلس الوزراء السعودي، الثلاثاء، التأكيد على وقوف بلاده إلى جانب الأشقاء في فلسطين ولبنان، لتجاوز التبعات الإنسانية الكارثية جراء العدوان الإسرائيلي.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
يوميات الشرق يشارك في المعرض 17 فناناً سعودياً من أجيال مختلفة (هيئة المتاحف)

البرازيل تحتضن أوّل معرض متجوّل للفن السعودي المعاصر

معرض «فن المملكة» أوّل معرض متجوّل للفن السعودي المعاصر الذي أطلقته «هيئة المتاحف السعودية» في أروقة القصر الإمبراطوري في البرازيل.

«الشرق الأوسط» (الرياض)
خاص نائب وزير الخارجية الإندونيسي محمد أنيس متى (تصوير: تركي العقيلي)

خاص إشادة إندونيسية بمخرجات قمة الرياض العربية - الإسلامية

شدّد محمد أنيس متى، نائب وزير الخارجية الإندونيسي، على أن القمة العربية الإسلامية جاءت على قدر تطلّعات المشاركين.

فتح الرحمن يوسف (الرياض)
الخليج صورة للقادة المشاركين في القمة العربية والإسلامية (د.ب.أ)

محمد بن سلمان: جرائم إسرائيل تقوّض السلام في المنطقة

الرياض: غازي الحارثي وعبد الهادي حبتور وجبير الأنصاري وإبراهيم أبو زايد

غازي الحارثي (الرياض) عبد الهادي حبتور (الرياض) جبير الأنصاري (الرياض) إبراهيم أبو زايد (الرياض)

أم كلثوم وإديث بياف تحت مظلة الشعر

أم كلثوم وإديث بياف تحت مظلة الشعر
TT

أم كلثوم وإديث بياف تحت مظلة الشعر

أم كلثوم وإديث بياف تحت مظلة الشعر

يستحضر الشاعر محمود سيف الدين صورة المغنية الفرنسية إديث بياف، ويسمي بها ديوانه «مرآة جديدة لإديت بياف»، وفي ظلال هذه الصورة المراوغة يتكثف فضاء الشجن والحزن في الديوان، بخاصة أن الحزن كان سمة لافتة في مسيرة هذه الفنانة التي تقلبت ما بين الفقر والتشرّد حتى تربعت على عرش الشهرة والمجد، ولقبت بأيقونة الغناء الفرنسي في ستينيات القرن الماضي، وحفزت أغنياتها روح المقاومة للاحتلال الألماني لبلادها إبان الحرب العالمية الثانية، وبالتوازي يستحضر عبر فصله الثاني «في حب الكوكب» صورة كوكب الشرق أم كلثوم، التي تربعت على عرش الغناء العربي أيضاً، ويتناص مع أغانيها في نسيج أغلب القصائد.

تحضر إديث بياف عبر نص وحيد في الديوان، وفي واقع مضطرب يختلط فيه الحزن بعبثية الحياة، بينما تمرح الذات الشاعرة بطفولة في أجواء أغاني أم كلثوم، وتكاد ترقص على إيقاعها، كأن ثمة فجوةً بين الصوتين، لم تنشغل بها الذات الشاعرة، أو تستثمرها شعرياً، في شكل حوار بينهما، الذي تعززه وتحيل إليه ظروف النشأة والروافد المتشابهة بينهما في الكفاح من أجل الفن، علماً بأن بياف أطلق عليها أحد الكتاب الفرنسيين «أم كلثوم فرنسا».

لكن السؤال الذي يطرح نفسه هنا: هل أراد الشاعر من وراء ذلك أن يحرر الصورتين معاً من محنة الإطار، ويجعل الغناء بمحمولاته الرمزية المغوية يسبح في هواء الديوان والحياة، تاركاً له حرية تشكيل العلاقة مع صورتيهما، ومع صور أخرى لأغانٍ شهيرة في أفلام سينمائية كلاسيكية يتناص معها الديوان، كأنها روح لحكاية ما، معلقة في فضاء الغرابة التي تشيع دلالتها في أجواء الديوان بطرائق فنية متنوعة تبرز على نحو لافت في بنية الصورة وإيقاع المشهد المسكون دائماً بفعل التذكر والحنين للماضي. فتحت مظلة الغرابة التي تتأرجح بثقلها وخفتها، ما بين الظن واليقين، يتكشف الشعر لنفسه، وتتخفف الأنا اللاهثة بين ضميري المتكلم والمخاطب، من شوائب الاستطراد والتبرير، وتصبح الغرابة مرآة خاصة للذات، ومفتاحاً لطرق أبواب العالم المسكون بها، ما يمنح المشهد الشعري حيوية لافتة في النظر إلى الطبيعة والتعامل مع العناصر والأشياء بإيقاعها اليومي الرتيب المباغت... يطالعنا هذا في نص «مرآة جديدة لإديث بياف»، الذي يمهد له الشاعر بنص يسبقه بعنوان «ضوء مبهم في الكراس» يلعب فيه على وتر الطفولة القصية ومحنة الحلم الدائم بها، فيما يأتي نص «بياف» لطشةً مأساويةً ومرثيةً لمشهد كأنه الأخير على مسرح الحياة... يقول النص الذي وسم عنوان الديوان:

لأنَّ يَدَ الرَّبيعِ مَغلُولةٌ إلى عُنقِهِ

الأيامُ البذيئة تمرُّ من الفتنةِ إلىَ الهَمَجِيَّةِ

وَالأغْنِيَةُ تَنهَارُ بَينَ يَديْنا فِي شِتَاءٍ مَا

المُسعِفُونَ دَائماً فِي الطَّريِقِ

لكنَّهُم لا يَصِلُوُنَ

قلبَانِ فِي نَحِيبٍ يَختَلِطُ مَعَ المطر

هَمْسٌ نَاءٍ وبكاءٌ نَحِيلٌ

وَقتٌ يتقلّصُ

حَيثُمَا نَذهَبُ هُنَاكَ طَوقٌ لأَلعَابِ الهَوَاءِ المَجنُونَةِ

ونَحنُ حَللنَا بهَيئَةٍ تَلعَبُ عَلَى صَخرَةِ اللوْنِ

مُوسِيقَى أخرَى

الأيَّامُ التِي لا نَعرِفُ سِوَاهَا

تُشبهُ فرصةً أخيرةً للوقوفِ على المَسرَحِ.

الحَياةُ ورديّةٌ في الزِّحَامِ المُتلاشْ

الطبيعةُ لا تكفُّ عن الثرثرةِ

الفوضى جُرحٌ هادئٌ في القلبِ

أوَدُّ لو أبصقُ قلبي مرةً

صرخة مُجَرَّدَة

كأنَّ المَدِينةَ ربّةُ الحَربِ

سهمٌ في قبضةٍ هُلامِيَّةٍ

لمَاذا إذن..

نَعتَنِي بالشَّمسِ البَعِيدَةِ عنْ أطرافِ أصَابِعِنَا

عَجينةُ الحبِّ نحنُ والشوارعُ تخبزُ عُيونَنَا

الحبُ الذي نجهلُ ضيَّعَنا

لم يُكلِّف خَاطِراً واحِداً للمُخَاطَرةِ

انْحِنَاءَةُ الطريقِ كاسْتِوَائِهَا

المُجونُ والظُّنونُ

إنها الأرضُ التِي نَظَرَتْ فِي مِرآتِهَا طَوِيل

وشَاهَدتْ فِي كلِّ مرةٍ

شبحاً جميلاً لإديث بياف

عيناً شَاخِصَةً... وحَنجَرةً

تختلط الغرابة باللوعة والأسى والإحساس بالفقد والوحدة، وتبدو إديث بياف التي لم يبق منها سوى «عين شاخصة وحنجرة» كأنها صدى لمرآة الأرض الأكثر اتساعاً ورسوخاً... فيما تومض صورة أخرى خافتة في الظل تبحث فيها الذات الشاعرة عن كينونتها ومرآتها الهاربة في غبار الأيام والفوضى والزحام والجنون، وكأنها تتعثر في حلم مشدود دائماً إلى الماضي، تحاول استعادته بقوة الشعر، وفي الوقت نفسه، تستأنس الغرابة وتلعب معها، كأرجوحة من أراجيح الطفولة والصبا والوجود... يقول في نص بعنوان «مباغتة» تتحول فيه الذات إلى مرآة للآخر:

انظرْ للطَّريقِ بعَينيكَ القَديمَتَينِ

اللَّتينِ تَركتُهُمَا جِوَار كوْمَةٍ منْ ألعَابِ الصِّبَا

تذكرْ؟

كنتَ مُتَعَجِّلاً وَقتَهَا

قَفزتَ إلى القِطَارِ البِلاسْتِيكِي

ولمْ يزَلْ فِي حِجرِكَ

أفلتَّ المَكابِحَ،

وأطلقْتَ نَفيرَ الشَّقَاوَةِ فِي أّذُنِ الأَرضِ

أرقتَها بأظفَارٍ نَبَشَتْ وَجهَ السَّفرِ

وعَبرَ هَذِهِ اللُّعبَةِ القَديمَةِ يَا هَذَا

بَاغَتتَكَ الأيَّامُ....

وجِئتَ إلىَ هُنَا

ببساطة شديدة ولغة سلسلة يتعامل الشاعر مع الغرابة، يرسم صورته وملامحه في ظلالها بلا تعقيدات ومفارقات شاسعة، فالغرابة تتراءى دائماً كصنو للحلم، صنو للأثر والحكاية، تشد الحواس والخيال إلى أفق أبعد وأعمق، مما يساهم في كسر منطق العلاقات التراتبية للزمن والأشياء، بحثاً عما يثير الدهشة وفي الوقت نفسه يثير الغرابة بشكل جديد... فلا بأس أن يرسم الشاعر باسمها هذه الصورة لنفسه التي تطالعنا في نص بعنوان «أحوال» يبدو فيه الشغف والحنين إلى المكان:

رأيتُني بائعَ عرقسوسٍ

في حيٍّ شعبيّ

كلمّا أملتُ الآنيةَ بعيداً عن الأكوابِ

تهدّلت قصائدُ للمِلاءَاتِ اللَّفِ

ونوافذِ العصرِ

والمشربياتِ

رأيتُني ربَابةً فوقَ كَتِفٍ جَنُوبِيِّ

ويداً تلوِّحُ فوقَ حبائلِ الصوتِ

لجدرانٍ تَحكِي مَا فَاتَ

رأيتُني نشيداً سَاحِلياً

على امتدادِ الشاطِئ

تتخفف الأنا اللاهثة في الديوان بين ضميري المتكلم والمخاطب من شوائب الاستطراد والتبرير وتصبح الغرابة مرآة خاصة للذات

الغرابة لا منطق لها، كل ما تفعله رجرجة الجسد وخطف العين إلى ما وراء المشهد، وما يتناثر في طوايا الداخل والخارج، وفي الوقت نفسه توفر فضاءً حيوياً للذات مفتوحاً على براح التخييل، تتصالح في ظلاله مع نفسها وضعفها وهشاشتها، متجنبة الاصطدام بالواقع والعالم الموحش من حولها. هنا تبزغ نقطة التلاقي العصية بينها وبين الشعر، وعلى نحو مكثف ومقطّر في الجزء الثالث الذي يشكل ختام الديوان بعنوان «زفرات معلّقة»، تتسرب كومضات شاردة في أصابع الزمن، وفي لطشات سريعة خاطفة تومض في شكل رسائل برق لا تتجاوز بضعة أسطر، مشكلة ما يمكن تسميته «خلاصة دفتر أحوال الغرابة»، ومنها: أنتيكة، في البدأ، فانوس سحري، لعبة، وفيها يقول:

الهَوَاءُ يَمُرُّ عَبرَ رِئَتِيْ هَذَا المِيزَانِ القَدِيمِ،

الرُّوُحُ فَوقَ كفَّةٍ والجَسَدُ فِي أُخرَىَ

تتأرجَحَانِ بلا وَازِعٍ من إرادَةٍ

وقَفَ أحدُهم فِي قَارِعَةِ السُّوقِ

يَكشِطُ الصَّدأَ مِنْ رَأسِ الزَّمَنِ ويُنَادِي:

مَنْ يَشتَرِي هَذِه الأنتِيكَةَ المُبهِجَة؟

...

الأعينُ الرَّمَادِيَّةُ

التِي سَالتْ منْ أقلامِنَا بيومٍ غَائِمٍ،

كَانتْ فِي البَدءِ عَصَافِيرَ ارتَعَدَتْ

فوقَ أسْلاكِ الكَهربَاءِ.

...

قلبُ الشعرِ فانوسٌ سحريّ

كُلّما مَسَسْتَ جِدَارَه

بلحظةٍ منتحبةٍ

أيقظتَ عِفرِيِتاً

يروي تبدّلَ الأيَّام

هكذا، تقف الغرابة في هذا الديوان الشيق على حافة الحلم بالشعر، بالحب، بالانعتاق من فوضى العالم والاشياء والذكريات، بحثاً عن معنى حقيقي في مرآة الجمال والحرية.